تعرف على سموم الحيوانات التي يمكن أن تنقذ حياة البشر
[ad_1]
قد ينظر معظم الناس الآن إلى الحيوانات البرية على أنها مصدر للأمراض لا للعلاج، رغم أن الحيوانات، شأنها كشأن النباتات، طالما استخدمها البشر لأغراض علاجية.
إذ يستخدم الطب التقليدي الصيني، على سبيل المثال، مكونات مستخرجة من 36 نوعا من الحيوانات، مثل وحيد القرن والدب الأسود والنمر وحصان البحر ـ وأكثرها حيوانات مهددة بالانقراض. ويوصي طب “الأيورفيدا” الهندي باستخدام سم الأفاعي لعلاج التهاب المفاصل، بينما تستخدم لدغة عناكب الرتيلاء وأنيابها المطحونة في الطب التقليدي بأمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا لعلاج عدة أمراض، من الأورام السرطانية إلى آلام الأسنان والربو.
لكن الغالبية العظمى من العلاجات التقليدية ليست مؤيدة بالأدلة العلمية، فضلا عن أن استخدام أجزاء الحيوانات عجّل بانقراض بعض الأنواع، مثل وحيد القرن الأسود الغربي.
واتهم آكل النمل الحرشفي، الذي تستخدم حراشفه في الطب التقليدي الصيني، بأنه مصدر لفيروس كورونا المستجد. وحذر كبار العلماء الأسبوع الحالي من أن استخدام الحيونات البرية قد يؤدي إلى تكرار تفشي الأوبئة الفتاكة مستقبلا.
لكن الآن أصبح من الممكن الاستفادة من الخصائص العلاجية للمكونات المستخرجة من الحيوانات البرية بطريقة آمنة باستخدام التقنيات العلمية المتطورة لدراسة عناصرها الكيميائية. ولا تتطلب هذه التقنيات سوى تسلسل الحمض النووي.
وتقول كريستين بيتون، عالمة مناعة بكلية بايلور للطب، إن الجزيئات الكبيرة التي تسمى الببتيدات لدى الحيوانات قريبة من الجزيئات الموجودة في الجسم البشري، ولهذا فإن هذه الجزيئات المأخوذة من الحيوانات تعرف طريقها بدقة إلى الخلايا في أجسامنا لتحدث الآثار المرجوة.
وتتألف الببتيدات من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، التي تشكل لبنات بناء البروتين، ويشار إليها أحيانا بأنها “بروتينات مصغرة”. لكن الببتيدات أكثر دقة في استهداف مواطن محددة، كونها أكبر بما يتراوح بين 10 و40 مرة من الأدوية صغيرة الجزيئات مثل الأسبرين، ولهذا ليس من المحتمل أن تسبب آثارا جانبية.
وقد أحدثت فروع البيولوجيا الحديثة التي تبحث في التركيب الكيميائي للحمض النووي والبروتينات وجزيئاتها، مثل علم الجينوم، ثورة في أساليب استكشاف المركبات المستخلصة من الحيوانات التي يمكن تحويلها إلى عقاقير.
وتقول بيتون إن العلماء الآن يمكنهم فحص مئات المركبات في شهر واحد، بعد أن كانوا قبل 15 عاما يفحصون كل مركب على حدة.
إذ أصبح بإمكان العلماء البحث في قواعد بيانات الشفرات الوراثية عن ببتيدات ذات خصائص معينة، بدلا من تكبد عناء استخراج السموم من الثعابين والعقارب.
وقد طُورت بالفعل عقاقير عديدة مستخلصة من الحيوانات، مثل “إينيكساتيد”، المستخرج من لعاب سحلية وحش غيلا، ويستخدم في علاج النوع الثاني من داء السكري، و”زيكونيتيد”، المستخرج من سموم الحلزون المخروطي، ويستخدم في علاج الألم المزمن.
ويستخدم عقار “إبتيفيباتيد”، وهو ببتيد اصطناعي صمم على غرار سم أفعى الجرس التي تستوطن جنوب شرقي الولايات المتحدة، لعلاج الأزمات القلبية. ويستخرج عقار “باتروكسوبين”، من أفعى الحفر التي تعيش في أمريكا الجنوبية ويستخدم في علاجات مختلفة لاضطرابات الدم النزفية.
وتستخرج هذه المستحضرات الدوائية من السموم، التي تعد أكثر التركيبات الكيميائية تعقيدا على وجه الأرض. وينتج هذه السموم 220 ألف نوع من الحيوانات. وقد تطورت هذه السموم على مدى مئات السنين لتصبح أكثر فعالية وسرعة وثباتا ودقة في استهداف جزيئات بعينها.
علاج الدماغ
يتطلع الأطباء في الوقت الراهن إلى استخدام الأدوية المستخلصة من السموم لمنع الضرر الدائم الذي قد تسببه السكتة الدماغية في المخ. ولا يوجد حتى الآن عقاقير لعلاج أو منع الأضرار الناتجة عن توقف تدفق الدم إلى الدماغ.
وبحث غلين كينغ، عالم كيمياء حيوية بجامعة كوينزلاند بأستراليا ومتخصص في اضطرابات الجهاز العصبي الناجمة عن خلل في القنوات الأيونية، بين أكبر مجموعة من عينات السموم المستخرجة من اللافقاريات في العالم، والتي تضم ببتيدات مستخلصة من أكثر من 700 نوع من الحيوانات، مثل العقارب والعناكب وحشرة الحريشة. إذ تطورت السموم المستخرجة من الحشرات على مدى ملايين السنوات حتى تستهدف مناطق بعينها.
وعثر كينغ على جزيء واعد لعلاج السكتة الدماغية، وهو ببتيد “اتش أي 1 إيه”، المستخرج من سم العناكب قمعية الشبكة الأسترالية الذي يضم 3000 جزيء.
وذكر كينغ في ورقة بحثية أن هذا الببتيد إذا تناوله المريض بعد أربع ساعات من الإصابة بالسكتة، قد يمنع 90 في المئة من الضرر الناجم عن السكتة الدماغية. ولا يكاد هذا السم يسبب آثارا جانبية للمصاب.
ويقول كينغ إن بعض السموم قد لا تسبب التسمم للبشر. فإن عقار “زيكونيتيد”، المستخلص من سم الحلزون المخروطي قد يقتل الأسماك، لكنه يسكن الآلام فقط للبشر.
واكتشف كينغ أيضا أن ببتيد “إتش إم 1 إيه” المستخلص من سم العنكبوت، قد يستخدم في علاج متلازمة درافيت، وهي حالة من الصرع الحاد يصاب بها الطفل منذ عامه الأول وتؤدي في كثير من الأحيان إلى الموت المفاجئ.
وذكر كينغ أنه عندما أعطى فئران، عُدلت وراثيا لتعاني من نفس الخلل الوراثي الذي يعاني منه المصابون بمتلازمة درافيت، جرعة من هذا الببتيد المستخرج من سم العنكبوت، توقفت نوبات الصرع وانخفضت معدلات الوفيات.
آمال لعلاج السرطان
وتجرى تجارب سريرية على عقار “توزوليريستيد”، المستخرج من سم العقرب لاختبار فعاليته في “تلوين الأورام السرطانية”. إذ يرتبط هذا العقار، الذي طوره في البداية مركز أبحاث فريد هاتشينسون في مدينة سياتل، بالخلايا السرطانية في الدماغ دون غيرها، ما يتيح للجراحين رؤية الأنسجة السرطانية أثناء الجراحة بسهولة.
وفي عام 2004، أجريت جراحة لفتاة مراهقة لإزالة ورم في المخ استغرقت 14 ساعة، لكن الجراحين فوجؤوا بأنهم تركوا ورما سرطانيا بحجم الإبهام بعد أن ظنوا أنه نسيج سليم. وقد دفع ذلك طبيب الأورام جيم أولسون بمركز فريد هاتشينسون إلى تكليف فريق من الباحثين للبحث عن جزئ يتيح للجراحين رؤية السرطان بالعين المجردة.
وبعد البحث في قاعدة بيانات الحمض النووي، عثر العلماء بعد ستة أسابيع فقط على مادة كلوروتكسين المستخرجة من سم عقرب “ديث ستوكر”، الذي اكتشف باحثون في عام 1998 أنه يرتبط بالقنوات الأيونية على سطح الخلايا السرطانية بالدماغ.
ويعد هذا السم أكثر دقة من التصوير بالرنين المغناطيسي بـ 500 مرة، كونه يتيح للباحثين رؤية أورام سرطانية لا يتعدى حجمها 200 خلية. وتعمل فرق أخرى على إيجاد طرق لاستخدام” توزولريستيد” لتمييز الأورام السرطانية في مناطق أخرى، مثل الثدي والنخاع الشوكي.
وفي الوقت نفسه، اكتشفت ماريا إيكونوموبولو، مديرة أبحاث بمعهد بيرغوفر للبحوث الطبية بكوينزلاند في أستراليا، أن ببتيد “جومسين” المستخلص من سم الرتيلاء البرازيلية، قادر على قتل خلايا سرطان الجلد. واكتشفت أيضا أن سم العنكبوت قمعي الشبكة قادر على قتل خلايا سرطان الجلد دون غيرها.
ورغم أن العنكبوت لا ينتج إلا 10 ملليترات من السموم يوميا، والعقرب ملليلترين فقط، إلا أن قواعد البيانات الجديدة أتاحت للباحثين تخليق جزيئات كيميائيا لها خصائص معنية بكميات كافية.
الببتيدات لتسكين الآلام
أثبتت الببتيدات المستخرجة من الحيوانات كفاءة منقطعة النظير في علاج الآلام المزمنة، التي يعاني منها واحد من كل خمسة أشخاص في وقت ما، وفقا لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
إذ تطورت السموم المستخرجة من الحيوانات والحشرات على مدى ملايين السنوات وتحسنت دقتها في استهداف الجهاز العصبي للفريسة لشل حركتها. وثبت أن مسكن “زيكونيتيد”، على سبيل المثال المستخرج من الحيوانات، لا يسبب أعراض الانسحاب على عكس المسكنات الأفيونية.
وأظهرت الدراسات أن الببتيدات المستخلصة من مصادر حيوانية تعالج 80 نوعا من أمراض المناعة الذاتية المعروفة، مثل التصلب المتعدد والتهاب المفاصل الصدفي والذئبة ومرض السكري.
ويقول راي نورتون، من جامعة موناش بأستراليا، إن قواعد البيانات تضم الآلاف من تسلسلات الببتيدات، ويستكشف الآن الباحثون كيفية توظيفها في العلاج.
ويأمل العلماء الآن في العثور على علاج لفيروس كورونا المستجد من الببتيدات المستخلصة من مصادر حيوانية. إذ يعكف الآن زكاري كروك، كبير علماء البروتينات بمختبر جيم أولسون بمركز فريد هاتشينسون لبحوث السرطان، على البحث في قواعد البيانات عن ببتيدات يمكنها الارتباط بالبروتين الشوكي على سطح فيروس كورونا أو بالمستقبلات على سطح خلايا المضيف البشري التي يرتبط بها الفيروس، لمنع الفيروس من التكاثر. ويتطلع كروك لتطوير جهاز استنشاق أو بخاخ لتثبيط نشاط الفيروس في الجسم.
غير أن العلماء في سباق مع الزمن لاستخلاص أكبر عدد من العلاجات من الببتيدات المستخرجة من مصادر حيوانية. إذ تنقرض سنويا آلاف الأنواع من الحيوانات قبل أن يتمكن العلماء من اكتشاف تسلسل الجينوم الخاص بها.
ويقول هالفورد إن السنوات العشر القادمة ستكون حاسمة لاستعادة التنوع الحيوي على وجه الأرض وحمايته واكتشاف أسراره.
وكما تمتلئ الطبيعة بمصادر الأمراض، فإنها تزخر كذلك بالعلاجات، لكن قلما تجد علاجات تضاهي سموم الحيوانات من حيث الفعالية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future .
[ad_2]
Source link