هل تصونوا الخبز والملح؟ … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين – فلسطين المحتلة
إيسايكو: هل تصونوا الخبز والملح؟ … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين – فلسطين المحتلة
من اروع ما قرأت انه دخل رجلٌ اسمه محمود الى مطعم في مدينة وطلب رغيف خبز فأكل نصفه فقط وترك النصف الأخر وخرج وفي كل يوم كان يفعل ذلك فانتبه اليه رجلٌ اسمه احمد فسأله بكل ادب : لماذا تأكل نصف الرغيف وتترك نصفه في كل يوم
فقال الرجل :لقد سافرت الى بلاد كثيرة ولم اجد من يصون الخبز والملح … فأنا اكل نصف الرغيف واشبع ولا اجد من يستحق ان يأكل نصفه الثاني .
قال له احمد: انت اليوم ضيف عندي… وجاء الموعد وكان احمد يعيش في بيته مع امه وبنت عمه التي يحبها وعلى وشك الزواج بها ، وطرق الضيف محمود الباب ، ففتحت له اخته فرأها ففتن بها محمود وبعد الغداء ..
قال احمد لمحمود : اريد ان استحلفك بالله أن تصون الخبز والملح والزاد ولا ترد طلبي من الفتاة التي فتحت الباب
قال: إنها اختي
فقال: اريد الزواج منها..
فسكت احمد ثم قال برجولة : هي لك … وتصافحا وقرأا الفاتحة
سافر محمود مع عروسه ليعيشا في مدينة مجاورة وبعد فترة من الزمن ماتت ام احمد ، وحصلت حرب وخسر احمد تجارته وباع بيته ، ليأكل بثمنه ، ولم يبق عنده إلا شيء يسير. …. فقرر ان يسافر الى نسيبه محمود.. وحين وصل علم ان نسيبه اصبح من الاغنياء ولديه قصر فتوجه لقصره وطلب من الخادمة مقابلة نسيبه فعادت الخادمة تحمل { كيسا من النقود الذهبية }وأعطته اياه
فقال لها: انا اريد مقابلة نسيبي محمود ورمى بكيس النقود فانفرطت الليرات الذهبية على الأرض وتركها وفي عينيه دمعة كبيرة… ومضت الايام و انتهت نقود احمد ولم يعد معه اي شيء وأصبح ينام في المساجد و الشوارع والأزقة وليس عنده شيء سوى الصلاة والدعاء وذات يوم كان في مسجد فأتاه رجل كبير وقور وسأله عن حاله فقال اني لا اجد قوت يومي وشكا له كل قصته..
فقال له الرجل : لماذا لا تعمل معي في التجارة؟ فوافق احمد
وفعلا بدأ احمد يعمل بالتجارة مع الرجل الكبير ، الى ان اصبح تاجراً مستقلا بنفسه ومن الاغنياء واشترى قصرا له وكان محسنا للجميع وذات يوم جاءت امرأة كبيرة في السن وطلبت من احمد ان تعمل على خدمته في القصر مقابل معيشتها فقبل جبينها ووافق وجعلها معززة مكرمة في بيته وكانت له كانها ام حقيقة، ثم قالت له ان هناك فتـاة فقيرة قريبة لي تريد العمل معي في القصر ، فوافق بقلبه الطيب المعتاد ، وبدأت المرأة تزين الفتاة وتلبسها الثياب الجميلة وكانت فتاة فاتنة الجمال الى ان رآها احمد وتعلق بها واحبها وطلب الزواج منها وفعلا سهلت له الامور المرأة الكبيرة وحددت موعد الزفاف فتم دعوة كبار التجار والآثرياء للزفاف ودخل محمود قصر احمد فقال له احمد معاتبـاً: اتيت لزيارتك فبعثت خادمتك بكيس النقود وكأني متسول ؟
هل انت تصون الخبز والملح والزاد كما تدعي؟ .
ابتسم محمود وقال : اني نظرت من شباك القصر فوجدت حالك البائسة التي اتيت بها، فأرسلت لك النقود لتصلح بها حالك امام اختك التي زوجتني اياها
ولكن كرامتك ابت عليك اخذ النقود وفهمت قصدي خطأ فاحترت ماذا افعل من اجلك وكيف ارد لك الجميل واصون الخبز والملح بيننا..
هل تعلم من هو الرجل الكبير الذي شغلك في التجارة انه{ أبي} … و{ المرأة } التي تخدمك في بيتك هي أمي وأنا اليوم اتيتك لأحضر عرس ( أختي)
ثم اشار بيده فدخلت اخته تجر في يدها طفل وطفلة، واقتربت من اخيها احمد ، وقدمت له طفلها الجميل فسأله: شو اسمك حبيبي فقال انا اسمي احمد .. كاد ان يبكي من هول المفاجاة.. لا يعرف لماذا… تداركت العروس الموقف فجاءت امسكت يده وأجلسته، وجلس محمود معهم ، واكتمل الفرح واجتمع شمل الاحبة .. واخيرا أحضر محمود نصف رغيف وقسمه واعطى نصفه لاحمد …..
إنهم الذين يصونوا الخبز والملح والزاد…
إن من الأخلاق الحميدة التي توارثناها أن لا نرمي حجراً في البئر الذي نشرب منه
ان نصون المعروف
ان لا ننسى فضل الناس
ان نسامح ونتسامح ولا نتحارب من اول زلة
ان نتعاون ونساعد بعضنا ونحب الخير للجميع
ان لا نتحاسد ولا نتباغض لاتفه الاسباب
وان نكون رجالا حقيقيين بمواقفنا وتصرفاتنا
كم نحن بحاجة لمن يحفظ خبزنا وملحنا وزادنا .. في زمن مفعم بانعدام الاخلاق وقلة الاصل والخيانة والغدر وعلاقات المصالح فقط
نسال الله ان يصلح احوالنا
وان نسترجع أخلاقنا الأصيلة الفطرية التي تتمحور حول الشهامة والنخوة … والصدق.