مظاهرات السودان: عودة ميليشيات الجنجويد المرعبة
[ad_1]
واجه الجيش السوداني إدانة دولية متزايدة بسبب هجومه العنيف على المتظاهرين، والذي أسفر عن مقتل العشرات. لكن كانت هناك مؤشرات واضحة على أن هذا سيحدث على الأرجح.
حتى عندما بلغت الحشود أكبر حجم لها وخامرها شعور بالفرحة، كان هناك شعور بخطر يلوح في الأفق.
لم تكن بحاجة للابتعاد كثيرا عن الاعتصام كي ترى قوات الدعم السريع، التي يجوب أفرادها الشوارع على متن شاحنات صغيرة.
وعلى عكس الجيش النظامي، نادرا ما يرد هؤلاء الرجال المسلحون التحية. وإن فعلوا، فتكون إيماءة باهتة، لا أثر فيها لابتسامة.
لم يفاجئني ذلك.
أتذكرهم من دارفور قبل 14 عاما. هناك عرفوا باسم “الجنجويد” واكتسبوا سمعة سيئة بارتكاب أعمال مروعة بحق المدنيين.
رأيتهم في عام 2005 يضربون المدنيين ويرهبونهم في معسكر للنازحين، وقابلت ناجين من التعذيب والاغتصاب.
والآن ينقلون عنفهم إلى شوارع العاصمة.
تراجع السودان بسبب مؤامرة النخبة العسكرية التي تتمثل أولويتها في الحفاظ على سلطتها وامتيازاتها.
المجلس العسكري الانتقالي ألغى الاتفاقات التي أبرمت مع قوى الحرية والتغيير المعارضة بحجة الإسراع في الانتقال إلى إجراء انتخابات ديمقراطية كاملة، في غضون تسعة أشهر.
ولا تهدف الخطة، التي هي أشبه بالخيال، إلى تشكيل حكم مدني أو أي شيء من هذا القبيل.
هناك الكثير من الحالات السابقة في أفريقيا وغيرها من المناطق لانتخابات تمر بإجراءات تتسم بالديمقراطية، دون أن تحوي مضمونها.
لا تتفاجئ إذا رأيت شخصيات بارزة في المجلس العسكري الانتقالي “تتقاعد” من الجيش لتخوض الانتخابات كمرشحين مدنيين.
والأمر الذي لن يتغير هو السيطرة العسكرية على حياة السودانيين.
قوى الحرية والتغيير وحلفاؤها في المجتمع المدني يعتبرون بصورة ما ضحايا نجاحهم المذهل في الأيام الأولى من الثورة.
ففي غضون 24 ساعة، أطاحوا بالرئيس عمر البشير والرجل العسكري الذي قاد الانقلاب ضده.
وبدا أن 30 عاما من الحكم قد مُنيت بهزيمة.
واجتذب مشهد الاعتصام الناشطين من جميع مناحي الحياة السودانية، وأصبح قلعة للحرية.
كان الجو محفزا ومفعما بمناقشات بين الناس مع ترديد الأغنيات وإنتاج أعمال فنية.
كانوا قد أصدروا بيانات بشأن حقوق المرأة، وحرية الإعلام، والعدالة، والاقتصاد، وغير ذلك الكثير.
إلا أن التنوع كان نقطة ضعف في الوقت نفسه.
الجميع اتفق على أن الحكم المدني هو المطلب الأساسي.
لكن ظهرت خلافات حتمية بشأن تفاصيل تحقيق هذا الهدف: ما هو الإطار الزمني؟ وما هو التوازن بين نسبة التمثيل العسكري والمدني؟ وأي الشخصيات التي تمثل أي المجموعات ستتولى مناصب في أي ترتيبات انتقالية؟
لم يكن أي من هذه المناقشات خطيرة في حد ذاتها، لكنهم سلطوا الضوء على صعوبات كونها “حركة شعبية” مقارنة بحزب سياسي متأسس وله هيكل وانضباط داخلي لإجراء تغييرات سريعة على طاولة المفاوضات.
التشدد يسيطر
كانت هناك مشكلة أخرى.
مع زوال أثر صدمة الإطاحة بنظام البشير، عادت السياسة القديمة للسودان إلى الظهور.
فقد صممت الأحزاب والشخصيات التي تعرضت للقمع في ظل الديكتاتورية على عدم الابتعاد عن المشهد في حالة مشاركة السلطة السياسية.
وسمح هذا الأمر للجيش بتوصيف المتظاهرين على أنهم ببساطة إحدى الجماعات التي كانت طرفا في المفاوضات، متجاهلين حقيقة أنه لم تكن لتوجد مفاوضات دون التظاهرات.
وأصبح التأخير أو التفكيك باسم إشراك الجميع تكتيكا.
وبمجرد أن تعافى الجيش من حالة الارتباك التي واجهته بسبب الإطاحة بالبشير، أعاد تجميع صفوفه وسيطرت العناصر الأكثر تشددا.
وهذا ما يفسر تفوق قائد قوات الدعم السريع، محمد “حميدتي” حمدان، الذي جعلته شخصيته الصارمة في دارفور القائد المحتمل لثورة مضادة.
وعلى نقيض الكثير من شخصيات النخبة العسكرية، يعد حميدتي شخصا دخيلا.
فهو ينحدر من خلفية ريفية، وليس لديه روابط عائلية أو أي انتماء شعوري تجاه الطبقة المتوسطة الشابة التي تحتج في شوارع الخرطوم.
عالم منقسم
يتمتع الجيش أيضا بميزة أخرى كبيرة، وهي أن هذا هو عصر الانقسام الدولي.
فكرة “المجتمع الدولي” الذي قد يضغط على النظام هي من ضرب الخيال.
تحكم العالم حاليا مجموعة من المصالح، أحيانا تكون متكاملة، وغالبا تكون متنافسة.
ولا يعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منبرا يمكن الموافقة من خلاله على أي نوع من العمل المتضافر بشأن السودان.
وسوف تعرقل روسيا والصين أي تحرك يهدف إلى زيادة العقوبات على الخرطوم.
كما أن إدانة مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، الذي وصف أعمال العنف في الخرطوم بأنها “بغيضة”، لن تعني أي شيء إلا إذا طلبت الولايات المتحدة من حلفائها الإقليميين، مصر والسعودية والإمارات، ممارسة ضغوط على الجيش السوداني.
ومن الصعب في الوقت الراهن تخيل اتصال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقاهرة أو الرياض والإصرار على الانتقال السريع إلى الحكم المدني.
ترامب لديه أولويات أخرى، مثل الحدود المكسيكية، وفنزويلا، وإيران، والحرب التجارية مع الصين.
ماذا عن الحل الأفريقي؟
كان الاتحاد الإفريقي من أوائل المؤيدين للحكم المدني بعد سقوط البشير، بيد أن رد فعل الاتحاد تجاه نتائج الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية في يناير/ كانون الثاني تستوجب توخي الحذر، إذ أن الاتحاد انتقد أولا ما اعتبره كثير من المراقبين حلا، قبل أن يتراجع.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تحدث الاتحاد عن ضرورة عدم تدخل لاعبين دوليين في شؤون السودان.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي يعتبر نموذجا للسيطرة العسكرية على السلطة.
وتكشف أزمة السودان حقيقة المشهد الدولي القائم.
يمكن لقوة أن تشق طريقها بدون عواقب إذا كان القتلة يمثلون قيمة كبيرة بما يكفي لقوى أخرى أقوى استراتيجيا وأيدولوجيا واستخباراتيا واقتصاديا.
من الممكن أن يتخذ الرئيس ترامب موقفا بشأن السودان ويضغط على حلفائه للتحرك، وأن يهدد الاتحاد الأفريقي من جهته بطرد السودان وعزله، وذلك إذا ظهرت عناصر أكثر اعتدالا في الجيش تتحدى “حميدتي” وأنصاره. إنه أمر ممكن، لكنه بالتأكيد غير مرجح.
أتذكر حديثي مع ناشط بارز في التظاهرات في شهر أبريل/ نيسان. أخبرني أن “الاعتصام هو الورقة الوحيدة التي لدينا. ولهذا يجب الإبقاء عليه”.
لكن الآن وقد فضّ الاعتصام، إلى أين تذهب المعارضة؟
تعرض الثوار السلميون للضرب والصدمة.
ويستحيل حاليا الحديث عما إذا كانت قوى الحرية والتغيير يمكن أن تعود كقوة مدفوعة في الشوارع.
كما ظهرت دعوات للعصيان المدني والإضراب.
ومن المرجح أن تُقابل أي من هذه التحركات بعنف لا يرحم.
بيد أن الأمر الذي لن يتغير، وترسخ بالفعل، هو انفصال الناس عن حكامهم.
القمع قد ينجح كاستراتيجية الآن، ولكن ليس إلى أجل غير مسمى.
السودان يعتمد حاليا على الجيران الأقوياء من أجل بقائه الاقتصادي.
لكن الاعتماد على المصريين والسعوديين سوف يغضب الكثير من السودانيين وليس المحتجين فقط، وهو ما يضيف بعدا وطنيا أكثر صراحة للأزمة الحالية.
لقد نجح الجنرالات في سحق الاحتجاج ولكن متابعهم ربما قد بدأت للتو.
[ad_2]
Source link