مقابلة ميغان وهاري: كيف أعادت أوبرا وينفري الجاذبية للمقابلات التلفزيونية؟
[ad_1]
استطاعت أوبرا وينفري بمهارة أن تستخرج تصريحات مثيرة من دوق ودوقة ساسكس، في مقابلة تلفزيونية أذيعت للمرة الأولى في الولايات المتحدة يوم الأحد قبل الماضي. كارين جيمس تستكشف كيف يمكن أن يتحول برنامج تلفزيوني إلى منتج ثقافي يُحفر في الذاكرة الجماعية.
في وقت أصبح فيه الفضاء الإعلامي مكتظا بالمنصات والخيارات الإعلامية، اتجه المشاهير إلى منصات مثل “انستغرام” و”تويتر”، لتلميع صورتهم، وتراجعت أهمية المقابلات التلفزيونية. لكن المقابلة التلفزيونية التي أجرتها أوبرا وينفري مع دوق ودوقة ساسكس، الأمير هاري وميغان ماركل، أعادت إلى الأذهان المقابلات المدوية التي كانت تلقى صدى واسعا.
فبعد الحملة الإعلانية التي حفلت بالمقتطفات التشويقية قبل إذاعة المقابلة، لم يكن من المستغرب أن نتوقع أن نرى ذاك النوع من الدردشة التي أصبحنا معتادين عليها مع المشاهير، يتخللها مقاطع فيديو وأسئلة هادئة مفعمة بالمشاعر. فقبل أسبوعين فقط، أجرى جيمس كوردن مقابلة خفيفة مع الأمير هاري، تبادلا فيها المزاح وقدم له الشاي على متن الطابق العلوي من حافلة سياحية في لوس أنجليس.
لكن سواء أكنت مؤيدا أم معارضا لتصريحات الزوجين، فإن أوبرا، من وجهة نظر صحفية، قدمت نموذجا يحتذى به في إدارة الحوار. ورغم أن شهرتها مهدت لها الطريق للوصول إلى الضيفين، فإنها أدارت دفة الحوار ببراعة بطرح أسئلة محددة وواضحة، وملاحقة الضيفين بأسئلة استيضاحية لاستخراج معلومات محددة، وتوظيف فنون التحرير لتبدو كأنها تتحدث بلسان الجمهور.
وعندما أفصحت ميغان أن أحد أفراد العائلة الملكية أثار مخاوف حول درجة لون بشرة طفلها، أجابت أوبرا بهدوء وبنبرة حادة، “ماذا تقولين؟”، وبدت إجابتها كأنها تعبير تلقائي طبيعي عن الدهشة، لكنها أيضا في الوقت نفسه كانت حيلة صحفية شديدة الذكاء، جعلت منها بديلا للمشاهد وأسرت انتباهنا لمتابعة الحوار.
وقد ظلت المقابلة التلفزيونية لعقود فنا مستقلا بذاته، وكان يديرها محاورون لا يقلون شهرة عن ضيوفهم. وفي عام 1953، بثت قناة “سي بي إس” برنامج “بيرسون تو بيرسون”، وهو برنامج حواري كان يقدمه مراسل الحرب السابق إدوارد مارو، وكان يتحدث إلى نجوم السينما وغيرهم من الشخصيات العامة.
وكانت هذه البرامج شديدة التأثير على الجمهور في عصر كانت فيه قنوات التلفزيون معدودة، قبل ظهور القنوات الخاصة بنظام الخدمة المدفوعة مقدما والبث عبر الإنترنت. غير أن هذه المقابلة الأخيرة مع ميغان وهاري قد أحدثت تأثيرا وصدى واسعا يليق بأشهر اللقاءات التلفزيونية على مر العصور.
لكن حتى في عهد القنوات الأرضية المحدودة، نادرا ما كانت تذاع مقابلات تلفزيونية تخرج عن المألوف أو يقتبس منها عبارات تتناقلها ألسنة الناس وتحفر في الذاكرة الجماعية، على غرار مقابلة أوبرا.
وفي عام 1977، أجرى ديفيد فروست، المذيع والكاتب المخضرم، سلسلة مقابلات تلفزيونية مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في أعقاب فضيحة ووترغيت، وصف فيها الرئيس جرائمه بأنها، “عندما يرتكبها الرئيس، لا يمكن أن توصف بأنها غير قانونية”. وقد تردد صدى هذه التصريحات في سنوات حكم ترامب.
وقد تعيد مقابلة أوبرا الأخيرة، إلى الأذهان مقابلة الأميرة ديانا مع مارتن بشير في عام 1995، حيث ذكرت جملتها الشهيرة: “لقد كنا ثلاثة أفراد في هذه الزيجة، وهذا أكثر من اللازم”. وبعد هذه المقابلة لم يعد ثمة مجال للتراجع عن قرارها.
لكن في مقابل كل مقابلة من هذه المقابلات المدوية، كانت تجرى الكثير من المقابلات الضعيفة، مثل مقابلة ديان سوير مع مايكل جاكسون في عام 1995، التي حققت شهرة واسعة، وكان توقيتها مثاليا للترويج لألبوم جاكسون الجديد. وكانت أول مقابلة تلفزيونية مع جاكسون بعد اتهامه بالتحرش الجنسي بالأطفال قبلها بعامين.
وأتاحت أسئلة سوير الاستفسارية الفضفاضة لجاكسون الفرصة للتهرب من الإجابة عن أي أسئلة جادة تسيء إلى صورته. وعلقت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” على الحوار بالقول: “إن الإعلام رضي بأن يُستغل لتحقيق مصالح خاصة”. وذكرت مجلة “فانيتي فير” في مقالة تحت عنوان “مراوغة جاكسون”: “كانت هذه المقابلة مخيبة لآمال الكثيرين الذين كانوا على علم بتفاصيل القضية، بسبب ضعف استعداد سوير أو عجزها عن طرح أسئلة استفسارية لا تخرج عن النموذج الذي وضعه فريق جاكسون”.
ربما تكون أوبرا الإعلامية الوحيدة التي استطاعت أن تحصل على تصريحات من دوق ودوقة ساسكس في مقابلة تلفزيونية بهذه الأهمية. وحسبما أشارت أوبرا في بداية المقابلة الخاصة، فإنها جارة الدوق والدوقة في كاليفورنيا وكانت من بين المدعوين في حفل زفافهما. ورغم أن ذلك قد يثير تساؤلات حول مدى حياديتها، إلا أنه أعطاها بعض الأفضلية لكونها من الصفوة المقربين منهما.
وبحكم أنني صحفية لا أحظى بشهرة واسعة، فعندما أجري حوارا مع أحد المشاهير قد ألجأ إلى حيلة معتادة، فقد أدعوه لنلتقي وجها لوجه أو عبر تطبيق زووم، لنتبادل حديثا وديا يحاول من خلاله الضيف أن ينقل رسالته، بينما أطرح عليه الأسئلة لاستخراج معلومات جديدة لم تنشر من قبل، ويعود كل منا إلى حياته الطبيعية. لكن أوبرا اعتادت على التحدث إلى أفراد العائلات الملكية، حتى صار ذلك جزءا من حياتها الطبيعية.
وعلى النقيض، اضطر فروست لدفع مبلغ مالي لنيكسون ليقنعه بإجراء سلسلة مقابلات معه. ويقال إن قناة “سي بي إس” دفعت لشركة أوبرا للإنتاج سبعة ملايين دولار للحصول على حقوق البث في الولايات المتحدة، لكن الدوق والدوقة لم يحصلا منها على أي أموال، حسبما أشارت في بداية المقابلة.
وقد اتبع المحاورون أساليب صحفية متباينة في هذه المقابلات التي أحدثت ضجة واسعة لاستخراج المعلومات التي يريدونها. فقد وجه بشير بهدوء أسئلة مقتضبة وقوية حث بها الأميرة ديانا على التحدث، وكانت ديانا مستعدة للكشف عن الأسرار، ولهذا لم يحاول مقاطعتها. وقد أثيرت مزاعم بأن بشير استعان بمستندات مزيفة لإقناع ديانا بإجراء المقابلة معه، لكن الشرطة البريطانية استبعدت أي شبهة جنائية.
أما فروست فقد كان مسلحا بالحقائق والأدلة التي وظفها بهدوء للضغط على نيكسون للإجابة على الأسئلة الشائكة في القضايا القانونية والأخلاقية. وقد استخدم معظم الأدلة لاستدراج نيكسون، الذي كان يأمل أن يحسن صورته، حتى يفصح عن أسرار كانت كفيلة بالقضاء على سمعته.
وتتحول هذه المقابلات التلفزيونية الأكثر تأثيرا، إلى منتج ثقافي يُحفر في الذاكرة الجماعية. فقد حول بيتر مورغان هذه المواجهة القوية إلى مسرحية “فروست/نيكسون” في عام 2006، ثم فيلم في عام 2008 بطولة فرانك لانغيلا ومايكل شين.
أما أوبرا فقد استخدمت أسلوبا وسطا بين الاثنين، فقد طرحت أسئلة بطريقة ودية لكنها كانت تركز بدقة متناهية على استخراج المعلومات. فالأسئلة الاستفسارية، سواء أكنت تعرف الضيوف معرفة شخصية أم لم تقابلهم من قبل، هي التي تميز الحوار الجيد عن الحوار الرائع. وقد استطاعت أوبرا بهدوء وبصرامة أن تضغط على الضيفين لإعطائها معلومات واضحة، عندما بدت إجاباتهما مبهمة.
فعندما قال الأمير هاري إنه اضطر إلى مغادرة البلاد لأنه “لم يجد دعما”، أجابت على الفور: “أنا أريد إجابة واضحة، هل غادرت بريطانيا هربا من ملاحقة الصحف في بريطانيا؟ أم أنك غادرتها لأنك لم تحصل على الدعم الكافي من المؤسسة الملكية؟”.
وعندما قالت ميغان إنها بلغ بها اليأس حدا جعلها تود ألا تكون على قيد الحياة، لم تترك أوبرا مجالا لأي تأويل خاطئ. وسألتها على الفور: “هل راودتك أفكار انتحارية؟”، وعندما علمت من ميغان أنها كانت ترافق الأمير هاري إلى المناسبات العامة لأنها شعرت أنها لا تريد أن تكون بمفردها، قالت “أدرك أن هذا كان مؤلما”. فأحد مهارات أوبرا الأساسية أنها تتعاطف مع الآخرين بالفعل ولا تتصنع المشاعر لمداهنتهم أو التزلف إليهم.
صحيح أنها طرحت بعض الأسئلة الودية المثيرة للمشاعر عن أولى الكلمات التي نطق بها ابنها أرتشي، لكنها عادت على الفور للاستفسار عن تعليق الأمير عن أخيه، حتى لا يظل السؤال معلقا، وقالت: “لم تصف لي حال علاقتك بأخيك الآن”، وقد أصبحت إجابة هاري إحدى أكثر الاقتباسات انتشارا في هذه المقابلة، إذ أجاب هاري: “بيننا في الوقت الراهن ‘خواء'”.
ولم تبد أوبرا اعتراضا على جميع إجابات ضيفيها. فلم تشكك كثيرا في معلومات ميغان عند قالت لها إنها لم تبحث عن الأمير هاري قط عبر محرك البحث غوغل عندما تواعدا للمرة الأولى. وذكرت ميغان أنها “لجأت لموظفي الموارد البشرية” عندما وجدت صعوبة في الحصول على دعم نفسي، لكن كيف سيساعدها موظفو الموارد البشرية إذا كانت هي الدوقة في القصر؟.
ولم تتمكن من إقناع الزوجين بالإفصاح عن اسم الشخص الذي أبدى تخوفا بشأن لون بشرة المولود، وإن كانت أعلنت في اليوم اللاحق أن الأمير هاري قال لها إن هذا الشخص ليس الملكة أو الأمير فيليب. وفي النهاية كانت المعلومات التي أخفاها الزوجان أقل أهمية من الأسرار التي أفصحا عنها في المقابلة.
وكان البرنامج أيضا استعراضا للمهارات في الإخراج. فقد تفنن فريق أوبرا، كما هو الحال في جميع المقابلات التلفزيونية، في تحرير المقابلة لإبراز ردود الفعل وتسليط الكاميرات على علامات الدهشة التي بدت على وجه المحاورة وتوظيف لحظات الصمت والإيماءات لإخراج حوار انسيابي وسلس.
وعندما ذكرت ميغان تصريحاتها الصادمة، سلط المحررون الكاميرات بدهاء على رد فعل أوبرا. فعندما قالت ميغان إن أحد أفراد العائلة الملكية سأل هاري عن لون بشرة طفله الذي لم يولد بعد، أجابت أوبرا “ماذا تقولين؟”، وسألتها: “من أثار معك هذا الموضوع؟”، ثم رفعت أيديها لتشير إليها بالتوقف لأنها تريد أن تولي هذه المعلومة الاهتمام الذي تستحقه. إن صدمة أوبرا تكشف عن مدى أهمية هذه اللحظة.
ربما جاءت مقابلة أوبرا مع دوق ودوقة ساسكس في وقت مثالي. فلم يكن أحد بحاجة للإشارة إلى حركة “حياة السود مهمة” أو الاضطرابات التي وقعت الصيف الماضي إثر مقتل جورج فلويد احتجاجا على التمييز العنصري. فقد ركزت أوبرا على أمور شخصية، لكنها بالتأكيد كانت تعي أن هذه التصريحات ستحدث ضجة كبيرة وستثير تساؤلات عديدة حول العنصرية المنهجية. وذلك لأن اللقاءات التلفزيونية التي تنكأ جروحا غائرة في النسيج الثقافي، رغم ندرتها، قد تثير ردود فعل واسعة على موقع “تويتر”، والبرامج الإخبارية وتتصدر عناوين الصحف الصفراء المثيرة للمشاعر في المملكة المتحدة.
لا أحد يعرف بعد مدى جدية الجمهور والصحافة والعائلة المالكة في التعامل مع هذه القضايا التي أثيرت في مقابلة أوبرا الأخيرة. لكن الحدث التلفزيوني نفسه لا يزال يحقق مشاهدات. فقد عرضت مقتطفات منه في برنامج “أخبار الصباح” على قناة سي بي إس (ولا سيما عندما تحدث هاري عن أن الملكة سحبت دعوتها إليه للمجيء إلى قصر ساندرينغهام في يناير/كانون الثاني 2020)، وفي موقع مجلة أوبرا على الإنترنت، وستظهر مقاطع فيديو أخرى تباعا. لكن على أية حال، فإن مقابلة أوبرا التلفزيونية ستظل عملا صحفيا متقنا في حد ذاته.
[ad_2]
Source link