الاضطراب الوراثي الذي يؤدي إلى تكرار خلع الكتف
[ad_1]
ربما لم يسمع معظم الناس بهذا الاضطراب الوراثي الذي يجعل المصابين به يؤدون حركات بأجسامهم، كانت في العقود الماضية تؤهلهم للحصول على وظيفة في السيرك، إذ يمكنهم من ثني مفاصلهم بطرق لا يجرؤ معظم الناس على مجرد التفكير في محاكاتها.
ولكن هؤلاء لا يملكون قدرات خارقة، بل كثيرا ما تنخلع أكتافهم دون سابق إنذار، وقد يصابون باعوجاج شديد في العمود الفقري، ويكابد الكثير منهم آلاما مزمنة. وفي أخطر الحالات، قد تنفجر أوعيتهم الدموية فجأة وتؤدي للوفاة.
وعلى الرغم من أن أعراض متلازمة “إيلرز دانلوس” توهن المرضى وتؤثر على حياتهم، فإنها حتى الآن لم تستوف حقها من الدراسة، ونادرا ما يُشخص المصابون بها تشخيصا صحيحا، ولا يكاد الكثير من الأطباء يعرفون شيئا عن هذه المتلازمة.
ولكن الوعي قد زاد مؤخرا بهذه المتلازمة، بعد أن أعلن بعض المشاهير عن إصابتهم بها، مثل الممثلة والمخرجة الأمريكية لينا دونهام، والممثلة البريطانية جميلة جميل، والمغنية الأسترالية سيا. ولا يعرف الكثير من المختصين عنها حتى الآن إلا القليل، ومن ثم لا يحصل الكثير من المرضى على المساعدة التي يحتاجونها.
ويقول كاي جوليير، المدير المنتدب بجمعية دعم مرضى إيلرز دانلوس الخيرية بالمملكة المتحدة، إن “تشخيص هذا المرض في المملكة المتحدة قد يستغرق في المتوسط عشر سنوات”.
وقد تكشف تجربة جودي عن المعاناة التي يخوضها المرضى لتشخيص متلازمة إيلرز دانلوس. فعندما بلغت طفلتها الوسطى، أليس، من العمر سبعة أو ثمانية أعوام، اشتكت من آلام متكررة في الظهر لأكثر من شهر، ثم فحصها الممارس العام واشتبه في إصابتها بمتلازمة إيلرز دانلوس.
وعندما اصطحبت جودي ابنتها إلى المركز الطبي كان الحظ حليفها إذ كان الطبيب الذي فحصها له قريب مصاب بنفس المرض، وأحالها على الفور لطبيب الأطفال.
لكن الأمور تعثرت عند هذا الحد. وتقول جودي إن فريق أطباء الأطفال أخذوا ينظرون إليها نظرات استفهام وارتسمت على وجوههم علامات الحيرة. وأمضوا عامين على الأقل ما بين افتراضات وتخمينات.
وأخذت أعراض أليس تتضح يوما بعد يوم، إذ أصبح جلدها رقيقا ومرنا وشفافا، وشرايينها بارزة، وكان مؤشر كتلة الجسم لديها منخفض بالنسبة لسنها. وانتشر الألم من الظهر إلى الكتفين. ثم عانت من الخلع المتكرر للكتف.
وقد أثار نقص الوعي بمتلازمة إيلرز دانلوس بين العاملين بالمجال الطبي الكثير من الانتقادات لسنوات، رغم أنها اكتشفت منذ سنوات طويلة.
عقود من التجاهل
وصفت أعراض هذا الاضطراب الوراثي منذ أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن أول وصف نموذجي لأعراض المرض وضعه إدفارد إيلرز، طبيب الأمراض الجلدية الدنماركي، في عام 1901 وهنري ألكساندر دانلوس، طبيب الأمراض الجلدية الفرنسي في عام 1908. وسمي المرض “إيلرز-دانلوس” نسبة إليهما في عام 1939. ووضعت ثلاثة أعراض رئيسية، يشخص المرض بناء عليها، وهي فرط ليونة المفاصل، وقابلية الجلد للتمطط بشكل استثنائي، وبالتالي تشققه بكل سهولة.
وعلى مدى العقود اللاحقة، اكتشف الأطباء أن هناك أكثر من نوع لمتلازمة إيلرز دانلوس، لا يعرف أحد عددها تحديدا حتى الآن. إذ رأى أحد الجراحين في عام 1967 أن هناك ثلاثة أنواع من المتلازمة، لكل منها أعراض مختلفة، بينما رأى آخر أن هناك خمسة أنواع منها بعد دراسة 100 مريض بدقة. وفي عام 1988 اكتشف أن هناك 11 نوعا من هذه المتلازمة.
لكن القاسم المشترك بين أنواع متلازمة إيلرز دانلوس المختلفة، هو وجود مشاكل في النسيج الضام الذي يحيط بأعضاء الجسم الداخلية ويدعمها. إذ تتكون الأربطة والأوتار التي تربط عضلاتنا وعظامنا ببعضها وجدران الأوعية الدموية الرئيسية، من النسيج الضام.
ويمثل الكولاجين أهم البروتينات في النسيج الضام. ويتأثر الكولاجين بشكل ما بمتلازمة إيلرز دانلوس بأنواعها. والمشكلة أن هذه التصنيفات البدائية للمتلازمة استندت إلى أعراض المتلازمة ولم تأخذ في الاعتبار أسبابها الجذرية.
وربما تكون الحالات التي تبدو متشابهة ناتجة عن طفرات في جينات مختلفة، وقد تؤدي الطفرات المختلفة في جين واحد أيضا إلى أعراض مختلفة. وأخذ علماء الوراثة يميزون ببطء الجينات التي تسبب متلازمة إيلرز دانلوس، واكتشفوا أنها كلها جينات إما مسؤولة عن إنتاج الكولاجين أو البروتينات التي تتفاعل معه.
وأعيد تصنيف أنواع المتلازمة وفقا لهذه المعلومات الوراثية في عام 1997 لتصبح ستة أنواع فقط. لكن اكتشفت جينات جديدة مسؤولة عن متلازمة إيلرز دانلوس، ووصل عددها الآن إلى 20 جينا.
إعادة نظر
وفي عام 2014، دشنت جمعية إيلرز دانلوس الاتحاد الدولي للباحثين لدراسة متلازمة إيلرز دانلوس والاضطرابات ذات الصلة بها، بهدف إعادة تصنيف أنواع المتلازمة ووضع إرشادات لرعاية المرضى الذين يعانون منها.
وتصف فراشيسكا مالفيت، من جامعة خنت في بلجيكا، هذه الخطوة بأنها كانت ضرورية لتوحيد جهود الباحثين الذين يدرسون متلازمة إيلرز دانلوس.
ونشرت الدورية الأمريكية لعلم الوراثة الطبي في عام 2017، التقارير التي أعدها فريق الباحثين عن هذا الاضطراب، وصنف الباحثون المتلازمة إلى 13 نوعا، واكتشف النوع الـ 14 في العام اللاحق. لكن هذه الأنواع معظمها نادر. وحاز نوعان على اهتمام الباحثين، هما متلازمة إيلرز دانلوس من نوع فرط مرونة المفاصل، وهو النوع الأكثر شيوعا، ومتلازمة إيلرز دانلوس من النوع الوعائي، وهو الأكثر خطورة.
قلوب ضعيفة
وتسبب متلازمة إيلرز دانلوس الوعائية تغيرات في النسيج الضام تؤدي إلى إضعاف الشرايين وصمامات القلب. وهذا النوع قد يؤدي إلى الوفاة، لأن الأوعية الدموية قد تتمزق دون سابق إنذار. وينتج هذا النوع من المتلازمة عن طفرة في جين واحد مسؤول عن الكولاجين يدعى COL3A1.
وترتفع معدلات الوفاة بين المصابين بهذا النوع، إذ توفي في دراسة، أجريت على 231 مصابا بهذا النوع، 39 في المئة من المشاركين، كان متوسط أعمارهم 31 عاما. ولهذا ينصح المرضى بتفادي التمرينات الشاقة لتقليل مخاطر تمزق الأوعية الدموية وبمراقبة ضغط الدم باستمرار.
لكن متلازمة إيلرز دانلوس الوعائية، هي النوع الوحيد الذي يمكن علاجه بالأدوية، مثل دواء “سيليبرولول”، الذي أظهرت التجارب السريرية أنه يقلل مخاطر تمزق الأوعية الدموية، رغم أن الكثير من الناس لا يتحملون الجرعة الموصى بها.
وبعد أن تأكدت جودي من إصابة ابنتها بالمتلازمة، تملكها الخوف من أن تكون ابنتها مصابة بالنوع الوعائي بعد أن لاحظت بعض الأعرض التي تنم عن ذلك. إذ اكتشف الأطباء أنها مصابة بارتخاء الصمام الميترالي، أي أن الصمام الذي يقع بين اثنين من حجرات القلب لا يغلق بإحكام، ومن ثم يتدفق بعض الدم الذي يضخه القلب إلى الخلف. وهذا العرض أكثر شيوعا بين المصابين بنوع فرط مرونة المفاصل من المتلازمة.
وكان السبيل الوحيد للتأكد هو إجراء فحص وراثي. وهنا اصطدمت جودي بالكثير من العوائق. وتقول إن جميع الأطباء يحجمون عن إجراء فحوص وراثية لأنها مكلفة. فبعد عام من الإلحاح على طبيب الأطفال، حصلت جودي على موعد في إدارة الفحوص الوراثية. وقابلتها إحدى المساعدات في الإدارة ورفضت إجراء أي فحوص لأليس بحجة أن أعراضها لا تطابق المعايير المحددة لإجراء الفحوص، إذ لم يكن وجهها طويلا وعيناها ضخمتين وذقنها مدببا بما يكفي للجزم بأنها مصابة بالنوع الوعائي.
وفي نهاية المطاف، شخصت أليس بمتلازمة إيلرز دانلوس من نوع فرط مرونة المفاصل.
فرط مرونة المفاصل
وخلافا للأنواع الأخرى من متلازمة إيلرز دانلوس، لم يتمكن العلماء من الربط بين النوع الذي يسبب فرط مرونة المفاصل وبين أي خلل جيني. ولهذا لا نفهم بعد أسباب هذا المرض، ولا العدد الحقيقي للمرضى.
وقد نشأت هذه المشاكل عن التشابه ما بين أعراضه وأعراض طائفة اضطرابات فرط مرونة المفاصل، التي كانت تسمى سابقا متلازمة فرط مرونة المفاصل. لكن الفارق أن المصابين باضطرابات فرط مرونة المفاصل لا يعانون من أي أعراض أخرى لمتلازمة إيلرز دانلوس، مثل هشاشة الجلد.
وربما تتضمن متلازمة إيلرز دانلوس من نوع فرط حركة المفاصل طائفة من الاضطرابات الأخرى التي لم تكتشف بعد. وبسبب هذا الخلط بين أعراض متلازمة إيلرز دانلوس من نوع فرط حركة المفاصل وأعراض طائفة اضطرابات فرط مرونة المفاصل، لا يمكن تقدير الحجم الحقيقي لانتشار متلازمة إيلرز دانلوس.
وتشير تقديرات إلى أن واحدا من بين 5,000 شخص مصابون بمتلازمة إيلرز دانلوس، والغالبية العظمى من هؤلاء مصابون بنوع فرط حركة المفاصل.
وأشارت دراسة نشرت في أواخر 2019 عرضت تحليلا للبيانات الطبية من ويلز، إلى أن واحدا من كل 500 شخص مصابون بمتلازمة إيلرز دانلوس، لكن هذه الدراسة أثارت انتقادات واسعة لأنها صنفت المصابين بمتلازمة فرط مرونة المفاصل مع المصابين بمتلازمة إيلرز دانلوس، ولهذا عدت النتائج غير موثوق بها.
أسئلة بلا إجابات
وشاركت جمعية إيلرز دانلوس في تمويل دراسة واسعة النطاق تحت عنوان “التقييم الوراثي لمتلازمة إيلرز دانلوس من نوع فرط الحركة”، التي تهدف لكشف الأسباب الوراثية لهذا النوع من المتلازمة. وجمع الباحثون بيانات وراثية من 1000 شخص مصابين بهذا النوع من المتلازمة، الذي يعتقد أنه ناتج عن طفرات في جينات عديدة، ولكل منها أثر طفيف.
وتقول لارا بلوم، رئيسة الجمعية ومديرتها التنفيذية، إن الإجابة على هذه الأسئلة الأساسية والضرورية، ستساعدنا على اكتشاف طرق تشخيص هذا النوع من المتلازمة والعناية بالمرضى ورعايتهم.
وتقول بلوم إن الأطباء قد يختلط عليهم الأمر عند تشخيص متلازمة إيلرز دانلوس، ولا سيما من نوع فرط مرونة المفاصل، بسبب كثرة أعراضه التي قد تتشابه مع أعراض أمراض أخرى. فقد يعاني المريض مثلا من مشاكل هضمية، كالإسهال أو الإمساك، وأحيانا يعانون من متلازمة تنشيط الخلايا البدينة، حين تطلق خلايا الجهاز المناعي مواد كيميائية تؤثر على الكثير من أجهزة الجسم.
ورغم أن العلاقة بين هذه الأعراض وبين تلف النسيج الضام ليست واضحة بعد، فإن كثرة ظهورها بين المصابين بمتلازمة إيلرز دانلوس قادت الباحثين للاعتقاد بأن ثمة علاقة ما بينهما.
وكانت أخت أليس الكبرى في البداية تشتكي من أعراض في الجهاز الهضمي، ما دعا الأطباء لتشخيصها بمتلازمة القولون العصبي. لكن الأطباء لاحظوا فرط مرونة مفاصلها ووجود انحناء في عمودها الفقري، لكنها لم تشخص رسميا بمتلازمة إيلرز دانلوس حتى الآن.
ويعاني ابنها الأصغر أيضا من فرط مرونة المفاصل، لكنها لم تحاول أن تعرضه على الأطباء بعد المعاناة التي خاضتها لتشخيص طفلتيها، فضلا عن أنه لا يعاني من أعراض أخرى.
التعايش مع المرض
ويقول الأطباء إن التأخر في تشخيص المرض قد يعود إلى أن متلازمة إيلرز دانلوس لا علاج لها. وتقول جودي إن الكثير من الأطباء يقولون: “ما الذي سيفيدك لو شخصنا المرض، ما دام لا يوجد علاج له”.
غير أن التشخيص يتيح لهؤلاء المرضى الحصول على الدعم الذي يحتاجونه بشدة لمساعدتهم على عيش حياة طبيعية، إذ حصلت أليس وأختها هارييت، من خلال المعالجين المهنيين، على مقعدين مزودين بدعامة للظهر في مدارسهم.
وتتلقى الأختان جلسات علاج طبيعي لتقوية عضلات المعدة والحد من مخاطر خلع المفاصل وتلفها. وأحال الطبيب أليس لأخصائي نفسي لتقديم المشورة حول كيفية التعامل مع الألم.
ويجري بعض الجراحين تجارب على تقنية جراحية جديدة لتقوية المفاصل للحد من مخاطر الخلع المتكرر.
وتشدد بلوم على أهمية إتاحة الدعم اليومي، مثل العلاج الطبيعي، لمرضى متلازمة إيلرز دانلوس. وتقول إن الآلاف حول العالم يعانون من هذه الأعراض، لكن الأطباء يخفقون في تشخيص مرضهم.
وتعزو بلوم ذلك إلى تشابك وتنوع أعراض المتلازمة التي تصعّب على الأطباء تشخيصها، ناهيك عن أن الكثير من العاملين بالمجال الطبي لا يكادون يعرفون شيئا عن المرض. وتقول إن جيلا من الأطباء لم يدرس شيئا عن هذا المرض، وهناك أجيال أخرى من الأطباء لا يعرفون عن المرض سوى أنه يسبب فرط مرونة المفاصل. ولهذا نحتاج لتوفير الموارد لتثقيف هؤلاء الأطباء بشان هذا المرض.
وفي عام 2017 نشرت الكلية الملكية البريطانية للممارسين العموم مجموعة إرشادات ومعلومات عن متلازمة إيلرز دانلوس حول كيفية مساعدة المرضى وتشخيص المرض.
وتشعر بلوم بتفاؤل، لكنها تقول إنهم لم يقطعوا إلا خطوات في طريق به الكثير من الصعوبات.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link