شرق المتوسط: هل هناك احتمال لنشوب حرب في المنطقة من أجل الغاز والنفط ؟
[ad_1]
بدأ الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز في أواخر القرن العشرين، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتعيرة.
وبخلاف الثروة الطبيعية تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها تطل على ثلاث قارات.
ويقول الباحث في شؤون النفط، وليد خدوري، لبي بي سي، إن اكتشاف الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بدأ باكتشاف الغاز في خليج السويس في مصر ثم دلتا النيل، وشمال الإسكندرية وبورسعيد، مما شجع عمليات التنقيب عن الغاز قبالة ساحل غزة، ثم في المياه في جنوب ساحل الشام قبالة ميناء عسقلان.
وبعدها اكتشفت قبرص عدة حقول بحرية تكفي لتلبية الطلب الداخلي والتصدير بكميات محدودة.
لماذا يعد اكتشاف الغاز و النفط في هذه المنطقة مهما ؟
توفر هذه الاكتشافات مصادر طاقة للدول المنطقة التى تعاني من عجز كتركيا ومصر، كما أنه يغذي محطات الكهرباء والصناعات الثقيلة ووسائل النقل فيها.
فعلى سبيل المثال، يمكن اكتشاف مصر أكبر احتياطات غاز في شرق المتوسط عام 2015 في حقل “ظهر”،من تلبية الاستهلاك المحلي الذي يتزايد سنويا بنحو 5%،إذ يستعمل الغاز في توليد 85 % من الكهرباء في البلاد.
كما توفر هذه الثروة الطبيعية فائضا للتصدير، كما في حالة سوريا التي تملك احتياطيا في باطن الأرض كافيا للاستهلاك، وفي اسرائيل التي تبنت استراتيجية التصدير للسوق الأوروبية في بادئ الأمر، ثم استبدلتها بالتصدير للدول المجاورة كالأردن ومصر. كذلك اتفاق مصر وقبرص وإسرائيل على تصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية بعد تسييله في المحطات المصرية.
ما سبب التوتر في هذه المنطقة ؟
يتعلق الخلاف الأبرز بجزيرة قبرص المقسمة إلى شطرين، إذ تسيطر الحكومة القبرصية اليونانية على القسم الجنوبي، وهو ما يعادل ثلثي مساحة الجزيرة، وتحظى باعتراف دولي، كما أنها عضو في الاتحاد الأوروبي. بينما يخضع الشطر الشمالي “قبرص التركية” لسيطرة تركيا منذ عام 1974 ، ولا تعترف بها إلا تركيا وتحتفظ أنقرة بـ30000 جندي فيها. ويفصل بين الشطرين منطقة أممية عازلة “الخط الأخضر”.
وهناك خلاف على الحدود البحرية بين شطري الجزيرة، إذ قامت قبرص اليونانية – في الجنوب – بترسيم منطقتها الاقتصادية في شرق المتوسط بشكل أحادي في عام 2010، وردت قبرص التركية بتوقيع اتفاق مع تركيا لترسيم جرفها القاري في عام 2011.
وتُجري تركيا عمليات تنقيب في المنطقة المحيطة بقبرص والقريبة من اليونان باعتبارها شريكا ولحماية “مصالح القبارصة الأتراك”، كما تقول.
وعلى الجانب الآخر، تعترض قبرص اليونانية واليونان على ذلك وتعتبرانه انتهاكا لسيادتهما ومياههما الإقليمية، بينما تؤكد تركيا أنها تنقب داخل جرفها القاري.
الأمر الذي دعا على إثره الاتحاد الأوروبي تركيا إلى احترام الحقوق السيادية لقبرص.
وتعهدت قبرص بحماية حقوق القبارصة الأتراك إذا انسحبت القوات التركية من شمال البلاد، إلا أن أنقرة رفضت المقترح وواصلت التنقيب في المنطقة المتنازع عليها كما هددت بمقاطعة الشركات النفطية العاملة في المياه القبرصية ، وقاطعت شركة ” إيني ” النفطية الإيطالية قبل أن تربح الشركة دعواها أمام القضاء الأوروبي.
ويقدر احتياطي الغاز في المنطقة التي أعلنتها قبرص منطقتها الاقتصادية، ما بين 102 و170 مليار متر مكعب، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
ولتضمن قبرص حقوقها في هذه الثروة دون تدخل من تركيا، وقعت اتفاقيات منطقة اقتصادية مع لبنان ومصر وإسرائيل، كما وقعت صفقات مع شركات الطاقة العملاقة، إيني وتوتال وإكسون موبيل لإجراء أعمال الحفر.
وبخلاف قبرص واليونان، تحتج تركيا أيضا على حدود المنطقة الاقتصادية المصرية المطلة على المياه القبرصية، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره “تدخلا في شؤونها السيادية”.
ما الجديد في هذا الخلاف؟
وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما مطلع هذا الشهر، ما يقطع الطريق على الآمال التركية في غاز المتوسط ونفطه، كما يقول الباحث في الشأن السياسي هيثم محمد.
وقد وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذه الاتفاقية بـ “عديمة القيمة”، كما أعلنت الخارجية التركية أن الاتفاقية تنتهك الجرف القاري التركي. وبعدها أرسلت تركيا سفنها للتنقيب قرب الجزر اليونانية.
وتعد هذه الاتفاقية بين مصر واليونان، امتدادا لمنتدى شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستنثي تركيا. وقد شُكل هذا المنتدى ومقره القاهرة، في يناير/ كانون الثاني 2019 ، ليضم وزراء الطاقة في دول شرق المتوسط: مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.
ومنذ تأسيسه أبدى المنتدى ترحيبه بمشروعين مازالا قيد التنفيذ: الأول، التصدير المشترك للغاز المسال المصري والقبرصي والإسرائيلي من محطات تسييل الغاز المصرية للسوق الأوروبية. وكذلك تشييد خط أنابيب بحري للغاز يبدأ من حيفا فقبرص واليونان وحتى إيطاليا مستقبلاً. ودعمت السوق الأوروبية دراسات هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته نحو سبعة مليارات دولار.
وفيما يبدو ردا على استثناء تركيا، بحسب الباحث في الشأن السياسي هيثم محمد، وقعت تركيا وحكومة الوفاق الليبية – المعترف بها دوليا- في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، اتفاقاً يؤسس لمنطقة اقتصادية تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا. وتقول مصر إن هذا الاتفاق غير قانوني، كما اعترضت اليونان عليه إذ لم يأخذ في الاعتبار وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة.
بالنظر لهذه التطورات، كما يقول الدكتور هيثم محمد، تتلخص المنافسة على الغاز والنفط فى شرق المتوسط بين تكتلين: الأول يضم إسرائيل مع الدول العربية وقبرص واليونان، ويفرض سيطرته على ثلاثة حقول مركزية، والثاني والحديث نسبياً يضم تركيا مع ليبيا. ويبدو أن التكتل الأول يمضي بخطوات أسرع لقطع طريق التكتل الثاني.
كيف يتم ترسيم الحدود البحرية؟
يستند ترسيم الحدود البحرية بين الدول إلى المعاهدة الدولية لقانون البحار الموقعة عام 1982 . لكن سوريا وإسرائيل وتركيا لم توقع على هذه المعاهدة. ورغم ذلك وقعت دول المنطقة عددا من الاتفاقيات الثنائية لترسيم الحدود الاقتصادية بينها، فمثلا تم ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003 ثم في 2013، ومصر وإسرائيل 2005، وبين قبرص ولبنان في عام 2007، وقبرص وإسرائيل في عام 2010، وإسرائيل والأردن، واليونان وإيطاليا في يونيو / حزيران2020، واليونان ومصر في مطلع أغسطس/ آب الجاري.
إلى جانب الخلاف التركي مع قبرص واليونان، كما يقول الباحث في شؤون النفط، وليد خدوري ، هناك خلافات بين عدد من دول المنطقة حول الحدود البحرية، كالخلاف بين لبنان وإسرائيل، وبين سوريا ولبنان.
هل هناك أطراف أخرى فاعلة في معادلة شرق المتوسط؟
تدير عمليات التنقيب في شرق المتوسط شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية وروسية، وهذا ما يضع دول هذه الشركات داخل دائرة التنافس الاقتصادي على الآبار المكتشفة.
و يسعى الاتحاد الأوروبي كذلك إلى تعزيز أمن الطاقة عبر تنويع مصادر الواردات وتنويع طرق التوريد، إذ يُسهم غاز شرق المتوسط في تخفيف الاعتماد شبه الكلي لدول شرق وجنوب أوروبا على روسيا، ولهذا يحرص الاتحاد على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من المنطقة. كما يهتم الاتحاد الأوروبي بمصالح الدول الأعضاء كقبرص واليونان.
وموسكو أيضا حاضرة في هذا الملف من خلال شركات التنقيب في حالة لبنان، وتقديم التمويل المالي لقبرص واليونان، والوجود العسكري والاتفاقات الثنائية مع سوريا.
ما أهمية إعلان أردوغان عن أكبر اكتشاف للغاز في هذا التوقيت ؟
تشكل تركيا نقطة عبور لنفط وغاز روسيا وكازاخستان وأذربيجان والعراق وإيران إلى الأسواق الأوروبية، إلا أنها تفتقد الاحتياطات البترولية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها، نظراً لضخامة وتطور صناعاتها كما يقول الباحث فى شؤون الطاقة، وليد خدوري، الأمر الذي يجعلها فى حاجة ملحة لاكتشافات غازية ونفطية.
وفى ظل التوترات في شرق المتوسط ، أعلن أردوغان عن اكتشاف حقل ضخم للغاز في البحر الأسود، هو الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد، ويحتوي على 320 مليار متر مكعب من الغاز.
ويؤكد خدوري أنه بافتراض صحة هذا الكشف ستتغير بشكل طفيف قواعد المعادلة فى شرق المتوسط، إذ يطمئن هذا الكشف أنقرة أن لديها موارد طبيعية بعيدة عن منطقة شرق المتوسط، تلبي الطلب المحلي وتعطي دفعة لليرة التي كانت تنهار مؤخرًا. لكنه – بحسب خدوري – من الصعب التحقق من صحة هذا الكشف لأنه تم من قبل شركة النفط الوطنية التركية TPAO .
ورغم ذلك يتوقع خدوري أن يواصل أردوغان التعامل “العدوانية ” نفسها مع دول شرق المتوسط ، لأنه يريد مزيدا من مصادر الطاقة لتحقيق مآربه السياسية ” كزعيم للسنة في العالم في ظل غياب قيادات قوية في القاهرة والرياض”. ولتحقيق ذلك يدخل أردوغان في تحالفات مع دول إسلامية كماليزيا وباكستان ويستغل الدول “المتعثرة” في شمال إفريقيا – بدءاً من ليبيا، ثم التحرك تدريجياً نحو تونس.
إذا حُل الخلاف التركي-اليوناني، هل ستنتهي كل الخلافات في شرق المتوسط ؟
يتميز الصراع في شرق المتوسط بتداخل أبعاده، فإلى جانب الخلاف التركي مع اليونان وقبرص، هناك 4 ملفات ساخنة أخرى.
أولا ، يلعب الصراع العربي -الاسرائيلي دورا في تعطيل الاستفادة من غاز المتوسط ونفطه. ويقول وليد خدوري إن شركة «بريتش غاز» اكتشفت في عام 2000 حقل «غزة مارين» في بحر غزة باحتياطي بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهى كمية تلبي حاجات قطاع غزة والضفة الغربية.ورغم مرور عقدين من الزمن، لا يزال الحقل دون تطوير بسبب رفض إسرائيل إذ تحتكر تزويد الضفة وغزة بالوقود مع إتاحة نافذة صغيرة لمصر للمساهمة ، بحسب خدوري.
ثانيا، النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، إذ تّدعى إسرائيل أحقيتها في التنقيب في المياه بالقرب من صور اللبنانية، بينما اتفق لبنان مع عدة شركات نفطية ايطالية وفرنسية وروسية للتنقيب في هذه المنطقة، على أن يبدأ الحفر قبل نهاية 2020. وتحاول الولايات المتحدة الوساطة في هذا النزاع دون جدوى.
ثالثا، الخلاف بين تركيا ومصر، في ظل اتهام القاهرة لأنقرة بدعم جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في مصر. واعتماد مصر على الغاز يدفع باتجاه الاستكشاف غرب البحر المتوسط قرب المياه الليبية. وبحسب خدوري ستتأثر هذه المحاولات سلباً بالاتفاق التركي الليبي، ويمكن أن تتسبب فى خلافات أوسع بين القاهرة وأنقرة خاصة في ظل رغبة أنقرة فى توسيع نفوذها في شرق المتوسط.
أما المشكلة الرابعة، فتكمن في الصراع في سوريا، الذي يعوق عمليات التنقيب للاستفادة من الغاز القابع في مياهها.
هل هناك احتمال لنشوب حرب في المنطقة من أجل الغاز والنفط ؟
بالرغم من اختلال موازين القوى بين دول شرق المتوسط، يستبعد الباحث في الشأن السياسي، هيثم محمد، هذا الأمر” فكل طرف يتحاشي الدخول فى صدام ويرسم للآخر خطوطا حمراء تجاوزها يعني اندلاع مواجهة مسلحة”. ويضيف أن تكتل منتدى شرق المتوسط يستند إلى 4 معطيات فى مواجهة تركيا.
وهذه المعطيات هي: دعم دول المنتدى المشترك لحماية مصالحهم، وعضوية بعض هذه الدول في الاتحاد الأوروبي، وعقد اتفاقات إقليمية، ومنح رخص تنقيب لشركات تتبع قوى كبرى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا.
ويرى الباحث في الشأن السياسي أن المنطقة ستدخل في حرب باردة تشهد معارك اقتصادية وإعلامية وسياسية، وربما تدخل وكلاء محليين في الشأن الداخلي للدول. وقد نشهد انتقال الصراع لمناطق جديدة مثل اليمن أو الصومال أو قيام كل طرف إقليمي بتحسين موقعه عبر إقامة قواعد وموانىء على خط طرق التجارة البحرية الدولية.
[ad_2]
Source link