هل الحب مجرد مادة كيميائية سريعة الزوال تتدفق داخل الدماغ؟
[ad_1]
تعتمد المشاعر الرومانسية على توليفة معقدة من المواد الكيميائية وعلم النفس، والسؤال هو: هل يمكن لهذه المشاعر أن تتلاشى سريعا؟
يقول أحدهم: “وقعت في الآونة الأخيرة في الحب بشكل عميق، لكن أصدقائي المتشككين يقولون لي باستمرار إن الحب ما هو إلا خليط من الفيرومونات والدوبامين وهرمون أوكسيتوسين، وجميعها تتلاشى بعد مرور عامين. هذه الفكرة ترعبني، وتجعل كل شيء يبدو بلا معنى. فهل الحب بالفعل مجرد كيمياء دماغية؟”، جو، لندن.
ليس مصادفة الزعم بأن الأكثر “إثارة” في الشعر الإنجليزي هو حروف الجر، كما أن جوهر الحب، لاسيما الحب المتسم بعاطفة رومانسية، يُعبر عنه من خلال قواعد كتابة الشعر.
فنحن “نقع” في الحب ولا “نرحل” إليه، كما نقول غالبا، نحن “نغرق بشدة” في الحب من “النظرة الأولى” دون تردد، كما نقع في الحب “بجنون ونحن لا نبصر” مساوئ الحبيب، وليس بناء على تقييم عقلاني لمناقبه.
فالحب الرومانسي جارف لا يمكن مقاومته كما أنه اندفاعي، يتحكم فينا أكثر مما نتحكم فيه. الحب في أحد وجوهه لغز غامض، وفي وجه آخر يتسم بالبساطة الخالصة، إن مجرد السير في طريقه، يمكن التنبوء به ولا مفر منه أيضا، كما أن التعبير الثقافي عنه واحد تقريبا في كل زمان ومكان.
لقد سبق دافع التفكير في الحب، من حيث أسبابه البسيطة، تلك الدراسات العلمية الحديثة بزمن بعيد. تأمل مثلا سهم كيوبيد (كيوبيد استخدم سهمه ليجعل والدته وأدونيس يقعان في حب بعضهما البعض حسب الأسطورة الإغريقية)، إنه سحر.
وعلى الرغم من ذلك لم يتسن للعلم تفسير الحب بسهولة، ولنبحث معا أسباب ذلك.
إن فيرومونات الجنس، التي هي عبارة عن مواد كيميائية وظيفتها الإعلان للآخرين عن الاستعداد للتناسل، توصف غالباً بأنها أدوات أساسية لتحقيق الانجذاب، ولكن بينما تلعب الفيرومونات دوراً مهماً في التواصل بين الحشرات بعضها بعضا، لا يوجد دليل قوي على وجودها في البشر.
بيد أنه لو كان باستطاعة مادة كيميائية أن تبرز الانجذاب خارج الجسم، فلماذا لا تفعل ذلك بداخله؟ إن هرمون “أوكسيتوسين النيروببتايد” يوصف غالبا على نحو غير دقيق بأنه “هرمون الارتباط”، وهو معروف بدوره في إفراز حليب الرضاعة وتقلص الرحم، وهو المرشح الرئيسي والأقوى هنا.
ولا يزال يخضع هذا الهرمون لدراسات مكثفة، باستخدام فأر البراري المعروف بزواجه الأحادي، الذي يتميز بعاطفة المودة، ما يجعله النموذج المثالي للحيوان الذي تُجرى عليه مثل هذه الدراسات.
ويعرقل منع هرمون الأوكسيتوسين عملية الارتباط التزاوجي التي تحل محل الحب هنا، الأمر الذي يجعل الفئران أكثر تحفظاً في تعبيراتها العاطفية، على نقيض تحفيز كمية زائدة من الأوكسيتوسين في الفئران الأخرى.
وبالنظر إلى طبيعة البشر، فإن التأثير أقل حدة بكثير، لا يتعدى تغيير غير ملحوظ في إظهار تفضيل معين في علاقة رومانسية، لذا فمن غير المؤكد أن الأوكسيتوسين ضروري للحب.
بالطبع حتى لو تمكنا من تحديد مادة كهذه، فإن أي رسالة، سواء كانت كيميائية أو غير ذلك، فهي بحاجة إلى مستفيد من وجودها.
والسؤال إذن أين هو صندوق بريد الحب في الدماغ؟ وكيف تُرسل إليه هوية “شخص محدد”، لاسيما وأنه لا يوجد أي جزيء يمكنه فك الشفرة؟
عندما خضع الحب الرومانسي لفحص بتصوير الدماغ، تداخلت مناطق “مضيئة” مع مناطق تدعم السلوك الرامي إلى الحصول على مكافأة والسلوك الموجه بالأهداف.
ورصد الخبراء أنماطا للحب الرومانسي لا تختلف كثيرا عن أنماط الارتباط الأمومي، أو حتى حب شخص ما في فريق كرة القدم المفضل، ونخلص من ذلك أن علم الأعصاب لم يفسر لنا حتى الآن عاطفة “الغرق الشديد (في الحب)”.
هل نحتاج ببساطة إلى إجراء المزيد من التجارب؟ عادة تكون إجابة العلماء بـ “نعم”، على افتراض أن الحب عملية بسيطة جداً يمكن ضبطها بوصفة ميكانيكية.
لا يمكن أن يكون قرار التناسل بسيطا أو موحدا، لأننا لا نخضع في اتخاذ القرار لتأثير واحد، وكلما كانت القرارات معقدة، كانت الأداة العصبية التي تجعل هذه القرارات ممكنة معقدة أيضا.
وعلى الرغم من أن ذلك يفسر السبب وراء ضرورة تعقد عملية الانجذاب الرومانسي، إلا أنه لا يفسر لماذا نشعر بأنه غريزي وتلقائي للغاية، على خلاف الوضع المتعارف عليه في الطريقة التي نتبعها في القرارات الأكثر أهمية.
أليست الطريقة العقلانية المستقلة أفضل؟ لنرى أنها ليست الأفضل إذا نظرنا إلى الأسباب في المقام الأول.
نحن نحتاج إلى الطريقة العقلانية فقط لننأى بأنفسنا عن أسباب اتخاذنا لقرار ما، حتى يستطيع الآخرون تسجيل وفهم وتطبيق هذا القرار بمعزل عنا.
بيد أنه لا يلزم أن يعرف أحد الدافع وراء حبنا، فآخر شيء نريده بالطبع هو الكشف عن تركيبة يستعين بها آخرون لمعرفة الهدف من هذه الرغبة.
ويخطيء من يعتقد أن الغريزة أمر بسيط، وأقل شأنا من خضوعها لدراسة متأنية، إنه اعتراف ضمني بأنها أكثر تعقيداً على الأرجح من التحليل العقلاني، لأنها تفسح المجال أمام مجموعة أكبر من العوامل مقارنة بما يمكننا السيطرة عليه في وقت واحد داخل عقلنا الواعي.
إنها حقيقة لا يمكن إنكارها، والدليل على ذلك قدرتنا في التعرف على وجه من الوجوه بطريقة أفضل مقارنة بوصف ذلك الوجه. فلماذا ينبغي أن يكون التعرف على الحب مختلفاً؟
وأخيرا، إذا كانت الآليات العصبية المتحكمة في الحب بسيطة، لكان بالإمكان تحفيزها بحقنة، أو إخمادها باستخدام مشرط جراحي مع الإبقاء على أي شيء آخر سليما.
إن المنطق الصلب البارد للبيولوجيا التطورية يجعل من ذلك ممكنا، لكن لو لم يكن الحب معقداً، لما كنا قد تطورنا أبداً في المقام الأول.
وعلى الرغم من ذلك يكمن الحب، مثله مثل كل أفكارنا وعواطفنا وتصرفاتنا، في عمليات فيزيائية داخل المخ، وتفاعل معقد للغاية بينها، بيد أن القول بأن الحب “مجرد” كيمياء دماغية هو أشبه بالقول بأن روميو وجولييت “مجرد” كلمات، إنه يغفل الحقيقة، فالحب مثل الفن، أكبر من مجموع أجزائه.
لهذا فإن من حالفهم الحظ وخاضوا تجربة حب مضطربة، عليهم أن يتركونا لأمواجه تحملنا، وإذا انتهى بنا الأمر بالارتطام بصخور تخفيها الأمواج، فلنهدأ عندما نعرف السبب الذي جعلنا لا نبحر إلى مسافة أبعد من ذلك.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link