الحمل: لماذا تشتهي المرأة أطعمة بعينها خلال هذه الفترة؟
[ad_1]
لا يوجد منّا تقريبا من لم يسمع قصصا عن تلك السيدة الحُبلى، التي تصمم على أكل المثلجات (الآيس كريم) والمُخللات، بل وتدفع زوجها للذهاب لشراء دجاج مقلي لها، في الواحدة من بعد منتصف الليل، وتشعر أيضا – بشكل غامض – بأنها بحاجة لالتهام خمسة ألواح من نوع معين للغاية من الشوكولاتة. وربما لا يقتصر هذا التوق الشديد لأطعمة بعينها على النسوة في فترة الحمل، بل قد يشعر البعض منّا به كذلك.
على أي حال، يُتوقع في غالب الأحيان أن يكون السبب في اشتهاء النساء الحوامل أحيانا لتناول بعض الأطعمة، هو رغبتهن في تلبية بعض الاحتياجات الغذائية لهن أو لأجنتهن. بجانب ذلك، يرى البعض أن هناك شيئا ما “آسراً وفاتناً” يكمن في أن هذا الشعور يعكس ما يمكن وصفه بـ “حقيقة بيولوجية كامنة” داخل الإنسان.
وفي كل الأحوال، يمثل ذلك الشعور “جانبا مربكا” من مسألة معقدة في بعض الأحيان، وهي الحمل. فحمل أي امرأة لجنين في أحشائها هو في الأصل أمر مجهد ومزعج، ويستغرق وقتا طويلا، ولذا سيكون من الأفضل – بنظر البعض – أن يصبح لدى المرأة في هذه الحالة، سبب للشعور برغبة جارفة في تناول أطعمة شهية.
لكن إلقاءك نظرة على الدراسات العلمية التي أُجريت في هذا الشأن، سيتيح لك الفرصة لمطالعة تفسيرات أكثر تعقيدا وإثارة للاهتمام لتلك الظاهرة.
فقد كشف الباحثون عن أنها لا توجد بالضرورة في كل الثقافات. كما أن طبيعة ما تشتهيه المرأة الحامل، في ثقافات الدول غير الناطقة بالإنجليزية؛ من تلك التي قالت فيها النساء إنهن يَخْبُرن هذا الشعور أحيانا، تختلف بشكل كبير، عما تشتهيه نظيراتهن في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على سبيل المثال. ففي اليابان، مثلا، شكّل الأرز الوجبة التي قالت النساء الحوامل في المعتاد، إنهن يَتُقنّ إليها أكثر من غيرها.
أكثر من ذلك، أُجريت دراسات لتحديد ما إذا كانت الأطعمة، التي تُشتهى عادة خلال فترة الحمل، تحتوي على عناصر غذائية مفيدة بشكل خاص للحوامل، من عدمه. وأظهرت هذه الأبحاث أن تلك المواد الغذائية، لا تحتوي على أي مواد مفيدة في هذا الشأن، على الإطلاق، بل تبين أن النسوة اللواتي قلن إن هذا الشعور راودهن أثناء الحمل، نزعن لاكتساب وزن زائد في تلك الفترة، ما جعلهن يتجاوزن ما يُعد – بوجه عام – مستوى صحيا من الوزن خلالها. وقد يزيد ذلك بالتبعية، احتمالات حدوث مشكلات صحية، لهن خلال شهور الحمل.
لا يعني ذلك بالقطع أن النساء الحوامل يفتعلن هذا الشعور، لكنه يشير إلى أن إحساسهن به ربما يكون ناجما عن سبب آخر، بخلاف وجود احتياج بيولوجي لديهن.
وبوسعنا هنا الاستعانة برأي جوليا هورمز، الأستاذة الجامعية في علم النفس في الولايات المتحدة، والتي تجري دراسات بشأن الرغبة الشديدة التي تراود الناس في تناول أطعمة محددة في سياقات مختلفة.
وتقول هورمز إن هذه الدراسات تلقي الضوء على بعض المعلومات المتعلقة بهذا الأمر، مثل ما قالته نصف النساء الأمريكيات تقريبا، من أنهن يشتهين أكل الشوكولاتة خلال الأسبوع السابق لموعد دورتهن الشهرية. وقد أجرى الباحثون دراسات لتحديد ما إذا كان هذا الشعور ناجما عن احتواء هذا النوع من الحلوى، على عناصر غذائية مهمة للنسوة في فترة الحيض، أم أنه مرتبط بالتغيرات التي تطرأ على هرموناتهن خلال هذه الفترة.
وفي إحدى التجارب التي أُجريت في هذا الصدد، أعطى أحد علماء النفس النسوة اللواتي يشكلن عينة الدراسة، علباً تحتوي على أنواع مختلفة من المواد الغذائية الحلوة المذاق، وطلب من كل منهن فتح هذه العلب، حينما يشعرن بالرغبة الشديدة في تناول شيء ما.
في بعض العلب، وُضِعَت ألواح شوكولاتة بالحليب، تحتوي على كل العناصر المغذية التي توجد في الشوكولاتة، وتمتاز بأن قوامها يذوب في الفم. في القسم الثاني من العلب، وُجِدَت ألواح من الشوكولاتة البيضاء، التي تتميز بدورها بقوامها اللطيف الشهي، لكنها تفتقر لمادة الكاكاو الصلبة، التي تُكسب الشوكولاتة الداكنة والشوكولاتة بالحليب لونهما البني.
أما القسم الثالث، فوُضِعَ فيه حبوب الكاكاو، التي تحتوي على كل المواد المُغذية الموجودة في مادة الكاكاو الصلبة، لكن تناولها لا يعطي المرء الإحساس بأنه يلتهم قطعة شوكولاتة، بأي شكل من الأشكال.
وأظهرت الدراسة أن الشوكولاتة البيضاء، كانت الأكثر فاعلية في إرضاء شعور النسوة بالرغبة الشديدة في تناول الطعام. ويعني ذلك بالتبعية أن اشتهاء التهام هذا النوع من المواد الغذائية، لم يكن ناجما عن احتوائه على مواد مُغذية من عدمه، إذ أن النسوة لم يفضلن حبوب الكاكاو، رغم أنها مفيدة بشكل أكبر، في هذا الشأن.
وقد أظهرت دراسات أخرى عدم وجود أي صلة بين الشعور بالتوق لتناول الشوكولاتة، ومستوى الهرمونات في الجسم. فبحسب ما توضح هورمز، تواصل النساء القول إنهن يشتهين الشوكولاتة، حتى بعد وصولهن للفترة التي ينقطع عنهن فيها الطمث. لكنهن في هذه الحالة، يُرجعن حدوث ذلك لأسباب أخرى، لا تتعلق بالحمل أو بتغير مستوى الهرمونات.
وتشير نتائج دراسات مثل هذه، إلى أن هناك أسبابا نفسية أو ثقافية، تقف وراء الشعور بالرغبة الشديدة في تناول طعام بعينه. فاشتهاء التهام كعكة بالزبد أو لوح من الشوكولاتة أو بطاطس مقلية، ربما يبدأ في ذهن المرء كخاطرة تراوده، قبل أن تتزايد حدتها شيئا فشيئا، لتصبح هوسا يصعب عليه مقاومته.
من جهة أخرى، تبين أن التفكير في تناول أطعمة “لذيذة ومستساغة”، وهو تعبير يستخدمه الباحثون عادة للإشارة إلى أنواع مختلفة من الأغذية؛ تبدأ بالمثلجات وتمتد إلى الكعك والمعكرونة بالجبن، يقترن بالإحساس بشعور قوي بالذنب، في الولايات المتحدة، ومناطق أخرى من العالم؛ بنسب متفاوتة.
وتقول هورمز: “ثمة ازدواجية وتناقض بعينهما هنا. فتناول الشوكولاتة مثلا ممتع في حد ذاته، لكن المرء يعيش في سياق ثقافي يقول له إنه لا يتعين عليه التهام هذا النوع من المواد الغذائية. وهكذا؛ يجد الإنسان نفسه في موقف يريد فيه شيئا بحق، لكنه يعلم في الوقت ذاته، أنه لا يجب عليه تناوله”.
بجانب ذلك، فإنك إذا فرضت قيودا لبعض الوقت على تناولك طعاما بعينه، ووضعت في ذهنك فكرة أنه من المحظور عليك التهامه، سيكون من العسير عليك بشدة، أن تكبح جماح نفسك فور عودتك لتناوله مرة أخرى. ويفسر ذلك السبب، في أنك عادة ما تندفع لالتهام عدة قطع من الكعك، إذ تناولت قطعة واحدة منه، بدلا من أن تشعر بالرضا والاكتفاء بما حصلت عليه منه بالفعل.
ويُذكِرنّا ذلك بأن بعض النسوة يفرضن قيودا على تناولهن أطعمة معينة خلال فترة الحمل، إما من أجل الالتزام بنظام غذاء صحي، وإما استجابة لنصائح الأطباء.
وتؤدي كل العوامل السابقة – على الأقل في بعض بقاع العالم – إلى حدوث وضع، يزداد فيه الإحساس بالرغبة الشديدة في التهام بعض الأطعمة، ليصل إلى حد تصعب مقاومته، وهو ما يؤدي في الأغلب، إلى اكتساب الوزن بطريقة مفرطة.
وربما تبدو شهور الحمل، فترة لا يمكن التعامل خلالها بصرامة مع المرأة، إذا شعرت باشتهاء شديد لبعض أنواع الطعام.
وهنا تقول هورمز: “يبدو أن الثقافة السائدة في هذا الصدد، تحدد فترات بعينها، يمكن أن يكون من المقبول بشكل أكبر خلالها أن تأكل المرأة أطعمة، يُفترض أن تنأى بنفسها عنها في الأوقات العادية. ومن هنا، تشكل فترة ما قبل الحيض وشهور الحمل مناسبتيْن، يُسمح فيهما للمرأة أن تستسلم لرغباتها على صعيد تناول الطعام”.
وتشير هورمز إلى أن محاولة وضع حد لاستغراق المرء في التفكير والتأمل، الذي قد يقوده للشعور باشتهاء حقيقي وشديد لطعام بعينه، يمكن أن تحول دون أن يتطور الأمر، من مجرد التفكير في تناول هذا الطعام، إلى الانغماس في ذلك بنهم شديد.
ومن بين الوسائل التي يمكن اللجوء إليها في هذا السياق، استخدام عوامل لتشتيت الانتباه. وقد أفادت بعض الدراسات، بأنه من الممكن استخدام روائح ومُشتِتات انتباه بصرية، لتحقيق هذا الهدف. وأشارت دراسات أخرى إلى إمكانية الاعتماد في هذا الشأن، على التأمل والتركيز الكامل للذهن، بما يؤدي إلى أن يقر المرء بوجود هذه الرغبة الشديدة لديه في تناول الطعام، على أن يعمل على مقاومتها، حتى تمر دون الاستسلام لها.
وتنصح هورمز كذلك من يتوقون بشدة للشوكولاتة، بأن يشتروا منها نوعا جيدا للغاية، وأن يتناولوا من كل لوح في العلبة مربعين أو ثلاثة يوميا، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن يبدو تناول الشوكولاتة أمرا غير ذي أهمية بالغة، عندما يحرمون أنفسهم منه.
أما إذا انتقلنا للتوق للطعام في فترة الحمل تحديدا، فسنجد أن المسألة هنا، ربما تنطوي على عوامل ثقافية ومجتمعية إضافية. فالحمل في حد ذاته، يشكل أمرا يستنزف القوى والطاقات، ويمكن أن يكون من العسير على المرأة الحبلى، تجاوز شهوره بسلام، دون أن تنال دعما ممن حولها.
وسبق أن أشارت دراسة أُجريت على نسوة تنزانيات ريفيات ممن قلن إنهن يَتُقنّ لالتهام اللحوم والأسماك والفواكه والخضروات والبقوليات، إلى إن توفير هذه الأطعمة لهن، شكل مؤشرا على حصولهن على المساندة الاجتماعية من جانب الزوج وأسرته.
ويصدق ذلك بطبيعة الحال، على فكرة أن ترسل المرأة الحُبلى زوجها، لكي يشتري لها بطاطس مقلية في الواحدة من بعد منتصف الليل. إذ إن حدوث ذلك، وعودة الزوج بما تشتهيه زوجته لها، يشكل أمرا مُطَمئِنا لها، بأن هناك من يوجد إلى جوارها لدعمها. فرغم أن التهام قطع من اللحم المشوي ممتع في حد ذاته، فإن حقيقة أنه جُلِب لك، من جانب شخص تحبه، يُكسبه قيمة أكثر من ذلك بكثير.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link