فيروس كورونا: هل يؤثر الوباء على حب الشعب الألماني للنقود الورقية؟
[ad_1]
كثيرا ما يفاجأ السائح أو الوافد حديثا في ألمانيا، التي اشتهرت على مستوى العالم بالتقدم التكنولوجي والتقنيات المتطورة، بوجود مقاه ومتاجر لا تقبل إلا النقود الورقية.
فبالرغم من انتشار أنظمة الدفع بالهاتف المحمول والدفع عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة، إلا أن الكثير من الألمان، سواء المستهلكين أو أصحاب المتاجر الصغيرة، لا يزالون يفضلون الدفع النقدي. ولهذه العادة جذور راسخة في الثقافة الألمانية التي يغلب عليها الحرص والاقتصاد في الإنفاق.
لكن تفشي فيروس كورونا المستجد أدى إلى زيادة الإقبال على الدفع الإلكتروني وتراجع استخدام النقود الورقية في ألمانيا للمرة الأولى في التاريخ. ويرى جورج هوير، المدير العام بشركة “إن 26” الناشئة للخدمات المصرفية الإلكترونية في برلين، أنه لم تنجح أي وسيلة تكنولوجية في تغيير سلوكيات الألمان في الدفع أسرع من جائحة كورونا.
النقود قيمة وطنية
ويقول روبرت موشالا، المؤرخ المقيم في دورتموند، إن تفضيل الألمان للأشياء المادية المحسوسة، كالنقود الورقية، له جذور تمتد إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين كان العمال الألمان، في ظل النظام الاشتراكي، يفضلون الحصول على العملات النقدية، المعدنية والورقية، كثمرة ملموسة لمجهودهم بالمصانع.
وبعد أن زادت الاضطرابات والخلافات بين العمال وأصحاب العمل على مدى القرن اللاحق، استُخدم الإدخار كوسيلة لتخفيف حدة التوتر في المصانع، إذ شاع آنذاك مبدأ مفاده أن العامل الذي يبذل مجهودا شاقا ويدخر بعض المال سيتردد ألف مرة قبل أن يثور على الأنظمة والقوانين ويخسر مدخراته.
وانتشرت القيم الألمانية التي تشجع على الإدخار والاقتصاد في الإنفاق في فترات الاضطرابات الاقتصادية في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عارضت بنوك الادخار جميع أشكال ائتمان المستهلكين خشية التأثير على ثقافة الادخار.
فيروس كورونا: تعرف على الطبق الإندونيسي الذي يساعد في “القضاء على الأوبئة”
وظل الألمان متمسكين بالدفع النقدي، رغم انتشار البطاقات المصرفية في معظم البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ولا يستخدم الآن معظم الألمان سوى بطاقات الخصم المباشر عند الدفع الإلكتروني. وفي حالة استخدام بطاقات الائتمان، تختصم عادة المبالغ المستحقة بالكامل من حساب حامل البطاقة في الشهر اللاحق، حتى لا يتحمل دينا طويل الأجل.
وتقول آنّا ستايغمان، أستاذة مساعدة بجامعة برلين التقنية، وولدت في الثمانينيات من القرن الماضي، إنها كانت تذهب مع عائلتها مرة أسبوعيا لسحب النقود من البنك، ثم يذهبون معا للتسوق في اليومين اللاحقين.
ويقول مايك كلوتز، البالغ من العمر 44 عاما وأحد مؤسسى شركة “بايمينت أند بانكينغ” التي تعد تقارير عن آخر التقنيات المالية الحديثة، إنه تعلم تقدير قيمة النقود من والديه منذ الصغر. ويقول إن الدفع الإلكتروني لم يكن منتشرا عندما كان صبيا، إذ كان الناس آنذاك يفضلون النقود على البطاقات الإلكترونية للتحكم في النفقات خشية أن تخرج عن السيطرة. ولا يزال والداه ينظران بريبة لبطاقات الدفع الإلكتروني.
مشهد متغير
وكشفت دراسة أعدها البنك الاتحادي الألماني عام 2017، عن تغيرات بطيئة ولكن منتظمة في عادات الألمان في الدفع، رغم أن 88 في المئة من الألمان ذكروا أنهم يرغبون في مواصلة الدفع نقدا مستقبلا.
وذكرت الدراسة أن الألمان يحملون في محافظهم 107 يورو في المتوسط. وأشار تقرير للهيئة المصرفية الأوروبية إلى أن الألمان يحتلون المرتبة الأولى على مستوى منطقة اليورو في المواظبة على حمل النقود.
لكن إجمالا يستخدم الألمان العملات الورقية في 76 في المئة من المعاملات الشرائية في متاجر البيع بالتجزئة. ويقول هولغر ساكزي، الخبير بمجموعة “بوستون” للاستشارات، إن عمليات الدفع النقدي في المطاعم ومتاجر البقالة في ألمانيا تتجاوز نظيرتها في الدول الأوروبية بأكثر من الضعف.
ورغم أن الشباب الألماني يبحث عن طرق بديلة للدفع النقدي، إلا أن البعض يخشى من أن يؤدي الاستغناء عن النقود الورقية إلى إقصاء الجيل الأكبر سنا وذوي الدخل المنخفض. وأثار الكثيرون مخاوف حول مخاطر انتهاك الخصوصية، ولا سيما بين الزبائن الأكبر سنا.
ويعزو هوير ذلك إلى أن الألمان الأكبر سنا لم ينسوا بعد ممارسات المراقبة الجماعية التي كانت تنتهجها الدولة في العهد السابق. ولهذا يحرص الكثير من الألمان على حماية بياناتهم الشخصية وخصوصيتهم بشراسة. ولا يزال الألمان أكثر ترددا في تبني الحلول التقنية الجديدة مقارنة بأقرانهم في الدولة الأوروبية المجاورة.
وتفضل المتاجر الصغيرة في ألمانيا أيضا الدفع النقدي. إذ يقول سامي غوتشوك، الذي يناهز الثلاثين من العمر ويمتلك صالون حلاقة “ماين” في برلين، إنه لا يقبل التعامل ببطاقات الدفع الإلكتروني في متجره لأنه يجد صعوبة في حساب الإيرادات بسبب تعدد وسائل الدفع.
وقد لاحظ غوتشوك أن أكثر الزبائن الألمان الذين يرتادون الصالون يحملون مبالغ أكبر في محافظهم مقارنة بالبريطانيين والأمريكيين. ويقول إن الزبائن الأجانب يندهشون عندما يطلب منهم أن يسحبوا النقود من ماكينات الصرف الآلي المجاورة.
زيادة الإقبال على الدفع الإلكتروني بعد جائحة كورونا
لم تكن ألمانيا البلد الوحيد الذي تراجع فيه الاعتماد على النقود الورقية بعد تفشي جائحة كورونا، إذ أشار استطلاع للرأي في بريطانيا إلى أن 75 في المئة من الناس خفضوا استخدامهم للنقود الورقية بسبب الجائحة. لكن هذا التغير كان لافتا في ألمانيا بسبب عشق الألمان للنقود الورقية.
ويقول هوير إن متاجر البيع بالتجزئة ومحطات الوقود والمتاجر الكبرى في ألمانيا شرعت، لأول مرة في التاريخ، في تشجيع الألمان على تغيير سلوكياتهم في الدفع واستخدام وسائل الدفع غير التلامسية. وتقبل الآن معظم المتاجر الصغيرة التعامل ببطاقات الدفع الإلكتروني، بل وأعلنت بضعة متاجر أنها لا تقبل الدفع النقدي، ولا سيما في برلين.
ورصد استطلاع للرأي أجراه البنك الاتحادي الألماني تغيرات في سلوكيات الدفع في ألمانيا، بسبب جائحة كورونا، وشجع رفع سقف المعاملات الشرائية بوسائل الدفع غير التلامسية إلى 50 يورو، الكثير من الألمان على الامتناع عن استخدام النقود الورقية.
وأشار استطلاع آخر للرأي أجرته مبادرة نظام الدفع الألمانية، إلى أن 57 في المئة من الألمان يستخدمون منذ تفشي الجائحة بطاقات الخصم المباشر وبطاقات الائتمان في معظم تعاملاتهم وأن نصف المشاركين تقريبا قللوا استخدامهم للعملات النقدية.
لكن آنّا ستيغمان تشكو من صعوبة الدفع الإلكتروني، وتقول إنها تضطر أن تسدد قيمة رغيف واحد من الخبز أحيانا ببطاقة الخصم المباشر، لأن المتجر لا يقبل النقود. وتجد الآن صعوبة في مراقبة مصروفاتها لأنها اعتادت على الدفع النقدي.
وتضيف أن فقدان السيطرة على المال يضاعف الشعور بالقلق وعدم الاستقرار.
وتشير الأدلة إلى أن الألمان يستجيبون للأزمة الحالية، كعادتهم، بالإدخار والاقتصاد في الإنفاق. إذ خلص استطلاع للرأي شمل 10,000 شخص، إلى أن 55 في المئة من الألمان غيروا أولوياتهم المالية لعام 2020، وذكر ثلثا المشاركين أنهم يدخرون الآن مبالغ مالية أكبر مما اعتادوا ادخاره قبل الأزمة.
وقد لاحظ أصحاب المقاهي زيادة في الإقبال على الدفع الإلكتروني، إذ يقول توماس غيز ومريون كولوندر، اللذان دشنا مقهى فرنسيا في برلين عام 2016، إنهما لم يقبلا التعامل ببطاقات الدفع الإلكتروني إلا في عام 2019. إذ كان الجميع في المنطقة معتادين على الدفع النقدي.
ورغم أن كولوندر ترى أن الإقبال على الدفع الإلكتروني زاد الآن عن أي وقت مضى، إلا أنها تقول إن الإيرادات انخفضت إلى النصف.
من الصعب أن تستعيد النقود الورقية عرشها بين وسائل الدفع في حياة المستهلكين الألمان. ويرى هوير أن جائحة كورونا كانت الحافز الذي كان ينتظره المجتمع الألماني للتخلص من عادة قديمة.
ويقول إن الجائحة عجلت بالتغيير في سلوكيات الألمان، وسيصبح الدفع النقدي مستقبلا استثناءً وليس قاعدة.
وبينما لا يزال صالون حلاقة “ماين” لا يقبل التعامل ببطاقات الدفع الإلكتروني، إلا أن غوتسشوك يرى أن الاعتماد على الدفع النقدي أصبح شيئا من الماضي. ولهذا قد لا يكون مجديا أن ترفض المتاجر الألمانية التعامل ببطاقات الدفع الإلكتروني.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife
[ad_2]
Source link