لماذا نماطل حتى في أداء أبسط المهام؟
[ad_1]
- مارك يوهانسون
- بي بي سي
يؤدي إرجاؤنا لإنجاز بعض المهام البسيطة، إلى أن تتحول من مجرد بنود هامشية على قائمة الأشياء المطلوب منّا إتمامها، إلى مصدر إزعاج كبير يثير الضيق. فلِمَ لا نكف إذا عن مثل هذا التسويف؟
قد لا تتجاوز المهمة المنوطة بك، مجرد إرسال رسالة قصيرة بالبريد الإلكتروني إلى زميل لا يروق لك كثيرا، أو إتمام بعض الأعمال الورقية البسيطة للغاية؛ من قبيل إجراء تعديل على أحد جداول البيانات أو إكمال إحدى الفواتير. بل إن الأمر ربما لا يتعدى إجراء اتصال هاتفي مقتضب مع مديرك، وهو ما لن يستغرق منك أكثر من دقيقة. لكن برغم ذلك، ولسبب ما، تجد نفسك، تُرجئ الإقدام على إنجاز مثل هذه المهام مرارا وتكرارا.
ولأن القيام بمهام على هذه الشاكلة لا يتطلب سوى دقائق معدودات؛ سينتهي بك المطاف، لأن تسأل نفسك عن السبب الذي يحدو بك للإحجام عن إنجازها. فإهدارك وقتا لا يُستهان به في التفكير في مدى الازعاج الذي تنطوي عليه هذه المهمة أو تلك، لن يؤدي – كما تعرف جيدا – إلى أن تتلاشى من تلقاء نفسها. وبدلا من ذلك، ستبقى مهمات كتلك قائمة، وتتحول من مجرد بند بسيط على قائمة الأشياء المطلوب إنجازها، إلى مصدر ضيق مستمر، لا يتناسب قدر الإزعاج الكبير الذي يتسبب فيه، مع محدودية الجهود اللازمة لإتمامه.
وبرغم أن بوسع المهام الصغيرة أن تشغل بطريقة ما، حيزا أكبر من اللازم من أذهاننا، فإن هناك أساليب بسيطة كفيلة بأن تعيدها إلى حجمها الطبيعي. ويبدأ ذلك عادة بفهم الأسباب، التي قادت إلى أن نسمح لأمور مثل هذه، بأن تتضخم على تلك الشاكلة. بعد ذلك، بمقدورنا المضي على طريق تجنب الوقوع في هذا الشرك مرة أخرى، عبر تعديل النهج الذي نتبناه في التعامل مع مثل هذه المهام، وتغيير استجاباتنا العاطفية في هذا الشأن، وكذلك إبداء التعاطف مع النفس بقدر ما.
لماذا تتحول المهام البسيطة إلى وحوش ضخمة؟
تقول فوشيا سيرويس، أستاذة علم النفس بجامعة شيفيلد في بريطانيا، إن المماطلة تنطوي في جوهرها، على إرجاء المرء طوعيا لإنجاز مهمة يعتزم القيام بها، وذلك رغم توقعه أن يؤدي ذلك، إلى عواقب غير محمودة. وتوضح سيرويس بالقول: “يمكنك أن ترى أنواعا شتى من البشر ممن يقولون إن المماطلة تفيد في هذا أو ذاك، لكن المماطلة بحكم تعريفها، لن تفيدك على الإطلاق، مهما اختلف شكلها”.
وعادة ما يعاني الأشخاص الذين يماطلون بشكل مزمن، من ارتفاع مستوى التوتر ومن اضطرابات في النوم، وتقلص فرص تحقيقهم تقدما على الصعيد المهني، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتبوء أدوار وظيفية، تتطلب أن يتحلى المرء بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار. وعلى صعيد الصحة العقلية، يُربط بين النزوع للمماطلة والمعاناة من القلق والاكتئاب. ويمكن أن يقود انغماسك في التسويف، إلى تقويض علاقاتك مع من حولك، نظرا إلى أنه يؤدي في نهاية المطاف، إلى عدم وفائك بالتزاماتك حيال الآخرين.
وبينما يمكن للمرء تفهم السبب الذي يحدو بنا للمماطلة في أداء مهام كبيرة ومعقدة، قد تكون شاقة بدنيا أو تتطلب مجهودا ذهنيا هائلا، ويستلزم إنجازها الكثير من الوقت والطاقة والالتزام، فإن تكليف المرء بإتمام مهام بسيطة، قد يقود إلى ظهور شكل مزعج على نحو خاص، من المماطلة. فبرأي سيرويس، لا يعود التسويف في إنجاز مهام مثل هذه، إلى أننا نغفل عنها، ولكن لاتخاذنا قرارا واعيا بإرجائها، لأنها قد تثير في نفوسنا مشاعر الشك أو الخوف أو عدم الأمان، أو تدفعنا للإحساس بانعدام الكفاءة.
وقد تتمثل مثل هذه المهام في أمور بسيطة، من قبيل ملء استمارات أو أوراق لم تألف ملئها من قبل، أو استبدال خرطوشة حبر وأنت لا تعلم كيف تقوم بذلك من الأصل، أو ربما يتعلق الأمر بمسألة ذات بُعد مشحون بالمشاعر أو العواطف، كأن تكون بصدد كتابة رسالة بريد إلكتروني قصيرة لزميل، تخشى من الطريقة التي سيرد بها عليك. ومع أن كثيرين يعتقدون أن النزوع للمماطلة، في القيام بمهام مثل هذه، يعود إلى سوء إدارة الوقت، فإن سيرويس تقول إن الأمر يتعلق بطريقة تعامل كل منّا مع حالته المزاجية.
وتضيف بالقول: “المماطلون ليسوا هم أولئك الكسالى اللا مبالين بالمستقبل، بل إنهم في واقع الأمر أشخاص ينتقدون أنفسهم حقا، ويشعرون بالقلق الشديد، حيال ما ينغمسون فيه من مماطلة”.
فهذا الشعور بالقلق يهيمن على أذهان أولئك الأشخاص ويستنزف قدراتهم المعرفية، وهو ما يقلل من قدرتهم على حل المشكلات، ما يحدو بهم لمساءلة أنفسهم بالقول: “ما خطبي؟ لماذا لا أستطيع القيام بهذا الشيء البسيط؟”. بعد ذلك، يبدأ هؤلاء في تأمل المهام التي يُسوّفون في أدائها، ما يزيد مشاعرهم السلبية حيالها، ويعرقل قدرتهم على النظر إليها بعقلانية، وتحديد حجمها على حقيقته.
وتقول سيرويس في هذا السياق: “تجد أن لديك في البداية هذا الأمر البسيط، الذي تساورك بعض الشكوك بشأنه، ثم يتضخم ويصبح شيئا كبيرا بكل ما يحف به من مخاوف وشكوك ورهبة.. لتصبح إزاء هذا الشيء الوحشي: ذلك الفأر الذي أصبح الآن جبلا”.
ومن بين الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تراكم المهام البسيطة دون إنجازها، أننا لا نكون مُلزمين غالبا بمواعيد نهائية صارمة لإتمامها، كما هو الحال مع نظيرتها الأكثر أهمية. ويدفع ذلك المرء إلى أن يتصور أن بوسعه القيام بها في أي وقت من أوقات اليوم. ولهذا يسهل عليه انتحال أي عذر لتجنبها، لأنه يشعر أنه لا يوجد ما يدعوه للقيام بها على الفور، بعكس المهام الأهم، التي يخصص لها جانبا كبيرا من وقته.
كيف يمكنك التعامل مع المهام البسيطة
إذا كيف يمكن للمرء تحفيز نفسه لأداء مهمة يخشاها ويرهبها؟ هنا يقول تيموثي بايتشيل، أستاذ علم النفس في جامعة كارلتون بمدينة أوتاوا الكندية، إن الحافز على هذا الصعيد، غالبا ما يأتي عقب المضي قدما على طريق إنجاز المهمة، لا قبل ذلك. فإذا “شرعت في أداء تلك المهمة بشكل فوري، دون أن تتوقف لتفكر في الأسباب التي تجعلك غير راغب في ذلك، فقد يفيدك هذا على المدى البعيد”.
ويضيف بايتشيل، وهو مؤلف كتاب “حل لغز المماطلة”، بالقول: “في المرة المقبلة، التي تشعر فيها بأن جسدك يصرخ قائلا `لا أريد فعل ذلك ولا أشعر بأنه يروق لي` عليك أن تسأل نفسك: ما هو الإجراء التالي الذي أحتاج لفعله بشأن هذه المهمة البسيطة إذا كنت بصدد إنجازها بالفعل”. إذ أن ذلك سيجعلك تحول انتباهك، إلى التركيز على التصرفات العملية التي يمكنك القيام بها، لا مشاعرك.
أما الخبير الاستشاري الأمريكي في شؤون الإنتاجية ديفيد ألين، فقد ابتكر ما أطلق عليه اسم “قاعدة الدقيقتين”، التي تقول إنه إذا كان إنجاز مهمة ما سيتطلب أقل من دقيقتين، فإن الوقت الذي ستستغرقه إضافتها إلى قائمة المهام المطلوب القيام بها، سيفوق الفترة التي يمكن فيها إتمامها. لذا فبدلا من جدولة هذه المهام، فلتنغمس في أدائها دون إبطاء.
ويمكن أن يساعدنا تبني هذه العقلية، التي يمكننا وصفها بالاستباقية، على تجنب الانخراط في تأمل واجترار الأفكار النظرية المتعلقة بالمهمة المطلوب أداؤها، على نحو لا طائل من ورائه. وقد أظهرت دراسة أجراها بايتشيل على طلاب الجامعة التي يعمل فيها، أن شروع طلبته في إنجاز مهمة ما، يجعلهم يرونها أقل صعوبة وإرهاقا، مما كانت تبدو لهم، حينما كانوا يماطلون في أدائها. ويوضح ذلك بالقول: “يتعلق الأمر هنا، بإدراك أن حالتك العاطفية والشعورية، تلقي بظلالها على الأشياء، وتصبغها بصبغتها”.
ويعتبر بايتشيل أن سعيك لتقليص حجم ردود فعلك العاطفية، إزاء مواقف مثل هذه، سيساعدك على التعامل مع المهام البسيطة وإنجازها، قائلا إننا “نُرجئ الكثير من الأشياء البسيطة، ما يجعلها تكبر في أذهاننا، لأننا نمر بحالة `اختطاف اللوزتين الدماغيتين`”، وهو مصطلح يشير إلى مشاعر غريزية فورية قد تنتاب المرء، وتفوق في حجمها مقدار الشيء الذي أثارها لديه في الأساس. ففي اللحظة التي نفكر فيها في المهمة التي يُناط بنا القيام بها، “يتكون لدينا رد فعل سلبي، وهو شعور ينزع إلى أن يغذي نفسه بنفسه”.
ومن بين الحيل التي يمكن اللجوء إليها للتعامل بكفاءة مع المهام البسيطة، إدماجها في مهام أكثر أهمية وأكبر حجما. ويقترح بايتشيل في هذا الصدد، أن يحاول المرء إيجاد مكان لمثل هذه المهمة ضمن جدوله اليومي المعتاد. ويضرب مثالا بنفسه، قائلا إنه يغتنم فرصة الدقائق الـ 15 التي ينضج فيها دقيق الشوفان الذي يتناوله على الإفطار في كل صباح، لتنظيف منزله بالمكنسة. وسيكون لذلك فائدة مزدوجة، إذ سيساعدك على تجنب الشعور بأنك تهدر وقتك سدى حينما تؤدي مهمة مثل هذه، وسيُمَكِنّك أيضا من استغلال الحوافز التي تدفعك لأداء المهمة الأكبر حجما، لكي تحجب بواسطتها عن نفسك أي ردود فعل سلبية، قد تنجم عن انخراطك في إنجاز نظيرتها الأقل شأنا.
ممارسة التعاطف مع الذات
تقول الأستاذة الجامعية فوشيا سيرويس إن البشر يحتفظون بذكريات استجاباتهم الشعورية والعاطفية، التي أدت في الماضي، إلى أن يماطلوا في أداء بعض المهام. وتشير إلى أن إحدى الطرق الكفيلة بتجاوز هذه المشكلة، تتمثل في النظر بشكل آخر للمهمة المنوطة بك، كأن تعتبرها – مثلا – فرصة لتعلم مهارة جديدة، أو أن تراها “شيئا مفعما بالمرح أو المتعة”.
أما إذا بدت المهمة لك مملة ومثيرة للضجر، فبوسعك في هذه الحالة – كما تقول سيرويس – أن “تبدل العدسات التي تنظر بها إليها” وأن تغير منظورك العاطفي الذي تتعامل به معها منذ البداية، لكي يساعدك ذلك على تخفيف المشاعر السلبية، التي قد تساورك في هذه الحالة. وتُعقّب الباحثة على هذا الأمر بالقول: “يبدو ذلك سخيفا بعض الشيء، لكنه فعال للغاية، في واقع الأمر”.
وينصح بايتشيل وسيرويس، بألا نقسو على أنفسنا كثيرا بالنقد المفرط في هذا الشأن، خاصة في ضوء الضغوط الإضافية الواقعة على كواهلنا، جراء تفشي وباء كورونا. فرغم أن كل مماطلة هي تأخير، فلا يمكن القول في المقابل، أن كل تأخير يشكل تسويفا ومماطلة. إذ أن التأخير – كما يقول بايتشيل – يشكل “جزءا من الحياة. فبمقدوري إرجاء أمر ما، دون أن يمثل ذلك ضربا من الفشل الأخلاقي، بل إنه يشكل جزءا من تفكيري بشكل عملي”، لكي أمنح الأولوية لشيء ما على حساب آخر.
وهكذا فإذا ضبطت نفسك منخرطا في المماطلة، فربما يكون إبداؤك القليل من التعاطف مع النفس، هو مفتاح عودتك إلى المسار الصحيح، كما يقول بايتشيل وسيرويس معا. وقد أعد بايتشيل في السابق دراسة، أظهرت نتائجها أن من صفحوا عن أنفسهم بعدما ماطلوا في أداء مهمة ما، أصبحوا في المستقبل أقل تسويفا بصددها. كما أعدت سيرويس بدورها دراسة أخرى، تناولت كيف يمكن أن يكون إبداء تعاطف أكبر مع النفس مفيدا بشكل خاص، على صعيد تقليل مشاعر التوتر المرتبطة بتأخير إنجاز هذه المهمة أو تلك.
وفي النهاية، تَخْلُص سيرويس إلى القول: “قد يكون من الأيسر علينا أن نرى الأمور في نصابها الصحيح (فيما يتعلق بالمهام الملقاة على كواهلنا)، بمجرد أن نكف عن توبيخ أنفسنا”.
[ad_2]
Source link