خليج عمان: هل تصنع التفجيرات الأخيرة قوائم طاولة مفاوضات بين أمريكا وإيران؟
[ad_1]
لم يكن صباحا عاديا في طهران، كان رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، يستعد لأول لقاء لزعيم ياباني مع المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي لنقل رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إليه. وخامنئي بدوره أنهى استعداده للقاء حاسما خياره بإبلاغ الضيف برسالة صريحة وواضحة ليوصلها بدوره إلى ترامب.
وعلى الضفة الأخرى من الخليج كانت ناقلتا النفط، “فرونت ألتاير” التي ترفع علم جزر المارشال، و”كوكوكا كوريجس” التي ترفع علم باناما، تستعدان لمغادرة مينائي الجبيل في السعودية والرويس في الإمارات، الأولى باتجاه سنغافورة والثانية إلى تايوان.
بالنسبة لطاقمي الناقلتين كان يوما عاديا يشبه كل أيام الإبحار على طولها. لم يكن لدى أحد أدنى فكرة عما ينتظرهم في نقطة ميتة من خليج عُمان.
جلس رئيس الحكومة الياباني آبي ينتظر قدوم المرشد الإيراني في ذات الغرفة التي كان خامنئي إستقبل فيها قبل أشهر قليلة الرئيس السوري بشار الأسد وغيره من الشخصيات التي زارت طهران في الفترة الماضية، لكنه بين الجميع سيكون الوحيد الذي يحمل إلى قائد الثورة الإسلامية، كما يوصف في بلاده، رسالة من رئيس الولايات المتحدة الأميركية، كما سيكون ثانيا من أسرة آبي الذي يلتقي خامنئي في وساطة بعدما كان والد شينزو، وزير الخارجية الياباني الأسبق شيناترو آبي قد إلتقاه رئيسا في العام 1983 للتوسط في محاولة إنهاء الحرب الإيرانية العراقية.
حينها كما الآن، كانت اليابان إلى جانب دول أخرى تعتمد بالدرجة الأولى على نفط المنطقة واستقرارها وتريد أن تجد حلاّ للأزمة كي تضمن استقراراً في إمدادات وأسعار النفط لأن لهذا انعكاس على اقتصادها.
كانت ناقلتا النفط تتحركان بهدوء بعد قطعهما مضيق هرمز وفجأة تبدأ نداءات الاستغاثة بالتردد على موجهات موانئ عمان والإمارات وإيران والبحرين، هجوم المتفجرات يحوّل يوم الطاقمين العادي إلى يوم لن ينسوه أبدا.
كان المرشد خامنئي يتحدث مع آبي، ولأول مرة خلال لقاء له مع زعيم أجنبي توثق الكاميرا محادثاته وجوابه إلى ترامب عبر آبي والتي حملت رفضا لتبادل الرسائل ورفضا لإعطاء إجابة.
ولعل واقعية آبي ودقته دفعتاه إلى تدوين ما كان المترجم ينقله إليه عن لسان خامنئي والذي حوّل بقية رحلة أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى إيران بعد 1979 إلى جولة سياحية أخذته إلى المتحف في شارع 30 تير.
رسالة إلى إيران
في الولايات المتحدة كانت الساعة مبكرة جدا للتفاعل مع الخبر، لكن القيادة الوسطى التي تتخذ من منطقة الشرق الأوسط مقرا لها كانت هي التي تعاملت منذ البداية مع نداءات الاستغاثة وحاولت تقديم المساعدة للأطقم المصابة.
خلال الساعات اللاحقة، خرج وزير الخارجية الأمريكي بومبيو متهما إيران بالمسؤولية عن الحادث، ثم غرّد الرئيس الأمريكي مكررا موقف وزير خارجيته، ولاحقا أصدرت القيادة الوسطى بيانا إتهمت فيه إيران ولكنه أشارت إلى أنها لا تريد التورط في حرب في المنطقة وأنها ستدافع عن مصالحها لكن لا تريد الدخول في حرب مع إيران لأن هذا ليس في صالح الولايات المتحدة والعالم.
بدا وكأن أمريكا توجه رسالة إلى إيران بأنها لا تريد للأزمة أن تتفاقم، لكن دقائق لم تمر على هذا البيان حتى نشر الجيش الأمريكي صورا قال إنها لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وهم يزيلون عبوات ناسفة كانت على هيكل السفينة وهو ما يجعل إيران متهمة بالوقوف خلف الحادثة.
والآن، بعد الاتهام الأمريكي المباشر والمتوقع أصبح السؤال المطروح ماذا بعد؟
نفت إيران رسميا أي تورط لها في الحادثة، وهذا ما كتبه وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي وجه السهام باتجاه فريق “بي”، وهو يقصد به ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، محمد بن زايد، مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون ورئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتنياهو. ظريف إعتبر أن هذا الفريق يقوم بعملية إستهداف ممنهج للمساعي الدبلوماسية في الوقت الذي يبرر فيه ما وصفه بالإرهاب الاقتصادي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية بحق إيران.
بيد أن نفي طهران لا يمنع تحولها إلى مشتبه أول في القضية مع لحاظ التهديدات الإيرانية السابقة بعرقلة تصدير أي نفط من المنطقة في حال عدم تصدير إيران لنفطها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن المنطقة، وتحديدا مياه الخليج أضحت خاصرة رخوة وصندوق بريد لعملية التفاوض بالنار.
أسس تفاوض مختلفة
لإيران عناصر روايتها التي تنفي الوقوف خلف الحادثة، ولأمريكا أسبابها أيضا لتوجيه الإتهام، ومن دون دليل ملموس لا يمكن لأحد حسم الحقيقة بشكل رسمي، بالتالي ستبقى حادثة خليج عمان وسابقتها في بحر العرب تحت تصنيف الهجمات اللقيطة، لكن ماذا بعد؟
لا يمنع التسليم بالاتهام الأمريكي لإيران بالمسؤولية، أو القبول بالنفي الإيراني حقيقة أن ممر الطاقة الأهم بات يفتقد للأمن، وأن دول العالم التي تعتمد على هذه المنطقة للتزود بالطاقة ستبدأ بعملية قراءة دقيقة للمرحلة المقبلة، فهي مهددة إما بفقدان خط حياة حيوي في أسوأ الحالات، وفِي أفضلها بتذبذب حركة الإمدادات وارتفاع الأسعار بناء على ارتفاع مبالغ التأمين على السفن والانعكاس الذي سيكون للوضع المتأزم على أسعار النفط.
وربما تكون الدول الرئيسية المستوردة للطاقة تلقت رسالة التفجيرات بجدية أكبر من الولايات المتحدة التي كرر رئيسها الخميس أنها أصبحت المورد الأول للطاقة عالميا بفارق شاسع عن السعودية. وسيكون على هذه الدول إما الاستسلام للسيناريوهات القادمة من دون جهد حقيقي لحل للأزمة، أو السعي بشكل جدي للبحث عن صناعة قوائم أربعة ثابتة لطاولة تفاوض تناسب الشروط الأمريكية والإيرانية في آن، وهذا فعل وإن كان ليس بالمستحيل لكن صعوبته تقارب الاستحالة في حال غياب الإرادة الحقيقية في طهران وواشنطن.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رفض المرشد الإيراني خامنئي القاطع لتبادل الرسائل مع ترامب ليس مجرد مناورة هدفها رفع سقف المطالب الإيرانية، بل هو رفض للمنطلقات الأمريكية في أصل فكرة التفاوض، ما تريده إيران حقيقة هو أن تغيّر أمريكا منطلقاتها في طرح الحوار وبالتالي بناء طاولة مفاوضات على أسس مختلفة، و من هناك يمكن أن يبدأ الكلام.
أمريكيا، سيعني الرفض الإيراني، في ظل ما يمكن وصفه بعقيدة ترامب، مزيدا من الضغط بالسلاح الأكثر وقعا، ألا وهو العقوبات، إلى جانب اجراءات جديدة لتضييق الخناق على طهران، وبالتالي إيلام إيران بشكل أكبر بل وربما محاولة اللعب على مكامن الضعف الداخلية، أكانت في الأطراف أو حتى في العمق لخلق حالة ضغط لا على مستوى القواعد والنخب حسب، بل حتى داخل النخبة الحاكمة بالتوازي مع إجراءات لاستهداف من تصفهم واشنطن بأذرع طهران في الإقليم لتكبيلهم من الداخل وتحويلهم إلى عبء على محيطهم الحيوي.
والنتيجة: مزيد من التوتر وفرضيات أوسع لصدامات قد تكون غير متوقعة ورفع لأسقف الرسائل دون استبعاد إمكانيات دخول أطراف أخرى على الخط، وهنا الأخطر إذ أن أوراق وأدوات الضبط والتصعيد لن تكون عندها محصورة بيد الطرفين الأساسيين في الصراع.
[ad_2]
Source link