أخبار عاجلة

أجنـدة حبكة جيدة رغم قلة عدد | جريدة الأنباء


محمد بسام الحسيني

رغم قلة عدد الشخصيات والخطوط، وهو ما ينعكس على وتيرة أحداث وإيقاع مسلسل «أجندة»، فإنه يُصنف من الأعمال الجيدة هذا الموسم نصا وصورة وتمثيلا مع إشادة خاصة بالمونتاج، وهو مبني على قصة تجمع شخصيات واقعية تواجه ضغوط الحياة ومصائبها وبعضها لا حل أمامها إلا العلاج النفسي الذي ينبهنا المسلسل، مثل أعمال أخرى هادفة، لأهميته.

تجتمع في العمل عدة عناصر أساسية في الحبكة الدرامية: الاكتشاف والهدف والقرار والمصير. ونجدها في الخطوط الرئيسية الأربعة تسير معا:

أولا (الاكتشاف): ضياع يوسف ابن آسيا (هيا عبدالسلام) وكنان (محمد الدوسري) ذي الست سنوات بعدما فُقد أثره عند باب مدرسته تاركا والديه في حالة انهيار وحزن لا يحتمل وننتظر أن نكتشف مصيره.

ثانيا (الهدف): قصة هاجر (ليلى عبدالله) المرأة الثلاثينية التي أجبرها أخوها غازي (عبدالله الطليحي) على الزواج بالشاب شهاب (أحمد العوضي) الذي همه اللهو والعلاقات بهدف المال فتنجب طفلة (ليال) وبعد معاناة تطلب الطلاق، علما بأنها كانت مرتبطة أيضا بصالح (محمد العلوي) الذي يموت في بداية العمل خلال انهيار برجي التجارة في أحداث 11 سبتمبر 2001. بعد الطلاق تقرر هاجر التمرد على أخيها وعدم الانصياع له بعدما شعرت بأنانيته وكيف أنه يخرب حياتها تحت أنظار أمهما (اسمهان توفيق) المتفهمة ولكن الضعيفة، فتقرر الاستقلالية والانتقال للعيش في شقة مع ابنتها وتجد عملا في شركة متسلحة بطموحها الكبير رغم أنها لم تكمل تعليمها وتوقفت عند حدود الشهادة المتوسطة، وهو هدف ننتظر إن كان سيتحقق في ظل الصعوبات والصراع الذي تعيشه هاجر منذ دخولها إلى أجواء العمل الجديد، حيث صُدمت بزميلتها أمنية (نوف السلطان) التي تسرق فكرتها بمنتهى الوقاحة والفجاجة وتستغل اسمها.

ثالثا (القرار): معاناة فاطمة (ريم أرحمة) من عنف وجشع زوجها الذي يبرحها ضربا ويأخذ راتبها كأنه يستعبدها. ورغم ذلك تبرر قبولها لتصرفاته بالحب! فهل ستستمر على هذا الحال أم أنها ستتغير؟ الإجابة عن هذا السؤال تجعلنا ننتظر قرارها في نهاية المسلسل.

رابعا (المصير): نأتي إلى شخصية مالك (فؤاد علي) الشاب العنيف الذي يسبب المشاكل لوالديه ويدخل السجن في جريمة لم يرتكبها بسبب نقص في الأدلة، ويرفض والده دفع كفالة خروجه ثم يوافق على مضض لينتقل مالك للعيش في منزل رجل مثقف جبلته ظروف ماضيه وأكسبته الحكمة فيستقبل حالات شبابية مماثلة ويساعدها بالإصلاح والتثقيف والتوجيه.

هذا الرجل هو عمر (سليمان الياسين) الذي يبدأ بذكاء في احتواء مالك واستنهاض طاقاته وزرع الثقة بنفسه، وبمرور الوقت وتبادل الثقة والاحترام والتعاطف يكتشف عمر أن مالك يعاني من وضع غير طبيعي وبمساعدة طبيب نفسي يحدد حالته من خلال العوارض على انها اضطراب ثنائي القطب ليبدأ تحدي اقناعه بالالتزام بالعلاج. وهذا ما يجعلنا ننتظر مصيره في نهاية العمل.

عمر شخصية «حاملة للأفكار» تعبر من خلالها المؤلفة مريم نصير عن ثقافتها التي تظهر في تفاصيل عديدة منها الأقوال المأثورة التي تبدأ بها كل حلقة من الحلقات والتي وردت على لسان كبار الفلاسفة والملهمين عبر التاريخ، والحوارات العميقة، مع الملاحظة بأن بعض الحوارات يتسم بالمبالغة وعدم التناسب مع الشخصية لاسيما حوارات الطفلة ليال التي تتجاوز عمرها، وهناك تكرار في حوارات كنان وآسيا بعد فقدان يوسف، وعدم تبيان كافٍ للقطبية في شخصية مالك الذي ظهر في الغالب غاضبا ومكتئبا، رغم ان المريض ثنائي القطب عادة يعيش حالات فرح عارمة أيضا، وشاهدنا مالك يطرب ويهدأ ولكن لم نجده في حالة القطبية القصوى للابتهاج.

الإخراج

تتصدى لإخراج المسلسل بطلته هيا عبدالسلام ويتكون انطباع سريع لدى المشاهد بوجود أسلوب مختلف يميز إخراج «أجندة» ويعطيه جوا خاصا.

تغامر المخرجة بمزج العديد من أساليب التقطيع واختيار الزوايا غير التقليدية والمستكملة بمونتاج إبداعي مستفيدة من ثقافة واضحة لا يملكها إلا متابع حثيث للتجديد المستمر في عالم التصوير، والمحصلة صورة جميلة وتوظيف لأفكار جديدة في توليف اللقطات والمشاهد. الصراع النفسي تواكبه إشارات غير نمطية بلغة اللقطات تعبّر عن حالة التشويش والقلق والضياع مع استخدام للرمزية، كما في مشهد الغوص المتكرر في حوض القرش تزامنا مع الهلع من النهاية التي ربما قد حلّت بالطفل يوسف.

مشهد القطع الانتقالي المفاجئ نحو حقيبة يوسف ثم القطع القريب البطيء على وجهي آسيا وكنان مثال على التفكير بالصورة والمزج بين تقنيات اللقطة ونموذج على جهد من هذا النوع نراه في غير مكان بمرور أحداث العمل.

هذه الومضات الإخراجية واللعب على الإضاءة في تكوين صورة مثيرة لعين المشاهد مع استخدام الجرافيك والرمزية هو أمر مطلوب جدا ويجعل هيا عبدالسلام تنضم إلى نخبة المخرجين الحاليين الذين يعملون بجهد واضح وملموس على تطوير الدراما الخليجية من أمثال محمد دحام الشمري ومنير الزعبي وعلي العلي والذين يقدمون أعمالا مميزة إخراجيا هذا الموسم الذي يشهد منافسة على أعلى مستوى.

التمثيل

تمثيليا، أظهرت الحلقات الاثنتا عشرة الأولى رغم الملاحظات على كتابة شخصية مالك أداء مقنعا ومؤثرا لفؤاد علي الذي يؤدي أفضل أدواره، واستطاع أن ينقل حالة الانتكاسة والتقلبات المزاجية من خلال ردات فعله العنيفة وسرعة اشتعال غضبه ثم حزنه واكتئابه مع اهتمام غير مسبوق لديه بتعابير وجهه فشد الانتباه وأثار التعاطف. ويتألق فؤاد في التفاعل الإنساني التلقائي والصادق مع عمر بعد الانتقال للعيش في منزله، ويجسد بطريقة مؤثرة إحساسه بالعاطفة الأبوية والمسؤولية تجاه الأب كأنه يواجه هذا الشعور لأول مرة في حياته.

بالنسبة لبطلة العمل هيا عبدالسلام، فمن إيجابيات دورها اختيار شخصية جديدة تتحرر فيها من صورة ابنة العائلة الغنية، فنراها كدكتورة أسنان ناجحة وتتزوج بعد قصة حب رومانسية من أحد مرتادي عيادتها وتنجب وتؤسس عائلة صغيرة قبل أن تنتقل إلى حالة الهستيريا والبكاء بعد اختفاء ابنها. حالة الحزن الشديد منطقية وفي صميم الحدث، لكن كثافة المشاهد البكائية المتكررة وفترات الصمت والموسيقى الطويلة جنحت بالعمل بعد الحلقة الخامسة نحو الملل في ظل إعادة الانفعالات دون ابتكار في المواقف التراجيدية وتلوين الحوارات التي كان ينبغي الاهتمام بها بشكل أكبر في هذه الحالة.

ليلى عبدالله ممتازة مع فهم كامل لأبعاد الدور ومقتضياته وتجيد دور الأمومة وهي بأدائها هذا في أجندة احدى نجمات الموسم.

عبدالله الطليحي يؤدي دوره بشكل أقرب إلى الآلي منه إلى الإنساني بخلاف بقية زملائه في العمل، وبنمطية لم تأت بجديد يضاف إلى شخصية الرجل الاتكالي والعنيف والاستغلالي رغم أنها شخصية عالمها واسع ويمكن الإبداع في أدائها.

ريم أرحمة تؤدي دور المرأة المُعَنَّفة بإحساس وتحاول كسر نمطية الدور بتوظيف خبرتها التمثيلية متفوقة بوضوح على عبدالله في ثنائيتهما، وربما نكتشف تطورا في شخصيتها في الحلقات المقبلة في حال تغيّر موقفها وقرارها خاصة بعد اكتشافنا بأنها حامل بعد 14 عاما من الزواج وهناك مبرر مهم لتغيير كبير في حياتها.

ولابد من التنويه إلى نجاح أمنية في إعطاء صورة الفتاة الانتهازية، وساعد «الكاركتر» الذي تتميز به في إضفاء مزيد من التشويق على الصراع الثنائي والتباين مع هاجر كفتاة تحترم نفسها ومبادئها. وسقط المسلسل من دون داعٍ في فخ اختيار ممثلة شابة لتلعب دور والدة مالك، وهي تبدو أصغر منه سنا، ونظرا لتكرار ظهورها معه في عدد لا بأس به من المشاهد، فقد أثر ذلك على الصورة الواقعية للعمل.

بخلاف باقي الأعمال، لفتنا اختيار عنوان رمزي غير مباشر للمسلسل، و«الأجندة» تجسد حياة شخصيات تكتب تجربتها بتحدياتها وصراعها مع ظروف الحياة الخارجية وحالاتها الداخلية.

كما أسلفنا، «أجندة» من الأعمال الجيدة من حيث النص والصورة، وفي حال تشابكت الخطوط أكثر في قادم الحلقات وبرزت بعض الأحداث والمواجهات الجديدة على غرار ما حصل في الحلقة 11 عندما زار مالك اخاه كنان، فسيساعد ذلك على تعويض قلة عدد الشخصيات والصراعات وعلى بث مزيد من روح التشويق فيه.

اقرا ايضا

 





Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى