متى نتوقف عن استخدام مصطلح “الشرف” لتبرير جرائم قتل النساء؟
[ad_1]
- ندى منزلجي
- بي بي سي نيوز عربي
ترتكب بتهمة المساس بالشرف جرائم قتل مروعة بحق نساء في العالم العربي، ولطالما كانت لهذه التهمة سطوتها على الوعي الجماعي، ما يجعلها كافية لعدم القيام بأي تدخل مباشر لإنقاذ الضحية، حتى حين تقتل علانية أمام الملأ.
تقول المحامية عزة سليمان، وهي رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية “الناس لا يتدخلون حين يتعلق الأمر بما يسمى جريمة شرف، لأنهم يعتقدون بأن النساء ملكية خاصة للرجال وللعائلة، وهناك استباحة وتواطؤ مجتمعي عنفي مع هذه الفكرة”.
وغالبا ما يكون القتل “دفاعا عن الشرف” مصير المرأة وحدها، في حين يتابع شريكها المفترض، حياته من دون عقاب يذكر، حتى إن كان قد اعتدى عليها.
لكن انطلاقا من السلطة الخاصة لفكرة غسل العار، فقد يكون مجرد التلميح بوجود حالة اعتداء على الشرف، كافيا لإحجام الناس عن التدخل في جريمة قتل تحصل أمامهم حتى لو كان الضحية رجلا.
ولا تزال جريمة الإسماعيلية المرعبة ماثلة في الأذهان، وتتلخص الواقعة باعتداء شخص على آخر وسط شارع مزدحم، وبعد طعنات قاتلة، يفصل القاتل رأس ضحيته عن جسده ويضعه في كيس بلاستيكي، ويحمله متابعا سيره.
شخص وحيد فقط حاول التدخل واعتراض القاتل بدراجته والحيلولة دون قتل المجني عليه، لكنه ما لبث أن غير رأيه، وأدار ظهره ومضى، ولهذا، كما قال بنفسه لاحقا، سبب واحد وحيد: الجريمة دفاع عن الشرف.
وفي حوار على قناة إم بي سي مصر أكد هذا الشخص، الذي أشادت مواقع التواصل بشجاعته، أنه لم يفكر، مثل بقية المارة، بالخوف على حياته حين حاول ردع القاتل المسلح بساطور، إلا أنه عدل عن التدخل ما أن تلفظ القاتل بعبارة: “هو اغتصب أمي وأختي”.
وفي هذه الأثناء كان الشريط الإخباري خلفه يقول: “الشرف أم المخدرات وراء جريمة الإسماعيلية؟”.
الذريعة المُنجية
سرعان ما أصبح القتيل في جريمة الإسماعيلية، وهو رجل خمسيني متزوج ولديه 7 أولاد، ويعاني من مرض في الكبد، بحسب عائلته، في موقف المتهم بالاعتداء على الشرف، وهي تهمة لها سطوتها حتى في غياب أي أدلة.
وذلك، رغم أن أحدا لم يشر في المقاطع التي نشرت على مواقع التواصل إلى أنه رأى القتيل يتعرض للأم المسنة أو الأخت، أو يقوم بأي تصرف مثير للشك بهذا الخصوص. وقد اعترف المتهم لاحقا أنه قال أمي وأختي لكي يستطيع النجاة من ملاحقة المارة، بحسب مواقع مصرية.
لسنا هنا بصدد البحث في ملابسات القضية، فذلك من اختصاص أجهزة الشرطة والقضاء المصرييين. لكننا نتساءل عن التأثير المذهل لكلمة الشرف، وسهولة استعمالها كمبرر لارتكاب جرائم قتل فظيعة.
وحتى التهم المجانية، التي تفتقر إلى أي منطق أو دليل، دائما تجد من يناصرها أو على الأقل من لا يجرؤ على نفيها أو التشكيك بها، فهذا الدافع لا يناقش.
شرف الجماعة
لا تقتصر سطوة الدفاع عن الشرف على تبرير قتل نساء العائلة، وإنما تتسع إلى تسويغ التحرك لحماية شرف الحي والشارع والبناية السكنية، وفرض وصاية مماثلة على نساء عازبات أو مطلقات مقيمات بمفردهن خارج إطار سكن العائلة ومن دون وجود زوج.
وغالبا ما يكون مجرد الشبهة، أو إطلاق تهمة لا تستند إلى أي إثباتات، كافيا ليقود إلى عنف جماعي بذريعة الحفاظ على الشرف، ومثال ذلك الحادثة الشهيرة التي عرفت باسم “سيدة حي السلام” في القاهرة.
وطبقا لبيان النيابة العامة المصرية، فقد اقتحم أشخاص شقة سيدة في عمارة “مساكن السلام” قبيل منتصف الليل من يوم 11 مارس/آذار، بذريعة وجود رجل غريب معها في شقتها، وضربوهما بالعصي وقيدوا الرجل، إلا أن المرأة اندفعت لشدة خوفها إلى الشرفة وألقت نفسها من الطابق السادس، لتسقط ميتة على الفور.
واللافت هنا أنه ومهما كانت الدوافع الحقيقية لهذا الاقتحام، فإن أحدا لم يحاول الدفاع عن صاحبة الشقة أو الشخص الذي كان معها، والذي قال في التحقيقات إنه عامل صيانة ولا تربطه بالضحية أي علاقة. والسبب هو أن الاقتحام كان بذريعة الدفاع عن الشرف العام، الذي لا يقبل بوجود امرأة ورجل غريب عنها خلف باب مغلق.
وجددت القضية الحديث عن ظاهرة “محاكمات الشارع” أي قيام أشخاص بمراقبة وضبط تصرفات آخرين بذريعة أنها ” تنافي الشريعة وعادات المجتمع”.
كما وجهت انتقادات لوسائل إعلام مصرية “لأنها ركزت على أن الضحية كانت بملابسها كاملة، بدل الاهتمام بتعرضها للضرب المبرح أو استنكار سلوك جيرانها الذين انتهكوا حريتها الشخصية وخصوصيتها”.
وأطلق بعدها وسم “# أنا_عايشة_لوحدي”، الذي ضم شهادات نساء عديدات تحدثن عن “سلطة حراس المباني الذين ينصبون أنفسهم أيضا حراسا على أخلاق وتصرفات أي امرأة تعيش بمفردها سواء كانت أرملة أو مطلقة أو عزباء”.
التهمة الأسهل
اقتحام الشقق وفرض الوصاية ليسا التجييش الأقصى ضد نساء من خارج العائلة بزعم الدفاع عن شرف الحي أو المنطقة، فقد حصلت جرائم قتل سببها الظاهر تهمة ممارسة الدعارة، أما دوافعها الحقيقية فمتعددة، وقد يكون منها فرض السيطرة أو الترويع أو الاستيلاء على الأملاك. ومنها جريمة مروعة وقعت في منطقة زيونة في رصافة بغداد عام 2014.
وقد قتلت في هذه الجريمة 25 فتاة على الأقل وثلاثة شبان بعد اقتحام مبنيين في مجمع سكني في المنطقة الواقعة شرقي بغداد، ووجهت أصابع الاتهام حينها إلى إحدى المليشيات المسلحة.
وبحسب وكالة فرانس برس فقد كتب القتلة على مدخل أحد المبنيين “هذا مصير كل من يمارس الدعارة”.
في المقابل، نفى بعض سكان الحي هذه التهمة، وقالوا إن الشقق تسكنها فتيات من محافظات يدرسن في بغداد منذ سنتين، وقالت أصوات إن الجريمة أسبابها سياسية وتتعلق بفرض السيطرة.
وتهمة الدعارة أيضا من الوسائل التي “تلجأ إليها الأنظمة الحاكمة في دول عربية عديدة من أجل تشويه سمعة ناشطات ومعارضات، وأحيانا قتلهن، مع تحميل المسؤولية للأب أو الأخ أو الزوج، على أساس أن الجريمة كانت غسلا للعار”، كما يقول، غياث الجندي الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان والمستشار لدى جمعيات حقوقية دولية.
وفي السياق نفسه تقول المحامية عزة سليمان “المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان عرضة للاتهامات الملفقة. وبالنسبة للنساء، دائما ما يتم الطعن بأخلاقهن، فالمرأة الناشطة إما على علاقة غير مشروعة برجل، أو أنها لم تتزوج فهناك شكوك حول سلوكها، أو أنها مطلقة، كما تنتقد ملابسها ومظهرها، وكل هذا مدخل لتشويه السمعة”.
وتضيف سليمان أن مجرد نشر صورتها، وهي ليست محجبة، يستجلب تعليقات مثل “هذه المرأة ضد الإسلام وتدعو النساء للتمرد على الرجال أو ضد الشرف والأخلاق. والمجتمع طبعا حريص جدا على حماية الشرف”.
وتشدد المحامية سليمان على أن “فكرة استباحة النساء تعززها الأبعاد القانونية بأن الشرف عذر مقبول، وأن مرتكب الجريمة سيستفيد من الأعذار المخففة، كما تدعمها المؤسسات الرسمية والقانونية، والأنظمة التي تملك هذه المؤسسات، وهذا يغذي حالات النيل من كرامة النساء أو يضعهن في أوضاع خطرة على حياتهن”.
الشرف من مفهوم نبيل إلى قتل الأضعف
يتضمن تعريف مفهوم الشرف حسب مصادر عدة مكانة الفرد الاجتماعية والاحترام الذي يحظى به، وصفات مثل النبل الأخلاقي والوفاء بالوعد وحفظ العهد والدفاع عن المستضعفين وحفظ كرامة البلاد والعباد، ويترافق مع المروءة والشهامة.
وإذا كانت المبارزات في الماضي، التي تجري بين رجلين ندين غالبا – إن تركنا جانبا الحروب التي تخوضها جيوش أو جماعات مقاومة دفاعا عن شرف الأمة – تتضمن شجاعة خوض صراع قد ينتهي بخسارة المرء حياته من أجل شرفه، فإن قتل النساء بما يعرف بـ”جرائم الشرف”، هو شكل آمن من الدفاع عن الشرف، لا يعرض حياة القاتل للخطر.
ووفق هذا المفهوم للشرف، تكون المرأة أشبه بصندوق أمانات يودع لديها الرجل شرفه، ثم يقتلها لأنها فشلت في الحفاظ على الأمانة، وهي لا تشكل أي تهديد له، فهي أضعف جسديا، وعزلاء، كما أن الضحية في أحوال كثيرة تُباغَت، ولا تتخذ أي احتياط للدفاع عن نفسها.
وتمنح القوانين في معظم الدول العربية عقوبات مخففة لمرتكب الجريمة الذي أقدم عليها “بثورة غضب شديد”، ولا تتعدى العقوبة سنوات قليلة أو أشهر فقط من السجن.
وتقول المحامية عزة سليمان “القتل بذريعة الدفاع عن الشرف محمي مجتمعيا وقانونيا، وتعطي المادة 17 من القانون المصري القاضي الحق في تخفيف الحكم، وتخفيض مستوى الجريمة إلى جنحة”.
وتضيف أنه في إحدى القضايا “قال القاضي إن المجني عليها خرجت عن العادات والتقاليد”.
وترى أن “السلطات الحاكمة تعزز ثقافة القتل بدافع الشرف، ولا تحاربها، لذلك يجب بحث قضايا قتل النساء ضمن منظومة متكاملة ثقافيا وقانونيا. كما أن القضاة يكونون أحيانا أبناء بيئاتهم، لذلك ننادي بتدريب حقوقي وجندري وبالالتزام بالاتفاقيات الدولية”.
وتنسحب “المحاباة” القانونية لمرتكبي جرائم الشرف على معظم الدول العربية، فالقانون الأردني مثلا ينص على “لا تتجاوز مدة العقوبة ثلاث سنوات ولا تقل عن سنة واحدة”. أما في سوريا فتنص المادة 548 على الحبس من 5 إلى 7 سنوات.
ولكن كما يقول غياث الجندي، اللافت هو أن المجتمعات “المحكومة بسلطات وأنظمة سياسية قمعية، قد تتحمل غياب أبسط المتطلبات الإنسانية والحقوق السياسية، لكنها تكون الأكثر صرامة وقسوة عندما يتعلق الأمر بغسل العار، وذلك خوفا من الإهانة، أو الوصمة المجتمعية التي قد تلحق بالفرد أو العائلة”.
اقتلها ثم تأكد
معظم جرائم القتل التي ترتكب بذريعة حماية الشرف تتم بمجرد الشك، ومن دون أي تأكد إن كانت الضحية ارتكبت فعلا الأمر الذي عوقبت لأجله. وأغلب اللواتي قتلن بهذه الذريعة بيّن الفحص الشرعي لاحقا أنهن كن عذراوات.
في سبتمبر/ أيلول عام 2018 وجدت مراهقة عمرها 16 عاما مقتولة بطلقة في الرأس بقرب بلدة المزرعة غرب مدينة السويداء السورية.
وفي تفاصيل القصة التي تداولها نشطاء على مواقع التواصل أن الأب تلقى اتصالا من مدرسة “الشهيد قيس أبو فخر” يفيد بتغيب الفتاة عن المدرسة، فركب سيارته وذهب للبحث عنها، فوجدها تتسكع مع زميلة لها في السوق، فطلب منها أن تركب معه السيارة، وفي الطريق أنزلها في مكان خال، وأطلق عليها النار، وتركها وعاد إلى البيت.
وبين التحقيق أنّ الفتاة عذراء ولم تكن على علاقة بأحد، وأن غيابها عن المدرسة لم يكن أكثر من نوع من الشقاوة ورغبة في الهرب من الدروس.
ويقول غياث الجندي “لم يستطع الأب تقبل أن يكون لدى المدرسة شك بسلوك ابنته بسبب تغيبها، وآثر أن يقتلها بدل أن يترك أي مجال لاحتمال بأنها ‘خدشت’ شرف العائلة”.
ولا تزال حاضرة في الوجدان جريمة قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب على يد ثلاثة من أفراد عائلتها لمجرد أنها نشرت صورا شخصية لها مع خطيبها. ولا يزال القضاء ينظر في القضية وسط مخاوف ناشطين ومدافعين عن حقوق المرأة من أن يضيع حق إسراء ولا يكون العقاب بحجم الجريمة.
وغالبا ما تتسم جرائم قتل النساء بذريعة الشرف بعنف ووحشية صادمين، مثل جريمة قتل الأردنية أحلام، التي هربت من عنف والدها إلى الشارع فلحق بها وضربها بطوبة على رأسها، ثم أحضر كرسيا وشرب الشاي بقرب جثتها النازفة.
ولا ننسى اليمنيتين مآب وسميحة الأسدي، والكويتية هاجر العاصي، وآلاف الفتيات والنساء، اللواتي يقتلن من دون أن يدري بهن أحد، ولا تنقل وسائل الإعلام سوى أخبار بعض الحالات فقط.
وتؤكد المحامية عزة سليمان أهمية الإشارة أيضا إلى أن جرائم القتل بذريعة الشرف “قد تكون وسيلة للتخلص من النساء لأسباب أخرى، من أبرزها الميراث، كأن يقتل العم إبنة أخيه مثلا بذريعة حماية الشرف، بينما السبب هو رغبته بالتخلص منها كشريك في الميراث”.
التغيير يبدأ من رفض المصطلح
كما يلاحظ استخدام موضوع “الشرف”، والمتعلق بالنساء طبعا، ذريعة في النزاعات في بعض مخيمات اللجوء في اليونان، حسبما يقول غياث الجندي، الذي يتطلب عمله أن يكون على علاقة مباشرة مع اللاجئين هناك.
ويضيف الجندي أن هذا يحصل عندما تنشب صراعات بين شبان، سواء كان الطرفان من مناطق مختلفة من البلد نفسه، أو من جنسيات مختلفة، ودائما ما تكون الحجة هي أن شابا “من المنطقة الفلانية تعرض لفتاة من منطقتنا أو من بلدنا، رغم أن هذا يكون مجافيا للحقيقة”.
ويشير الجندي إلى أن “أصحاب هذه المزاعم، أو حراس شرف النساء، هم عادة الأقل احتراما للنساء، والأقل التزاما بالأخلاقيات”.
ولطالما اعتبر النيل من شرف نساء العائلة وسيلة للإهانات خصوصا مع استخدام الشتائم التي ترتبط غالبا بالأعضاء الجنسية الأنثوية.
وتجادل ناشطات حقوقيات وإعلاميات بأن الربط بين قتل امرأة وفكرة الشرف يساهم في تسويغ الجريمة، لما لكلمة شرف من مكانة في الوعي الجمعي، ويشددن على ضرورة أن يتوقف الإعلام عن استخدام مصطلح “جرائم الشرف”، ويستخدم بدلا منه جرائم قتل نساء العائلة.
[ad_2]
Source link