تعرف على الدويلة الصغيرة التي تقع بين إنجلترا واسكتلندا
[ad_1]
عندما تطلعت إلى مصب نهر إيسك، كانت الشمس ترسل أشعتها الباهتة عبر الغيوم، فتنعكس على صفحة النهر الفضية والرمال المتموجة بعد انحسار المياه عنها. وبدت الأراضي منبسطة بمحاذاة شاطئ القناة التي تشق طريقها غربا حتى لسان سولواي البحري.
ويمتد خط الساحل، الذي تكتنفه تلال منخفضة، حتى ملتقى اللسان بالبحر الأيرلندي، وكأنه فاصل طبيعي بين منطقة دامفريز وغالواي في اسكتلندا وكامبريا شمالي إنجلترا.
ووقفت في مواجهة الرياح الخفيفة لأتفحص الأراضي التي تشكل الطرف الجنوبي الغربي للحدود بين اسكتلندا وإنجلترا، وأتأمل الطبيعة الساكنة في هذه المنطقة الريفية التي كانت يوما ما إحدى أكثر المناطق دموية وعنفا في بريطانيا، وعرفت هذه المنطقة باسم “الأراضي المتنازع عليها”.
وقد غدت هذه المنطقة الآن هادئة تربى فيها سلالات الحيوانات التي تتحمل الظروف البيئية القاسية وتعيش في بلداتها وقراها مجتمعات صغيرة مترابطة. ويردد سكانها قصص العشائر المتناحرة التي كانت تتخذ من الأراضي المتنازع عليها موطنا لها واشتهروا بأنهم كانوا دائمي الإغارة على الحدود.
وفي هذا المكان أيضا، تحمل الأطلال القليلة المتبقية في الوديان كثيفة الأشجار والأنهار المتدفقة والأراضي البرية بين ثناياها قصصا لم تكتشف أسرارها بعد.
ويقال إن الأراضي المتنازع عليها هي آخر تقسيم إداري في بريطانيا. ومنذ بداية القرن الثالث عشر وحتى القرن السادس عشر، كانت العشائر في هذه المنطقة تنهب الأراضي وتسطو على المواشي، وقد أريقت دماء لا حصر لها.
وظلت الأراضي المتنازع عليها بمثابة أراض مباحة تسودها الفوضى. ورغم أنها لم تكن مستقلة، إلا أنها كانت محفوفة بالمخاطر ومرتعا للجرائم وأعمال العنف إلى حد أن اسكتلندا وإنجلترا لم تتمكنا، ولم ترغبا، في فرض السيطرة عليها.
ولخص قرار برلماني شهير أصدرته حكومتا الدولتين في منتصف القرن السادس عشر هذه الأوضاع الفوضوية في الأراضي المتنازع عليها، إذ نص على أن: “لجميع الإنجليز والاستكلنديين مطلق الحرية في سلب وحرق وإفساد وذبح وقتل وتدمير أشخاص أو جثث أو ممتلكات أو سلع أو مواشي، دون أن يطالبوا بتعويض عنها”.
وكان هذا القرار الذي تحول إلى قانون بمثابة إخلاء مسؤولية، إذ لم يرغب أي من البلدين في تحمل مسؤولية التعامل مع الأراضي المتنازع عليها، كونهما لم يتوصلا إلى اتفاق حول ملكيتها أو كيفية تقسيمها.
وتقول أنّا غراوندووتر، أمينة المتاحف الوطنية باسكتلندا، إن هذه الأراضي لم تكن لها قيمة تذكر، إذ كانت لا تصلح للزراعة وكانت مرتفعة، ومن ثم رأى البلدان أنها لا تستحق القتال عليها أو الدفاع عنها.
وفوجئت عند مطالعة الخريطة بمدى صغر هذه المنطقة، إذ يتجاوز قطرها ثمانية أميال بقليل في أوسع نطاق، وتقع على بعد 13 ميلا من الشمال المرتفع إلى أراضيها المنبسطة الرملية جنوبا، وتقع بلدة غريتنا في طرفها الجنوبي الغربي.
واشتهرت بلدة غريتنا بأنها الملاذ الآمن للعشاق الهاربين الراغبين في الزواج بمخالفة قوانين إنجلترا، وكانت البلدة مركزا لإنتاج العتاد الحربي إبان الحرب العالمية الأولى التي أعادت تشكيل المجتمع برمته. وتعكس مباني البلدة الطراز المعماري السائد في مطلع القرن العشرين، ولاسيما دار السينما المبنية على طراز الحقبة الاستعمارية.
ورُسمت الحدود بين اسكتلندا وإنجلترا في عام 1237، بموجب اتفاقية يورك. لكن هذه الحدود قسمت أراضي تعيش عليها عائلات منذ سنوات إلى شطرين، وانطلقت من الأراضي المتنازع عليها شرارة حركة تمرد غير معتادة، شنت خلالها العائلات القوية عمليات سلب ونهب للممتلكات في كل من إنجلترا واسكتلندا، لكن الحكومتين لم تكونا ملزمتين بمعاقبة الجناة.
وأصبحت المنطقة بؤرة صراعات خطيرة وكانت معقلا لعشائر تستبيح الحدود بين البلدين، وتنتهج سلب الممتلكات وسرقة مواشي الغير. وتقول غراوندووتر إن هذه العشائر كانت تغير على حدود كل من البلدين، لكن أكثر الجرائم دموية كانت ترتكب في هذه الأراضي التي لم يكن أحد يجرؤ على الذهاب إليها، للدرجة التي جعلتها تتحول إلى دويلة داخل بريطانيا تحكمها شريعة الغاب.
وتكثر في المنطقة الأراضي البرية القاحلة وتسكنها بضعة مجتمعات صغيرة، وأصبحت بعض البلدات مركزا للصيد وممارسة رياضة المشي. ويربط طريق للدراجات طوله 173 ميلا بين الشواطئ لإتاحة الفرصة للزائر لمشاهدة معالم هذه المنطقة الحدودية.
وزرت بلدة روانبيرن التي يتوسطها متنزه عام وتضم تمثالا خشبيا ضخما لألكسندر آرمسترونغ يتجاوز ارتفاعه ستة أقدام. وكان ألكسندر آخر زعماء عشيرة آرمسترونغ التي كانت تعيش في الأراضي المتنازع عليها، وعُرف أفرادها بأنهم أقوياء البنية. وكان ألكسندر آرمسترونغ شديد البأس ومهيب الجانب، ولطالما تصدى لمحاولات المصالحة والتهدئة من جانب العائلة الملكية، وكان مصيره الإعدام مع أبنائه البالغ عددهم 11 ولدا في عام 1610.
ومررت ببرج غيلنوكي الذي يعد واحدا من أبرز نماذج القلاع الصغيرة التي تنفرد بها المنطقة الحدودية، ويتجاوز عمر هذا الحصن 500 عام. ويبدو هذا البرج من الداخل كقلعة حصينة بجدرانه الحجرية السميكة ونوافذه الصغيرة المرتفعة. ويضم الآن معرضا صغيرا ومقهى وينظم رحلات طوال العام لتعريف الزوار بتفاصيل الحياة اليومية في القرن السادس عشر من عادات الأكل إلى الواجبات اليومية.
وتتضمن المنطقة الحدودية مجموعة معارض رائعة لتاريخ صناعة الأقمشة لجذب الزوار من مرتادي الطرق السريعة إلى المنطقة.
وظلت الأراضي المتنازع عليها معزولة حتى عام 1551، حين أبرمت اتفاقية بين البلدين لبناء الجدار الأسكتلندي في عام 1552، الذي شكل حاجزا ماديا يفصل بين اسكتلندا وإنجلترا. وقسم هذا الجدار الذي يمتد على مسافة ثلاثة أميال ونصف الأراضي المتنازع عليها إلى نصفين.
غير أن هذا الجدار ظل رمزيا، إذ لم يحل دون الإغارة على الحدود وممارسة عمليات السرقة. لكن الملك جيمس السادس ملك اسكتلندا، الذي اعتلى عشر إنجلترا في عام 1603 في أعقاب اتحاد المملكتين، ركز جهوده على المنطقة، وعين حراسا لإعادة الأمن والنظام إليها وإلقاء القبض على الخارجين عن القانون، وقد أعدم بعضهم ونُفي الكثيرون.
وفي طريق العودة، ظللت أفكر مندهشا في مدى براعة العشائر في تحويل هذه المساحة الصغيرة إلى مرتع لعمليات السلب والنهب واستباحة القوانين بعيدا عن أعين السلطة.
وربما تكمن جاذبية هذه المنطقة في تاريخها المفعم بالقصص والشخصيات المتنوعة، وفي غموض هذه الحقبة التي لم يتمكن أحد من كشف أسرارها بعد، وأيضا في طبيعتها البكر التي لا تزال برية منذ أن كانت معقلا للمغيرين.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel
[ad_2]
Source link