غزة وإسرائيل: كيف تشعل مواقع التواصل الاجتماعي الجدل في أمريكا؟
- سام كابرال
- بي بي سي – واشنطن
مع تصاعد العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تنتشر مشاهد الدمار ودعوات التدخل على شاشات الهواتف في الولايات المتحدة. فهل يشي هذا النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي بتغير في رؤية إسرائيل على أنها الحليف الأقوى، أم أنه يزيل الالتباس بشأن هذا الصراع المعقد وطويل الأمد؟
يقول الأمريكيون من أصول فلسطينية إن النشاط الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي هو لحظة فاصلة تشبه الحراك العالمي خلال الصيف الماضي ضد الظلم العرقي.
أما الموالون لإسرائيل، فيقولون إن السرديات الإلكترونية مضللة وتبسط الأمور لصالح رواية “المظلوم والظالم”.
وكشف استبيان أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا أن 75 في المئة من الأمريكيين ما زالت لديهم آراء مؤيدة لإسرائيل، لكن عدد المتعاطفين مع الفلسطينيين في تزايد.
ونعرض هنا شهادات شباب يهتمون بمتابعة الصراع.
“أنا سعيدة بإدراك الناس للأمر الآن”
تبلغ ليلى من العمر ثلاثين عاما، وتعيش في نيو أورليانز بولاية لويزيانا، لكن أولى ذكرياتها ترجع إلى تسعينيات القرن الماضي، حين عاشت لمدة عامين في الضفة الغربية المحتلة، وذهبت إلى الروضة في رام الله.
تتحسر على خسارتها للغة العربية التي كانت تتحدثها بطلاقة آنذاك. وتتذكر المعابر التي كانت تمر منها كل يوم في طريقها للروضة، وتحذيرات والديها بالابتعاد عن الجنود الإسرائيليين.
“وحين كنا نلعب في الشارع في حينا، كانت كل البنات تقوم بدور الفلسطينيين، ويقوم الصبية بدور الجنود الإسرائيليين، لعبة أشبه بالحرب”.
وأضافت: “لطالما خفت من الجنود الإسرائيليين. لم أكن بحاجة لأن يشرح لي أحد أنهم لا يروننا بعين الرحمة”.
أرادت العائلة الاستمرار في حياتها في الضفة الغربية، حتى انهارت اتفاقيات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية فاضطروا للعودة إلى الولايات المتحدة. ولم تتمكن ليلى من العودة إلى بلدها منذ ذلك الحين.
كبرت ليلى بعيدة عن عائلتها المحبوسة في غزة، وعن اللغة العربية والدين الإسلامي، لكنها احتفظت بهويتها عن طريق الغوص في تاريخ أسلافها الذي يرجع لسبعة قرون، وأجدادها الذي طُردوا من بلدهم بين عامي 1948 و1949 في حرب فلسطين التي نشبت إثر إعلان دولة إسرائيل، هذا بجانب دور والدها كأحد القيادات الطلابية أثناء الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 و1993.
لكن إعتزازها بهويتها الفلسطينية الأمريكية أصطدم بحجرة عثرة في الجامعة.
تقول ليلى إنها تعرضت للتهميش بسبب عائلتها، وتعرضت للملاحقة كلما تحدثت عن الأمر، حتى أن أحدهم بصق عليها أثناء مظاهرة في الحرم الجامعي. وفي سنتها النهائية، وُضع مبنى السكن الجامعي الذي كانت تقيم فيه تحت المراقبة بعد أن اتهمها طالب يميني علناً بأنها تعادي السامية.
لكن استمرار الاعتداءات على الفلسطينيين وحياتهم وبيوتهم حرك الكثير من الأمريكيين التقدميين، مثل المرشح السابق لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز، وكذلك الشباب الليبرالي المناهض للصهيونية، ومنظمات يسارية مثل الصوت اليهودي للسلام، وكلها تندد بما يرونه من ظلم، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول ليلى: “هذا الدعم فتح الباب لأمثالي للحديث عن الحقائق دون مواجهة الكثير من القسوة. لم يعد الأمر مخيفا بنفس الدرجة”.
وبخلاف التوجه التقدمي المتنامي، ترى ليلى أن الفلسطينيين على الأرض لديهم هواتف متصلة بمواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنهم “التحكم في السردية” ليعرضوا قضيتهم أمام العالم بمزيد من الدقة.
“والأمر يشبه إلى حد كبير حركة حياة السود مهمة، فرؤية جورج فلويد وهو يُقتل في الشارع كانت أقسى بكثير من مجرد القراءة عنها. والقدرة على رؤية الفظائع التي ترتكب يمكننا من مواجهة السرديات السائدة التي تُعرض على التليفزيون”.
وتقول ليلى إن المجتمع الفلسطيني يشعر “بمزيج من القسوة والأمل، وهو يرى الفلسطينيين متحدين، والعالم يراقب، وثمة شعور بإمكانية حدوث التغيير”.
ولم يتضح حتى الآن كيف يمكن أن يكون التغيير وسط كل هذا العنف المتصاعد خلال الأسبوعين الماضيين، لكن ليلى تشعر بتفاؤل حذر بأن خلق هذا الوعي الإلكتروني يبقي على “أي أمل في مستقبل حر وفلسطين حرة”.
“والأمر مثير للانزعاج كذلك، أين كنتم طوال السنوات العشرين الماضية؟” “أنا سعيدة على كل حال بإدراك الناس للأمر الآن”.
والجدل القوي بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أصبح أكثر حضورا داخل الحزب الديمقراطي.
ولأول مرة منذ أن بدأت غالوب استبيانها السنوي عام 2000، عبر أغلب المصوتين الديمقراطيين عن تأييدهم للضغط الأمريكي على إسرائيل للحصول على تنازلات من الجانبين.
لكن هذا الشاب الليبرالي لا يرى الأمر بهذه البساطة.
“لا يمكن تطبيق السياق الأمريكي هنا”
انتقل آدم إلى تل أبيب منذ شهرين، ولم يتوقع أنه سيحتاج للبحث عن مخبأ في أي وقت.
نشأ آدم، البالغ من العمر 28 عاما، في شيكاغو، وليست لديه عائلة في إسرائيل، لكنه كبر في عائلة يهودية ملتزمة، وكانت لديه رغبة شديدة “في تجربة الحياة في الدولة اليهودية الوحيدة في العالم”.
وأصبح أسبوع عمله مرتبطا بالتقويم اليهودي، ويتعلم اللغة العبرية كما أراد دائما. لكنه يعي كذلك أنه في أي وقت، قد ينطلق صوت صافرة الإنذار، وعليه العثور على مخبأ خلال 90 ثانية.
وكان عليه الاختباء في محل صغير للبيتزا عندما سمع هذا الصوت يوم الخميس الماضي.
“اعترضت القبة الحديدة صاروخاً فوق رؤوسنا. خرجنا ورأينا بقايا الدخان في الهواء”.
“وفي المقابل، أفتح تطبيق انستغرام وأرى أصدقائي في أمريكا يتبادلون النكات، ولا يفهمون فداحة الوضع هنا”.
وتابع: “من المحبط أن ترى هذا يحدث في الواقع، صراع معقد يختصر في عدد من المنشورات على انستغرام. يتقاذفون مصطلحات مثل الاستيطان والإبادة العرقية والمجازر بجهل شديد بالواقع والتاريخ هنا”.
وينتمي آدم للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، لكنه يقول إن الحكومة “اليمينية الإسرائيلية القبيحة” تضطهد الفلسطينيين بدون وجه حق، ويقول إنه مؤيد بشدة لقيام دولة فلسطينية. لكن يخشى أنه “لم تعد هناك مساحة لتأييد إسرائيل بين صفوف المعسكر الليبرالي”.
ويقول إن الناس غير مستعدين لإدانة مقاتلي حماس الذين يطلقون الصواريخ على المدنيين في إسرائيل، “حتى في الوقت الذي ترحب فيه حماس بإراقة الدماء وتشجع على الإرهاب” بين الجانبين.
وأضاف أن اتهام إسرائيل مراراً بارتكاب جرائم حرب دون الإشارة في الوقت نفسه إلى “قيام حماس بجرائم حرب أمر سخيف. إلقاء اللوم بالكامل على إسرائيل خطأ، ولا أرى لذلك سبباً سوى التحيز ضد اليهود”.
ويرى آدم أن القادة الفلسطينيين رفضوا حل الدولتين مراراً في مناسبات متعددة. ويضيف أن الرئيس الحالي محمود عباس بقي في منصبه لمدة 16 عاما، منذ انتخابه لولاية مدتها أربع سنوات.
وفي إشارة إلى منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تصف اليهود بأنه مستعمرين أوروبيين، يقول آدم إن أكثر من نصف سكان إسرائيل لهم جذور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليس أوروبا.
ويعتبر آدم نفسه مؤيدا لحركة حياة السود مهمة، وشارك في احتجاجاتها في شيكاغو والعاصمة واشنطن العام الماضي، لكنه يحذر من أن الرواية الموحدة عن القمع لا يمكن تطبيقها خارج السياق الأمريكي.
“هذان جزءان مختلفان من العالم، بسياقات وتاريخ مختلف، وليس من الممكن تطبيق نفس المعايير عليهما”.
“المدنيون الأبرياء يقتلون في إسرائيل وفي غزة، واختزال الأمر في وصف طرف بأنه الظالم والآخر هو الضحية ليس حلا للقضية”.
“لا قوة تفوق الشعب”
وبالنسبة للبعض، لا تقتصر أهمية المحادثات الإلكترونية على خلقها الوعي بالصراع القائم.
وترى لين أن الحراك على مواقع التواصل الاجتماعي كشف زيف سرديات عمرها عقود عن الفلسطينيين، كانت سائدة في الإعلام التقليدي وتروجها لها الحكومات الأجنبية.
وتبلغ لين من العمر 24 عاما، وتقول إنه عندما يتبادل الناس محتوى من غزة، فهم بذلك يهدمون الزيف الذي يروج لحالة الاقتتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أنها “صراع”.
وتقول لـ بي بي سي: “غزة ذُبحت أكثر من مرة. هذا ليس صراعاً، فكلمة صراع تحمل في باطنها تكافؤ القوى، وهي ليست متكافئة”.
وترى لين أن الوصف الأدق للأمر هو احتلال المستوطنين، والفصل العنصري والمذابح، وكلها مفردات تظهر بشكل كبير في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين، لكن إسرائيل ترفضها بشكل قطعي.
وتابعت: “لا يوجد وصف آخر لحبس مليوني شخص في سجن مفتوح، وقصفهم كل بضعه أعوام لمدة أسابيع، وربما لأشهر”.
“حين يعيش كل هؤلاء في مدينة صغيرة بكثافة سكانية عالية، ولا توجد وسيلة للهرب من هذا القصف الشامل، فهي بالتأكيد إبادة جماعية”.
ولدت لين في الأردن، لأبوين من أصول سورية وفلسطينية من الصفة الغربية. وثقفت نفسها عن النضال الفلسطيني من أجل الحرية بقراءة الوثائق التاريخية كما يسردها مؤرخون فلسطينيين ويهود، ثم بدأت تتحدث عن الأمر وتنظم أنشطة في المدرسة الثانوية والجامعة.
وتقول: “علينا فهم كل تفصيلة كي تؤخذ مطالبنا بالعدالة على محمل الجد، ولا يُنظر إلينا على أننا متحيزون”.
وتضيف: “لا أتوقع أن يعرف الناس التفاصيل كما أعرفها، لأن الأمر شديد الوضوح من هذه الناحية. لا يتعين عليك الحصول على درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط لتعرف أن ما تفعله إسرائيل غير مقبول”.
وترى لين أن الناس لم يعودوا يخشون التحدث في الأمر، وهي ظاهرة ترجعها مثل ليلى لقوة حركة حياة السود مهمة.
“فلولا تمهيد حراك الناشطين السود العام الماضي، لما استطعنا أن نشهد هذه اللحظة التي يعيشها النشطاء الفلسطينيون الآن على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتابعت: “لا يمكن فصل الصراعات المختلفة من أجل العدالة، فكلها متصلة. لا يصبح أحدنا حرا دون أن نصبح جميعا أحرار”.
لذا، رغم حالة “الغضب الشديد والضيق” التي تصفها لين بسبب الانحياز لإسرائيل، إلا أنها تشعر كذلك بـ “فرحة المؤازرة والتضامن”.
“هل يعلمون معنى الفصل العنصري؟”
تنتمي إليانا إلى عائلة من اليهود الأشكيناز الذين هاجروا إلى المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي. ولم تكن لها روابط بإسرائيل حتى انتقلت للعيش إليها في عام 2017.
وخلفت هذه التجربة لديها شعورا “بالارتباط العاطفي والثقافي” بالمكان، إذ درست اليهودية وزاد إعجابها بالطعام الإسرائيلي وثقافته المرتبطة بالأسرة.
حاولت كذلك استكشاف ما تقدر عليه من المنطقة، من القدس إلى تل أبيب، ومن غزة إلى الضفة الغربية. وفي رأيها: “لا يمكن للناس إدراك كيف تطور الموقف دون أن يعيشوا في المنطقة ويعايشوا الصراع أو يدرسوا التاريخ وأصل الصراع”.
تقول إليانا إنها “مناصرة لإسرائيل تماما. الجميع يجب أن يكون له بلد، ولا يوجد بلد لليهود سوى إسرائيل”.
وترى أن للفلسطينيين حق شرعي في العيش في المنطقة كذلك، لكن هناك أقلية عربية “خطرة ومتمردة ومتطرفة وتريد أن تفجرنا”.
وتشير إلى أن الكثير من العرب يعيشون في إسرائيل، وإنهم مسلمون، لكنهم متعايشون مع اليهود. وتقول إن أغلب أصدقائها من العرب.
وعن رحلاتها إلى غزة، تقول إن السكان يعيشون في “فقر يكسر القلب”، والأبرياء هم ضحايا قوى أكبر.
“يتم التلاعب بهم. حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية تستخدم الناس كقطع الشطرنج في المواجهة، وتقول إن إسرائيل هي المسؤولة عن تردي أوضاعهم المعيشية في حين يأخذون المال لخدمة أهدافهم”.
كما تقول إنه رغم التغطية الإعلامية التي تظهر أن أعداد الفلسطينيين القتلى في المواجهة الأخيرة أكثر بكثير من الإسرائيليين، إلا أن السبب هو القوة العسكرية الإسرائيلية “التي مكنت إسرائيل من الدفاع عن نفسها في مواجهة جيران لا يحبوننا مثل سوريا وإيران”.
ورأت إليانا بنفسها قوة القبة الحديدية أثناء زيارة لمرتفعات الجولان المحتلة، أثناء هجوم صاروخي.
وترى أنه من السخف استخدام مصطلحات مثل الفصل العنصري في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، “ولا أدري إن كان الناس يدركون معنى هذه الكلمة من الأساس”.
“هل دخلنا مثل البريطانيين لاحتلال أرضهم؟ نحن فقط نحاول حماية أنفسنا”.
[ad_2]