عيد الحب: قصة لينا التي وجدت الحبّ في سيول
[ad_1]
اكتشفتُ قناة “عربية في كوريا”، للمرّة الأولى، قبل أسابيع، من خلال فيديو تحاول فيه اللبنانية لينا حسن، تعليم حبيبها الكوري، هونغ جو، كيف يلفظ بعض الكلمات العربية.
في العادة، لا تضحكني فيديوهات تعليم الأجانب لهجات عربيّة، وهي منتشرة بكثرة على يوتيوب. لكنّ فيديو لينا وهونغ جو أضحكني كثيراً.
لم يكن السبب محاولة الشاب الفاشلة في لفظ كلمة “بندورة”، بل طريقتهما العفوية والمرحة في التفاعل مع بعضهما البعض. شعرت أنني في جلسة مع أصدقاء الطفولة، نتبادل المزاح السخيف.
قرّرت أن أكتشف من تكون لينا حسن هذه، وكيف وصلت شابة لبنانية إلى كوريا الجنوبية، وما قصّة حبيبها، وكيف التقيا؟ كثير من الأسئلة، وجدت إجاباتها عبر القناة على يوتيوب.
يكاد عدد المشتركين في القناة يبلغ 200 ألفاً، فيما تجاوز عدد المشاهدات 11 مليوناً، بالرغم من أنها لم تفعّل نشاطها عليها، إلا قبل بضعة أشهر فقط. وعلى إنستغرام، يتابع المدوّنة اللبنانية الشابة أكثر من 28 ألفاً.
كوريا بعيون عربيّة
في أشرطة لينا مدخل إلى الثقافة الكورية الجنوبيّة، بعين امرأة عربيّة لبنانية، تكتشف عالماً جديداً، وثقافة مختلفة، وتدعو متابعيها لرحلة الاكتشاف والتأقلم معها.
تذهب في جولات إلى أماكن سياحية ومقاه معروفة، وتجرّب أشهى فطائر محلاة في سيول.
توثّق أسعار الخضار والمواد الغذائية وحتى طريقة استئجار الشقق، وكيفية الحصول على بطاقة لحفلة فرقة “بي تي أس” الشهيرة.
تصحب المتابعين في زيارة إلى صالون تجميل، وتجرّب أمامهم تسريحة شعر رائجة في كوريا. تطلعهم على صيحات الموضة الكورية، وكيف تغيّر أسلوب ملابسها تبعاً للذوق الكوري، وترتب خزانتها معهم، برفقة قطّتها كوكو.
في بعض الفيديوهات، تدخل مع الكاميرا إلى منزل عائلة حبيبها هونغ جو، حيث تساعد والدته في تحضير أطباق كورية تقليدية، أو تشارك في عيد ميلاد أحد أفراد الأسرة.
في أشرطة أخرى تجرّب أطباق النودلز الجاهزة، وتختبر قدرتها على تحمّل البهارات الكوريّة الحارّة جداً. كذلك تدعو أصدقاءها الكوريين لتذوّق أكلات لبنانية، فينهالون على الأطباق بنهم، كأنّهم وقعوا تحت سحر الموائد العربيّة.
يعيش في كوريا عرب، من جنسيات مختلفة، يدوّن بعضهم يومياته على يوتيوب. لا يزيد عدد اللبنانيين في كوريا الجنوبية عن بضعة عشرات، لذلك أثارت قناة لينا، التي تقيم هناك منذ أقل من عامين، الفضول والاهتمام.
صحيح أنّ الارتباط بأجانب ليس بالأمر النادر في لبنان، ولكن الارتباط بأشخاص من جنسيات آسيوية، ليس شائعاً، خصوصاً مع الاختلاف الشاسع بين الثقافات.
فما الذي تفعله لينا حسن في سيول؟
قصّة لينا أشبه بمغامرة شيّقة، وتقترب من حبكة المسلسلات الكورية إلى حدّ ما. حين كانت مراهقة، اكتشفت كوريا من خلال المسلسلات المدبلجة عبر الفضائيات العربية، ونشأ لديها اهتمام خاص بثقافة تلك البلاد.
خلال مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، تحدّثنا من أحد مقاهي سيول، عبر زوم. ومن خلف الكمامة، مراعاة لشروط السلامة خلال الوباء، تخبرنا كيف بدأت قصتها، وكيف تحوّلت كوريا الجنوبيّة، إلى بلدها الثاني.
“في عام 2017، زرت البلاد للمرّة الأولى. كان ذلك قبل أن ألتقي بهونغ جو. شعرتُ أنني في عالم آخر، وكأنني أعيش داخل فيلم تحريك. أعجبتني الثقافة، وتعلّقت بالأماكن، وقرّرت أن أدرس جيداً، لكي أنال علامات عالية تخوّلني الحصول على منحة دراسية هنا”.
بينما كانت تعدّ العدّة لتنال منحتها الدراسية من كوريا، كانت جامعتها في لبنان، حيث درست الإذاعة والتلفزيون، تحفّز طلابها على المشاركة في برنامج تبادل ثقافي مع “قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (يونيفيل)، والتي تضمّ كتيبة من كوريا الجنوبية.
ولأن لينا كانت لا تزال واقعة تحت تأثير رحلتها الحديثة إلى كوريا، قررت التطوّع مع الكتيبة.
فارس الأحلام
في يوم من الأيام، مرضت إحدى مدرّسات اللغة الإنكليزية، فطلبت من لينا أن تحلّ مكانها في صفّ تدريس الجنود الكوريين. ومن كان أحد الطلاب النجباء يا ترى؟ هونغ جو.
تعثّرت العلاقة في بداياتها، لأن هونغ جو كان مرتبطاً، ولأنّ الارتباط بين المتطوّعين اللبنانيين وجنود قوات حفظ السلام لم يكن بالأمر المحبّذ.
ولكن، “دارت الأيام .. ومرّت الأيّام” كما تقول أم كلثوم، وانفصل هونغ جو عن حبيبته. توطّدت صداقته بلينا، ودعاها للارتباط به، فرفضت في المرّة الأولى، ثّم قبلت في المرّة الثانية.
تقول: “كان زملاؤنا في الكتيبة يقولون لنا إنّ قصتنا تشبه الأساطير، وكأنها مأخوذة من مسلسل كوري بعنوان “أحفاد الشمس”، وفيه يلتقي الحبيبان خلال تطوّع طبيبة في كتيبة لحفظ السلام”.
تضيف: “أتلقّى كثيرا من التعليقات على قناتي من شابات عربيّات يعشقن الممثلين ونجوم البوب الكوري، ويتمنين أن يضحك لهنّ الحظّ، كما ضحك لي”.
تعيش لينا الحلم إذاً. فمع انتشار المسلسلات الكورية المدبلجة، والشهرة العالمية التي حققتها فرق مثل “بي تي أس”، بات الشاب الكوري تجسيداً لفارس الأحلام.
يضاف إلى ذلك شهرة كوريا الجنوبية في مجال الموضة، ومستحضرات التجميل، ما زاد اهتمام الشابات بها، ليس في الدول العربية فقط، بل على مستوى العالم أيضاً.
تدرك لينا ذلك، ويبدو أنّه يسعدها، ولكنها تدعونا لنعود إلى الواقع قليلاً. “أخشى أن أخون توقعات المتابعين، ولكن في الوقت ذاته، لا أحبّ أن أصطنع صورة غير دقيقة”.
صدمة حضارية
تقول لينا، إنّ قرار الانتقال إلى كوريا الجنوبية كان صعباً جداً، خصوصاً أنّها ستكون بعيدة على أسرتها. كذلك كان عليها أن تختبر صعوبات العلاقة عن بعد، قبل نيلها المنحة الدراسية، للسفر إلى بلد المحبوب، وما رافق ذلك من تعقيدات مكتبية في الأوراق.
تقول: “العلاقات بين أشخاص من البلد ذاته والثقافة ذاتها واللغة ذاتها، قد تكون صعبة وتحتاج إلى مجهود، فلكِ أن تتخيلي كم سيكون ذلك الجهد مضاعفاً بالنسبة لشخصين من ثقافتين ولغتين مختلفتين”.
تقول لينا إن الكوريين غير معتادين على الزواج من أجانب، كما أنّ تقاليد مجتمعهم وآداب المحادثة تختلف بحدّة عن التقاليد العربيّة.
“حين تتعلمين اللغة الكورية، عليك أن تتعلّمي طريقتين في المخاطبة، واحدة لمن هم في مثل سنّك أو أصغر منك، وأخرى للأكبر سناً. لا يمكنك أبداً أن تخاطبي الأكبر سناً بطريقة غير رسميّة، يعدّ ذلك الأمر قلّة تهذيب”، تخبرنا.
كذلك الأمر بالنسبة للعادات العائلية، على سبيل المثال، يتوجّب على زوجة الابن الأكبر أن تقوم بواجبات منزليّة وأن تطبخ لكافة أفراد الأسرة في المناسبات، وتقول لينا إنّها محظوظة لأنّ حبيبها ليس الابن الأكبر!
تقول: “يقيم الشاب غير المتزوّج في كوريا مع أهله إلى أن يتزوّج، تماماً كما في مجتمعاتنا العربيّة، ولكن ليست لديهم مشكلة إن قررت شابة أن تستقّل بسكنها وحدها، وذلك ما يزال غير مقبولاً عندنا. كما أنّهم يستغربون الروابط العاطفية القوية بيننا كعرب وبين أهلنا واخوتنا، فروابطهم لا تظهر بالزخم ذاته”.
حبيبتي مسلمة
على الجانب الآخر، كان لهونغ جو تجربته في التأقلم مع ثقافة حبيبته. تناوله لينا الهاتف كي يحدّثنا من الكرسي المقابل لها في المقهى.
يقول: “لينا لا تأكل لحم الخنزير، كان ذلك أمراً جديداً بالنسبة لي. صرت أحرص في كلّ مواعيدنا على أن أختار مطعماً نباتياً أو يقدّم اللحوم الحلال”.
إلى جانب عقبة اللغة، تعلّم هونغ جو من لينا معنى أن تخرج مع فتاة من عائلة مسلمة محافظة. بالنسبة له، كان الحجاب أمراً مستغرباً، لكنه بات يفهمه الآن أكثر، لأن والدتها محجّبة.
تسانده لينا في الشرح: “بات يعرف أنّ الحجاب جزء من ثقافة، تماماً كالرهبان البوذيين هنا في كوريا الذين يمشون حليقي الرؤوس”.
لم يكن الدين عقبة بين الحبيبين، إذ تخبرنا لينا أنّ الفوارق الدينية لا تستوقف الكوريين، لكنّهم قد يصدمون من بعض العادات الاجتماعية غير المألوفة بالنسبة لهم، خصوصاً ما يتعلّق بالطعام.
من خلال علاقته بلينا، فهم هونغ جو معنى أن تكون غريباً في كوريا، كما يخبرنا، وبات يساعد السوّاح التائهين في الطريق.
ذلك مهمّ كما توضح لينا، لأن الكوريين، خصوصاً الكبار في السنّ، لا يتقبلون الأجانب. لديها بعض الأصدقاء الكوريين، لكنّ أغلب أصدقائها أجانب أيضاً، ومن بينهم فرنسيون وصينيون.
تقول: “ربما يظنّ بعضهم أني أعيش في مسلسل، ولكني لم أختر حبيبي من أجل جنسيته، بل لأنه يعاملني بطريقة جيدة تسهّل عليّ الاختلاف الثقافي الكبير الذي يتطلّب وقتاً وجهداً كي تعتادي عليه، خصوصاً بعدما تنقضي مرحلة الانبهار بالملابس والطعام والسياحة”.
ويتابع هونغ جو: “قد نبدو مختلفين ثقافياً، ولكن في الحقيقة، البشر كلهم مثل بعضهم البعض، في كل ّالبلدان الأم تحبّ أولادها، والأولاد يحبون أمهاتهم. أعني أننا من الداخل كلنا متشابهون”.
[ad_2]
Source link