سما عالية قوة فكرة وحالة إخراجية | جريدة الأنباء
[ad_1]
محمد بسام الحسيني
بموازاة صراع الشخصيات، لكل عمل درامي فكرة هي الغاية التي يُبنى من أجلها.. وكلما كانت أقوى وأكثر واقعية وملامسة للمجتمع أو الأفراد أو الأسر، كان وقعها أكبر.. كثير من الأعمال تنجح بشكل رئيسي بسبب قوة فكرتها.
«سما عالية» من هذه الأعمال، فهو يتناول الثمن الذي يدفعه الجيل الأول في كل عملية تحوّل قصوى أو تغيير اتجاه يأخذه المجتمع على مستوى العادات والتقاليد، فكل تغيير يُقابل بممانعة.. إنه قانون من قوانين الطبيعة، وفي حياة الإنسان كلما كانت الممانعة أكبر كان الظلم أكبر والقسوة أشد على دعاة التغيير.
العمل من تأليف صالح النبهان وشيخة بن عامر، ومن ينظر إليه من زاوية شخصياته أو حتى أحداثه يجدها أكثر من عادية، فلا جديد في قصص الأفراد من آباء وأمهات وأبناء، ولا في موضوع الدراسة في مصر، وقد أُشبِع في أعمال مثل «دفعة القاهرة» للكاتبة هبة مشاري حمادة، خاصة لجهة ثيمات الحياة في عاصمة العرب وكل جميل فيها.. الجديد هو تجربة شيخة وراشد اللذين يمثلان رمزين في زمن تحولات كبرى فرضتها التغيرات الاقتصادية والثقافية وحتى المد السياسي لأحداث ما بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين وما رافقه من نشوء حركات تقدمية وتحرريــة وأثر ذلك على كل بلد في العالم وبينــها الكويـــت.
يتسم العمل بسيناريو سليم وترتيب تصاعدي ومنطقي للأحداث ومعزز بحوار حيوي ومتناغم مع ما تقتضيه الواقعية.. ففي كل حلقة ومن البداية إلى النهاية حوارات مكتوبة بانسيابية تؤدي دورها في تعزيز المسار الدرامي من دون تنميق زائد .
كعزف البيانو أو الأجواء الحالمة للمقدمة، تمضي الأحداث على إيقاع قصة زواج تقليدي لـ «راشد» (حمد العماني) و«شيخة» (شيماء سليمان)، والذي رتبه الأهل، لكنه بدأ «ثورياً» عندما طلب «راشد» أن يرى زوجته المستقبلية قبل إتمام الارتباط، ضارباً على وتر اجتماعي حساس في ذلك الوقت.. وشاءت الظروف أن يجمعهما نفس الطموح والنفحة الليبرالية، فبعد الدراسة في مصر تعود «شيخة» خالعة العباءة سفوراً وتشرع في العمل خارج المنزل وتقود سيارة وترغب في تعلم الموسيقى وتهتم بالكتب والصالونات الثقافية، وهي جملة أمور كانت مستحيلة بالنسبة لها قبل أعوام قليلة، ومن غير غطاء «راشد».. هذا الوضع يستثير والدها وإخوانها، فلا يتردد أحدهم في مطاردتها لتصطدم بعمود إنارة وتجهض جنينها.. الصلة مع المجتمع وعاداته أقوى من صلة الرحم بين الأخ وشقيقته..
كل باقي الخطوط في المسلسل هي خطوط مكررة كما أسلفنا، لكن ينهض بها تمثيل لا تشوبه ثغرات بفضل إسناد موفق للأدوار مع تفوق للثنائي «الممتاز والمنسجم» حمد العماني وشيماء سليمان في بطولة العمل وظهور لافت للفنانة زهرة الخرجي في دور «أم مساعد»، الأم المتأرجحة بين الطيبة والتردد والتي يقلقها تأخر كنتها في الحمل، والتي تستغرب التحولات في حياة الأسر مع دخول الخدم والطباخين والتركيز على تعليم البنات، وكلها أمور مستجدة.. والأمر ذاته ينطبق على الثنائي «مساعد» (عبدالله السيف) الشاب العملي والناضج والمعتدل والمنكبّ على العمل التجاري تسييراً لأعمال والده وزوجته «ليلى» (فوز الشطي) والأخت الصغرى «سميرة» (غادة الكندري) التي تبين لنا أن «ثورة» شيخة لم تكن حالة فردية.. وأخيراً، شخصيتا «صالح» (عبدالله التركماني) المحامي الواعي والشاب «محفوظ» (أحمد سعيد) الذي يمثل بروز طبقة وسطى متعلمة بعد هجرة وفقر.
من الأمور البارزة أيضا قدرة الفنان القدير جاسم النبهان على تقديم نفس الدور بطريقة جديدة في كل مرة وفي أكثر من عمل، وهو الوحيد الذي يُكرر من غير أن يُشعرك بالملل والتكرار.. ممثل لن يتكرر.. حضوراً وأداءً وصوتاً، سواء كان أباً قاسياً أوطيباً، شريراً أو مسالماً.. أو أياً كان الدور.. ووجوده يعطي ثقلاً واضحاً لكل عمل يشارك فيه على كثرة المشاركات.
إخراجياً، بصمات المخرج محمد دحام الشمري تلقي بأثرها على الأجواء، عدسته العاشقة للبحر دائماً لا تغيب عنه، وهنا البحر رمز الحرية والأفق والتحدي لا يُستخدم جمالياً فقط، بل يرافق حضوره فكرة العمل الذي يمكن أن نصفه بحالة إخراجية خاصة.
واضحة عناية المخرج بالتفاصيل وتشكيل لقطاته واحدة تلو الأخرى والإضاءات وتماسك الرؤية الإخراجية وتجانسها في نقل الحقبة التي تدور فيها الأحداث، والأهم حرصه على التجديد في زوايا التصوير وتنويع الكادرات مع كل عمل حقبوي يقدمه، إذ يخصص لكل عمل جديداً من صندوق أدواته تسهل ملاحظته، فهو يلفت الناظر في كل انتقاء لمشاهده الخارجية، فضلاً عن استغلال خيارات جديدة في اللقطات الداخلية، مسهلاً على العين أن ترى مشهدية مختلفة عن المعتاد.. الشمري مخرج حر غير مقيّد يهتم بالكلي قدر اهتمامه بالتفصيلي، وهذه سمة واضحة تحمي أعماله الكبرى من خطر النمطية.
الموسيقى التصويرية ترافق المشاهد مطولاً، لكن من دون أن تبلغ حد الإزعاج، بل إن استدامة استخدامها عامل مساعد جداً على تعزيز الصورة الرومانسية والحالمة التي تقتضيها الأحداث، لاسيما في قصة الحب الرئيسية بين «راشد» و«شيخة»، والذي يحافظ على جذوته طوال الحلقات.
«كيف ستدافعين عن المظلومين ولا تستطيعين الدفاع عن نفسك ابدئي أنت بالمطالبة بحقوقك».
جملة يقولها «راشد» لشقيقته «سميرة» عندما جاءت تطلب مساعدته لإقناع والدها بفكرة حصولها على وظيفة.. موقف محوري يلخص فكرة العمل.. تحرر المرأة يكون نتيجة كفاحها وإثبات وجودها في المجتمع قبل أن يكون عبر دعم المتنورين والتقدميين فيه من الرجال.
«سما عالية» إضافة جميلة إلى سجل الدراما الخليجية.
اقرأ أيضاً
[ad_2]
Source link