الرئيس الصيني شي جينبينغ: كيف يسهم ماضي بلاده في تشكيل رؤيته للعالم
[ad_1]
تصاعد التوترات مع تايوان أدى إلى تحويل انتباه العالم صوب الصين، حيث يتساءل كثيرون: أين يرى الرئيس شي جينبينغ بلاده على الساحلة الدولية؟
لقد أصبحت الصين الآن قوة عالمية، وهو شيء لم يكن من الممكن تخيله قبل عقود قليلة فقط.
تنبع قوة الصين في بعض الأحيان من تعاونها مع باقي بلدان العالم، كتوقيعها معاهدة باريس لمكافحة تغير المناخ.
كما تعني في أحيان أخرى تنافسها مع تلك البلدان، كما تتجلى فيما يعرف بمبادرة “الحزام والطريق”، وهي شبكة من مشروعات الإنشاء في أكثر من 60 دولة، جلبت الاستثمارات للكثير من مناطق العالم المحرومة من قروض الغرب.
بيد أن ثمة نغمة مواجهة في جانب كبير من الخطاب الصيني الدولي.
فبكين تدين الولايات المتحدة لأنها تسعى “لاحتواء” الصين عبر اتفاقية “أوكوس” لبناء غواصات نووية، والتي وقعتها كل من أمريكا والمملكة المتحدة وأستراليا ، وتحذر المملكة المتحدة من أنه سيكون هناك “عواقب” لمنح حق الإقامة في بريطانيا لسكان هونغ كونغ الذين يفرون من مدينتهم بسبب قانون الأمن الوطني الصارم، كما أخبرت تايوان بأن عليها التأهب للوحدة مع بر الصين.
تمكن الرئيس الصيني شي جينبينغ من تعزيز مكانة الصين على الساحة العالمية بشكل أقوى مما فعله سابقوه منذ ماو تسي تونغ، مؤسس جمهورية الصين الشعبية وزعيمها إبان الحرب الباردة.
ولكن بعض العناصر التي يتسم بها خطابه مستمدة من مصادر، تعود جذورها إلى تاريخ بلاده القديم والحديث.
وفيما يلي خمسة من تلك العناصر التي تتكرر في خطابه.
التقاليد الكونفوشية
على مدى أكثر من ألفي عام، شكل الفكر الكونفوشي المجتمع الصيني. أسس الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (551-479 ق.م) مذهباً للقيم الأخلاقية تضمن تراتباً هرمياً، بما يعني أن الجميع يعرفون مكانهم في المجتمع، بحيث يُحسن أصحاب المكانة الرفيعة إلى من هم أقل منهم شأناً ويقومون برعايتهم.
هذا النظام الفكري أدخل عليه الكثير من التعديلات مع مرور الوقت، ولكنه كان الدعامة التي تأسست عليها الأسر الحاكمة في الصين، إلى حين قيام ثورة 1911، عندما أدت الإطاحة بآخر آباطرة الصين إلى رد فعل عكسي مناهض للكونفوشية وإرثها من قبل الراديكاليين، بما في ذلك الحزب الشيوعي الجديد آنذاك.
أحد هؤلاء الشيوعيين، ماو تسي تونغ، ظل معادياً بشدة للفلسفة الصينية التقليدية خلال الأعوام التي قضاها في الحكم (1949-1976). ولكن بحلول الثمانينيات، عاد كونفوشيوس إلى المجتمع الصيني، وحظي بثناء الحزب الشيوعي بوصفه رمزاً عظيماً ينبغي أن تستقي الصين الحديثة دروساً من تعاليمه.
واليوم، تحتفي الصين بـ”التناغم” باعتباره “قيمة اجتماعية”، وإن كانت هذه القيمة ذات طابع كونفوشي. ومن بين الموضوعات الساخنة في علاقات الصين الدولية هو كيف ينبغي أن يؤثر مفهوم الإنسانية والإحسان، أو “رِن” – وهو مصطلح كونفوشي آخر مهم- في علاقات الصين بالعالم الخارجي؟
وقد كتب البروفيسور يان تسويتونغ من جامعة تشينغوا أن الصين ينبغي أن تسعى إلى “السلطة الإنسانية” بدلاً من “الهيمنة”، بعكس ما يراه دوراً أقل إنسانية للولايات المتحدة.
وحتى تصور شي جينبينغ لـ”مجتمع عالمي ذي مصير مشترك” له طاب فلسفي، وقد زار شي “كوفو”، مسقط رأس كونفوشيوس، وردد بعضاً من أٌقواله المأثورة في خطاباته.
قرن من الإهانة
المواجهات التاريخية التي حدثت في القرنين التاسع عشر والعشرين لا تزال تؤثر بشكل كبير على رؤية الصين للعالم.
حروب الأفيون في منتصف أربعينيات القرن الماضي شهدت استخدام التجار الغربيين للقوة لفتح أبواب الصين عنوة ويتذكر الصينيون غالبية الفترة من أربعينيات القرن التاسع عشر إلى أربعينيات القرن العشرين بوصفها “قرنا من الإهانة”، حقبة مخجلة أظهرت ضعف الصين في مواجهة العدوان الأوروبي والياباني.
خلال تلك الفترة، اضطرت الصين إلى التنازل عن هونغ كونغ لبريطانيا، وعن منطقة في مانشوريا لليابان، وكذلك إلى منح عدد كبير من الامتيازات القانونية والتجارية للبلدان الغربية.
هذه التجربة خلقت حالة عميقة من الارتياب في نوايا العالم الخارجي. حتى بعض الخطوات الصينية التي بدت وكأنها انفتاح على الخارج، كانضمامها لمنظمة التجارة العالمية في 2001، خيمت عليها ذاكرة ثقافية “للمعاهدات الظالمة” التي أبرمت في الماضي وأفضت إلى سيطرة الأجانب على تجارة الصين، وهو ما تعهد الحزب الشيوعي الحالي بعدم السماح بتكراره.
في مارس/آذار من هذا العام، عقدت جلسة غير ودية بين مفاوضين صينيين وأمريكيين في أنكوريدج بألاسكا، حيث رد المفاوضون الصينون على الانتقادات الأمريكية، متهمين الوفد “بالتعالي والنفاق”. بكين بقيادة جينبينغ لا تتهاون مع فكرة أن الآخرين يستطيعون ازدراء الصين دون أن يكون لذلك عواقب.
الحليف المنسي
ولكن حتى الأحداث المروعة قد يكون لها رسائل أكثر إيجابية.
إحدى تلك الرسائل الإيجابية تأتي من المرحلة الصينية من الحرب العالمية الثانية، عندما قاومت الصين الغزو الياباني عام 1937 بمفردها، قبل انضمام الحلفاء الغربيين للحرب الآسيوية في بيرل هاربر عام 1941.
خلال تلك الأعوام، فقدت الصين أكثر من مليون شخص، وتمكنت من صد نحو مليون جندي ياباني على الأراضي الصينية، وهو إنجاز يحظى بإشادة كتب التاريخ والأعمال السينمائية والتلفزيونية.
تعتبر الصين أنها كانت جزءا من “التحالف ضد الفاشية”، إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي، وتعطي لنفسها ثقلاً أخلاقياً من خلال تذكير العالم بدورها كقوة انتصرت على قوى المحور.
كما تحاول الصين الاستفادة من دورها كزعيمة للعالم الثالث إبان الحقبة الماوية (على سبيل المثال خلال مؤتمر باندونع عام 1555، وفي مشاريع كتشييد خط سكة حديد تانزام في شرق أفريقيا في السبعينيات) في تلميع أوراق اعتمادها كقوة كبرى في العالم غير الغربي.
لا يزال التاريخ الحديث جزءا مهما من الطريقة التي ينظر بها الحزب الشيوعي الصيني إلى شرعيته. ولكن بعض مكونات ذلك التاريخ، ولا سيما المجاعة الضارية التي تسببت فيها السياسيات الكارثية لما يعرف ب “القفزة العظيمة إلى الأمام” بين عامي 1958 و1962، لا يكاد يتحدث عنها أحد في الصين إلى الآن.
وبعض الحروب الأحدث تستخدم أحياناً لأغراض أكثر تصادمية. وقد شهد العام المنقضي، الذي اتسم بعلاقات مضطربة بين الولايات المتحدة والصين، إنتاج أفلام جديدة تحي ذكرى الحرب الكورية التي استمرت بين عامي 1950-1953، وهو نزاع يتذكره الصينيون باسم مختلف هو “حرب مقاومة أمريكا”.
الماركسية
المسار التاريخي للفكر اللينيني-الماركسي متجذر أيضاً في الفكر السياسي الصيني، وتم إحياؤه بشكل نشط في عهد شي جينبينغ.
خلال القرن العشرين، انخرط ماو تسي تونغ وغيره من الزعماء السياسيين الشيوعين في سجالات نظرية حول الماركسية، ما كان له عواقب جمة.
على سبيل المثال، مفهوم “الحرب الطبقية” أدى إلى مقتل مليون من ملاك الأراضي في السنوات الأولى من حكم ماو. ورغم انحسار مفهوم “الطبقية” كأحد السمات المميزة للمجتمع، فإن اللغة السياسية للصين اليوم لا زال تشكلها أفكار مثل “الصراع”، و”العدائية” ومفاهيم مثل “الاشتراكية” المضادة لـ”الرأسمالية”.
كما أن المطبوعات الكبرى، كدورية “كياشي” التي تصدر عن الحزب الشيوعي، تناقش بانتظام “التناقضات” في المجتمع الصيني من زوايا تستند بشكل كبير إلى النظرية الماركسية.
الصين بقيادة شي جيبينغ تعّرف التنافس الأمريكي-الصيني على أنه صراع يمكن فهمه من خلال مفوم العداء الماركسي.
الشيء نفسه ينطبق على القوى الاقتصادية في المجتمع، وتفاعلها مع بعضها بعضاً: فالصعوبات التي تواجه تنمية الاقتصاد بما لا يضر بالبيئة يتم تفسيرها من خلال فكرة التناقض. ففي الماركسية الكلاسيكية، تستطيع أن تصل إلى نقطة اتفاق، أو تآلف بين العناصر المختلفة، ولكن بعد أن تتعامل مع مرحلة طويلة، و عادة مؤلمة، من العداوات.
تايوان
تشدد بكين على مصير تايوان الذي لا يمكن تغييره، والذي يتمثل من وجهة نظرها في توحد الجزيرة مع بر الصين.
بيد أن القرن الماضي من تاريخ تايوان يظهر أن القضية ظلت تبرز ثم تتلاشى بشكل متواصل في السياسة الصينية. في عام 1895، وبعد حرب كارثية مع اليابان، أجبرت الصين على التخلي عن تايوان التي أصبحت مستمعرة يابانية على مدى نصف قرن.
ثم تمكن القوميون من توحيد الجزيرة مع بر الصين في الفترة من 1945-1949. وفي فترة حكم ماو تسي توتغ، أضاعت الصين فرصة ضم الجزيرة، فمن المرجح أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترومان كانت ستسمح لماو بذلك، إلى أن انضمت جمهورية الصين الشعبية إلى الكوريين الشماليين في غزوهم لكوريا الجنوبية، ما أدى إلى تحويل تايوان إلى حليف مهم خلال الحرب الباردة.
في عام 1958، شن ماو هجمات على الساحل التايواني، ثم تجاهل الجزيرة على مدى العشرين عاماً التالية. وبعد استعادة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة عام 1979، كان هناك اتفاق على مضض بأن يوافق جميع الأطراف على أن الصين واحدة، ولكنهم لم يتفقوا على ما إذا كان نظام بكين أم النظام التايواني هو الذي يمثل الجمهورية الشرعية.
وبعد مرور أربعين عاماً، يصر الرئيس شي جينبينغ على أن التوحيد يجب أن يحدث سريعاً، ولكن لغة الخطاب العدوانية ومصير هونغ كونغ جعلا الشعب التايواني، الذي يعيش الآن في ظل ديمقراطية ليبرالية، يعارض بشكل متزايد فكرة توثيق العلاقات مع بر الصين.
بقلم: البروفسور رانا ميتر المحاضر بجامعة أوكسفور والمتخصص في تاريخ الصين الحديثة وسياستها. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “حرب الصين الجيدة: كيف شكلت الحرب العالمية الثانية الحركة القومية الجديدة”.
[ad_2]
Source link