انسحابا فوضويا … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
إيسايكو: انسحابا فوضويا … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
جميعنا يرفض التدخل الخارجي مهما كان منطق ذلك التدخل سواء أكان عسكريا أم فكريا، عربيا أم أجنبيا، مسلما أم كافرا، فالجميع يطمح لعيش حياة كريمة في وطنه من غير تدخل خارجي، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية بتدخلها في شؤون أفغانستان، أو احتلالها بصريح العبارة!
ولكن! بعد عشرين عاما انسحب الجيش الأمريكي من أرض أفغانستان بشكل فوضوي أشبه ما يكون بانسحاب الجيش العراقي من الكويت!!
من الواضح أنه لم تكن لدى أمريكا خطة حينما غزت أفغانستان، وإنما جاء نتيجة لهجمات 11 سبتمبر التي تحيي أمريكا ذكراها اليوم في مراسم رسمية، حيث كانت تهمة الاعتداءات على أمريكا العظمى تحوم حول أسامة بن لادن، فطالبت أمريكا حركة طالبان بتسليم ابن لادن لها، ومن منطلق عقائدي رفضت الحركة ذلك المطلب الذي اعتبرته مخالفا للولاء والبراء، فنتج عن ذلك المبدأ الطالباني غزو الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان وتفكيك حركة طالبان والقبض على ابن لادن ووضعه في صندوق محكم الإغلاق ورميه في بحر العرب! من دون اعتراض رسمي عربي أو إسلامي!
وبعد أن سيطرت أمريكا على أفغانستان بلا خطة وجنّدت المعارضين لحركة طالبان عسكريا وسياسيا وإعلاميا، فقد انسحبت أمريكا اليوم بلا خطة! وتركت أيتامها من خلفها يتشبثون بأطراف الطائرات وهي مقلعة ليسقطون منها أمواتا في أرض أفغانستان! فمالذي دفع بهم لتلك المغامرة التي لا يقبلها العقل؟ بالتأكيد فقد دفعهم لذلك تقديرهم السريع لردّ فعل فلول حركة طالبان حينما يتمكنون من السيطرة على الحكم.
فانسحاب أمريكا كان مفاجئا لهم، كما كان تقديرهم للموقف سريعا جدا، فلا تأمين مسبق للجيش الأمريكي العظيم، ولا تأمين مسبق للعملاء الأفغان!
نعم .. انسحبت أمريكا ثم بدأت التفاوض مع حركة طالبان لتسهيل انسحابهم!
غزو فوضوي! ثم انسحاب فوضوي!
فوضى عارمة بعد ذلك الغزو! وفوضى عارمة بعد ذلك الانسحاب!
ألم يكن جديرا بالولايات المتحدة الأمريكية أن ترسم خطة لذلك الانسحاب بهدف تأمين أرواح العملاء الذين ضحوا بأنفسهم لأجل أمريكا، وأيضا لتأمين أرواح الجيش الأمريكي حتى تحافظ على سمعتها وقوتها وقدرتها على رعاية وحماية عملائها؟ أليس ذلك الانسحاب مخيفا للعملاء؟ ويدعو لعدم التعاون معها مستقبلا أو حتى الاطمئنان لها؟
فمن غير المعقول أن تتخذ أمريكا قرارا بعيدا عن الواقع في الداخل الأفغاني! ألا يعلمون بأنه من نتائج ذلك الانسحاب الفوضوي قيام أنصار حركة طالبان بالانتقام من اخوانهم الأفغان العملاء للأمريكان تحت مسمى المترجمين!
فعلا فقد دخلت أفغانستان دائرة الفوضى ليقتص المظلوم من الظالم، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: من هو المستفيد من ذلك الغزو؟ ومن هو المستفيد من هذا الانسحاب؟
وهنا نستذكر ذلك المشهد القريب من المشهد الأمريكي، حينما قام العراق بردّ فعل فوضوي متمثلا بغزوه لأرض الكويت منتقما منها نتيجة لأوهام قد رسمها في مخيلته! دفعته لرفض جميع مساعي الخير والحكمة والتهدئة، في مقابل استخدامه القوة الغاشمة معتقدا بقدرته على تحقيق تلك الخطوة الهمجية بأقل الخسائر، وتحرير القدس الشريف من خلال سيطرته على دولة الكويت التي دعمت القضية الفلسطينية بالغالي والنفيس كما دعمت العراق في حرب الخليج الأولى! ليعيث العراق في الأرض قتلا وفسادا ثم ينسحب بشكل فوضوي أشبه ما يكون بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان! فترك من خلفه جيشه وعملائه بلا تأمين! تركهم هدفا مكشوفا للقوات المتحالفة الذين سخّرهم الله تعالى لنصرة المظلوم، والجميع يستذكر كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى حينما قال: ما عاد في كويت ولا في سعودية، في بلد واحد، يا نعيش سوا يا ننتهي سوا.
وعود على ذي بدء فما أشبه القرار الأمريكي بالقرار العراقي! فمن يعجز عن اتخاذ القرار في وقت السلم! سيعجز حتما عن اتخاذه في وقت الحرب!
ألا تعلم أمريكا بأن ذلك الانسحاب الأمريكي والانتقام الأفغاني سيعطي حركة طالبان قوة عسكرية، وتعاطفا شعبيا، يعزز موقفها ويدعم قدرتها على سيطرتها وفرض نفسها حاكما منفردا لأفغانستان.
فالمتتبع لسياسة أمريكا يعلم بأنها لن تقبل بخسارتها عسكريا من خلال ذلك الانسحاب! إلا أن تكون قد ابتدأت مشهدا جديدا يقوده وجه طالباني أمريكي بامتياز!