شريعة طالبان والنساء: هل تتقاطع مع تأويلات إسلامية أخرى؟
[ad_1]
- سناء الخوري
- مراسلة الشؤون الدينية – بي بي سي نيوز عربي
تتذكر مريم هوتاكي زميلات لها على مقاعد الدراسة، كن يكبرنها بأربع أو خمس سنوات، لأنهن خسرن سنوات دراسية خلال حكم طالبان، في التسعينيات. بالنسبة للشابة الأفغانية، السيناريو ذاته يتكرّر اليوم.
تنشط مريم على تويتر، وتغرّد حول الواقع الجديد في بلادها بعد عودة طالبان إلى السلطة. تجد ما يحكى عن تغيير المناهج الدراسية “بما يتوافق مع الشريعة”، أو عن منع البنات من الذهاب إلى المدارس “بانتظار تجهيزها لوجستياً للفصل بين الجنسين”، أمراً مثيراً للسخرية.
فالمدارس في أفغانستان تفصل بين الجنسين أساساً، والمناهج تعطي جانباً واسعاً للدراسات الدينية، مثل القرآن والحديث والتفسير، كما تقول في حديث مع بي بي سي نيوز عربي. “ما يروّج له كعودة إلى الشريعة، ليس إلا محاولة لتحويل المؤسسات التعليمية إلى مدارس لتخريج متطرفين”، تقول.
الشابة المولودة في كابل خلال سنوات الحرب الأهلية الأفغانية، لجأت مع أهلها خارج البلاد، وعادت إليها بعد أحداث 11 سبتمبر.
“الحشمة” على طريقة طالبان
تتذكر مريم “الشعور بالأمل” خلال سنواتها المدرسية. “كانت هناك مشاكل حتماً، لم يكن من السهل على مجتمع أن يعود إلى طبيعته بعد عقود من الحرب. لكن كان هناك حب. كان هناك موسيقى وشعر، وكان كل شيء يضج بالحياة”.
ما يقلق مريم حالياً أنه طلب من النساء العاملات في وظائف حكومية البقاء في المنزل، ومنعت التلميذات من العودة إلى الصفوف.
تقول: “حتى لو سمح للبنات بالعودة إلى المدارس، وأشك بذلك، سيقتصر الأمر على تدريبهن كي يصبحن ربات منزل. حين كنت في المدرسة، كان هناك صف تدبير منزلي، ولكننا تعلمنا أيضاً صفوف العلوم وكل المواد الأخرى، وذلك ما أشك أنه سيكون متاحاً في مناهج طالبان”.
ترى مريم هوتاكي أن فرض ألوان وأشكال محددة من الملابس على الأفغانيات، سعي لمحو الثقافة الأفغانية الغنية، وفرض السطوة على أجساد النساء وأفكارهنّ.
تقول: “يريدون محو وجوه النساء وأصواتهن، وجعلهن مواطنات من الدرجة الثانية. النساء في القرى الأفغانية يعملن في الحقول، يخبزن، يذهبن لملء المياه، وهن يرتدين ملابس محتشمة، لكنها لا تشبه نسخة طالبان عن الحشمة”.
بدأت الأفغانيات يتحدين “نسخة طالبان عن الحشمة”، فور الإعلان عن نية الحركة فرض قيود على ألوان الملابس. وضجت مواقع التواصل بحملة “لا تلمس ملابسي” التي أطلقتها الأكاديمية الأفغانية بهار جلالي، وشجعت آلاف النساء على التقاط صور بفساتينهن التقليدية المطرزة والملونة.
يطرح سعي طالبان لمحو الألوان من ملابس النساء أسئلة عدة، حول تأويل الحركة المتطرفة للشريعة، بما يتعارض أصلاً مع تقاليد مجتمع غنيّ بثقافته المتشبعة بإرث إسلامي عريق.
ومنذ صعود الحركة، بنسختها الجديدة إلى الحكم، انشغلت الصحافة العالمية بمحاولة البحث عن معنى الشريعة، وتأويل طالبان لها، وما الرابط بين الإسلام، ومنع الفتيات من التعليم، وفرض شكل محدد من اللباس عليهنّ؟
بيادق في معركة سياسية
هذا ليس سؤالاً جديداً، لكنه يعود ليحتدم بين الحين والآخر، خارج حدود الاختلاف الفقهي، ليطال جوانب عقائدية وسياسية.
فمن جهة، يجد من يتبنون برامج كارهة للمسلمين في الغرب، في مظاهر تطرف طالبان وغيرها من الحركات المشابهة، مناسبة لتنميط الشخصية المسلمة، كشخصية قبلية تعيش خارج العصر، وتتسامح مع تعنيف النساء وقمعهن.
ومن جهة ثانية، تستخدم تلك الحركات المتطرفة أجساد النساء وملابسهنّ كأنها البيادق الأخيرة للدفاع عن هوية إسلامية يقول بعضهم إنها مهددة بالاندثار في زمن العولمة؛ وكأن الهوية الإسلامية مجردة من أي إنتاج فكري أو ثقافي، باستثناء تأويلات فقهية عمرها مئات السنين، حول ملابس النساء.
ومن جهة ثالثة، تشهد الدول التي تطبق قوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية تقدماً بطيئاً في مضمار قوانين الأحوال الشخصية وحقوق النساء، وحمايتهن من التعنيف والقتل والتحرّش والاغتصاب الزوجي. فمنذ سنوات قليلة فقط، سمح للنساء بالقيادة في السعودية، ولم تقابل مطالب بعض الإيرانيات بخلع غطاء الرأس الإلزامي في الأماكن العامة، باللين.
في هذا السياق، يبدو من الضروري أن نسأل، ماذا نعني في الأساس حين نتحدث عن الشريعة؟
للإجابة عن هذا السؤال، تحدثنا مع الأستاذة زيبا مير حسيني، عالمة أنثروبولوجيا إيرانية تعيش في بريطانيا، وتختص في الفقه والقوانين الإسلامية، وتعدّ من أبرز الباحثات في مجال النسوية الإسلامية.
“إهانة للإسلام”
تقول مير حسيني إن “عبارة شريعة استخدمت في القرآن مرتين بمعنى الطريق المؤدي إلى نبع الماء، ولم تصبح مرادفاً للقانون إلا في القرنين الأول والثاني للإسلام”.
توضح صاحبة المؤلفات الكثيرة حول قوانين الطلاق والأحوال الشخصية في إيران والدول العربية، أنه علينا التمييز بين أمرين: الشريعة والفقه. “الشريعة في الإيمان الإسلامي هي مجمل إرادة الله بالنسبة للإنسانية، وهي تعني قيم الإسلام. وأبرز تلك القيم في فلسفة القانون الإسلامي، هي العدل، والإنصاف والمساواة. أما تفسير القيم فقهياً، فمرتبط بالسياق والعصر، فلا يمكن لتفسير وُضِع في القرن السابع، أن يعني ذات الشيء في يومنا هذا”.
تتابع: “تأويل طالبان للشريعة خاص بها، فهي ليست الشريعة التي أعرفها، وهي إهانة للإسلام. ولكن لا يمكن فصل فهم الشريعة عن الثقافة السائدة وعن التنظيم الاجتماعي”.
تشير الأستاذة المختصة بالقانون إلى أن هناك مغالطة في ربط التفسيرات الدينية المهينة للنساء بالإسلام وحده. “حتى القرن التاسع عشر وولادة الدول القومية في العالم الإسلامي، كان الفقه يمنح النساء حقوقاً أفضل من أي قانون في الغرب. في إنجلترا لم يسمح للنساء المتزوجات بالتملك إلا في سنة 1882، كما أن الاغتصاب في القانون البريطاني كان يندرج ضمن جرائم الملكية”.
برأيها، التغيير لم يكن فقط نتيجة حركات التنوير أو التحديث في الديانة المسيحية، بل بحراك النساء وبالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أفضت إلى تغييرات في القوانين.
تقول مير حسيني: “قبل مئة عام كان صعباً على النساء أن يحصلن تعليماً في الغرب. القرآن لا يفرق بين الرجال والنساء، لا في التعليم ولا في الوصول إلى الفضاء العام، ولا في الثواب والعقاب. علينا أن نطرح أسئلة، لا يمكن أن نقبل بقانون أو حجة فقط لأن أحدهم قال لنا القرآن يقول ذلك، علينا أن نسأله “أي آية في القرآن؟ بحسب أي تأويل للقرآن؟ وما هو دليلك؟”.
يثير النموذج الأفغاني الذهول، بسبب تاريخ حكم طالبان خلال التسعينيات، وتأثيره المأساوي على حياة النساء. ولكن المطالبين بقوانين مدنية تكفل حقوق النساء، يرون أن بعض التشريعات في الدول والمجتمعات المسلمة لا تختلف في عمقها عن التأويل المتطرف للشريعة.
يكفي أن يفتح موضوع تزويج القاصرات أو الاغتصاب الزوجي على مواقع التواصل، لنجد من يضع تبريرات شرعية للتمييز بحق النساء في القانون. ينسحب الأمر على الأحوال الشخصية كافة، وعلى مسائل الإرث والطلاق والحضانة وصياغة عقود الزواج بحد ذاتها.
منذ سنوات، تناضل نسويات إسلاميات من داخل المنظومة الدينية، لاستعادة حق التأويل الذي كان محصوراً بالفقهاء الرجال لعصور، وتقديم مقاربات أكثر سماحة ومواكبة للعصر واحتراماً للنساء.
ماذا يقول الأزهر؟
قبل أشهر، شهدت مصر حملة حقوقية ضخمة بعنوان “الولاية حقي”، للمطالبة بحق النساء بالولاية على أنفسهنّ وأطفالهن، على خلفية مناقشة مشروع قانون أحوال شخصية جديد للمسلمين في مجلس النواب، تضمّن بحسب القيمات على الحملة نصوصاً تمييزية.
تحظى القوانين المستقاة من الشرع في مصر بوضعية خاصة، نظراً لأهمية مرجعية الأزهر الفقهية في العالم الإسلامي، كنموذج عن الإسلام المعتدل، إلى جانب دوره المؤسساتي في الدولة.
سألنا الأزهر: هل في الشريعة الإسلامية ما يعطي مبرراً لعدم تعليم النساء أو منعهن من الخروج من المنزل؟ فجاءنا الرد من الدكتور أحمد بيبرس أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون وعضو مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية.
يكتب بيبرس: “ليس هناك دليل واحد على المنع من تعليم المرأة في الشريعة الإسلامية، بل اهتم الإسلام بتعليم النساء وتثقيفهن ولم يحرمهن من العلم ولا التعلم لأي مجال ترغبن فيه، وتتطلعن إليه من علوم الدين أو الدنيا. وجعل الإسلام التعليم حقاً للمرأة لا يجوز لوليها سواء كان والدها أو زوجها، أن يحرمها منه”.
ويضيفها بيبرس: “كانت السّيّدة عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين في بيت النبوة فقيهة ومرجعاً لكل صحابي يستحي من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر خاص. واستدركت على الصحابة فهمهم لبعض الأحاديث جمعت في مصنف كبير”.
أما في شأن الخروج من المنزل، فيوضح الأستاذ الأزهري: “لم تنه الشريعة عن خروج المرأة من بيتها لأن هذا تكليف بالمحال. لكن الشريعة أمرت النساء عموماً بأن أفضل حالات المرأة أن تلتزم بيتها وأن تقرّ في بينها إن لم يكن هناك داع للخروج كالتسوق، أو العمل، أو التعليم، أو زيارة أهلها، حتى يحسن لها الاهتداء والاقتداء بأمهات المؤمنينَ امتثالاً لقول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ” (سورة الأحزاب:33). وأن أسوأ حالاتها خروجها دون داع أو إذن”.
قد يرى بعضهم أن هذا التفسير يضع النساء في موقع القاصرات اللواتي لا يمتلكن حق الخروج من دون إذن، ما تعترض عليه نسويات سواء ذوات المرجعيات الفكرية الإسلامية أو غيرها.
بالنسبة لمها الأسود، الباحثة في قوانين وسياسات حقوق الإنسان والناشطة النسوية من مصر، المسألة ليست في إعادة تأويل الفقه، بل “في المنطلق الخاطئ، لأننا في القرن الحادي والعشرين، وما يجب أن يحكم البشر قوانين ذات مرجعية مدنية، لا تنطلق من ممارسة سلطة على أجساد النساء”.
“مواطنات وليس ولايا“
ترى الأسود أن هناك أزمة في النقاش حول قوانين الأحوال الشخصية في مصر، حتى وسط القوى التقدمية، وهي أن “كل الناس حدود خيالها هو تفسير الشريعة، وأن ديننا يحترم النساء لأن المرأة هي أمي وأختي وابنتي، فنحن بذلك كل شيء إلا مواطنات كاملات الأهلية ومتساويات أمام القانون”.
تقول الأسود أن كل فكرة جديدة في المجتمع تحارب، قبل أن تتبناها الأغلبية. “حين تحدثت نوال السعداوي عن الختان في الثمانينيات، كان الأمر صادماً للمجتمع، والآن ماذا؟ نجد الدولة كلها تهرع لتجريمه”.
توضح الأسود أنها مع احترامها لجهود النسوية الإسلامية وما يطلق عليه التيار التنويري، لكنها لا تعتقد أنهم ينطلقون من أرضية قد تؤدي إلى نتيجة. “لن نستطيع أن نتحايل على شيوخ، ونقول لهم يا عمي الشيخ أنا إنسانة لي حقوق زيي زيك، وهم في الأصل لا يرونني كذلك. لماذا يكون الأزهر أو الكنيسة مرجعية لي؟ لماذا لا تكون مرجعيتي المواطنة والمساواة بين البشر ونكون كلنا على قدم المساواة أمام القانون؟ أنا لا أريد أن أنتقد الأديان ولا أن أختلف مع المؤسسات الدينية، أريدها أن تترك لنا المجال العام، وتبقى في حدود اختصاصها”.
إلى جانب دراسة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، تعمل الكنائس المصرية أيضاً على إصدار قانون أحوال شخصية مسيحي. وفي ظل هذا الوضع الراهن، تقول الأسود أن الحل الأكثر عملية لا يكون بفرض قانون مدني موحد على الجميع، بل بقانون اختياري. “أنا مع حرية الاختيار، من خلال منحنا الخيار بقانون مدني. وأنا أتحدى عندها أن نجد أي امرأة تختار الزواج وفق المرجعية الدينية”.
برأي الناشطة المصرية ستكون “الحقوق الممنوحة للجميع في القانون المدني ضمانة لأي مقبلة على الزواج. لن يكون تعدد الزوجات مسموحاً، ولن يقع طلاق إلا أمام قاض، كما أن المنتمين إلى أديان مختلفة سيتمكنون من الارتباط”.
وتعتقد مها أنه “بمرور الزمن وخوض المزيد من المعارك، ستندثر القوانين الدينية التي تنصب الذكور أوصياء على النساء إلى غير رجعة”.
[ad_2]
Source link