عام على انفجار مرفأ بيروت: أسئلة كثيرة بلا أجوبة
[ad_1]
- كارين طربيه
- مراسلة بي بي سي نيوز عربي – بيروت
على حائط قصير يسيّج منطقة المرفأ من جانب الطريق السريع على مدخل بيروت الغربي٬ تتزاحم أسماء قتلى الانفجار مع رسومات وشعارات.
بضعة أمتار اسمنتية تحولت الى نصب عفوي ومساحة لتعبير غير مؤطر عما يفجره مشهد المرفأ بعد الانفجار من مشاعر عند بعضهم.
من جانب، رسومات لمنازل ملوٌنة في بيروت المرممة٬ من جانب آخر، شعارات للصمود واتهامات للسلطة، وفي مكان ما في الوسط، رسم يجسّد العدالة على شكل امرأة معصوبة العينين.
فقد تكون العدالة العزاء الوحيد لضحايا بالآلاف للانفجار، وإن بدرجات متفاوتة. لكنها أيضا طيف بعيد .. قلة فقط تؤمن انها ستتحقق يوما ما.
لا أجوبة
بعد عام على التفجير، لا يعرف الناس في لبنان عن الانفجار أكثر مما انتشر من نظريات في الأيام الأولى بعد حصوله.
ليس من يقين بشأن تفاصيل تلك النكبة.
ما السبب الحقيقي لرسو باخرة نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت عام 2013؟ هل كانت وجهتها النهائية فعلا الموزمبيق؟ من هو مالك السفينة الحقيقي؟
لماذا بقيت حمولتها في العنبر رقم 13 في المرفأ منذ عام 2014 دون أن يتمٌ معالجة أمرها؟
ما كان السبب المباشر للانفجار؟ هل كان حادثا أم فعلا متعمدا؟
كم هي كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت بالفعل من أصل الحمولة الأساسية التي كانت تقدر بأكثر من طنين ونصف الطن؟
لا تزال كل هذه الأسئلة دون أجوبة.
حتى الحصيلة النهائية لقتلى التفجير ليست مؤكدة. مختلف الجهات الرسمية تتحدث عن أكثر من مائتي قتيل لكنها تقول أيضا إنها لا تستطيع إعطاء رقم محدد ومؤكد لعدد القتلى.
تحقيقات وتحقيق
مباشرة بعد وقوع الانفجار، حضرت فرق تحقيقات أجنبية الى المرفأ، من بينها فريق تحقيق فرنسي وآخر تابع لمكتب التحقيقات الفيديرالي الأمريكي الآف. بي. آي.
أكملت هذه الفرق التي تملك إمكانيات ضخمة جدا مقارنة بالقدرات الجنائية اللبنانية، تحقيقاتها، ولكن نتائج تلك التقارير بقيت سرية، وسُلّمت إلى السلطات القضائية اللبنانية.
خرجت بعض التسريبات الصحفية عن نتائج التحقيقات لكن ذلك لم يبدد الغموض بشأن كثير من التفاصيل المحيطة بما يُعتبر واحدا من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
بموازاة تلك التحقيقات، انطلق تحقيق رسمي لبناني تولاه قاضي تحقيق يُفترض أنه يملك صلاحيات مطلقة، لكن سرعان ما اصطدم هذا التحقيق بمعوقات، ظاهرها قانوني ودستوري فيما يرى كثيرون أنها ليست سوى التفاف على العدالة وإمكانية المحاسبة.
في البداية٬ سُلٌم الملف الى القاضي فادي صوان، وقد كٌفت يده عن القضية عقب طلبه استجواب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الاعمال وثلاثة وزراء سابقين.
بعد ذلك استلم القاضي طارق بيطار القضية. عاد وطلب استجواب نفس الأشخاص وآخرين، من بينهم قادة أمن حاليون وقضاة. حتى الآن لم يتمكن من استجواب أي منهم. بعضهم لديه حصانة نيابية لم ترفع وآخرون يتمتعون بحمايات إدارية.
ضد الحصانات
في موازاة تطوّر المسار القضائي٬ أطلقت عائلات الضحايا تحركا دوريا لدعم قاضي التحقيق، والضغط لتبيان الحقيقة.
في الرابع من كل شهر، كانت العائلات تعقد وقفة احتجاجية، يحمل خلالها الأهالي صور من فقدوا ويعتصمون بصمت مذكرين بقضيتهم التي يخشون أن تلحق بقضايا كثيرة أخرى في البلاد٬ لم ينته فيها التحقيق الى أي نتيجة ولم يُحاسب عليها أحد.
“تاريخ لبنان لا يعطي أملا بأن التحقيق سيفضي إلى نتيجة٬ ولكننا محكومون بالأمل من أجل أولادنا. إذا فقدنا الأمل لن نتمكن من العيش لأجلهم ولن يتمكنوا هم من الاستمرار”٬ تقول نادين حطيط التي فقدت زوجها ثروت في الرابع من آب.
كان في مركزه في الدفاع المدني في المرفأ يكلمها عبر الفيديو وفي الخلفية حريق كبي،٬ ثم وقع دوٌي انفجار هائل. وكان ما كان. بعد مقتل ثروت٬ وُلد ابنه الثاني. سمته أمه على اسم والده، ثروت. ثروت الصغير يبلغ اليوم سبعة أشهر.
في البداية٬ لم يكن لنادين أي أمل بالتحقيق لكنّ الوضع تبدل بعدما استلم القاضي بيطار القضية وبعد أن بدأت تلمس ضغطا متواصلا في الموضوع.
هذا الضغط تصاعد بعد أن تحوّلت الحصانات القانونية إلى عائق أمام استمرار القاضي بيطار في عمله، فأطلق أهالي الضحايا بدعم إعلامي وبحشد واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحركات وْصفت بانها معركة ضد الحصانات.
“إذا لا نضغط باستمرار٬ لن نصل الى نتيجة. الحق معنا وسنربح”٬ تقول آني فضوليان خلال احدى الوقفات الاحتجاجية امام قصر العدل. تعتصم بصمت وترفع صورا لابنتها غايا، التي قتلت في العشرينيات في عمرها، بالانفجار.
“إذا كانوا بريئين٬ فليذهبوا الى القاضي ويقولوا ما لديهم. ولكنهم يختبئون ويتسترون على بعضهم البعض٬ فهذا يعني أن جميعهم مسؤولون بشكل او بآخر”.
لكن القاضي بيطار لا يواجه قلة تعاون في الداخل فقط بل أيضا من الخارج. فقد طلب من عدد من الدول الأجنبية التي تملك أقمارا اصطناعية متمركزة فوق لبنان، أن تزوده بتلك الصور للحظة وقوع الانفجار. حتى الآن لم تصله هذه الصور.
قبل ذلك، كان رئيس الجمهورية قد طلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان بعد الانفجار مباشرة ان تقوم فرنسا بتزويد لبنان بصور من أقمارها الاصطناعية. لم تستجب فرنسا حتى اللحظة.
ترميم بالقطعة
بعد فترة قصيرة جدا من الانفجار وبعد اكتشاف هول الكارثة٬، ليس فقط على الصعيد البشري بل على الصعيد المدني والسكاني أيضا٬ انطلقت أعمال ترميم المباني والمنازل في المناطق الأكثر تضررا من الانفجار.
سريعا انتشرت ورشات العمل بجهود فردية وبدعم من جمعيات غير حكومية مموٌلة بشكل أساسي من الخارج، شكلت طفرة في المدينة بعد الانفجار٬ وجاءت لتملئ فراغا في بلد كانت الدولة فيه قد أعلنت إفلاسها وكان الناس قد بدأوا يكتشفون عمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي هم واقعون فيها٬، والتي وصفها البنك الدولي لاحقا بواحدة من أسوأ ثلاث أزمات في التاريخ.
جرى كل ذلك في غياب أي إطار تنظيمي. تولٌى الجيش توزيع مساعدات مالية خجولة للمتضررين في وقت كانت العملة الوطنية قد فقدت كثيرا من قيمتها، قبل أن تتهاوى أكثر وأكثر لاحقا. لكن أعمال التصليح والترميم جرت كلها بالقطعة وكل حسب إمكانياته٬ وسط تنافس تلك المنظمات غير الحكومية بين بعضها وتنافس المتضررين للحصول على دعم منها.
اليوم٬ عاد عدد كبير جدا من سكان تلك الأحياء إلى منازلهم فيما تهدمت بعض المباني بالكامل ولا يزال عدد من الناس مشردين.
أما المرفأ٬ فقد تراجع نشاطه كثيرا٬ ليس بحكم الانفجار الذي وقع فيه فق،٬ إنما بشكل أساسي بسبب تراجع حركة الواردات إلى البلاد بشكل هائل نتيجة الانهيار والانكماش الكبير في الاقتصاد والقدرة الشرائية لدى الناس.
غير أنه شهد اهتماما بارزا من عدد كبير من الدول كألمانيا وفرنسا والصين وروسيا لإعادة تأهيله٬، في وقت تعيش البلاد شللا شبه كامل في القرارات والمشاريع وسط أزمة حكومية حادة. فحسان دياب الذي استقال من رئاسة الوزراء بعد أيام فقط من انفجار المرفأ لا يزال يصرٌف الاعمال في البلاد بانتظار ولادة حكومة جديدة.
وسط كل ذلك، كان الغضب الذي انفجر في تظاهرات ما عُرف بثورة السابع عشر من تشرين التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر من عام ٢٠١٩ ضد تردي الأوضاع والفساد ونظام الحكم يزداد، بينما التحركات نفسها تتلاشى.
كانت المأساة والأزمات تتكدس فوق رؤوس السكان٬ بشكل بدا فيه وكأن انفجار المرفأ بكل ما يرمز إليه تجسيدا لاهتراء كل النظام القائم في البلاد.
فبدت احدى العبارات المكتوبة على احد حيطان وسط المدينة والتي تقول “فجروتونا حرفيا”٬ تحمل أكثر من معنى.
[ad_2]
Source link