غوانتانامو: فيلم “الموريتاني” يكشف أسرار السجن الأسوأ سمعة في العالم
[ad_1]
فيلم “الموريتاني” يمثل أحدث الأعمال السينمائية التي تصور التجارب المنهكة التي يمر بها نزلاء المعتقل الموجود في القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في خليج غوانتانامو بكوبا. فهل سيكون لهذا الفيلم التأثير الأكبر على هذا الصعيد حتى الآن على الأقل، مقارنة بالأعمال الأخرى التي قُدِمَت من قبل في هذا الإطار؟ سؤال تطرحه هانا فلينت في السطور التالية.
عندما طُلب من الممثل طاهر رحيم القيام ببطولة فيلم “الموريتاني” للمخرج الأسكتلندي كيفين ماكدونالد؛ هذا العمل الملحمي الذي يتناول قصة احتجاز شخص يُدعى محمدو ولد صلاحي لمدة 14 عاما، في معتقل خليج غوانتانامو دون توجيه تهم إليه، لم تكن معلوماته عن هذا المعتقل تزيد عن تلك التي يعرفها المشاهد الغربي العادي، الذي أُعِدَ له هذا العمل السينمائي.
لقد كان رحيم على علم بالأخبار المتداولة، عن تقارير تشير إلى إساءة الحراس في هذه القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في كوبا معاملة السجناء، لكن لم يكن بوسع هذا الممثل الجزائري الفرنسي – للأمانة – تخيل أن “دولة مثل الولايات المتحدة يمكن أن تسمح لجنودها بمعاملة البشر على هذه الشاكلة”.
غير أنه شرع بعد توقيعه عقد بطولة الفيلم، الذي يستند إلى مذكرات ولد صلاحي المعنونة بـ “مذكرات غوانتانامو”، في البحث عن مزيد من المعلومات في هذا الشأن، وعندها كل شيء تغير.
وفي تصريحات لبي بي سي، قال رحيم: “قرأت السيناريو، وطالعت المذكرات، وشاهدت أفلاما وثائقية، وتحدثت مع محمدو (ولد صلاحي) نفسه، وهكذا بِتُ راضيا عن المشاركة في الفيلم. لكنني كنت حزينا وغاضبا، لأنني علمت أن هذه هي قصة حقيقية”.
قبل وقوع هجمات سبتمبر/أيلول 2001، كان أشهر عمل سينمائي تناول معتقل غوانتانامو، هو فيلم “بضعة رجال أخيار” الذي عُرِضَ عام 1992. وقام ببطولة الفيلم، وهو دراما قانونية مأخوذة عن مسرحية تحمل الاسم نفسه للكاتب آرون سوركين، كل من توم كروز وديمي مور وكيفين بيكُن. ولعب هؤلاء الممثلون أدوار محامين عسكريين يتبارزون قانونيا، بشأن قضية ينظرها القضاء العسكري في الولايات المتحدة، يُتهم فيها اثنان من عناصر مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بقتل زميل لهم في هذه القاعدة البحرية.
واشتُهِرَ هذا الفيلم بمشهد مثلَّ ذروة أحداثه، وتضمن استجوابا من جانب المحامي الملازم دانييل كافي (توم كروز) لقائد القاعدة الكولونيل ناثان جيسوب (جاك نيكلسون)، سعى فيه كافي لأن يقر جيسوب بأنه أوحى بالجريمة التي راح ضحيتها عنصر المارينز، وبأنه وقف وراء الجهود التي بُذِلَت بعد ذلك للتغطية على ما حدث.
ولعل من شاهدوا العمل، لا يزالون يتذكرون صياح كافي في وجه القائد قائلا: “أريد الحقيقة”، ليرد عليه جيسوب بحسم بالقول: “لن تستطيع تحمل الحقيقة”، قبل أن ينطلق في خطبة عصماء، يستعرض فيها الشرور التي يتعين على العسكريين، التورط فيها من أجل حماية أوطانهم.
فمن على منصة الشهود، خاطب جيسوب المحامي قائلا: “بُني؛ إننا نعيش في عالم له جدران، ينبغي أن تكون خاضعة لحراسة رجال مسلحين ببنادق. من الذي يتعين عليه القيام بذلك؟ أنت؟ ليس لديّ لا الوقت ولا الرغبة، في أن أفسر موقفي لرجل يصحو وينام تحت غطاء من الحرية التي أوفرها له، ويأتي بعد ذلك ليتساءل عن الطريقة التي أمنح له هذه الحرية بها. كنت أفضل أن تقول لي `شكرا لك` ثم تمضي في طريقك”.
وقد أظهرت التطورات في ما بعد، أن جعل معتقل غوانتانامو خلفية لإفادة جيسوب هذه؛ كان ضربا من ضروب نفاذ البصيرة. فمنذ أن جعل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن هذه القاعدة في عام 2002 مركزا للاعتقال، ليُرسل إليه الإرهابيون الذين يُعتقد أنهم متورطون في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أصبحت هذه البقعة موضوعا لنقاش عنيف بشأن الصلاحيات التي يتعين أن يحظى بها العسكريون الأمريكيون في هذا الشأن، وما إذا كانت الغاية تبرر الوسيلة بالفعل أم لا.
فرز الأدلة على الشاشات
وقد ظهر هذا النقاش في العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية. ففي عام 2005، بثت قناة “بي بي إس” الأمريكية، عملا وثائقيا تناول مبكرا كواليس هذا المعتقل، وحمل عنوان “مسألة التعذيب”. واستعرض الفيلم جهود إدارة بوش الابن لإيجاد إطار قانوني، يسوغ ما عُرِفَ بـ “أساليب الاستجواب المُعززة” التي اتُبِعَت مع نزلاء غوانتانامو، وأقرانهم من المحتجزين في قواعد أمريكية أخرى في أفغانستان، وفي سجن أبو غريب في العراق كذلك.
وتكرر الأمر نفسه في أعمال أخرى من قبيل “غوانتانامو – القواعد الجديدة للحرب” (2006) و”سيارة أجرة إلى الجانب المظلم” (2007)، و”المستكشف: بداخل غوانتانامو” (2009) و”مصيدة غوانتانامو” (2011).
وتضمنت كل هذه الأعمال، إفادات من محامين ومعتقلين سابقين ومسؤولين عسكريين، وكاشفي أسرار من الداخل وغيرهم. واستهدف ذلك رسم صورة، توضح كيف تم استخدام أساليب مثيرة للجدل، بحق المحتجزين في هذا المعتقل على يد الولايات المتحدة طيلة السنوات الـ 18 الماضية. وقد بلغ عدد هؤلاء المحتجزين 780 رجلا، تعود أصولهم إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا.
وبينما فاق عدد الأفلام الوثائقية التي أُعِدَت عن هذا المعتقل، نظيراتها الروائية بالقطع، جمع المخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم بين الاثنين في فيلمه المنتمي لفئة الدراما الوثائقية “الطريق إلى غوانتانامو” (2006). وقدم وينتربوتوم في عمله منصة لمن يُعرفون بـ “تيبتون 3″، في إشارة إلى البريطانيين الثلاثة الذين احتُجِزوا في غوانتانامو، لإعادة سرد الأحداث التي أدت لاعتقالهم عام 2001 في أفغانستان، وما أعقب ذلك من سجنهم لمدة عامين، في القاعدة البحرية الأمريكية في كوبا.
وقد وظف المخرج أبطال العمل، ومن بينهم الممثل ريز أحمد في أول أدواره السينمائية، لتجسيد المحنة التي مر بها هؤلاء البريطانيون الثلاثة دراميا. وقد كان “الطريق إلى غوانتانامو” نادرا، من حيث كونه يعرض القصة من زاوية أولئك المعتقلين فحسب، لا من وجهة نظر آسريهم أو محامييهم حتى. في المقابل، أولى فيلمان آخران من بين أبرز الأعمال الروائية التي قُدِمَت عن معتقل غوانتانامو، وهما “مخيم أشعة إكس” (2014) و”التقرير” (2019)، اهتماما أكبر للزاوية الأمريكية من الصورة.
وتدور أحداث “مخيم أشعة إكس”، الذي ينتمي إلى فئة الأفلام المُنتجة خارج منظومة شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى، حول قصة خيالية عن مجندة في القاعدة (كريستين ستيوارت) تبدأ في الشعور تدريجيا بخيبة أمل حيال قيادتها، بعدما تشاهد المعاملة اللا إنسانية التي يتعرض لها المعتقلون. وبحسب الأحداث، تصادق المجندة معتقلا يُدعى علي أمير (بيمان معادي)، وهو مسلم ألماني المولد، اختُطِفَ من منزله في مدينة بريمن، في بداية الفيلم. ويُقدم علي بوصفه “متوحشا نبيلا” على نحو ما، إذ يجعله حبه لهاري بوتر ونظرته التقدمية للنساء، متميزا عن باقي رفاقه من المحتجزين، الذين يظهرون وقد ماجت أنفسهم بالغضب المفعم بالتعصب وكراهية المرأة.
لكن بينما يكرس “مخيم أشعة إكس” صورة نمطية سلبية عن المعتقلين المسلمين؛ فإن فيلم “التقرير” يصورهم وكأنهم ليسوا بشرا على الإطلاق. ويدور الفيلم، الذي ألفه وأخرجه سكوت زد. برنز، حول قصة حقيقية لدانييل جونز (آدم دريفر)، وهو الشخص الذي قاد تحقيقا أُجري داخل لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، بشأن عمليات التعذيب التي ارتُكِبَت في إطار برنامج نفذته وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي آيه) بين عاميْ 2002 و2008، وتضمن اعتقال وترحيل واستجواب المشتبه فيهم من جانب الوكالة.
ويُصوَّر جونز على أنه “فارس أبيض”، يكشف الحقيقة للرأي العام الأمريكي، حول ممارسات التعذيب، بما في ذلك أسلوب الإيهام بالغرق، الذي استُخْدِمَ ضد المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، مثل أبو زبيدة (زهدي بويري). ولا يزال أبو زبيدة، واسمه الحقيقي زين العابدين محمد حسين ويُقال إنه أول سجين خضع لـ “أساليب الاستجواب المُعززة” بعد اعتقاله في باكستان عام 2002، محتجزا من جانب السلطات الأمريكية دون محاكمة حتى الآن.
ورغم أن تصوير برنز للتجارب، التي مر بها ذلك الرجل الفلسطيني السعودي المولد، كان مروعا فقد اتسم بالسطحية في الوقت نفسه. فالفيلم يُظهر أبو زبيدة، على أنه شرير يرى العالم من منظور واحد لا يتغير، ويُظهره في الوقت نفسه وهو ضحية لممارسات الـ (سي آي آيه) العنيفة. وأدى ذلك إلى ألا يحظى أبو زبيدة بتعاطف المشاهدين، الذين لم يستطيعوا ربما، التكيف مع المشاهد الصادمة بشدة التي أُجْبِروا على مشاهدتها.
وتقول دافني إيفياتور، المسؤولة عن قسم الأمن وحقوق الإنسان بفرع منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، إن سردية مثل هذه تفشل في الغالبية العظمى من الحالات، في إظهار المعتقلين على أنهم بشر. وتشير في تصريحات لـبي بي سي إلى أنه من الصعب “أن تقدم سياقا وتفهما كافييْن للحياة اليومية لهؤلاء (في المعتقل)، وذلك عندما تكون هذه الحياة، مجرد خلفية لأحداث فيلم لا تزيد مدته على ساعتين. 40 رجلا لا يزالون محتجزين حتى الآن إلى أجل غير مسمى، وذلك في وقت يفتقر فيه معظم الأمريكيين، لأي فكرة عن هوية هؤلاء، ولا يتفهمون بأي شكل من الأشكال، من أي الدول والثقافات أتى أولئك المحتجزون، أو الكيفية التي تم بها اعتقالهم أو تسليمهم للسلطات (الأمريكية) لأغراض سياسية أو لأسباب مشوبة بالفساد”.
وترى إيفياتور أن “اعتقال هؤلاء الأشخاص في غوانتانامو، لم يجعلهم بعيدين عن متناول القانون الأمريكي فحسب، بل أدى إلى أن يصبحوا بعيدين عن مخيلة الأمريكيين كذلك”.
مشكلة “المنقذ الأبيض”
ويمكن اعتبار فيلميْ “مخيم أشعة إكس” و”التقرير”، من بين الأعمال المنتمية لفئة أفلام “المنقذ الأبيض”، التي تتعرض لانتقادات واسعة النطاق. ويُعزى ذلك التصنيف إلى أن الفيلميْن، يصوران الجنود والمُشرّعين الأمريكيين بشكل متعاطف، عبر إظهارهم على أنهم يحاولون مد يد العون للمعتقلين. ويركز هذا النوع من الأعمال السينمائية، على أبطال بيض البشرة، يهرعون لمساعدة الملونين. وتولي تلك الأفلام اهتمامها لأبطالها البيض، على حساب من تُقَدم المساعدة لهم.
ويتوافق “الموريتاني” مع هذا النمط، وإن كان إلى حد ما، لا أكثر. فالفيلم يركز على الرحلة المروعة لـ “ولد صلاحي” من وطنه موريتانيا التي اعتُقِلَ فيها بعد شهرين من هجمات سبتمبر/أيلول 2001 واتُهِمَ في أراضيها بالعمل لحساب تنظيم القاعدة، قبل أن ينقل إلى معتقل غوانتانامو. كما يُفسح المجال واسعا لإبراز دور ممثلي القضاء والمحاماة في الولايات المتحدة، سواء من ساعدوا هذا الرجل أو من واجهوه باسم القانون. إذ نرى محامية الدفاع نانسي هولاندر (جودي فوستر) التي تقاتل لكي ينال موكلها حريته، ونشاهد كذلك ممثل الادعاء العسكري الكولونيل ستيوارت كاوتش (بينيدكت كامبرباتش)، الذي يبذل قصارى جهده لاستصدار حكم بالإعدام بحق ولد صلاحي، إلى أن ظهرت أدلة جديدة.
لكن رغم أن صُنّاع العمل، يُظهرون مدى الدور المؤثر الذي يلعبه الأبطال بيض البشرة في الأحداث، فإنهم عَمِلوا أيضا على تقليص مساحة ظهور هذه الشخصيات على الشاشة، حسبما قال مصمم الإنتاج مايكل كارلين. وأضاف الرجل لبي بي سي: “عادة ما يحاول الممثلون، وينجحون كذلك، في جعل أدوارهم أكبر. لكن الوضع كان على العكس من ذلك تقريبا، في هذه الحالة. لم يُرِد هؤلاء فعل أي شيء يصرف الانتباه عن قصة محمدو ولد صلاحي، لأنها كانت السبب، في أنهم قدموا هذا الفيلم، فلم يقدموه من أجل المال”.
وقد اتُهِمَ ولد صلاحي بالإرهاب، لأنه أبدى دعمه ذات مرة لتنظيم القاعدة، خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. وبعدما قضى سنوات طويلة، يتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي في معتقل غوانتانامو، ساعدته المحامية هولاندر على الحصول على حكم، بأنه مُعتقل بشكل غير قانوني، من جانب السلطات الأمريكية. ورغم عدم توجيه تهم له بارتكاب أي جريمة، فقد ظل وراء القضبان لست سنوات إضافية بعد ذلك، قبل إطلاق سراحه عام 2016.
وقد أبدى ولد صلاحي ثقته في المخرج ماكدونالد لتقديم فيلم عن تجربته، ليس فقط بسبب التجارب السابقة التي خاضها هذا الرجل، في تقديم أعمال وثائقية مثل “لمس الفراغ” (2003) و”مارلي” (2012) ولكن أيضا لتجربته في أفريقيا، عندما قدم فيلم “أخر ملوك اسكتلندا”. وينتمي هذا الفيلم إلى أعمال السيرة الذاتية، ورُشِحَ لجائزة الأوسكار، وقدم فيه ماكدونالد الممثل فورست ويتيكَر، في دور الرئيس الأوغندي الراحل عيدي أمين.
وبقدر اعتماد الفيلم على مذكرات ولد صلاحي، فيما يتعلق بكتابة السيناريو، فقد اعتمد القائمون على العمل على المعتقل السابق نفسه، لتقديم التفاصيل اللازمة لتصوير المشاهد، بأقصى قدر ممكن من الدقة. فقد كان بوسع ولد صلاحي أن يصف بالتفصيل، طبيعة العزلة التي عانى منها في غوانتانامو. إذ استخدم جسده لإعطاء قياسات دقيقة لماكدونالد وكارلين، للأقفاص والزنازين الصغيرة للغاية، التي احتُجِز فيها هناك. ومكَّن ذلك صُنّاع الفيلم، من بناء نموذج للمعتقل في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا.
وقد تم الاعتماد في هذا السياق، على صور وكالات الأنباء لهذا المكان، وكذلك الصور التي التقطها الجنود الموجودون هناك بأنفسهم ونشروها عبر الإنترنت، وأيضا على وثائق عسكرية مُفترضة، بجانب كتيبات تم الحصول عليها من مستشارين عسكريين. ولكن كان بمقدور ولد صلاحي أن يميز بين الغث والسمين في هذا الصدد.
ويقول مايكل كارلين: “بعض المستشارين العسكريين الذين نستعين بهم في صناعة السينما، يكونون أشبه بأشخاص مهووسين بالسلك العسكري على نحو مرضي، لذا ثمة حاجة لأن يتم التعامل مع المعلومات التي يقدمونها بحذر وتشكك. وقد كان بوسع ولد صلاحي مساعدتي على فهرسة كل هذه المعلومات، ما جعلنا نعلم أي الصور المقدمة إلينا حقيقية وأيُها لا، وأي منها ملائمة لقصتنا من عدمه. القصة كلها كانت تتناول الحرمان (الذي عانى منه هذا الرجل في المعتقل) وهو ما حاولنا شرحه وتوضيحه”.
وصف ذو طابع إنساني
وكان الفريق المُبْتَكِر الذي صنع هذا الفيلم، حريصا على ألا يسقط في فخ تصوير ولد صلاحي بأي شكل ينتقص من إنسانيته. فرغم أن “الموريتاني” يُصوّر جانبا من المعاملة القاسية، التي تعرض لها بطله خلال وجوده في غوانتانامو، فقد كانت الكاميرا بمجرد بدء مشاهد تعذيبه في الظهور على الشاشة، تنتقل لاستعراض ذكريات حياته في فترة ما قبل الاعتقال.
ويوضح كارلين سبب ذلك بالقول: “بمجرد تعذيبك لشخصية ما؛ يصبح (المشاهدون) غير متعاطفين معها، وهو أمر غريب. لم نشأ أن نجعل مشاهد التعذيب فاحشة، ولذا أبعد كيفين وباقي المؤلفين (شخصية ولد صلاحي) عن هذا الحيز وأعادوه (على الشاشة) إلى ماضيه، ما يساعدك على أن تواصل رؤيته كإنسان”.
وقد قضى رحيم بعض الوقت مع ولد صلاحي، لكي يفهم منه طبيعة التجارب التي مر بها، ولفهم تفاصيل شخصيته وسلوكياته. لكن هذا الممثل الشاب، شعر بأنه “غبي” في بعض الأسئلة التي طرحها على البطل الأصلي للقصة. ويقول رحيم في هذا الشأن: “تحدثت عما حدث هناك (في غوانتانامو) ورأيت علامات اضطرابات ما بعد الصدمة على وجهه، وشعرت بالانزعاج. لم أكن أريد فعل ذلك، فقد ظل يعاني لفترة طويلة للغاية، لذا توقفت وشرعت في الحديث عن أشياء (أخرى)، حتى تتسنى لي معرفة شخصيته؛ الطريقة التي يتحرك ويتحدث بها ويجيب عن الأسئلة، والأسلوب الذي يُلقي به الدعابات. وقد ساعدني ذلك على أن أتشرب شخصيته في داخلي”.
وسبق أن حظي رحيم بإشادة النقاد عن دوريْه في الفيلم الفرنسي “نبي” (2009) الذي تدور أحداثه داخل السجون، وفي المسلسل الأمريكي القصير “الأبراج الشاهقة”، الذي تناول هجمات سبتمبر/أيلول، وجسّد فيه شخصية عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) علي صوفان، الذي ظهرت شخصيته أيضا في فيلم “التقرير”.
وقد بذل رحيم قصارى جهده، لئلا يُجسّد شخصية بطل “الموريتاني”، على الشاكلة التي أُظهِرَت بها شخصيات “الكثير من الإرهابيين المسلمين” في الأعمال السينمائية والتليفزيونية التي أُنْتِجَت على مدار الأعوام العشرين الماضية. وعندما قرأ السيناريو، اكتشف أنه بصدد إحدى المرات القليلة التي يتم فيها تقديم “شخصية مسلم بأسلوب يتسم بالتعاطف معه، في قلب فيلم أمريكي”، ما أدى بالتبعية إلى أن يشعر بالرغبة والقدرة على المشاركة في هذا العمل.
ويقول رحيم في هذا الصدد: “كنت بحاجة لأن أعرف أن (ولد صلاحي) برئ، لأنني لا أعتقد أنه كان بوسعي المشاركة في ذلك الفيلم، إذا كان هذا الرجل إرهابيا بالفعل. لا أقول هنا إنه لا يوجد إرهابيون. الحقيقة أن شريحة محدودة من هؤلاء الأشخاص تستأثر بالاهتمام كله، ما يجعلنا لا نستطيع حتى أن نرى الآخرين، ممن يعانون بالقدر نفسه”.
ويضيف رحيم بالقول: “كسب محمدو (ولد صلاحي) قضيته. وهذه الأفلام تشكل شهادات للجيل المقبل. لا أعبأ بما إذا كان المخرج أبيض اللون أو ذا بشرة سوداء أو آسيويا. فهذه الأفلام تتضمن قصصا لا بد أن تُروى، ويجب عرض هذا التاريخ للجماهير، وإلا كان محكوما علينا تكراره”.
أما ولد صلاحي فلا يريد أن يتذكر اللحظات الأسوأ التي مرت به خلال فترة اعتقاله، ولذا تجنب أن تقع عيناه على المشاهد الأكثر إثارة للصدمة في الفيلم. ويعتبر أن تحول مذكراته إلى عمل سينمائي كبير، يشكل مثالا واضحا على أن القلم أمضى من السيف. ويقول في هذا الشأن: “لا أؤمن بالعنف، لكن قصتي كلها كانت عبارة عن ممارسة للعنف ضد جسدي وبراءتي وضد أفراد من أسرتي، رغم أنني لم أفعل قط أي شيء ضد الولايات المتحدة. فيلمي انتصار للنهج الرافض للعنف، ونصر للقلم كذلك”.
لكن الحقيقة تظل أن أبواب معتقل غوانتانامو لا تزال مفتوحة، رغم ظهور الكثير من الكتب والأفلام الروائية والوثائقية والبرامج التليفزيونية والتقارير الإخبارية، التي تُظهر حقيقة ما يدور فيه. وقد تعهدت إدارة باراك أوباما بإغلاقه، ولم تفعل ذلك. والآن، يقول الرئيس جو بايدن إنه يسعى لإغلاقه قبل انتهاء فترته الرئاسية الأولى. وهو ما يحدو بالبعض للتساؤل عما إذا كان “الموريتاني” سيصبح العمل السينمائي، الذي تناول ذلك المعتقل وبشر بطي صفحته أم لا؟
وبينما يريد رحيم أن يولي المشاهدون اهتمامهم الأكبر لرسالة تغليب “الأمل والتسامح على الشعور بالغضب”، تعتبر دافني إيفياتور، المسؤولة بمنظمة العفو الدولية، أن “أي فيلم يُصوّر مأساة غوانتانامو يقدم خدمة عظيمة”، نظرا إلى أنه يُظهر الطريق المجحف – والعشوائي في غالبية الأحيان – الذي يفضي بالكثير من الرجال، إلى أن ينتهي بهم المطاف في هذا المكان، بما يضع ضغوطا بالتبعية على الحكومة الأمريكية لإغلاقه.
وحتى الآن، لم يحصل ولد صلاحي على أي تعويض، ولم يُقدم له اعتذار حتى. كما يُحظر عليه، ولخمس سنوات من تاريخ إطلاق سراحه، دخول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويأمل هذا الرجل في أن يُظهر الفيلم للعالم الغربي أنه برئ، وأن ثمة حاجة لوضع حد للتصورات السلبية السائدة عن أبناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويقول: “أريد أن يعلم الناس الجانب الخاص بي من القصة. فليس لديّ سلاح، ولا جهاز شرطة، ولا طائرات مُسيّرة لقتل البشر. لكن في جعبتي كلماتي، وأريد مناقشة كيف يُنظر إلى العالم العربي وأفريقيا، على أنها بقاع ذات طابع سلبي على نحو استثنائي. فلا يمكن أن نُختطف ولا يمكن أن نُعذّب”.
[ad_2]
Source link