مسرحية بريطانية تسلط الضوء على جوانب “خفية” في تاريخ بريطانيا في تجارة الرقيق
[ad_1]
ارتبط تاريخ بريطانيا مع العبودية في الأذهان بقرار حظر العبودية في عام 1833 الذي أصدرته بريطانيا قبل 32 عاما من حظرها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خلف إرث العبودية جروحا لم تلتئم بعد.
صحيح أن القرار البريطاني بإلغاء الرق قد يبعث على الفخر، إلا أنه في الواقع فرض أعباء كبيرة على الاقتصاد أثقلت كاهل دافعي الضرائب، إذ أنفقت حينها الحكومة البريطانية 20 مليون جنيه استرليني، ما يعادل 40 في المئة من الموازنة عام 1833، لشراء حرية العبيد.
ويعد هذا المبلغ، الذي يعادل اليوم نحو 20 مليار جنيه استرليني، أكبر دعم مالي تقدمه أي حكومة لحل أزمة مالية، لدرجة أن القروض التي حصلت عليها الحكومة لتغطية تكاليف إعتاق العبيد لم تُسدد بالكامل إلا في عام 2015.
لكن المثير للحيرة حقا هو أن ثمن الحرية قبضه مُلّاك الرقيق ولم يستفد منه الرقيق بأي شيء. وبعبارة أخرى، كان دافعو الضرائب في بريطانيا، حتى عام 2015، يسددون أقساط الديون التي تكبدتها الحكومة لتعويض مُلاك الرقيق البريطانيين عن “ممتلكاتهم” المهدرة.
وأشارت السِجلات إلى أن أجداد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون والأديبين جورج أورويل وغراهام غرين استفادوا من هذه المبالغ، حتى أن رئيس الوزاء السابق ويليام غلادستون ساعد أباه في المطالبة بمبلغ 106,769 جنيها استرلينيا من الحكومة، ما يعادل الآن 83 مليون جنيه استرليني، مقابل إعتاق عائلة واحدة.
والأسوأ من ذلك، أنه بافتراض أن العبيد المعتوقين كانوا ملزمين بالعمل لفترة تتراوح بين ستة أعوام و12 عاما دون أجر، فإن أسيادهم كانوا يحصلون على التعويضات الباهظة ويستفيدون أيضا من العمالة المجانية.
وأثارت هذه القضية غضب الكاتبة المسرحية جولييت غيلكس روميرو، وشعرت أنها يتحتم عليها كتابة مسرحية عنها لإيصال القصة إلى الجمهور. وتقول روميرو: “أكثر ما استفزني في الأمر هو أنني، بحكم عملي في المملكة المتحدة، قد ساهمت في دفع القرض الضخم رغم أنني حفيدة للعبيد الذين نُقلوا عبر الأطلسي”، مشيرة إلى أن أبويها جاءا إلى المملكة المتحدة من ترينيداد وبربادوس في الستينييات من القرن الماضي.
وتُعرض مسرحيتها “السوط” على مسرح شركة “شكسبير الملكية” في ستراتفورد أبون أفون في لندن حاليا. واستلهمت روميرو بعض الشخصيات في مسرحيتها من شخصيات واقعية خاضت صراعات لتمرير قانون إلغاء الرق في عام 1833 عبر مجلس العموم البريطاني، مثل ماري وولستونكرافت المناصرة لحقوق المرأة، وماري برينس، الأمة السابقة التي أصبحت أول امرأة من ذوات البشرة السمراء في بريطانيا ترفع تظلما ضد البرلمان وتكتب مذكراتها. وتناولت المسرحية الصفقات والتنازلات التي قدمها هؤلاء الأشخاص لتحقيق هذا الهدف، ودور المرأة والطبقة العاملة والرقيق في هذه الحملة.
وتقول روميرو، إن هذه المسرحية تسلط الضوء على عدة جوانب من التاريخ. ورغم أنها لا تنكر صدمتها بسبب مساهمتها في دفع التعويضات، إلا أن روميرو تشيد أيضا بالقرار الصعب الذي اتخذته الحكومة في فترة تموج بالتقلبات والاضطرابات في تاريخ بريطانيا.
وتقول روميرو إن القرار الذي اتخذه البرلمان كان موضوعيا وعمليا. فقد أدرك البرلمان أن العبيد كانوا “ممتلكات”، ولا بد أن يعوضوا مُلّاكهم عن خسارتهم. ولولا هذا التعويض لكانت دماء كثيرة أريقت في صراعات على الأرباح المهدرة، كما حدث في الولايات المتحدة، إذ خاض الكونغرس الأمريكي سجالات لا حصر لها بشأن هذه القضية التي لم تُحسَم، وأدت إلى نشوب حرب أهلية أسفرت عن مقتل نحو 600 ألف شخص.
وكُلّفت روميرو بكتابة مسرحيتها في عام 2015، لكن تغريدة لوزارة الخزانة في عام 2018 أعادت قضية العبودية إلى الواجهة؛ إذ أعلنت الوزارة أن الملايين من البريطانيين ساهموا بضرائبهم في إنهاء العبودية. وذكرت أن المبالغ المالية التي اقترضتها الحكومة لإصدار قرار إلغاء الرق كانت ضخمة إلى حد أنها لم تسدد بالكامل إلا في عام 2015.
وعندما اكتشف البريطانيون أن أموال الضرائب استُخدمت لتعويض مُلّاك الرقيق، وليس الرقيق، أثيرت موجة من الانتقادات لفتت الأنظار إلى القضية وأصبحت مسرحية روميرو تناقش قضية معاصرة.
وتقدم مسرحية “السوط” رؤية نقدية لحقبة من التاريخ البريطاني لها أبعاد إيجابية، إذ برر الكثيرون هذه المبالغ الطائلة بالقول: “نحن حررنا هؤلاء العبيد”.
قصص لا تروى
سلطت بعض الأعمال الفنية الضوء على تورط بريطانيا في تجارة العبيد، مثل فيلم “غريس الرائعة” لمايكل أبتد عام 2006، حول قصة ويليام ويلبرفورس زعيم الحركة المؤيّدة لإلغاء الرق، وفيلم “بيل” الذي أخرجته أمّا أسانتي عام 2013 حول قضية “زونغ”، التي يطلق عليها مذبحة زونغ، حين طالب مالك بريطاني لسفينة عبيد بتعويض عن “شحنته” المؤمَّن عليها جراء إلقاء عبيد مرضى من السفينة في عرض البحر. لكن هذه الأعمال الفنية لا تزال قليلة مقارنة بنظيرتها التي تتناول تورط الولايات المتحدة في تجارة العبيد عبر الأطلسي.
لكن روميرو، شأن الكثير من المغرّدين على موقع توتير، تشعر بخيبة أمل من جهل البريطانيين بالقصص الحقيقية عن الجانب المظلم من التاريخ، التي آثر السياسيون التكتيم عليها، سواء في الأنظمة التعليمية أو في الفنون.
وأثارت قضية الديون في البداية شغف روميرو الاستقصائي، بحكم عملها كمراسلة لبي بي سي من إثيوبيا وهايتي وجمهورية دومينيكان. وتقول روميرو إن تسديد تعويضات لمُلّاك العبيد طيلة هذه السنوات دون أن ندري عنها شيئا حتى من المدارس، قد يثير تساؤلات عديدة.
ويقدَّر عدد العبيد الأفارقة الذين أرسلوا إلى المستعمرات البريطانية في البحر الكاريبي بنحو 2.3 مليون شخص. وعلى عكس تاريخ الولايات المتحدة مع العبودية، فإن تجارة العبيد البريطانية نادرا ما يُفصح عن حجمها الحقيقي. وذلك لأن تجارة العبيد الأمريكية كان مسرحها الولايات المتحدة، ومن ثم لا يزال إرثها ماثلا حتى الآن، في حين أن البحر الكاريبي، حيث تمركزت تجارة العبيد البريطانية، يبعد آلاف الأميال عن البريطانيين.
وتقول روميرو إن نحو 30 مليون شخص نُقلوا من أفريقيا وبيعوا في سوق النخاسة في الأمريكتين وجزر الكاريبي، لكن أكثر الناس لا يعلمون أن خمسة في المئة من هؤلاء الرقيق نُقلوا إلى أمريكا، بينما بيع 55 في المئة منهم في المستعمرات الإسبانية في أمريكا الجنوبية و35 في المئة بيعوا في جزر الهند الغربية البريطانية.
وفي الوقت نفسه، تناولت أعمال فنية عديدة حققت شهرة واسعة، تجارة العبيد الأمريكية وتبعاتها المتواصلة، من روايات عالمية أكثر مبيعا، مثل “المحبوبة” للكاتبة توني موريسون إلى مسلسل “الجذور” التليفزيوني، وحتى فيلم “12 عاما من العبودية” الذي حاز على جائرة الأوسكار، ورواية “السكك الحديدية السرية” لكولسون وايتهيد الحائزة على جائزة بوليتزر.
حوار مع الماضي
غير أن بعض الأعمال الفنية عن دور بريطانيا في تجارة العبيد عرف طريقه مؤخرا إلى الجمهور، مثل مسرحية “السوط”، ورواية “الأغنية الطويلة” لأندريا ليفي التي تناولت السنوات الأخيرة للعبودية في جامايكا وتبعات إلغاء العبودية، وتحولت إلى مسلسل تليفزيوني عرضته بي بي سي في عام 2018. وحازت رواية “اعترافات فراني لانغتون” لسارة كولينز على جائزة كوستا للكتاب، وتتناول قصة أحد العبيد في مزرعة بجامايكا أرسل لاحقا إلى لندن.
وعرضت على المسرح أيضا أعمال لفنانين بريطانيين ذوي بشرة سمراء تتناول الإرث الاستعماري البريطاني، مثل مسرحية “سولت” لسيلينا تومبسون، التي تحكي فيها عن رحلتها على متن سفينة شحن عبر أحد المسارات التي كانت تقطعها سفن العبيد في الماضي.
وتقدم مسرحية “الصواريخ والأضواء الزرقاء” للكاتب المسرحي وينسوم بينوك، رؤية معاصرة لمذبحة زونغ، التي استوحيت منها لوحة للفنان ويليام تيرنر في عام 1840 بعنوان سفينة العبيد، وكانت المذبحة مصدر إلهام أيضا لعرض “المياه السوداء” الراقص بمسرح “فينيكس دانس”.
وستُعرض في المسرح الوطني باسكتلندا مسرحية “لم يعد يُحتمل” عن قصة جوزيف نايت، العبد الأفريقي الذي استُقدم من جاميكا إلى إدنبره وخاض معارك مع المحكمة لم يظفر بعدها بحريته فحسب، بل ساهم أيضا في حظر العبودية في اسكتلندا.
هذه الأعمال الدرامية المستلهمة من أحداث وشخصيات واقعية، وإنْ كانت لا ترضي البعض، فإنها تعرض قصصا بارزة من تاريخ بريطانيا. وفي الوقت الذي اهتزت فيه الكثير من القناعات عن بريطانيا، قد يكون هذا هو الوقت الأمثل لإعادة النظر في الانتهاكات المنسية للإمبراطورية البريطانية.
وترى روميرو أن الهدف من الفن هو أن يساعدنا في مواجهة ماضينا الحقيقي واستكشاف دور بريطانيا في تجارة العبيد وإرثها. وتقول: “لا بد أن نظل في حوار دائم ومتواصل مع الماضي”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture
[ad_2]
Source link