محادثات السلام الأفغانية في قطر : ما الخطوة المقبلة؟
[ad_1]
في حدث تاريخي، جلس هذا الشهر الفرقاء الأفغان رسمياً وجهاً لوجه للمرة الأولى لبدء مفاوضات تهدف إلى إنهاء ما يُعد حالياً أكثر صراع دموي في العالم.
” سنبدأ في تقديم الأسماء من ناحية اليسار” هكذا قال معصوم ستانيكزاي رئيس مفاوضي الفريق الممثل للحكومة الأفغانية، بلحيته الرمادية، وقد كان الناجي الوحيد من هجوم انتحاري قبل تسع سنوات نفذه انتحاريون كانوا يدعون أنهم رسل سلام.
وعلى المائدة الطويلة الأخرى على الجانب الآخر من القاعة القطرية البراقة، تدخل ستانيكزاي آخر لا علاقة له بالأول ليقول بصوت عالٍ تصاحبه ابتسامة ” أنتم دائماً ما تفعلون الأشياء من ناحية اليسار” وأضاف عباس ستانيكزاي نائب رئيس وفد طالبان ذو اللحية البيضاء ” نحن المجاهدين نبدأ دوماً من جهة اليمين”.
وعلى التو، في هذه اللحظات الأولى، عاد صناع السلام المرتقبون إلى أيام مضت كانوا يرفعون فيها لافتات مؤيدة للشيوعية أو للإسلام، في حرب كلامية عنيفة أشعلت فتيل الغزو السوفيتي عام 1979 وأوقدت ناراً ما تزال تقتل وتحرق في أفغانستان حتى هذا اليوم.
ترك التاريخ بصمته على هذه المحادثات التي تبدو عاطفية بقدر ما هي تاريخية.
اثنان وأربعون مفاوضاً، بعدد سنوات الحرب الأليمة، بات عليهم الآن أن يقوموا بمهمة شاقة وهي طي صفحة الماضي.
كشفت اللقاءات الرسمية والمناقشات غير الرسمية على مدى الأيام العشرة الأولى من المحادثات في العاصمة القطرية الدوحة عن بوادر مبكرة لتقدم مأمول، وكذلك اختلافات جوهرية عسيرة بشأن الرؤى للمستقبل ما بعد الحرب بما يهدد الدفع باتجاه السلام.
وطوال الوقت تصل إلى المفاوضين تقارير من ساحة المعركة في أفغانستان على بعد آلاف الأميال.
لكنها كانت في صورة رسائل مشفرة على هواتف سرية، كما هي الحال دوماً، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مشحونة بالغضب والحزن على الجانبين، وتزيد من الضغوط.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الخسائر في صفوف المدنيين وصلت الآن إلى أدني مستوى لها مقارنة بالسنوات الأخيرة، غير أن يوماً واحداً فقط شهد وقوع أربع حوادث منفصلة أسفر عن مقتل 20 من النساء والأطفال وإصابة 39 آخرين.
كانت المهمة الأولى على طاولة المفاوضات هي صياغة “مدونة لقواعد السلوك”، أو قواعد وضوابط قيادة هذه المحادثات.
وتم الاتفاق سريعاً على بعض من 23 نقطة أولية، مثل استهلال كل جلسة بتلاوة القرآن، واختتامها بالدعاء، والتعامل مع بعضهم البعض بإحترام.
لكن حركة طالبان ما لبثت أن طرحت قضايا أكبر على الطاولة – وهو ما كان مقلقاً للطرف الآخر- مثل الإصرار على أن يتم حل الخلافات وفقاً للمذهب الحنفي للفقه الإسلامي -وهو أحد المدارس الأربع الرئيسية للفقه الإسلامي- دون أحكام خاصة بالشيعة كما ينص الدستور الأفغاني.
كما دعوا إلى ضم هذه الجولة من المحادثات إلى الاتفاق الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير/ شباط.
لكن بعد أيام من الجمود والصمت، خرجت تقارير تفيد بإحراز تقدم بعدما جلست معاً مجدداً “مجموعات اتصال” من الجانبين.
ثم تشاجروا بشأن دلالات الألفاظ لتوصيف ما يجري، فتحدث الفريق الحكومي عن إنهاء “الحرب”، بينما أرادت طالبان اعتبارها “مشكلات”، إلى أن اقتربا من تسوية بتسميته “صراعا”.
لاحظ المفاوضون من العاصمة كابول أن طالبان التي جلست على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة – في محادثات شاقة استمرت لأكثر من عام- اكتسبت مهارات تساعد في التغلب على الطرق المسدودة الآن.
يقول نادر نادري المتحدث باسم الوفد الحكومي ” حقيقة أننا نواصل مناقشة هذه القضايا لساعات هي خطوة للأمام. تركيزنا مُنصب على مهمة معينة وهي إنهاء هذه الحرب”.
فيما نشر نظيره من حركة طالبان الدكتور محمد نعيم تغريدة على موقع تويتر باللغات الانغليزية والفارسية والبشتو ” نأمل أن يتم التوصل لتوافق بشأن النقاط العالقة”.
و”الصبر” هي الكلمة الذي كان يرددها كلا الرجلين ستانزيكزاي بابتسامة العارف بالأمور كلما هرولت باتجاه أي منهما أثناء دخولهما إلى، أو خروجهما من، المنتجع الشاطئي المؤلف من فيلات عربية متدرجة، والذي تحول جزئياً إلى مركز للمفاوضات.
ولكن بالرغم من كل الخطوات المشجعة الصغيرة، مازالت العملية متجذرة بقوة في هوة عميقة من غياب الثقة والاتهامات المتبادلة.
ففي الوقت الذي يتباهى الجانب الحكومي بفريق حكومي يعكس تنوع وقوة الجمهورية الإسلامية الأفغانية، تشيد طالبان بفريقها المتجانس لكونه الطرف الأقوى على الطاولة وفي ساحة المعركة، وهو موقع متقدم رأته الحركة متجسداً في اتفاقها الموقع مع الولايات المتحدة، والذي يلزم واشنطن بانسحاب تدريجي لقواتها مقابل ضمانات أمنية من جانب طالبان، والتزام بالتفاوض بشأن خارطة طريق للسلام.
ويتهم مسؤولو طالبان أنصار الرئيس أشرف غني بمحاولة تعطيل عملية المفاوضات أملاً في أن تتغير قواعد اللعبة في وجود الإدارة الأمريكية القادمة.
وعلى الجانب الآخر، يساور الأفغان قلق من أن طالبان لم تحدث تغييرات جوهرية بشأن قضايا أساسية منذ حقبة حكمها القاسية خلال تسعينيات القرن الماضي، وأنها ربما تحاول فقط شراء الوقت لحين انسحاب القوات الأمريكية للتقدم على حساب كابول.
” نحن نختبر المياه حاليا، والمياه عميقة جدا”، هكذا قالت حبيبة سرابي إحدى السيدات الأربع المشاركات في المفاوضات من الجانب الحكومي، وتمثل أقلية شيعة الهزارة.
في بياناتها العامة وتصريحاتها الخاصة تتحدث طالبان عن نظام إسلامي ” أكثر إسلاما” من النظام الحالي للجمهورية الإسلامية الأفغانية.
وحين سألته عن الانتخابات أجاب مسؤول من حركة طالبان بالقول: “من المبكر للغاية الحديث عن ذلك.” لكنه سارع إلى التأكيد على رفضه لكل الانتخابات الأفغانية السابقة لكونها مليئة بالتزوير.
وحين سألته عن الديمقراطية انفجر في الضحك.
وتعد حقوق النساء قضية ساخنة أخرى، لطالما تلقت طالبان تساؤلات بشأنها، وأصرت مراراً على أن النساء والفتيات سيحصلن على حقوقهن كاملة “في إطار الإسلام”. كما تلقت مطالبات متكررة بإشراك نساء في فريقها التفاوضي.
وحين سألته عن إمكانية وجود نساء ضمن فريقهم قال لي عضو بالحركة: “هناك حرب دائرة، لذا نريد أن نحترم ونحمي النساء، حين يحل السلام سيحصلن على جميع حقوقهن في إطار الإسلام بما في ذلك التعليم والعمل”.
وبمجرد أن يتم الاتفاق على القواعد والضوابط التي تحكم المحادثات، سيتحول التركيز إلى القضايا (المطروحة للتفاوض).
ويتصدر وقف إطلاق النار قائمة أولويات الحكومة، كما هي الحال بالنسبة لشعب منهك يناشد من أجل إنهاء أعمال العنف اليومية.
وبالنسبة لطالبان، فإن ذلك يمكن أن يتحقق فقط بعد إحراز تقدم بشأن شكل نظام جديد. وسيكون هناك بحث جديد في دلالات الألفاظ عن “هدنة” و “خفض” وما شابه ذلك.
في الوقت الحالي، يصر الجانبان على التزامهما بالعملية وعزمهما على إكمالها.
” ليس من السهل أن تجلس مع عدوك، خاصة عندما يكون القتال مستمراً على الأرض”، هكذا قال متين بيك. وقد كان والده قائداً للمجاهدين وعضواً في البرلمان اغتيل في هجوم انتحاري عام 2011.
مضيفاً ” في عملية السلام، تلتقي عدوك، ثم تلتقي بصديقك”.
داخل الجو غير الرسمي في ردهة الفندق حيث لا يبدو الجانبان واضحين للوهلة الأولى، شاهدت بيك البالغ من العمر 33 عاماً يجلس القرفصاء على الأرض، بينما جلس مفاوضون من الجانبين على الأرائك المتجاورة.
كان الكثيرون في موقف كهذا من قبل، أو ربما كان أباؤهم، حين أدى انسحاب القوات الروسية عام 1989 إلى اقتتال شرس بين جماعات المجاهدين مما مهد الطريق إلى حكم حركة طالبان.
” نحن جميعاً نقول إننا نريد السلام، لكن هذا سيأخذ وقتا”، كما يقول أنس حقاني (26 عاما) أصغر عضو في فريق طالبان التفاوضي والإبن الأصغر لجلال الدين حقاني الذي اُدرجت جماعته ” شبكة حقاني” على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب عام 2011، رغم نفيها وجود هذا الكيان حاليا.
ويتولى شقيقه الأكبر منصب نائب زعيم حركة طالبان.
منذ لحظة انطلاقها، كان هناك توافق على نقطة حاسمة. أن تكون “عملية يقودها الأفغان ويمتلكها الأفغان”.
يتولى الأفغان إدارتها بالكامل من الشخصيات الرئيسية في المفاوضات إلى موظفي السكرتارية الذين يعملون على مدار الساعة لضمان سير الأمور إلى ترتيب اللقاءات الصحفية والمداخلات.
وعلى الهامش، ينخرط دبلوماسيون في هذه العملية بينما ينتظر المراقبون الأفغان جاهزين حال احتياجهم.
وكانت الأفكار التي جرى التوصل إليها في جهود التوسط بصراعات أخرى قد زرعت بنجاح هنا.
وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: “أرسلت رسالة إلى العاصمة مفادها أن الأمور تسير إلى الآن على ما يرام”.
ولا يمكن لأحد أن يكون متأكدا من المدة الزمنية التي ستستغرقها هذه الجولة، وإلى أي مدى ستصل؟
بل إن هناك خلافا حول مكان الجولة القادمة، ويرى البعض أن من الجيد لعملية التفاوض أن تستمر في قطر؛ حيث توجد هناك بالفعل ترتيبات على نطاق واسع.
إلا أن الدوحة تضم أيضا مقرا للمكتب السياسي لحركة طالبان، حيث يمكن للعديد من المفاوضين أن يعودوا إلى منازلهم وعائلاتهم في المساء.
ومن بين الدول الأخرى التي يمكن أن تستضيف إقامة المفاوضات أيضا: ألمانيا وأوزبكستان وإندونيسيا والنرويج، كما تواصل البلدان الحريصة على المشاركة عرض تقديم خدماتها.
وفي الوقت الراهن، ينصب التركيز بشكل مباشر على ما هو مطروح على طاولة المفاوضات في الدوحة، إلا أن الجميع مستوعبون أيضا لما يجري خارج هذه الفقاعة، والخطورة تكمن في أن يتسبب هجوم ضخم على الأرض أو تغريدة غير متوقعة من البيت الأبيض في انهيار العملية برمتها.
وعندما أسأل عن أكثر باعث للقلق، أجد أمامي دائما إجابة واحدة: يجب أن نتجنب أخطاء الماضي، حتى لا يعيد التاريخ نفسه.
[ad_2]
Source link