“متلازمة هافانا”: سلاح جاسوسية شديد السرية أم تخيلات؟
[ad_1]
- غوردون كوريرا
- مراسل بي بي سي نيوز للشؤون الأمنية
يحاول أطباء وعلماء ورجال مخابرات ومسؤولون حكوميون الوصول إلى أسرار “متلازمة هافانا”، وهو مرض غامض أصاب دبلوماسيين وجواسيس أمريكيين.
ويعتبرها البعض عملا من أعمال الحرب، ويتساءل البعض الآخر عما إذا كانت شكلا جديدا وسريا من المراقبة، ويعتقد البعض أن الأمر برمته قد يكون مجرد تهيآت. إذن من أو ما السبب وراء ذلك؟
وغالبا ما يبدأ بصوت، يكافح الناس لوصفه حيث يتراوح الوصف بين “الطنين”، و”طحن المعدن” و”الصرير الثاقب للأذن”، كان ذلك أفضل ما استطاعوا التوصل إليه في وصفهم لما يحدث.
فقد وصفت إحدى النساء طنينا منخفضا وضغطا شديدا في جمجمتها، وشعر آخر بالألم جراء الصوت، وأولئك الذين لم يسمعوا صوتا شعروا بالحرارة أو الضغط، وأما الذين سمعوا الصوت فلم تحدث تغطية آذانهم أي فرق، وعاني بعض الأشخاص الذين أصابتهم هذه المتلازمة من الدوخة والإرهاق لأشهر.
وظهرت متلازمة هافانا لأول مرة في كوبا عام 2016. وكانت الحالات الأولى قد ظهرت عند ضباط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية مما يعني أن الأمر ظل طي الكتمان، لكن في النهاية انتشر الخبر كما انتشر القلق. وأبلغ 26 شخصا وأفراد أسرهم عن مجموعة متنوعة من الأعراض. وكانت هناك همسات بأن بعض الزملاء الذين يعتقد أنهم يعانون منها هم في الواقع مجانين وأن الأمر “تهيآت ذهنية”.
وكما قيل لبي بي سي، فإنه الآن وبعد مرور 5 سنوات بات عدد التقارير التي تتناول هذه المسألة بالمئات وتأتي من كل القارات مما يترك تأثيرا حقيقيا على قدرة الولايات المتحدة على العمل في الخارج.
وأصبح الكشف عن الحقيقة الآن أولوية قصوى للأمن القومي للولايات المتحدة، وهي أولوية وصفها أحد المسؤولين بأنها أصعب تحد استخباراتي واجهوه على الإطلاق.
كان الدليل القاطع بعيد المنال، مما جعل المتلازمة ساحة معركة للنظريات المتنافسة حيث يرى البعض أنها مرض نفسي في حين يعتبرها البعض الآخر سلاحاً سرياً. لكن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تركز على الموجات المتناهية الصغر (الميكرويف) باعتبارها التفسير المحتمل.
وتمت استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا في عام 2015 بعد عقود من العداء، لكن في غضون عامين، كادت متلازمة هافانا تؤدي إلى إغلاق السفارة حيث تم سحب الموظفين بسبب مخاوف على سلامتهم.
في البداية، كانت هناك تكهنات بأن الحكومة الكوبية، أو تياراً متشدداً فيها يعارض تحسين علاقات البلدين، قد يكون مسؤولاً بعد أن نشر نوعا من الأسلحة الصوتية. فبصفة عامة، كانت أجهزة الأمن الكوبية متوترة بشأن تدفق الأمريكيين على هافانا وشددت قبضتها على العاصمة.
لكن ظهر في الآونة الأخيرة احتمال آخر تكمن جذوره في الفترات الأكثر قتامة للحرب الباردة حيث تصادم العلم والطب والتجسس والجغرافيا السياسية.
وعندما قرأ البروفيسور جيمس لين، الأستاذ في جامعة إلينوي، التقارير الأولى عن الأصوات الغامضة في هافانا، اشتبه على الفور في أن الموجات المتناهية الصغر هي المسؤولة عن ذلك، ولم يكن اعتقاده قائما على البحث النظري فحسب بل على الخبرة المباشرة حيث أنه كان قد خبر تلك الأصوات بنفسه قبل عقود.
فمنذ ظهور الموجات متناهية الصغر خلال الحرب العالمية الثانية، كانت هناك تقارير عن أشخاص قادرين على سماع شيء ما عندما يتم تشغيل رادار قريب ليبدأ في إرسال الموجات المتناهية الصغر في السماء، وقد حدث ذلك على الرغم من عدم وجود ضوضاء خارجية.
وفي عام 1961 ، جادل الدكتور ألين فراي في ورقة بحثية بأن الأصوات كانت ناجمة عن تفاعل الموجات المتناهية الصغر مع الجهاز العصبي مما أدى إلبروز مصطلح “تأثير فراي”، لكن الأسباب الدقيقة، والتداعيات، ظلت غير واضحة.
في سبعينيات القرن الماضي، بدأ البروفيسور لين العمل في إجراء تجاربه في جامعة واشنطن. جلس على كرسي خشبي في غرفة صغيرة مبطنة بمواد تمتص الصوت، وكان هناك هوائي موجها إلى مؤخرة رأسه، وفي يده أمسك مفتاح الضوء. وفي الخارج، أرسل أحد الزملاء نبضات من الموجات متناهية الصغر عبر الهوائي على فترات عشوائية، فإذا سمع البروفيسور لين صوتا فإنه يضغط على المفتاح.
بدت نبضة واحدة مثل الصفير أو إصبع النقر فيما بدت سلسلة من النبضات مثل زقزقة عصفور. لقد تم إنتاج تلك الأصوات في رأسه وليس كموجات صوتية قادمة من الخارج.
ويعتقد البروفيسور لين أن الطاقة تمتصها أنسجة المخ الرخوة وتحولها إلى موجة ضغط تتحرك داخل الرأس والتي فسرها الدماغ على أنها صوت. حدث هذا لدى استقبال موجات متناهية الصغر من فرن ميكرويف حديث أو أجهزة أخرى.
ويتذكر البروفيسور لين أنه كان حريصا على عدم التواصل مع زميله بصوت عال. وقال لبي بي سي: “لم أكن أريد أن يصاب دماغي بأضرار”.
وفي عام 1978، وجد البروفيسور أنه لم يكن وحيدا في اهتمامه بهذا الأمر حيث تلقى دعوة غير عادية لمناقشة أحدث أوراقه من مجموعة من العلماء الذين كانوا يجرون تجاربهم الخاصة.
وكان العلم خلال الحرب الباردة هو بؤرة التنافس الشديد بين القوى العظمى حيث تم اكتشاف مناطق التحكم في الدماغ وسط مخاوف من تفوق الجانب الآخر، وشمل ذلك الموجات متناهية الصغر.
وقد عُرض على الأستاذ لين النهج السوفيتي في مركز للبحث العلمي في مدينة بوشينو، بالقرب من موسكو. ويتذكر البروفيسور لين ذلك: “كان لديهم معمل دقيق للغاية ومجهز تجهيزا جيدا”. لكن تجربتهم كانت أكثر خطورة من تجربته.
كان الأشخاص الذين تجرى عليه التجربة يجلسون في أسطوانات مليئة بمياه البحر المالحة مع بروز رؤوسهم، ثم يتم إطلاق الموجات المتناهية الصغر على أدمغتهم، واعتقد العلماء أن الموجات المتناهية الصغر تتفاعل مع الجهاز العصبي وأرادوا سؤال البروفيسور لين عن وجهة نظره البديلة.
وواصل الجواسيس الأمريكيون متابعة الأبحاث السوفيتية عن كثب. ويقول تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية عام 1976 واكتشفته بي بي سي إنه لم يتم العثور على دليل على وجود أسلحة موجات متناهية الصغر بحوزة الكتلة الشيوعية، لكنه يقول إنه علم بتجارب تم فيها بث موجات متناهية الصغر على حلق ضفادع حتى توقفت قلوبها.
ويكشف التقرير أيضا أن الولايات المتحدة كانت قلقة من إمكانية استخدام الموجات الدقيقة السوفيتية لإعاقة وظائف المخ أو لانتاج أصوات لها تأثير نفسي “إن أبحاثهم الداخلية حول الإدراك السليم تتمتع بإمكانات كبيرة للتطوير إلى نظام لإرباك أو تعطيل أنماط سلوك الأفراد العسكريين أو الدبلوماسيين”.
كانت المصلحة الأمريكية أكثر من مجرد دفاعية، فقد كان جيمس لين يلمح أحيانا إشارات إلى العمل الأمريكي السري على أسلحة في نفس المجال.
وبينما كان البروفيسور لين في بوشينو، كانت مجموعة أخرى من الأمريكيين قلقة من تعرضها للموجات متناهية الصغر، وأن حكومتهم قد قامت بالتستر على الأمر.
فلما يقرب من ربع قرن، غمر السفارة الأمريكية في موسكو، المكونة من 10 طوابق، شعاع عريض غير مرئي من الموجات المتناهية الصغر منخفضة المستوى. وأصبح هذا الأمر يعرف باسم “إشارة موسكو”، لكن لم يعرف معظم العاملين بالداخل شيئا عن ذلك لسنوات عديدة.
وجاء الشعاع من هوائي على شرفة شقة قريبة وضرب الطوابق العليا من السفارة حيث كان يوجد مكتب السفير والأعمال الأكثر حساسية. وقد تم رصده لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي ثم تم رصده لاحقا من غرفة في الطابق العاشر. لكن ظل الأمر سرا لدى جميع العاملين في الداخل باستثناء القليل منهم.
ويوضح جاك ماتلوك، الرجل الثاني في السفارة في منتصف السبعينيات: “كنا نحاول معرفة ما قد يكون الغرض منه”.
لكن السفير الجديد، والتر ستوسيل الذي وصل في عام 1974 هدد بالاستقالة ما لم يتم إخبار الجميع. ويتذكر ماتلوك: “لقد تسبب ذلك فيانتشار شيء كالذعر”. كان موظفو السفارة الذين كان أطفالهم في حضانة في الطابق السفلي قلقين بشكل خاص. لكن وزارة الخارجية قللت من شأن أي مخاطر.
ثم مرض السفير ستوسيل نفسه، حيث عانى من نزيف في العين كأحد الأعراض. وفي مكالمة هاتفية عام 1975 رفعت عنها السرية الآن للسفير السوفيتي في واشنطن، ربط وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر مرض ستوسيل بالموجات متناهية الصغر، معترفا “بأننا نحاول عدم إثارة الأمر”. وتوفي ستوسيل بسرطان الدم عن عمر يناهز 66 عاما. وقالت ابنته لبي بي سي: “لقد قرر أن يلعب دور الجندي الصالح”، وألا يثير ضجة.
ومن عام 1976 تم تركيب فلاتر لحماية الناس. لكن العديد من الدبلوماسيين كانوا غاضبين معتقدين أن وزارة الخارجية التزمت الصمت في البداية، ثم قاومت الاعتراف بأي تأثير محتمل على الصحة، وكان ذلك ادعاء تردد صداه بعد عقود مع متلازمة هافانا.
لماذا كانت إشارة موسكو؟ يقول ماتلوك: “أنا متأكد من أن السوفييت كانت لديهم نوايا أخرى غير إلحاق الضرر بنا”. لقد كانوا متقدمين على الولايات المتحدة في تكنولوجيا المراقبة وكانت إحدى النظريات تقول إن الموجات المتناهية الصغر المرتدة من النوافذ كانت لالتقاط المحادثات، وتقول نظرية أخرى إنهم كانوا يقومون بتنشيط أجهزة الاستماع الخاصة بهم المخبأة داخل المبنى أو التقاط المعلومات من خلال الموجات متناهية الصغر التي تضرب الأجهزة الإلكترونية الأمريكية.
وأخبر السوفييت ماتلوك في وقت ما أن الغرض كان في الواقع هو التشويش على المعدات الأمريكية على سطح السفارة والمستخدمة لاعتراض الاتصالات السوفيتية في موسكو.
هذا هو عالم الجاسوسية والجاسوسية المضادة، عالم سري للغاية لدرجة أنه حتى داخل السفارات والحكومات لا يعرف سوى عدد قليل من الناس الصورة الكاملة.
وتقول إحدى النظريات إن الأمر تضمن طريقة أكثر استهدافا لتنفيذ نوع من المراقبة باستخدام الموجات المتناهية الصغر الموجهة. وقال مسؤول سابق في المخابرات البريطانية لبي بي سي إنه يمكن استخدام الموجات الدقيقة لتوجيه الأجهزة الإلكترونية لاستخراج الإشارات أو التعرف عليها وتتبعها.
ويتكهن البعض الآخر بأن جهازا (حتى لو كان أمريكيا) ربما يكون قد تم تصميمه بشكل سيئ أو به عطل وتسبب في رد فعل جسدي لدى بعض الأشخاص. ومع ذلك، قال مسؤولون أمريكيون لبي بي سي إنه لم يتم التعرف على أي جهاز أو استعادته.
بعد فترة هدوء، بدأت الحالات تنتشر في بلاد أخرى غير كوبا. في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، استيقظ مارك بوليمروبولوس، وهو ضابط كبير في وكالة المخابرات المركزية، فجأة في غرفة فندق بموسكو. كان في المدينة للقاء نظرائه الروس. وقال لبي بي سي: “كانت أذني تطن ورأسي يدور، شعرت وكأنني سأتقيأ، لم أستطع الوقوف، لقد كان الأمر مرعبا”، فقد مر عام على أول حالات متلازمة هافانا، لكن المكتب الطبي لوكالة المخابرات المركزية أخبره أن أعراضه لا تتطابق مع الحالات الكوبية.
بدأت معركة طويلة من أجل العلاج الطبي لكن لم يختفِ الصداع الشديد أبدا، وفي صيف عام 2019 أُجبر على التقاعد.
اعتقد بوليمروبولوس في البداية أنه قد تعرض لنوع من أدوات المراقبة التي “تم الكشف عنها”. ولكن عندما ظهرت المزيد من الحالات في وكالة المخابرات المركزية والتي كانت جميعها، كما يقول، مرتبطة بأشخاص يعملون في روسيا أصبح يعتقد أنه استُهدف بسلاح.
ولكن بعد ذلك جاءت الصين بما في ذلك القنصلية الأمريكية في غوانغتشو في أوائل عام 2018.
اتصل بعض المتضررين في الصين ببياتريس غولومب، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو والتي تبحث منذ فترة طويلة في الآثار الصحية للموجات المتناهية الصغر، فضلا عن أمراض أخرى غامضة.
وقالت لبي بي سي إنها كتبت إلى الفريق الطبي بوزارة الخارجية في يناير/كانون الثاني من عام 2018 مع وصف تفصيلي لسبب اعتقادها أن الموجات الدقيقة هي المسؤولة عن ذلك. كان الرد غير الملزم هو”هذا يجعل القراءة ممتعة”.
وتقول البروفيسور غولومب إن مستويات عالية من الإشعاع تم تسجيلها من قبل أفراد عائلات العاملين في قنصلية غوانغتشو باستخدام المعدات المتاحة تجاريا. “تجاوز المؤشر أعلى درجات القراءات المتاحة” لكنها تقول إن وزارة الخارجية أبلغت موظفيها بأن القياسات التي أخذوها سرية.
وواجهت التحقيقات المبكرة مجموعة من المشاكل حيث كان هناك فشل في جمع بيانات متسقة. فقد فشلت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية في التواصل مع بعضهما البعض، وتسبب تشكك فرقهم الطبية الداخلية في حدوث توتر.
وتم تحديد حالة واحدة فقط من أصل 9 حالات من الصين في البداية من قبل وزارة الخارجية لتتناسب مع معايير المتلازمة بناء على حالات هافانا. وأدى ذلك إلى غضب الآخرين الذين عانوا من الأعراض وشعروا كما لو أنهم متهمون باختلاقها، فبدأوا معركة من أجل المساواة في المعاملة والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ومع تزايد الإحباط، لجأ بعض المتضررين إلى مارك زيد، المحامي المتخصص في قضايا الأمن القومي والذي يعمل الآن لصالح حوالي 20 موظفا حكوميا نصفهم من اجهزة المخابرات.
ويقول زيد، الذي تأثر عملاؤه في العديد من المواقع :”هذه ليست متلازمة هافانا. إنها تسمية خاطئة، ربما عرفت حكومة الولايات المتحدة ما يجري بناء على الأدلة التي رأتها منذ أواخر الستينيات”.
ومنذ عام 2013، يمثل زيج موظفا في وكالة الأمن القومي الأمريكية كان يعتقد أنه تعرض للأذى في عام 1996 في موقع لا يزال سريا.
ويتساءل زيد عن سبب عدم رغبة الحكومة الأمريكية في الاعتراف بتاريخ أبكر لهذه المسألة. ويقول إن أحد الاحتمالات هو أنه قد يفتح صندوقا سريا للحوادث التي تم تجاهلها على مر السنين، والسبب الآخر هو أن الولايات المتحدة قد طورت أيضا وربما نشرت أجهزة موجات متناهية الصغر بنفسها وتريد أن تبقيها سرية.
وامتد اهتمام الدولة بسلاح الموجات الدقيقة إلى ما بعد نهاية الحرب الباردة.
وتشير التقارير إلى أنه كان لدى القوات الجوية الأمريكية منذ التسعينيات مشروع يحمل الاسم الرمزي “هالو” لمعرفة ما إذا كانت الموجات الدقيقة يمكن أن تخلق أصواتا مزعجة في رؤوس الناس، وأطلق على أحدها “غودباي” لاختبار استخدامها للتحكم في الحشود، والآخر يحمل الاسم الرمزي “غودنتيت” لرؤية إذا كان من الممكن استخدامها لقتل الناس.
وأشارت التقارير التي صدرت قبل عقد من الزمن إلى أن تلك المشروعات لم يثبت نجاحها.
لكن دراسة العقل وما يمكن عمله به حظيت بتركيز متزايد في عالم الجيش والأمن.
ويقول جيمس غيوردان، مستشار وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” وأستاذ علم الأعصاب والكيمياء الحيوية بجامعة جورجتاون الذي طُلب منه النظر في حالات هافانا الأولية: “يُنظر إلى الدماغ على أنه موقع معركة القرن الحادي والعشرين، وعلوم الدماغ عالمية، فالأمر لا يقتصر على الغرب فقط”.
وقال لبي بي سي إنه يُجرى العمل على طرق لزيادة وإتلاف وظائف المخ. لكنه مجال قليل الشفافية أو القواعد.
ويضيف قائلا إن الصين وروسيا قد انخرطتا في أبحاث الموجات متناهية الصغر ويثير احتمال أن الأدوات التي تم تطويرها للاستخدامات الصناعية والتجارية، على سبيل المثال لاختبار تأثير الموجات الدقيقة على المواد، يمكن إعادة تصميمها لاستخدامات أخرى. لكنه يتساءل عما إذا كان الاضطراب ونشر الخوف هما الهدف أيضا.
وقد تكون هذه التكنولوجيا موجوده منذ فترة، وربما تم استخدامها بشكل انتقائي، لكن هذا يعني أن شيئا ما قد تغير في كوبا حتى يتم ملاحظته.
كان بيل إيفانينا مسؤولا استخباراتيا كبيرا عندما ظهرت حالات هافانا، واستقال من منصبه كرئيس للمركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن هذا العام. وهو لديه القليل من الشك حول ما حدث في هافانا. وقال لبي بي سي “هل كان سلاحا هجوميا؟ أعتقد أنه كان كذلك”.
ويعتقد أنه ربما تم نشر الموجات الدقيقة في النزاعات العسكرية الأخيرة، لكنه يشير إلى ظروف محددة لتفسير التحول.
كانت كوبا، التي تقع على بعد 90 ميلا من ساحل فلوريدا، موقعا مثاليا منذ فترة طويلة لجمع “معلومات استخباراتية” عن طريق اعتراض الاتصالات.
كما كانت كوبا خلال الحرب الباردة مقرا لمحطة تنصت سوفييتية رئيسية. وأشارت تقارير إلى أنه عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كوبا في عام 2014 أُعيد فتح تلك المحطة. كما فتحت الصين موقعين في السنوات الأخيرة، بحسب أحد المصادر، بينما أرسل الروس 30 ضابط استخبارات إضافي للموقعين.
لكن منذ عام 2015، عادت الولايات المتحدة إلى هافانا مع افتتاح سفارتها حديثا وتعزيز وجودها، وكانت الولايات المتحدة قد بدأت للتو في ترسيخ قدمها هناك وجمع المعلومات الاستخبارية ومواجهة الجواسيس الروس والصينيين. ويتذكر أحدهم: “كنا نخوض معركة برية”.
ثم بدأت الأصوات.
ويسأل إيفانينا قائلا:”من أكبر المستفيدين من إغلاق السفارة في هافانا؟، إذا كانت الحكومة الروسية تصعد عملية جمع المعلومات الاستخبارية في كوبا فربما لم يكن من الجيد لها أن تكون الولايات المتحدة هناك”.
ونفت روسيا مرارا الاتهامات بأنها متورطة أو “وجهت أسلحة تعمل بالموجات الدقيقة”. وقالت وزارة الخارجية الروسية: “لا يمكن اعتبار مثل هذه التخمينات الاستفزازية التي لا أساس لها والافتراضات الخيالية مسألة جدية للتعليق عليها”.
وكان هناك متشككون حول وجود متلازمة هافانا، ويجادلون بأن الوضع الفريد في كوبا يدعم موقفهم.
الإجهاد “المعدي”
درس البروفيسور روبرت دابليو بالوه، أستاذ طب الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، لفترة طويلة الأعراض الصحية غير المبررة. وعندما رأى تقارير متلازمة هافانا خلص إلى أنها حالة نفسية جماعية.
وقارن بالوه هذه الحالة بالطريقة التي يشعر بها الناس بالمرض عندما يُقال لهم إنهم تناولوا طعاما ملوثا حتى لو لم يكن الطعام ملوثاً فعلاً، عكس تأثير الدواء الوهمي. ويقول: “عندما ترى مرضا نفسيا جماعيا فعادة ما يكون هناك بعض المواقف الكامنة المجهدة، وفي حالة كوبا وموظفي السفارة، لا سيما عملاء وكالة المخابرات المركزية الذين تضرروا أولا، كانوا بالتأكيد في وضع مرهق”.
ويضيف قائلا إن الأعراض اليومية مثل ضباب الدماغ والدوار يتم إعادة تأطيرها، من قبل المصابين ووسائل الإعلام والأطباء، على أنها متلازمة، و”الأعراض حقيقية مثل أي أعراض أخرى”. ويجادل بأن الأفراد أصبحوا أكثر وعيا وخوفا مع انتشار التقارير خاصة داخل مجتمع مغلق. وهو يعتقد أن الأمر أصبح معديا بين المسؤولين الأمريكيين الآخرين الذين يخدمون في الخارج.
ومازال هناك العديد من الأمور العصية على التفسير. و يسأل مارك زيد لماذا أبلغ دبلوماسيون كنديون عن أعراض في هافانا؟ هل ما حدث لهم جاء على هامش استهداف الأمريكيين القريبين منهم؟ ولماذا لم يبلغ أي مسؤولين بريطانيين عن الأعراض؟ “لقد حاول الروس حرفيا قتل أشخاص على الأراضي البريطانية في السنوات الأخيرة بمواد مشعة، ولكن لماذا لم يتم الإبلاغ عن حالات لمتلازمة هافانا؟”. ويجيب بيل إيفانينا، أن الولايات المتحدة تشارك الآن التفاصيل مع الحلفاء لتحديد الحالات: “من المحتمل أن أتوقف عند مقولة إنه لا أحد في المملكة المتحدة قد عانى من أي أعراض”.
كما أنه قد تكون هناك بعض الحالات غير ذات صلة. ويقول مسؤول سابق: “كانت لدينا مجموعة من العسكريين في الشرق الأوسط زعموا أنهم تعرضوا للموجات متناهية الصغر، وتبين أنهم أصيبوا بتسمم غذائي”. ويقول مارك زيد: “نحن بحاجة إلى فصل القمح عن القشر”، مضيفا أن بعض أفراد الجمهور يعاني من مشاكل نفسية حيث يذهبون إليه مدعين أنهم يعانون من هجمات الموجات متناهية الصغر.
ويعتقد مسؤول سابق أن حوالي نصف الحالات التي أبلغ عنها المسؤولون الأمريكيون ربما تكون مرتبطة بهجمات من قبل خصم. ويقول آخرون إن الرقم الحقيقي قد يكون أقل من ذلك.
كان تقرير ديسمبر/كانون الثاني من عام 2020 الصادر عن الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم لحظة محورية حيث أخذ الخبراء أدلة من العلماء والأطباء بالإضافة إلى 8 ضحايا.
ويتذكر البروفيسور ديفيد ريلمان من جامعة ستانفورد، الذي ترأس اللجنة: “لقد كان الأمر مثيرا للغاية، كان بعض هؤلاء الأشخاص مختبئين حرفيا خوفا من اتخاذ المزيد من الإجراءات ضدهم من قبل أي شخص. كانت هناك بالفعل احتياطات يتعين علينا اتخاذها لضمان سلامتهم”.
وقد نظرت اللجنة في الأسباب النفسية وغيرها، لكنها خلصت إلى أن الموجات الدقيقة الموجهة ذات الطاقة العالية والنبضات كانت على الأرجح مسؤولة عن بعض الحالات، على غرار وجهة نظر جيمس لين، الذي قدم الأدلة.
لكن على الرغم من أن وزارة الخارجية رعت الدراسة، إلا أنها لا تزال تعتبر الاستنتاج مجرد فرضية معقولة ويقول المسؤولون إنهم لم يعثروا على دليل إضافي يدعمها.
وأشارت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنها تأخذ القضية على محمل الجد. ويتم تقديم المشورة لمسؤولي وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية حول كيفية التعامل مع الحوادث (بما في ذلك “مغادرة الموقع إكس”، أي الانتقال من مكان ما إذا شعر المرءأنه يتعرض فيه للموجات).
وشكلت وزارة الخارجية فريق عمل لدعم الموظفين فيما يسمى الآن “الحوادث الصحية الغامضة”. وتم التخلي عن المحاولات السابقة لتصنيف الحالات من حيث استيفائها لمعايير محددة. لكن بدون تحديد التعريف، يصبح العد أكثر صعوبة.
ظهرت موجة جديدة من الحالات هذا العام، بما في ذلك في العاصمة الألمانية برلين ومجموعة أكبر في العاصمة النمساوية فيينا. وفي أغسطس/آب الماضي، تم تأجيل رحلة نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس إلى فيتنام 3 ساعات بسبب الإبلاغ عن حالة في السفارة في هانوي. ويطرح الدبلوماسيون القلقون الآن أسئلة قبل تولي مهام في الخارج مع عائلاتهم.
ويقول بوليمروبولوس الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الذي تلقى أخيرا العلاج الطبي الذي أراده هذا العام: “هذا مصدر إلهاء كبير لنا إذا اعتقدنا أن الروس يفعلون أشياء لضباط استخباراتنا الذين يسافرون إلى الخارج”.
وتولت وكالة المخابرات المركزية عملية البحث عن هذه الحالات حيث تولى أحد المحاربين القدامى، الذي قام بمطاردة أسامة بن لادن، مسؤولية هذا الملف.
علامات في الدم
ويعد اتهام دولة أخرى بأنها تلحق الأذى بالمسؤولين الأمريكيين أمرا له تبعاته.
ويقول بوليمروبولوس: “هذا عمل من أعمال الحرب”. وسيطلب صانعو السياسة أدلة دامغة، والتي يقول المسؤولون إنها لا تزال غير متوفرة حتى الآن.
وبعد مرور 5 سنوات، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين إنه لا يُعرف سوى القليل عن الوقت الذي بدأت فيه متلازمة هافانا. لكن آخرين يختلفون ويقولون إن الأدلة على وجود الموجات متناهية الصغر أقوى بكثير الآن، وإن لم تكن قطعية حتى الآن.
وعلمت بي بي سي أن أدلة جديدة بدأت بالظهور بينما يتم جمع البيانات وتحليلها بشكل أكثر منهجية لأول مرة. وأظهرت بعض حالات هذا العام علامات محددة في الدم تشير إلى إصابة في الدماغ. وتتلاشى هذه العلامات بعد بضعة أيام وكان يتطلب اكتشاف ذلك سابقاً الكثير من الوقت. ولكن الآن بعد أن تم اختبار الأشخاص بسرعة أكبر بعد الإبلاغ عن الأعراض فقد تمت رؤيتها لأول مرة.
ومازال الجدل حول هذه المسألة مثيرا للانقسام، وقد تكون هناك حالات حقيقية وأخرى ليست كذلك. ويثير المسؤولون احتمال أن التكنولوجيا والغرض منها قد تغيرتا بمرور الوقت، وربما تحولت لمحاولة زعزعة استقرار الولايات المتحدة حتى أن البعض قلق من أن دولة ما تجاري ما تقوم به أخرى.
ويجادل البروفيسور ريلمان: “نحن نحب التشخيص البسيط لكن في بعض الأحيان يكون من الصعب تحقيق ذلك. وعندما لا نستطيع علينا أن نكون حريصين للغاية”.
قد يكون غموض متلازمة هافانا هو قوتها الحقيقية. ويعمل الغموض والخوف على تعزيزها مما يجعل المزيد من الناس يتساءلون عما إذا كانوا يعانون، ويجعل من الصعب على الجواسيس والدبلوماسيين العمل في الخارج، فحتى لو كانت متلازمة هافانا بدأت كحادثة محددة بدقة فقد تكون قد طورت حياة خاصة بها.
الرسوم التوضيحية بواسطة جيري فليتشر
[ad_2]
Source link