القطة التي أنقذت خطا للسكك الحديدية في اليابان
[ad_1]
في صباح يوم مشرق من أيام شهر مايو/أيار، وفي محطة إيداكيسو للسكك الحديدية في اليابان، انهمكت مجموعة من السائحين في التقاط صور لقطة صغيرة استلقت لتنعم بأشعة الشمس، قبل أن يُدغدغ طفل صغير بطنها في سعادة. وبينما طفقت القطة – ذات الألوان البيضاء والسوداء – تموء بين يديْ أحد الزوار، وقف أحد عمال المحطة وعلى وجهه ابتسامة عريضة، دون أن يتدخل في المشهد إلا لإعادة وضع قبعة مدير المحطة في مكانها على رأس هذه الهرة، كلما كادت أن تنزلق من موضعها.
وبينما كانت القطة تحاول بمرح لطم “آي فون” خاص بأحد السائحين بإحدى قوائمها؛ قال لنا الرجل: “وجودها في أنحاء المحطة يجعل الكل سعداء. أنسى في بعض الأحيان أنها رئيستي”.
لقاؤنا في هذه السطور مع “يونتاما”، أحدث هرة تتولى منصب ناظر محطة للقطارات في اليابان، في إطار سلسلة من “المديرات القطط”، التي ساعدت على إنقاذ خط “كيسيغاوا” للسكك الحديدية من الإغلاق، ذلك الخط الذي يمر في محافظة واكاياما التي تُعرف بتلالها المزدانة بالمعابد وبمسارات الحج المقدس التي توجد فيها.
بدأت هذه القصة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بقطة أخرى حملت اسم “تاما”، كانت تعيش قرب محطة كيسي؛ المحطة النهائية لخط السكك الحديدية المؤلف من 14 محطة، والذي يمتد على طول 14.3 كيلومتراً، ويربط تجمعات سكانية صغيرة بمدينة واكاياما، وهي المدينة الرئيسية في هذه المحافظة. وفي تلك الآونة، كانت تلك القطة تتسكع غالبا بجوار مسار القطار، ما أكسبها محبة الركاب وتعلقهم بها.
وبمرور السنوات، اكتسبت “تاما” شعبية بين مستخدمي هذا الخط بفضل طبيعتها اللطيفة وملامحها التي تجعلها شديدة الجاذبية في الصور. وشرع المعجبون بها إلى تلقيبها بـ “ناظر محطة” كيسي. لكن بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحالي، هدد مزيج من الأمور المرتبطة بانخفاض عدد الركاب من جهة والمشكلات المالية من جهة أخرى، بإلغاء خط السكك الحديدية الريفي هذا، وأصبحت محطاته الـ 14 في عام 2006 بدون موظفين.
لكن لحسن الحظ، لم تنته عندئذ حكاية هذا الخط أو قصة دور الهرة المحبوبة فيها. ويقول مسؤولو الشركة المالكة لشبكة واكاياما للقطارات الكهربائية إن السكان طلبوا في عام 2006 من المسؤول الحالي عن الشبكة، إحياء خط “كيسيغاوا” الذي كان المالكون السابقون للشركة قالوا إنه في سبيله للإلغاء.
وأشار مسؤولو الشركة إلى أن ذلك الطلب تزامن مع اتخاذ صاحب متجر يقع بالقرب من محطة كيسي – ويتولى في الوقت نفسه رعاية “تاما” – قرارا بالرحيل من المدينة. وقبل أن يغادرها طلب من مسؤولي السكك الحديدية الاعتناء بالقطة.
ورغم أن مدير شبكة “واكاياما” كان من المغرمين بالكلاب، فقد وقع في حب “تاما” بمجرد أن رآها، حسبما قال لنا مسؤولو شبكته، الذين أطلعونا على صور له وهو يحتضن بسعادة “الهرة ناظرة المحطة”.
ولم يمر وقت طويل، حتى أمر هذا الرجل بحياكة إحدى القبعات المخصصة لنظار المحطات، على نحو خاص لتلائم رأس “تاما”، التي أعلنها رسميا في عام 2007، ناظرة لمحطة كيسي، لتصبح أول قطة تشغل هذا المنصب في اليابان.
وكان من بين واجباتها كناظرة للمحطة، أن تصبح واجهة لشبكة السكك الحديدية كلها، وأن تظهر في المواد الدعائية الخاصة بها، والتغطيات الإعلامية التي تتناولها.
كما كانت تلك الهرة تلعب دورا فعالا في إدارة شؤون المحطة، فقد كانت تُحيي المسافرين أحيانا من فوق طاولة نُصبت لها بجانب بوابات التذاكر، ومن وراء النافذة الزجاجية لـ “مكتبها”، وهو عبارة عن كشك تذاكر تم تصميمه خصيصا لها، وجُهِزَ بفراش صغير ووعاء للفضلات.
وفي تلك الفترة، حظيت “تاما” بحب وإعجاب الركاب وموظفي المحطة على حد سواء، إلى درجة إصدار أمر برسم لوحة لها من نوع “البورتريه”، وهي اللوحة الموجودة الآن في متجر المقتنيات التذكارية بمحطة كيسي، الذي يضم الكثير من المنتجات المرتبطة بها.
وبدلا من الراتب، حصلت الهرة على كل الطعام الذي تحتاجه. وفي عام 2008 رُقيت لتصبح “ناظرة محطة من الدرجة الممتازة” بل وحصلت على لقب “فارس” من جانب محافظ المنطقة.
ولم يعد غريبا أن يبدأ الآلاف من السائحين آنذاك في التدفق على المحطة الصغيرة، التي لا يوجد فيها سوى رصيف واحد، لرؤية هذه الهرة.
المفاجأة أن دراسة أُجريت عام 2008، كشفت عن أن وجود “تاما” في المحطة زاد عدد ركاب خط “كيسيغاوا” خلال 2007 بواقع نحو 55 ألف راكب إضافي عما كان يُتوقع في الأصل.
وخلال السنوات الثماني التي تولت فيها منصبها ناظرةً لمحطة “كيسي” بين عامي 2007 و2015، أسهمت الهرة في ضخ نحو 1.1 مليار ين (قرابة 9.97 مليون دولار) في شرايين الاقتصاد المحلي. وقالت الشركة المالكة لخط “كيسيغاوا” إن العدد السنوي لركاب هذا الخط زاد اعتباراً من عام 2006، بنحو 300 ألف راكب، بمساعدة هذه القطة.
وللاستفادة من الولع الذي اجتاح المنطقة بـ “تاما”، تعاقدت شبكة “واكاياما” في عام 2010 مع المصمم الياباني المرموق إيزي ميتوكا، الذي يُعرف بتصميماته الأنيقة للقطارات المعروفة باسم “الرصاصة” في اليابان، لكي يعيد تصميم بعض القطارات التابعة للشبكة من الداخل والخارج، بعدما تقرر تسمية خط كامل للسكك الحديدية على اسم الهرة، ليُولد خط “تامادين”.
وتضمنت هذه التصميمات رسوما على العربات من الخارج لـ “تاما” وشواربها وآثار أقدامها ومخالبها. وبداخل القطارات، وُضِعَت أرضيات خشبية عتيقة الطراز، ورفوف لكتب أطفال. وكلمسة ختامية لهذه التصميمات المتفردة، يسمع الركاب مع فتح أبواب القطار في كل محطة صوت مواء، مأخوذ من تسجيلات صوتية لمواء “تاما”.
وعندما فارقت تلك القطة الحياة في عام 2015، كانت تبلغ من العمر 16 عاما، ظهرت خلالها في برامج تليفزيونية ومجلات وصحف مرموقة في مختلف أنحاء اليابان. وحضر الآلاف الجنازة التي أُقيمت في المحطة، وتركوا وراءهم خارج أبوابها تلالا من باقات الزهور وعلب التونة.
وأُقيم لـ “تاما” التي بات يُطلق عليها منذ ذلك الحين لقب “الناظرة الشرفية للمحطة إلى الأبد”، مزار بحجم صندوق الهاتف على رصيف المحطة. فضلاً عن ذلك، رُفِعَت إلى مرتبة “رب” بشبكة واكاياما للقطارات، وذلك وفقا لتقاليد ديانة الشنتو السائدة في اليابان.
وفي عام 2017، وتحديدا في اليوم الذي كان سيصبح عيد ميلادها الثامن عشر، كرّم موقع “غوغل” القطة “تاما” بوضع رسم تذكاري لها على الصفحة الخاصة بمحرك البحث التابع له. الأكثر من ذلك، أن حساب تويتر الخاص بها ما يزال يجتذب، بعد أربع سنوات من مفارقتها الحياة، أكثر من 80 ألف متابع، والعدد في ازدياد.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح خط “تامادين” ذا شعبية كبيرة بين الناس من مختلف الأعمار، حسبما يؤكد مسؤولو الشركة المالكة لشبكة “واكاياما”. ويضيف هؤلاء أنهم بينما يرون “الكثير من الأطفال والعائلات، والمسنين ممن يجلبون أحفادهم معهم” وهم يستخدمون هذا الخط، فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يشمل كذلك أشخاصا متحابين، والكثير من الأجانب ممن يأتون لركوب القطارات، ورؤية “ناظرات” المحطات من القطط.
ففي الوقت الحاضر، تشغل قطة أخرى – دُرِبَت على يد “تاما” على ما يبدو – منصب ناظرة محطة كيسي. وتحمل هذه الهرة البالغة من العمر ثماني سنوات اسم “نيتاما” (أو تاما الثانية). أما “يونتاما” (تاما الرابعة) فتعمل مساعدة لها في محطة إيداكيسو، على بعد خمس محطات. وتعمل القطتان من الساعة العاشرة صباحا وحتى الرابعة عصرا خمسة أيام في الأسبوع. أما “تاما الثالثة” فهي موظفة في شركة لخطوط الترام، و”تعمل” مديرا بالنيابة لأحد المتاحف.
ورغم أن “تاما” والقطط الأخرى التي شغلت مواقع قيادية في شبكة السكك الحديدية في واكاياما، قد لعبت جميعا دورا رئيسيا في إحياء خط “كيسيغاوا”؛ فإن مسؤولي الشركة المالكة للخط يحرصون على تأكيد أن هذا الإنجاز لا يُعزى فقط للهررة. ويشير هؤلاء إلى أن الشركة تعاقدت مع المصمم ميتوكا لتصميم وابتكار الكثير من القطارات الأخرى، التي يُعبر كل منها عن موضوع ما بعينه، وذلك للمساعدة على اجتذاب السائحين. ومن بين هذه القطارات؛ واحد مخصص لـ “الفراولة” وآخر مُكرس لـ “البرقوق”، وهما نوعان من الفواكه تشتهر بهما محافظة واكاياما.
وفي عام 2009، صمم ميتوكا كذلك مبنى جديدا لمحطة كيسي على شكل رأس قطة، تنبثق من سطحه أذنان صغيرتان. وبينما صُمم المدخل على شكل فم، توجد في السقف المائل للمبنى نافذتان بيضاويتا الشكل تمثلان العينين. وتتوهج النافذتان بلون أصفر، عندما تُضاء الأنوار خلال فترة المساء.
وبرأي مسؤولي الشركة “تنبض المحطة بالحياة كقطة، عندما يلتمع الضوء في العينين. يقولون إن القطط تطرد الشر والنحس وسوء الطالع، وربما تفعل هذه المحطة ذلك بالفعل”.
وربما لأسباب مثل هذه، اعْتُبِرَت القطط على مر التاريخ حيوانات ذات قدرات روحية ومكانة دينية وكذلك رمزا لحسن الطالع في اليابان.
فعلى سبيل المثال، يُقال إن التماثيل الصغيرة التي تخص قطة شهيرة تحمل اسم “مانيكي نيكو” – وتظهر مخالب قائمتها الأمامية اليسرى مرفوعة إلى أعلى – تجلب الحظ السعيد للشركات التجارية، وهو ما دفع أصحاب هذه المؤسسات لوضع تماثيل تلك القطة في واجهات متاجرهم أينما كانت.
فضلا عن ذلك، هناك تماثيل ومزارات مُكرسة للقطط في مختلف أرجاء اليابان، مثل ضريح “الربة القطة” في مدينة كاغوشيما. كما أن 10 مما يُعرف باسم “جزر القطط” – وهي بقاع تجولت فيها المئات من القطط بحرية – تشكل مقاصد سياحية ذات شعبية كبيرة في اليابان. ولا يُقارن كل ذلك بطبيعة الحال بـ “هالو كيتي”، إحدى أكثر شخصيات الرسوم المتحركة شعبية وجماهيرية في اليابان.
وهكذا ففي أمة تبدو مغرمة على نحو خاص بالقطط، لم تجلب “تاما” ورفيقاتها من القطط الكثير من الحظ الحسن لخط “كيسيغاوا” فحسب، بل إنها حفرت لنفسها مكانا في قلوب الكثير من اليابانيين.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link