اليوم العالمي لحرية الصحافة: هل يجلب الإعلام الرقمي المزيد من الحريات في العالم العربي؟
[ad_1]
في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كانت الصحافة الإلكترونية تخطو خطواتها الأولى بعد إطلاق شبكة الإنترنت بالشكل الذي نعرفها عليه فيه اليوم.
وأحدث الاستخدام الواسع للإنترنت كوسيط لنقل الأخبار نقلة في الصحافة، حتى أصبح لها أسلوب الكتابة الخاص بها بعيدا عن الصحافة التقليدية. واعتُبرت مواقع الأخبار عبر الإنترنت المنافس الجديد للتليفزيون، في حين رأت فيها الصحف فرصة لإعادة تقديم نفسها للجمهور في شكل أكثر جاذبية وسهولة وسرعة.
وتطور الأمر حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، إذ أصبحت الصحافة الرقمية والإلكترونية هي الأساس الذي تلجأ إليه الخدمات الإعلامية للترويج لما تنتجه، بل وأحيانا للبحث عن مصادر الأخبار. ومع تسيّد مواقع التواصل الاجتماعي للمشهد الصحفي والإخباري، أصبحت الصحافة الورقية ذاتها في خطر. واضطر العديد من الصحف لوقف طباعة نسخها الورقية والاكتفاء بوجودها الإلكتروني.
غياب القوانين
وبجانب الفرص التي جلبها المشهد الجديد من سرعة وسهولة وجاذبية للتغطية وتصفح الأخبار، برزت هناك تحديات تواجه حرية العمل الصحفي لا تقل في خطورتها عما كانت تمر به أشكال الصحافة التقليدية.
ولعل من أبرز هذه التحديات هو الصراع المعتاد بين الصحافة والسلطة. ففي الوقت الذي كانت فيه آليات العمل الصحفي مترسخة بقوانين الطباعة والنشر، أتى الإنترنت ليربك هذا المشهد تماما، ويجعل من السهل نشر أي شيء في أي وقت ومن أي مكان.
وتقول الدكتورة زينب خليل، الأستاذة في كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية، إن الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمي بالتأكيد أتاحت الكثير من الحريات، وقدمت بديلا عمليا للصحفيين المستقلين الساعين للعمل في منصات مستقلة بعيدة عن المؤسسات الإعلامية المملوكة للحكومات أو لجهات تجارية.
وبحسب تقرير نشره الاتحاد الدولي للصحفيين في يناير/كانون الثاني 2020، عن الإطار التشريعي والتنظيمي للإعلام الرقمي في العالم العربي، فإنه رغم النقلة التي حدثت من حيث إتاحة الإعلام الرقمي بشكل كبير، إلا أن “القيود التي تفرضها بعض الدول العربية ما زالت تشكل حائلا دون حرية التعبير، سواء جراء ملاحقة الصحفيين وغيرهم، أو لحجب المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل”.
فمثلا، حجبت مصر وتونس مواقع التواصل الاجتماعي لفترة أثناء انتفاضات الربيع العربي، وقطعت مصر خدمة الإنترنت عن البلاد في يناير/كانون الثاني 2011 لمدة ثلاثة أيام. وفي عام 2017، حجبت السلطات المصرية 500 موقع إلكتروني واعتقلت عددا من العاملين في هذه المواقع لعدم حصولهم على تراخيص.
ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إمكانية التعتيم الإعلامي الكامل، إذ ترى خليل أن خطر الملاحقة يقع بالتأكيد على المقيمين في داخل هذه الدول “لكن يمكن مثلا لشخص مقيم في أوروبا أن يطلق موقعا إلكترونيا يناقش الأوضاع في أي من دول المنطقة. ويمكن للجمهور كذلك التحايل على فكرة الحجب، مقارنة بالإعلام التقليدي الذي تكون فيه الضوابط أشد”.
ووفقا للتقرير، لا توجد قوانين خاصة بتنظيم الإعلام الرقمي في أي من البلاد العربية، وإن كانت حكومات 13 دولة قد أصدرت قوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية بين عام 2006 و2018، وهي الإمارات والسعودية والسودان والجزائر والأردن وعمان وسوريا والبحرين وقطر والكويت وموريتانيا ومصر والسلطة الفلسطينية. في حين تناقش دولا أخرى قوانين مماثلة، من بينها لبنان وتونس والعراق.
ويفتح غياب هذه القوانين الباب في بعض البلدان لمزيد من التعسف. ففي لبنان على سبيل المثال، لا يوجد قانون لتنظيم الإعلام الرقمي، ولا توجد جهة لتنظيم وجود كيانات الإعلام الرقمي بشكل رسمي.
وتقول الدكتورة نهلة الشهال، الباحثة ورئيسة تحرير موقع السفير العربي الإلكتروني، إن فكرة الحريات “غير مرتبطة بنوع الوسيط، سواء كان رقميا أو مطبوعا، بقدر ارتباطها بالتغيرات السياسية. ويفترض أن الإعلام الرقمي ومواقع التواصل يعطيان حرية أكبر، وهو أمر صحيح على المستوى التقني”.
وتشير الشهال إلى أنه حتى في وجود طرق المنع والحجب الإلكتروني، ثمة طرق للالتفاف على الحجب والرقابة، لكن مشكلة أخرى تأتي من أن مواقع التواصل “سمحت للجميع بالتعبير عن رأيهم، حتى إذا كانوا غير مهنيين،” بمعنى أن البعض لا يعرفون كيف يكتبون وينشرون بطريقة تجنبهم ملاحقة السلطات، ما يعني إمكانية أن يؤدي بهم الأمر للاعتقال.
ويوجد في لبنان حوالي 500 موقع إلكتروني، كلها تعمل بأذون من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع بصيغة العلم والخبر، أي لمجرد الإحصاء. ويفتح غياب القوانين الخاص بالإعلام الرقمي الباب أمام معاقبة الصحفيين وفقا للقانون الجنائي، وهو قانون يصفه تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين بأنه “قديم ويخصع للكثير من التفسير والتأويل”.
لكن الشهال ترى أنه لا يوجد “تقليد قمعي قوي في لبنان” بشكل يسمح بتقويض الحريات الصحفية. “فالدولة في لبنان ضعيفة. والسلطات تخضع أمام الحملات المناهضة للاعتقال. ربما حدثت بعض المحاسبات، لكن سرعان ما تنتهي تحت ضغط الحملات”.
وربما يكون التضييق على المشهد الإعلامي بشكل عام متنفسا للإعلام الرقمي في المقابل، وهو ما قد ينطبق على حالة المغرب الذي تسيطر فيه الدولة على وسائل الإعلام التقليدية. لذلك، اتجه الكثيرون للإنترنت وأنماط الإعلام الرقمي المختلفة كبديل للسردية الرسمية، حتى أن المغرب به حوالي 900 موقع إلكتروني صحفي مرخص من وزارة الاتصال.
وترى خليل أن محاولة وضع أُطر للعمل الإعلامي دائما ما ستكون محل جدل، فأي محاولة لوضع إطار قانوني للإعلام الرقمي سيُنظر إليها على أنها محاولة للحد من حرية استخدامه. “كذلك من الصعب فرض قيود قانونية علي هذا النوع من العمل الصحفي، إذ يمكن إنشاء المواقع من أي مكان في العالم، أو النشر عبر مواقع التواصل”.
ولا يوجد قانون خاص بالإعلام الرقمي في المغرب، بل تحكمه قوانين الإعلام العامة في البلاد، والمادة الوحيدة الخاصة به تتعلق بالحصول على تراخيص قبل النشر. لكن يظل الإعلام الرقمي هو الأقل انتشارا في المغرب، إذ تستمر شعبية وسائل الإعلام التقليدية بشكل كبير.
“اعتداء على الإعلام الرقمي”
ويتشابه سياق الإعلام الرقمي إلى حد كبير في مصر وتونس، إذ شهد البلدان انفراجة كبرى بعد ثورات الربيع العربي كسرت نمط السردية الحكومية التي طغت على الإعلام من قبل، وفتحت المجال أمام أعداد أكبر من الصحفيين للعمل في المنصات التي فُتحت في هذا الوقت.
وتغير المشهد الآن بعد عشرة أعوام، فهذه الانفراجة اصطدمت في تونس بغياب أي إطار تشريعي أو تنظيمي للعمل الإعلامي، إذ أصدرت الحكومة في عام 2011 المرسومين 115 لتنظيم حرية الصحافة والطباعة والنشر، و 116 لإنشاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.
لكن هذان المرسومان لا يلبيان احتياجات الصحافة التونسية، إذ تسعى نقابة الصحفيين لجعلهما قانونا ينظم المهنة، وسن المزيد من القوانين التي تسد الفراغ التشريعي الخاص بالصحافة الرقمية.
ويقول الإعلامي كمال بن يونس، رئيس المؤسسة العربية والأفريقية للدراسات، إن توسيع هامش الحريات الصحفية هو أكبر مكسب سياسي تحقق في تونس بعد ثورة 2011.
لكن المناخ السياسي غير المستقر وشديد الاستقطاب في تونس يحول دون انتفاع الصحافة بهذه الحريات “فإلغاء وزارة الاعلام و سن قوانين تحررية لم يؤد إلى تحسين المهنية والحرية في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية العمومية والخاصة، فوقع خلط بين المهنية والحريات”.
ويرى بن يونس أن تأسيس هيئة الاتصال السمعي والبصري كانت خطوة إلى الأمام، لكن تأثيرها بقي محدودا بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وتزايد الصراعات بين النقابات والأحزاب من جهة والهيئة من جهة أخرى، بجانب المشاكل الإجرائية المتعلقة بانتخابات تجديد العضوية.
“وأحدث إلغاء وزارة الاعلام فراغا في تنظيم توزيع الإعلانات، فانحاز كثير من المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام لأطراف حكومية أو حزبية بسبب التمويل والإعلانات.” حتى أن بعضها انحاز إلى أطراف إقليمية (محور قطري تركي ضد محور إماراتي سعودي مصري) “بشكل أفقدها الكثير من مهنيتها ومصداقيتها وحد من التأثير الإيجابي لتحرير الإعلام”.
هذا بجانب عدم وجود نص قانوني واضح في تونس ينظم حقوق وواجبات قطاع الإعلام الإلكتروني والاجتماعي.
وأخيرا قال بن يونس: “الحرية تضخمت، وهي الآن ملقاة على الأرض، لكن أين الصحافة المهنية والمستقلة والموضوعية؟”
وتتفق خليل مع أن فكرة التمويل هي واحدة من التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية اليوم وتهدد مهنيتها، “فكلما تمكن الصحفي من توفير التمويل بنفسه أو التمويل من الجمهور، كلما تمكن من الاستفادة بشكل كبير من حرية هذه المنصات”.
وحتى الآن، يُحاسب الصحفيون التونسيون وفق قانون الاتصالات الذي يعاقب بالسجن والغرامة على جرائم الإساءة والإزعاج، والتي تعد – وفقا لتقرير الاتحاد الدولي للصحفيين – وسيلة للتنكيل بالصحفيين.
وبالمثل، تغيب قوانين خاصة بالإعلام الرقمي عن المشهد في مصر، وتتم محاسبة المنصات الإلكترونية والعاملين فيها وفقا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر في عام 2018.
كما صدر في العام نفسه قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي يفرض على المواقع الإلكترونية الالتزام بمضامينه، ويحظر عليها نشر أخبار كاذبة أو أي مواد تحرض على مخالفة القانون أو العنصرية أو الكراهية أو التمييز أو امتهان الأديان والعقائد، وهي صياغة يراها المعارضون فضفاضة قد تستخدم كذريعة للحد من حرية الصحافة.
ووصفت منظمة العفو الدولية (أمنستي) القانون المصري بأنه “اعتداء على الإعلام الرقمي”، وذكرت في بيانها في يوليو/تموز 2018 أن هذه القوانين ” ما هي إلا وسيلة لتقييد الحق في حرية التعبير بشكل ينتهك المعايير الدولية والدستور المصري نفسه.”
تغيير مستمر
ورغم التغيير الكبير الذي جلبته، وما زالت تجلبه، الصحافة الرقمية، ترى الشهال أن هذا لا يعني بالضرورة نهاية الإعلام التقليدي بممارساته وأسلوبه “والإعلام الورقي سيستمر، لأن الإنسان يحب الاحتفاظ بأثر الأشياء بشكل مادي. صحيفة نيويوركر مثلا ما زالت تبيع النسخ الورقية أكثر من اشتراكات الإنترنت”.
وتحرص الشهال نفسها على اقتناء الملحق الشهري الورقي لصحيفة لوموند الفرنسية، “ويقبل الكثيرون، حتى الشباب،على اقتناء الأعداد الخاصة أو الموسمية من الصحف المطبوعة، فهو نوع من المتعة،” وذلك رغم الاعتماد على المنصات الرقمية للمتابعة اليومية للأخبار.
ومن جانب الحريات والتنظيم، ترى خليل أنه يصعب التنبؤ بما قد تجلبه المنصات الإلكترونية لأنها بطبيعتها شديدة التغيير، “فالمشهد للاعلامي يتبدل كثيرا، وهو ما نشهده حاليا من ظهور أنواع وأشكال جديدة من العمل الصحفي المنسجمة مع الصعود الكبير للتقنيات الحديثة”.
وترى خليل أن فكرة وجود تشريعات خاصة بالإعلام الرقمي يجب أن يكون الهدف منها هو تنظيم عمله لحماية حقوق العاملين فيه وانتظامهم في إطار عمل نقابي مثلا، أو حماية حقوق النشر والملكية الفكرية من المواقع التي تنسخ أو تقتطع المحتوى دون مراعاة حقوق أصحابه المادية والأدبية.
وتابعت: “ما يفترض القيام به هو تطويع هذه المنصات لمصلحة العمل الصحافي وتطوير مهارات الصحفيين لتمكينهم من استخداما انتاجا ونشرا”.
ويتذيل الكثير من الدول العربية مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلين بلا حدود، إذ تأتي سوريا في المركز 173 من أصل 179 دولة، وتأتي السعودية في المركز 170، واليمن 169، والبحرين 168، ومصر 166، وليبيا 165، والعراق 163، والسودان 159.
وتتصدر تونس الدول العربية في حرية الصحافة، إذ تأتي في المركز 73 عالميا، في حين يأتي لبنان في المركز 107، والأردن في المركز 129، والمغرب في المركز 136.
[ad_2]
Source link