قصة “سندريلا” السياسة الروسية التي هزمت مرشح الرئيس بوتين لتصبح رئيسة بلدية
[ad_1]
كانت مارينا أودغودسكايا، ولوقت قريب جدا، تعمل منظفة في مكتب السلطة المحلية في قرية بوفاليخينو الصغيرة التي تبعد عن العاصمة الروسية موسكو بنحو 400 كيلومترا.
ولكن حياتها تغيرت بشكل جذري عندما طُلب منها الترشح لخوض الانتخابات المحلية في القرية بصفة “مرشحة فنية” من أجل إضفاء طابع ديمقراطي على الانتخابات.
وكان من المفروض أن يقتصر دور مارينا أودغودسكايا على تكملة العدد، إذ أن القانون الروسي ينص على وجوب وجود شخصين على الأقل في قائمة مرشحي الانتخابات، ولكنها حققت فوزا ساحقا وستدير من الآن فصاعدا هذه المنطقة الروسية الصغيرة النائية.
قصد مراسل بي بي سي بيتر كوزلوف القرية المذكورة للتحقيق في الكيفية التي تمكنت بها أودغودسكايا من التحول من منظفة مكتب رئيس البلدية إلى رئيسة للمكتب.
لا يشعر المرء للوهلة الأولى بأن قرية بوفاليخينو هي بوتقة للتغيير السياسي، إذ تقع القرية وسط مجموعة من المستوطنات الصغيرة في منطقة كوستروما لا يسكن بعضها إلا حفنة من الناس.
ويحصل بعض سكان المنطقة على قوتهم من العمل في مجال الأخشاب، بينما يعمل آخرون في الزراعة أو السياحة في بحيرة تشوخلوما القريبة.
وتتسم هذه المنطقة الريفية بالهدوء والسكينة، حتى أنني لم أتمكن من الحصول على إشارة لهاتفي المحمول فيها.
ولكن هذه هي المنطقة التي منح سكانها بشكل غير متوقع نصرا انتخابيا لامرأة لم تترشح إلا لأن منافسها رئيس البلدية طلب منها ذلك.
أعدّت مارينا أودغودسكايا نفسها لتكون مساعدة مبيعات، ولكنها عجزت عن العثور على وظيفة في قطاع المبيعات في قريتها بوفاليخينو التي لا يوجد فيها إلا متجرين صغيرين.
ومنذ تخرجها وهي تعتني بأسرتها إضافة إلى منزلها وحديقتها والحيوانات التي تحتفظ بها الأسرة من بط وأوز ودجاج وأرانب إضافة إلى الكلاب والقطط.
كما عملت منظفة في مقر الإدارة المحلية، وفي فصل الشتاء كانت مكلفة بتغذية مدفئات المقر بالخشب اللازم لعملها. فالمنطقة هذه تفتقر إلى الغاز، ويعتمد سكانها على الحطب كوقود للتدفئة.
وشكل فوزها في الانتخابات مفاجأة صادمة لرئيس البلدية الذي كلفها بالترشح ضده في الانتخابات.
كما كان الفوز مفاجأة لها، إذ تعترف بأنها لم تقد أي حملة انتخابية ولم تتوقع أن تفوز قط.
وشكّل فوزها صدمة أكبر لروسيا ككل التي تنتشر فيها الأخبار بسرعة، وأصبحت مارينا أودغودسكايا بين ليلة وضحاها أشهر الزعماء المحليين في البلاد.
وهنأ السياسي المعارض، ديميتري غودكوف، أودغودسكايا بفوزها من خلال مدونته التي قال فيها إن هذا الفوز يعد مؤشرا لنفور الناخبين في المناطق البعيدة من حزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه الرئيس بوتين.
مرشحة بطريق الصدفة
ومن سخريات القدر أن رئيس البلدية المهزوم، نيكولاي لوكتيف البالغ من العمر 53 عاما، كان هو الذي اختار أودغودسكايا كمنافسة له في الانتخابات من أجل الوفاء بالمتطلبات القانونية عندما كان يستعد لخوض الانتخابات سعيا للفوز بفترة ولاية جديدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وكان ضابط الشرطة السابق لوكتيف قد شغل منصب رئيس بلدية هذه المنطقة النائية في السنوات الخمس الماضية، وهو يتمتع باحترام وتقدير الكثير من سكان القرية، ويشعر بأنه سيسلم زمام الأمور والمنطقة بأحسن حال.
وقال رئيس البلدية السابق لبي بي سي الروسية “أجل، أنا الذي طلبت من مارينا أودغودسكايا أن تترشح لخوض الانتخابات، وفي الحقيقة طلبت من آخرين أن يترشحوا، ولكنهم خذلوني ولو كان لي أي خيار آخر لما طلبت منها الترشح. ولكني لا أرى أي أمر متميز أو غريب في فوزها. فمرحى لها الفوز، وأنا ممتن لترشحها وإذا دعمها الناس فليكن”.
ويقول لوكتيف إنه ينوي مغادرة القرية والتوجه إلى مدينة أكبر في المنطقة ذاتها والبحث عن عمل هناك. ويتجنب رئيس البلدية المنصرف الخوض في الجانب السياسي للموضوع، ويقلل من أهمية ما يقال من أن خسارته تعد هزيمة لحزب روسيا المتحدة، حزب الرئيس بوتين، وقال “لا ننتمي – أنا وأودغودسكايا – إلى أي حزب سياسي”.
ولكنه خاض الانتخابات ممثلا لحزب روسيا المتحدة الذي يهيمن على الحياة السياسية في هذا البلد المترامي الأطراف.
قصة أشبه بقصة سندريلا
في يوم تشريني مشمس، نصّبت أودغودسكايا رسميا رئيسة لبلدية قرية بوفاليخينو والمناطق المحيطة بها. وكان في استقبالها والترحيب بها صحفيون محليون وصحفيون قدموا من العاصمة موسكو خصيصا لرؤية “سندريلا” السياسة الروسية بأم أعينهم.
احتفظت أودغودسكايا برباطة جأشها، وردت على أسئلة الصحفيين باختصار وتأني، وقالت “مشاعري طبيعية. فوجئت لأول وهلة ولكني بخير الآن. هذه وثيقة تعييني رئيسة للبلدية. كلا، لم يكن رفض المنصب خيارا لي، ولم يضطر أي أحد إلى اقناعي بتوليه. كان القرار قراري، واذا انتخبني الشعب فسأعمل على خدمته”.
وبعد انتهاء مراسم التنصيب بدقائق فقط، استقلت أودغودسكايا سيارتها وتوجهت لزيارة إحدى سكان القرية.
تبعها الصحفيون، وتحولت باحة منزل مؤيدة أودغودسكايا هذه إلى مسرح آخر لالتقاط الصور.
وتبين أنه من الواضح أن هذه المؤيدة كانت حريصة على أن تباشر أودغودسكايا مسؤولياتها في أسرع وقت.
وقالت “بالطبع أدليت بصوتي لأودغودسكايا، فكلنا نثق بها، فهي ذكية وستنجح في عملها لا محالة!”.
وستخضع أودغودسكايا قريبا للتدريبات الخاصة بالزعماء المحليين، حيث ستزود بالمعلومات الضرورية المتعلقة بالموازنات المحلية وسبل إدارة المناطق الصغيرة كالمنطقة التي ستديرها.
ما هو رأي القرية؟
تجولنا في أزقة بوفاليخينو لأخذ فكرة عن آراء سكانها. وفي متجر محلي صغير، بدأت أدردش مع سيدة مسنة ترتدي معطفا أصفر تبين لاحقا أنها من أقارب أودغودسكايا.
قالت السيدة “برأيي أنها إذا كانت تتمكن من أداء عملها بشكل جيد فيجب عليها أداءه والبقاء في المنصب. وإذا كان الأمر غير ذلك، عليها الذهاب”.
وقالت إمرأة أخرى ترتدي وشاحا ورديا إنها سعيدة بفوز أودغودسكايا في الانتخابات.
وأضافت هذه “نحن بحاجة إلى وجوه جديدة، ومن الجيد أن لديها فرصة لتغيير شيء ما والقيام بدور في إدارة قرانا”.
وكرر رجل يدعى ميخائيل، كان يمضغ حبوب عباد الشمس عندما حدثني، نبرتها المتفائلة.
وقال “ستكتسب الخبرة مع مرور الوقت، وستتعلم كل شيء، فهي شابة وجميلة ومرحة”.
ومضى إلى القول بقدر من الدبلوماسية “في الوقت ذاته، كان نيكولاي لوكتيف رجلا جيدا أيضا”.
أما إيفان، وهو الآخر من سكان القرية، فقد آثر اتخاذ موقف أكثر تأن. ولا يشارك هذا في التصويت ولم يكن راضيا على أداء رئيس البلدية المنصرف.
وقال إيفان “كل ما كان على لوكتيف عمله هو إنارة طرق القرية في وقتها المحدد، ولم يكن يجيد حتى ذلك!”.
وعندما سألت إيفان عن سبب عزوفه عن التصويت في الانتخابات، قال إنه كان يدعم أحد الأحزاب السياسية في أوائل التسعينيات لأنه وعد بخفض أسعار الفودكا.
وقال وهو يهز برأسه “ولكن تبين أن ذلك الحزب لم يكن ينوي الوفاء بوعده”.
ولكن إيفان يعترف بأنه ترك الشرب منذ ذلك الحين، وهو الآن مهتم بإدارة مدونة فيديو وصناعة الزوارق التي يستخدمها السائحون في بحيرة تشوخلوما، المقصد السياحي المجاور.
ما الذي يعنيه كل هذا لحزب بوتين؟
سارعت المعارضة الروسية في وصف فوز أودغودسكايا باعتباره هزيمة لحزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه الرئيس بوتين.
ولكن نتيجة الانتخابات المحلية في هذه القرية النائية شكلت بالتأكيد هزيمة إعلامية لحزب بوتين، خصوصا بعد انتشار الخبر القائل إن منظفة في قرية صغيرة تمكنت من الفوز على رئيس بلدية يحظى بدعم الحزب، ولم يكن من الضروري لها أن تقود حملة انتخابية لأجل تحقيق ذلك الفوز.
وعلمت بي بي سي الروسية أن الإدارة المحلية في كوستروما – العاصمة المحلية – اضطرت إلى إعادة حساباتها، وأن رئيس بلديتها يحاول استنباط الدروس من الهزيمة في بوفاليخينو.
ووصل الخبر إلى موسكو، حيث علّقت عليه رئيسة مفوضية الانتخابات الروسية المركزية.
وقالت رئيسة المفوضية إيلا بامفيلوفا “أجل، خاضت أودغودسكايا الانتخابات كمرشحة فنية، ولكن لا ضير في ذلك. وقد صوّت لها القرويون، ولم تكن – وهي مجرد منظفة – تتوقع ذلك”.
في الوقت نفسه، قالت غالينا بولياكوفا مسؤولة تنظيم حزب روسيا المتحدة المحلية لبي بي سي الروسية إنه رغم هذا الوضع “غير الطبيعي”، فلن تقع أي مشاكل.
وقالت “سيكون لمارينا مرشد، كما لكل رؤساء البلديات الآخرين. أجل، الوضع غريب، ولكنه ليس مأساويا”.
وأضافت المسؤولة الحزبية “لا يوجد شيء مروع في خسارة مرشح حزب روسيا المتحدة، فالناس يصوتون أحيانا لشخص وليس لحزب. وربما تمتلك (أودغودسكايا) موهبة التواصل مع الناس وربما لديها مهارات في مجال الأعمال. وقد يكون رئيس البلدية السابق فاتته بعض الحيل”.
تصويت تكتيكي
يؤمن السياسي المعارض أليكسي نافالني بأن التصويت التكتيكي – أي التصويت لأي مرشح إلا مرشح حزب روسيا المتحدة – هو السبيل لتغيير موازين القوى في روسيا.
وكان الترويج لمبدأ التصويت التكتيكي أحد الأسباب التي دفعت نافالني لشد الرحال إلى تومسك، المدينة السيبيرية التي سمم فيها في آب / أغسطس الماضي.
واتهم نافالني بعد ذلك الرئيس فلاديمير بوتين بالوقوف وراء عملية تسميمه.
أما بوفاليخينو، الواقعة في أرياف كوستروما الهادئة، فقد تؤيد أو لا تؤيد نافالني وسياساته.
ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول إن هذه المنطقة الصغيرة اختارت الوجه الجديد مارينا أودغودسكايا وصوتت لها بأغلبية ساحقة فاقت كل التوقعات.
فهل تحذو مدن وقرى روسية أخرى حذو بوفاليخينو وتتحدى الوضع القائم؟
[ad_2]
Source link