أخبار عربية

الاجتماع السري الذي أسهم في نجاح عملية إنزال نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية


الاجتماع السري الذي أسهم في نجاح عملية إنزال نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية

مصدر الصورة
Mike MacEacheran

عندما ينظر البعض إلى تلال غالواي جنوب غربي اسكتلندا، فإنهم يرون جبالا خضراء تكسوها الأشجار وأراض برية وبحيرات ساكنة، وطبيعة بكرا، لكن موريس سيرفيس، الطيار ومهندس المتفجرات السابق بسلاح الجو الملكي البريطاني الذي تجاوز الثمانين، يرى بين ثناياها قصصا تاريخية.

وكان سيرفيس منذ الصغر مهووسا بحكايات قاذفات القنابل وطائرات سبيتفاير التي كان يسمعها من والده بينما كانا يتسلقان تل كريفل المرتفع باسكتلندا. وكانا يصادفان معا حطام الطائرات الحربية، من طراز ليبراتور ودي هافيلاند موسكيتو وأفرو أنسون ذات المحركين، التي تحطم أغلبها بسبب حوادث بعد الإقلاع مباشرة من قواعد سلاح الجو الملكي القريبة.

ومنذ ذلك الحين، اشتدت رغبة سيرفيس في كشف أسرار الحرب العالمية الثانية، ولا يزال يفحص جميع سجلات القواعد الجوية التي تسرد تفاصيل تنقلات عناصر الجيش في مسقط رأسه، مقاطعة دمفريز آند غالواي، ويعرف أدق تفاصيل أكثر من 400 حادثة طائرة.

مصدر الصورة
Sheila Halsall/Alamy

Image caption

قامت مقاطعة دمفريز آند غالواي بدور مهم في الحرب العالمية الثانية

لكن أكثر ما يشغله الآن هو الكشف عن تفاصيل لقاء أحيط بستار كثيف من السرية والكتمان، جمع بين اثنين من أبرز الشخصيات وأكثرها تأثيرا في القرن الماضي، في فندق “نوكينام” الذي يقع في ركن قصي من شبه جزيرة “رينز أوف غالواي”. ويشاع بين أهل المقاطعة أن هذا الاجتماع حدث دونما شك.

إذ كان هذا الاجتماع بين ونستون تشرشل، ودوايت ديفيد أيزنهاور. ويقال إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ورئيس الولايات المتحدة والقائد الأعلى لقوات الحلفاء الأسبق التقيا في الحجرة الأمامية للفندق للتخطيط لعملية الإنزال التي شنها الحلفاء على سواحل نورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما كانا يحتسيان الشاي، وتحولت بعدها عملية الإنزال إلى واقع.

وقد لعب هذا الاجتماع دورا مفصليا في تحديد مسار أشد الحروب ضراوة على مر التاريخ. وحققت عملية إنزال نورماندي نجاحا كبيرا إلى حد أنها استنزفت موارد الألمان وأسفرت عن تحرير أوروبا الغربية.

مصدر الصورة
Mike MacEacheran

Image caption

فندق نوكينام الذي يقال إنه كان مقر اللقاء السري الذي جمع بين ونستون تشرشل ودوايت أيزنهاور

والتقيت سيرفيس ظهرا في أحد المراكز التجارية ليحدثني عن تفاصيل هذا اليوم الذي غير العالم. وبينما كان الناس في الخارج يتحدثون عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سافرت عبر الزمن مع المؤرخ العسكري إلى أحد أيام شهر مايو/أيار عام 1944.

ويقول سيرفيس: “قرأت جميع كتب التاريخ التي كشفت عن القصص السرية التي وقعت أحداثها في دمفريز آند غالواي أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يرد في أي منها ذكر هذا اللقاء بين تشرشل وأيزنهاور، وهذا ما يحيرني”.

وقرأ سيرفيس هذا العام 16 كتابا بحثا عن أدلة تثبت انعقاد هذا الاجتماع، وتلقى مؤخرا نسخة من سجل رحلات القطار السري الذي استخدمه أيزنهاور عندما جاب سرا المملكة المتحدة طولا وعرضا.

ويقول سيرفيس: “هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن هذا المكان كان مقرا للقاء السري. إذ هبطت الطائرة المائية التي كانت تقل تشرشل في فناء الفندق، وأمضى هنا ليلتين، وتوجه أيزنهاور إلى تيرنبري جنوب غربي اسكتلندا. بالطبع لم يكن كل ذلك من قبيل المصادفة”.

مصدر الصورة
Classic Image/Alamy

Image caption

يشاع أن تشرشل وأيزنهاور ناقشا تفاصيل عملية الإنزال التي شنها الحلفاء على سواحل نورماندي بينما كانا يحتسيان الشاي في فندق نوكينام

ولا يزال الناس يتوافدون على مواقع الحروب في أوروبا، ويزورون ميادين المعارك في بلجيكا وهولندا وبولندا ولندن وشواطيء نورماندي التي شنت عليها قوات التحالف عملية الإنزال الناجحة في السادس من يونيو/حزيران عام 1944. لكن فندق نوكينام يزوره الباحثون الأكاديميون فقط بسبب هذه الشائعة.

وأشار سيرفيس إلى أدلة أخرى تؤكد انعقاد اللقاء في هذا الفندق، منها أن قاعدة سلاح الجو الملكي الغربية، التي كانت تستخدم كقاعدة لوحدة التدريب على القصف الجوي، تقع على بُعد أميال من الفندق. وفي بلدة كيرنريان المجاورة، يوجد مرفأ عسكري سري شُيد لأغراض الطواريء.

وأثبتت السجلات أن أيزنهاور سافر إلى غلاسكو في يناير/كانون الثاني عام 1944 لغرض غير معلوم، وعاد إلى أبردينشاير في أبريل/نيسان لرفع الحالة المعنوية للجنود والاستمتاع بإجازة صيد. وكان تشرشل صديقا لعائلة أور-وينغ التي كانت تملك المنزل قبل تحويله لفندق، وربطت بين العائلتين علاقات مصاهرة. وكان هذا الفندق هو مكانه المفضل بسبب عزلته، ويقال إنه كان يتدرب في حوض الاستحمام على الخطب قبل إلقائها في مجلس العموم البريطاني.

وثمة سبب آخر يدعو قادة الحرب للاجتماع في فندق نوكينام، وهو قربه من الشاطيء الذي أخفى يوما ما أحد أسرار عملية إنزال نورماندي الكبرى. فعلى سواحل بلدة غارليستون، أقيمت موانئ عائمة مؤقتة وأجريت عليها تجارب مسبقة قبل استخدامها في المعركة لتسهيل نقل الجيوش والمركبات والعتاد إلى فرنسا لتنفيذ عملية إنزال نورماندي.

ويقول سيرفيس: “لا شك أن موقع الفندق مثالي، خاصة لقربه من بلدة غارليستون، وذكر تشرشل أنه تفقد الميناء الاصطناعي المتنقل أثناء بنائه”.

والتقى تشرشل وأيزنهاور أيضا بعد مؤتمر “راتل” الحربي السري، الذي عُقد قبل عام من عملية إنزال نورماندي في بلدة لارغس الساحلية، التي تبعد ساعتين بالسيارة عن الفندق. وقرر اللورد لويس ماونتباتن، قائد العمليات المشتركة، أن تنفذ طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني سلسلة غارات القصف الجوي في الشمال لصرف الأنظار عن لندن، وتشير السجلات التاريخية إلى أن تشرشل وأيزنهاور كانا يتابعانها عن كثب.

لكن المشكلة أن ثمة فندقا اسكتلنديا آخر يدعي أنه احتضن هذا اللقاء التاريخي السري بين الزعيمين. فمن المعروف أن تشرشل نزل في قلعة غليناب في بلدة بلانتراي المجاورة في عام 1944، ويزعم أصحاب الفندق أن مباحثات عملية الإنزال أجريت في أروقته.

مصدر الصورة
Chronicle/Alamy

Image caption

لعب اللقاء المزعوم وعملية إنزال نورماندي الناجحة دورا مفصليا في تشكيل مسار الحرب الأكثر ضراوة في التاريخ

ووقفت أمام أبواب فندق نوكينام، الذي بدا كالقصور التاريخية الغوطية النائية التي تظهر في أفلام الرعب. ويوجد أمام الفندق طريق طويل وضيق يؤدي إلى شاطئ حصوي وخليج منعزل محاط بمبنى حجري من أواخر القرن التاسع عشر.

وتحمل لافتة زرقاء بمحاذاة الباب اسم رائد بحري سابق وبطل حرب تعلم في هذا الفندق الصيد والرماية. وعندما أمعنت النظر لاحظت وجود مجموعة من الأطر الصخرية التي كانت تستخدم لتعليق شباك التموية لإخفاء الفندق من السفن والغواصات في البحر. إذ كانت الغواصات يوما ما تمشّط هذا الخليج الهادئ.

وبمجرد ما تدخل إلى الفندق الذي يضم 10 أسرّة، تختفي آثار الحرب العالمية الثانية وسط الأثاث المصنوع من خشب الصنوبر اللامع واللمسات العصرية وعبق التاريخ. وجُهز جناج تشرشل، الذي نزل فيه رئيس الوزراء السابق، بأثاث يناسب منتصف القرن العشرين.

ويقول ديفيد إيبوتسون، الذي يدير الفندق منذ 16 عاما: “لا يتذكر هذا اللقاء الآن إلا القليلون. إذ أخبرني ابن المالك السابق للفندق أن تشرشل وأيزنهاور نزلا في الفندق دونما شك، لكنه الآن شارف على التسعين وأصبحت ذاكرته تخذله. وكان والده عضوا في مجلس اللوردات وقد يكون دعا تشرشل للمبيت هنا”.

غير أن هذا القاء التاريخي الذي لا يمكن التأكد من مدى صحته، قد يكون مجرد دور من الأدوار البطولية التي لعبها الفندق أثناء الحرب. وقبل تحويله إلى فندق في عام 1973، كان هذا المنزل الخاص يستخدم كمستشفى عسكري لإعادة تأهيل الجرحى.

قد لا يرغب البعض في استحضار هذه الذكريات المؤلمة، لكن سكان مقاطعة دمفريز آند غالواي فخورون بالدور الذي لعبته مقاطعتهم في الحرب العالمية الثانية، وسيظلوا يتحدثون عن هذا الملاذ الآمن لتشرشل وأيزنهاور في كل عام مع حلول ذكرى عملية إنزال نورماندي. إذ ترسخت شائعة الاجتماع السري في وجدانهم، رغم أنهم غير متأكدين إن كان الاجتماع حدث بالفعل أم مجرد شائعة.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى