أولمبياد طوكيو 2020: ما الذي بقي من الشعائر الدينية الإغريقية؟
[ad_1]
- سناء الخوري
- مراسلة الشؤون الدينية – بي بي سي نيوز عربي
بعد طول انتظار، ورغم الصعوبات الصحية وغيرها، افتتحت في طوكيو دورة الألعاب الأولمبية، بحفلة بسيطة ومهيبة، كأنها طقس ديني عتيق.
تحاط الألعاب الأولمبية دوماً بهالة قداسة، وفي افتتاحها واختتامها وتنظيمها والحفاوة المرافقة لتوزيع ميدالياتها، بصمات من الطقوس والشعائر العبادية، حيث المسرحة والموسيقى والاحتفاء بالأبطال وقدراتهم الخارقة.
من المعروف أن الأولمبياد أحد أضخم الأحداث المعاصرة المرتبطة بالأساطير الإغريقية، ويبدو وكأنه إعادة إحياء لروح عبادات اندثرت منذ آلاف السنين.
الاحتفاء بروحية الأساطير الدينية، ليس بسلوك غريب على حياة البشر المعاصرة، سواء في الشرق أو في الغرب، في المجتمعات المتعلقة بالتقاليد الدينية أو تلك التي طوتها على الهامش.
بصمة الأساطير كميراث أدبي وفني، حاضرة في جوانب كثيرة من حياتنا، سواء في اختيار مواقيت الأعياد، أو الاحتفالات الشعبية أو التقاليد، وحتى رموز العلامات التجارية. مثلاً علامة نايكي الرياضية، مستوحاة من اسم إلهة النصر الإغريقية نايكي.
لنأخذ الشعلة الأولمبية. عند افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في موعدها الحديث كل أربع سنوات، تنقل الشاشات حول العالم مراسيم إيقاد الشعلة في مدينة أوليمبيا، في جنوب اليونان.
في ذلك الموقع بالذات، عند آثار معبد هيرا، حيث كانت تقام شعائر إضاءة الشعلة قبل نحو 2700 عام، يوقد اللهب في مراسم تحاكي طقساً كانت تؤديه عذارى فستا، وهن كاهنات متعبدات لإلهة الموقد فستا، كن يكرسن حياتهن لإبقاء شعلة الآلهة حية.
حالياً، تتولى 11 شابة تمثيل الشعيرة ذاتها، ويضئن الشعلة كما كانت تضاء في الزمن الغابر، من خلال انعكاس أشعة الشمس على وعاء معدني.
وللشعلة في الأساطير اليونانية رمزية مهمة، تتجلى في أسطورة بروميثيوس الذي سرق النار من الآلهة ليعطيها للبشر. العقاب على سرقته تلك كان شديداً، إذ قضى زيوس بربطه إلى صخرة وأمر نسراً أن ينهش كبده إلى ما لا نهاية.
يقول المؤرخون أن الألعاب الأولمبية كانت مهرجاناً لتكريم زيوس، كبير آلهة اليونان، وسيد البرق، وحاكم جبل الأوليمب، أعلى قمم اليونان، ومسكن الآلهة الرفيع بحسب الأسطورة.
وكانت مدينة أوليمبيا تعتبر مدينة مقدسة، وملاذاً آمناً لعابدي زيوس، بالرغم من أنها بعيدة جغرافياً عن جبل الأوليمب. مصدر كلمة “أوليمب” نفسه غير معروف، ولكن يقال إنها تحيل إلى “سماء” أو “جبل”، وذلك لوصف المكانة العالية للآلهة.
خلال الألعاب كانت تعلن هدنة بين المدن اليونانية المتحاربة، لضمان انتقال الرياضيين بأمان.
وكان الفائزون يكللون بأكاليل من أغصان الزيتون، ويستقبلون في مدنهم استقبال الأبطال. وكانت تتخلل المهرجان طقوس دينية، وتقديم أضاح للآلهة، طلباً للنصر.
في محاولة للتعمّق أكثر بمعنى الأسطورة المؤسسة للألعاب الأولمبية تحدثت مع صاحبة مدونة “هكذا تكلم بهنسي، تأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس”. وتكتب الباحثة في علم الأساطير الإغريقية باسم مستعار، وتفضل الاحتفاظ بخصوصية هويتها.
ويحظى حسابها LaBanshy على تويتر بأكثر من 53 ألف متابع، وتسرد عبره أقاصيص وحكايات من الأساطير الإغريقية، مع شروح تربطها بحياتنا اليومية، بما فيها من تحديات، وقلق، وأسئلة وجودية، وخيارات، تشبه كثيراً خيارات الأبطال في الملاحم الشعرية الإغريقية.
- بي بي سي نيوز عربي: لماذا أراد الإغريق تكريم زيوس بمهرجان رياضي؟
- لا بانشي: هناك عدة قصص حول نشأة الألعاب، منها أسطورتان مرتبطتان بزيوس، وأسطورة لا علاقة لها به. لنبدأ بالأخيرة.
تقول الأسطورة أن بيلوبس وقع في غرام ابنة الملك أوينوماوس، وكان الملك يخوض سباقاً بالعربات الحربية مع أي شخص يتقدم للزواج من ابنته.
كان أوينوماوس من أمهر سائقي العربات، لذلك كان الفوز من نصيبه كل مرّة، وكان يقطع رأس الخاسر.
تآمر بيلوبس مع خادم الملك ورشاه لاستبدال مسامير عجلات عربة الملك بالشمع. وفي يوم السباق، ذاب الشمع تحت حرارة الشمس، وتفككت العربة، وسقط الملك، ومات.
تزوج بيلوبس ابنة الملك فعلاً، وقرر إقامة الألعاب الأولمبية للاحتفاء بنصره، ولإحياء ذكرى الملك (أو طلب الغفران من الآلهة على فعلته).
أما الأسطورتان الأخريان، فتتمحوران حول زيوس.
تقول الأولى إن مدينة أولمبيا كانت المكان الذي حارب فيه زيوس أبوه كرونس، وتغلب عليه، ثم أعلن قيام الألعاب احتفالاً بالنصر.
وتقول الثانية إن هرقل أعلن قيام الألعاب الأولمبية بعد نجاحه في إتمام مهامه الشهيرة، تكريماً لوالده زيوس.
أميل شخصياً للأسطورتين المتعلقتين بزيوس، لأنهما تتضمنان إحالة إلى فكرتين (مهمتين في الألعاب الأولمبية) وهما تجاوز الصعاب وتحقيق الألوهية.
- بي بي سي نيوز عربي: هل كانت الرياضة كعبادة نوعاً من التشبه بالآلهة، ومحاولة لسبر غور أسرارها؟
- لا بانشي: في الأساطير الإغريقية، لم يكن الخط الفاصل بين الألوهية والبشرية ثابتاً، وكان العبور سهلاً بين الجانبين، بوجود أنصاف الآلهة مثل هرقل، وبيرسيوس، وأجينور.
وكانت الآلهة تكشف عن صفات بشرية في شخصيتها، مثل الغيرة، والشبق، والطمع، وحب المنافسة.
هناك أساطير كثيرة أبطالها بشر حققوا الألوهية، مثل هرقل، وسايكي، وأسكليبيوس، وغيرهم. بالطبع، مروا بصعاب ومحن شديدة للوصول إلى الألوهية، ولكنهم نالوها في النهاية.
فحتى لو كان للآلهة أسرار متعلقة بالرياضة أو غيرها، فإنها لم تكن محجوبة، ويمكن الوصول إليها.
كان الأبطال والرياضيون الإغريق يرون أنهم قادرون على تحقيق مرتبة الألوهية، من خلال المثابرة وتخطي الصعاب، وذلك ما كان يحصل بشكل رمزي من خلال الألعاب الأولمبية، لأن تماثيل الفائزين كانت توضع بجانب تماثيل الآلهة في معبد مدينة أوليمبيا.
- بي بي سي نيوز عربي: في تماثيل الإغريق تمجيد للجسد للرياضي، ولا يزال لها تأثير على مفاهيم القوة والجمال في عصرنا. لماذا تحتفظ الأساطير المحيطة بالجسد الرياضي بهذا الوقع؟
- لا بانشي: تجمع فكرة الإغريق عن الجمال الرياضي ثلاثة عناصر مهمة تُعتبر صفات بشرية مرغوبة في كل عصر وزمان.
كان الإغريق يشيدون تماثيلاً لثلاثة آلهة في الساحات والصالات الرياضية، وهم: هرقل، وهرميز، وإيروس.
يرمز هرقل للقوة العضلية، وهرميز للخفة والسرعة، وإيروس للجاذبية الجنسية.
تصف الأساطير معظم الأبطال، سواء كانوا من البشر أو الآلهة، بأنهم كانوا أقوياء، وحركتهم خفيفة، وجذابون جنسياً. وهذه الصورة التي يحاول معظم الرياضيين، وخصوصاً الرجال، تحقيقها إلى يومنا.
لننظر إلى لاعبي الكرة، وألعاب القوى، وحتى ممثلي أفلام الحركة. كلهم يبحثون عن الجمع بين هذه الصفات الثلاثة، كما تستخدمها الشركات التي تروج لمنتجاتها من خلالهم.
في الألعاب الأولمبية العتيقة، كان معظم المشاركين يتنافسون عراة تماماً، كنوع من إظهار القوة والتأكيد على دور الجسد ومظهره في صورة “البطل”.
والاهتمام بكمال الجسد كان هوساً عند البشر والآلهة، إذ تقول إحدى الروايات عن إله النار والحدادة هيفاستيوس إنه طُرد من جبل الأوليمب بسبب إعاقة أو تشوه في رجله.
لا يمكن أن نتحدث هنا عن الرياضيات، لأن الألعاب الأولمبية العتيقة كانت مقتصرة على الرجال فقط.
صحيح كان هناك بطلات إغريقيات مثل أتلانتا والأمازونيات، ولكن عددهن كان قليلاً جداً. كان الإغريق مهتمين أكثر بتصوير جسد الأنثى الجذابة، مثل أفروديت، أكثر من الأنثى القوية جسدياً، لذلك فإن عناصر الجمال الثلاثة التي تكلمنا عنها أعلاه، كانت تنطبق على الرجال فقط.
- بي بي سي نيوز عربي: هل تشير الأساطير إلى منافسات رياضية بين الآلهة أنفسهم؟
- لا بانشي: الآلهة الإغريق مكانش وراهم حاجة غير أنهم يناقروا في بعض. تقول الأسطورة أن أبولو دخل في سباق جري مع هيرميز فور إعلان زيوس الألعاب الأولمبية، وفاز فيه. وكذلك انتصر على آريز إله الحرب في تحدي مصارعة أو ملاكمة.
لم تكن الآلهة تتنافس في الرياضة فقط، بل في إظهار القوة والقدرة على التملك. هناك مثلاً المسابقة الشهيرة بين أثينا وبوسيدون إله البحر على المدينة التي سميت باسم أثينا. استعرض الاثنان قوتهما بالتحكم في الطبيعة، هذا يضرب الأرض فتظهر بئر مياه، وتلك تضرب الأرض فتنمو شجرة، وطبعاً واضح من فاز في النهاية.
- بي بي سي نيوز عربي: في النصوص الأسطورية الكثير من العنف والدماء، من أين نشأت برأيك فكرة الألعاب كمناسبة للسلام والإخاء والأخلاق الرياضية؟
- لا بانشي: لكي أكون منصفة في كلامي عن الإغريق، لا بد من الإشارة إلى أن الاهتمام بالجمال عندهم لم يكن مجرد هوس بالجسد كما هي الحالة الآن.
فلاسفة يونانيون كثر تحدثوا عن ضرورة تحقيق الرياضي أو البطل لمفهوم الـ kalokagathia وهي فكرة تجمع ما بين الجمال الخارجي والداخلي، جمال الجسد ونقاء الروح.
كأنهم كانوا يقولون إن الرياضي/ البطل، لن يصل إلى الصورة الكاملة إلا من خلال تحقق الفضيلة في نفسه، ومن خلال العمل على قوته من الداخل والخارج، وذلك مرتبط أيضاً بفكرة أن الرياضة تحكمها الأخلاق والفضيلة.
من الملفت في الأساطير الإغريقية، أن البطل، لكي يحقق النصر في رحلته، يجب أن يتغلب على شياطينه الداخلية، ونقاط ضعفه، وليس فقط على الأعداء والوحش. وأعتقد أن ذلك جزء من رمزية الألعاب الأولمبية.
آغون (التجسد الإلهي للصراع)، ونايكي (التجسد الإلهي للنصر)، كانا من الآلهة المرتبطة بالألعاب الأولمبية، لأن النصر لن يتحقق إلا من خلال الصراع.
في عالم الأدب لا ترمز عبارة agon للصراع بين الشخص والآخرين فقط، بل إلى الصراع بين الشخص وذاته أيضاً، وذلك يؤكد أن هدف الأبطال أو الرياضيين هو تهذيب أنفسهم قبل أي شيء آخر.
[ad_2]
Source link