يالطا: المؤتمر الذي غيَّر وجه العالم
[ad_1]
في فبراير/شباط عام 1945، التقى ثلاثة رجال في منتجع لتحديد مصير العالم. كانت ألمانيا النازية شبه منهارة، بعد أن طوقت القوات السوفييتية برلين، وعبرت قوات الحلفاء الحدود الغربية لألمانيا. أما في المحيط الهادئ، فكانت القوات الأمريكية تتقدم، بثباتٍ نحو اليابان وسط معارك دامية.
وفي الوقت الذي كانت جيوش على وشك الانتصار، اتفق الزعماء، الذين عُرفوا بالثلاثة الكبار، الأمريكي، فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، والسوفييتي، جوزيف ستالين، على الاجتماع في منتجع يالطا السوفييتي، المطل على البحر الأسود.
وبنهاية أكثر الصراعات دموية شهدها العالم، أراد الحلفاء منع تكرار ما حدث من دمار، مرة أخرى.
ولكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أرادا التعاون بشروطهما. فرغم إبرام اتفاقية يالطا قبل أشهر قليلة باتت الساحة مهيأة للحرب الباردة بين القوتين العظميين الجديدتين اللتين قسمتا العالم إلى معسكرين أيديولوجيين لعقود.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن، أندرو باسيفيتش، لبي بي سي إنه “إذا كان الهدف من مؤتمر يالطا هو وضع أساس لنظام سلمي حقيقي لمرحلة ما بعد الحرب، فإنه فشل في ذلك”.
ويضيف: “بالنظر إلى تضارب تطلعات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لم يكن هذا الهدف مطروحاً على الطاولة أساساً”.
ما الذي حدث في فبراير/شباط 1945؟
بحلول بداية عام 1945، خسرت ألمانيا النازية الحرب. ورغم أنها استبسلت في المقاومة اليائسة، إلا أن نتيجة الصراع كانت محسومة.
ففي أوروبا الشرقية، كانت الغلبة للاتحاد السوفييتي الذي كسر جيوش ألمانيا، بعد أربع سنوات من الحرب الطاحنة.
ولكن بينما كان الاتحاد السوفييتي يعيش نشوة الانتصار العسكري، كانت البلاد تعاني من دمار شديد إذ قتل ثلاثة أرباع مجمل الجنود الالمان الذين سقطو في المعارك على الجبهة الشرقية.
كما تشير التقديرات إلى أن واحداً من بين كل سبعة مواطنين سوفييت لقي حتفه جراء الحرب ووصل مجموع من لقوا حتفهم من السوفييت إلى 27 مليون شخص، ثلثاهم من المدنيين ويعتقد بعض الأكاديميين أن الرقم أكبر من ذلك بكثير.
ودمرت الحرب مدن البلاد وأغنى أراضيها، كما أدت الحرب إلى محو الصناعات والمزارع والمنازل وحتى طرق برمتها.
ماذا كانت أهداف القادة؟
كان جوزيف ستالين مصمماً على النهوض ببلاده بعد الحرب. وقد جاء إلى يالطا بحثاً عن منطقة نفوذ في أوروبا الشرقية لتمثل منطقة عازلة لحماية الاتحاد السوفيتي.
كما أراد تقسيم ألمانيا لضمان عدم تشكيلها مصدر تهديد مستقبلي على بلاده، وللحصول على تعويضات ضخمة من مال وآليات وحتى رجال للمساعدة في إحياء أمته المحطمة. كان ستالين يدرك تماماً أنه يحتاج لموافقة القوى الغربية لتحقيق ذلك.
فهم ونستون تشرشل أهداف ستالين. والتقى الاثنان في موسكو، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1944، وناقشا فكرة تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ بين الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية.
أدرك تشرشل، أيضاً، أن ملايين الجنود السوفييت الذين طردوا ألمانيا من وسط وشرق أوروبا يفوق عددهم الجنود الغربيين الحلفاء في الغرب، ولم يكن ثمة شيء يمكن أن تفعله بريطانيا إذا أراد ستالين الإبقاء على قواته هناك.
وكانت بريطانيا قد أعلنت الحرب، في سبتمبر/أيلول عام 1939، بعد أن غزت ألمانيا حليفتها بولندا. ولكنها دفعت ثمناً باهظاَ لانتصارها في الحرب، وخرجت من الحرب وهي على شفا الإفلاس. وكان تشرشل يأمل في الحصول على دعم الولايات المتحدة في مواجهة ستالين.
لكن الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، كانت لديه أولوياته الخاصة؛ إذ أراد من ستالين التوقيع على ميثاق عضوية للأمم المتحدة، الهيئة العالمية الجديدة التي تأسست لحفظ السلام في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول أستاذ التاريخ في جامعة فرجينيا، ميلفين ليفلر، لبي بي سي إن روزفلت كان يدرك، تمام الإدراك، أن الجفاء بين الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى تسبب بتراجع الولايات المتحدة عن ساحة السياسة العالمية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
ويضيف ليفلر: ” أكثر ما أراده روزفلت من أي شيء آخر كان تجنب العودة إلى انعزال أمريكا”.
علاوة على ذلك، أراد روزفلت دفع الاتحاد السوفييتي لإعلان الحرب على اليابان؛ إذ كانت خسائر فادحة تلحق بالقوات الأمريكية، المتقدمة في المحيط الهادئ، رغم تفوقها على القوات اليابانية.
ماذا حدث في يالطا؟
على الرغم من أن روزفلت أراد الاجتماع في مكان ما على البحر الأبيض المتوسط، إلا أن ستالين، الذي كان يعاني من رهاب الطيران، عرض الاجتماع في يالطا.
وجرت محادثات جماعية، خلال الفترة ما بين 4 و 11 فبراير/ شباط، في قصر ليفاديا، مقر إقامة الوفد الأمريكي، الذي كان، ذات يوم البيت الصيفي لآخر القياصرة الروس، نيقولا الثاني.
وكان القادة الثلاثة قد التقوا سابقاً في طهران عام 1943. وكان روزفلت أكثر استعداداً للوثوق في ستالين من تشرشل، الذي رأى في الزعيم السوفيتي تهديداً خطيراً.
وبعد أسبوع من المحادثات، أعلن الزعماء الكبار الثلاثة قراراتهم للعالم. فبعد استسلامها غير المشروط، تم الاتفاق على تقسيم ألمانيا وبرلين إلى أربع مناطق سيطرة، واحدة لكل دولة من الدول المشاركة في يالطا، والرابعة حظيت بها فرنسا.
إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن إلزام ألمانيا بدفع أقصى قدر ممكن من التعويضات، وشُكِّلت لجنة في موسكو لتحديد المبلغ المستحق عليها.
واتفق الزعماء، أيضاً، على إجراء انتخابات ديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا المحررة، بما في ذلك بولندا، التي تقرر أن تكون لها حكومة جديدة “تضم قادة ديمقراطيين من بولندا نفسها ومن البولنديين في الخارج”. وكان الاتحاد السوفيتي قد شكل، بالفعل، حكومة شيوعية مؤقتة في وارسو، فقرر الزعماء إعادة تنظيم الحكومة القائمة وتوسيعها.
ولكن مفهوم الديمقراطية يعني شيئاً مختلفاً تمامًا لستالين. فعلى الرغم من أنه وافق، علانيةَ، على إجراء انتخابات حرة في أوروبا المحرَّرة، إلا أن قواته كانت تسيطر بالفعل على مكاتب الدولة الرئيسية في جميع أنحاء وسط وشرق أوروبا وحجزتها للأحزاب الشيوعية المحلية.
علاوة على ذلك، قرر الزعماء، بناءً على طلب ستالين، الدفع بحدود بولندا نحو الغرب، لمنح الاتحاد السوفييتي مزيداً من الأراضي. وضم دول البلطيق إلى الاتحاد السوفييتي.
وفي مؤلَّفها “الستار الحديدي”، كتبت المؤرخة آن أبلباوم، أن الزعماء “قرروا مصير مساحات شاسعة من أوروبا بلامبالاة مذهلة”؛ إذ سأل روزفلت ستالين إذا كان من الممكن أن تبقى مدينة لفوف جزءاً من بولندا، لكنه لم يضغط كثيراً من أجل ذلك، وسرعان ما تم التغاضي عن الفكرة.
كان تركيز روزفلت منصباً على تحقيق خططه بشأن الأمم المتحدة، والتي تحققت، لاحقاً، بالفعل؛ حيث وافقت الدول الثلاث على إرسال مبعوثين إلى سان فرانسيسكو، في 25 أبريل/نيسان 1945، للمساعدة في إنشاء المنظمة الدولية الجديدة. وعلاوة على ذلك، تعهد ستالين بغزو اليابان، بعد ثلاثة أشهر من هزيمة ألمانيا.
ولكن تشرشل ظل ينتابه قلق عميق إزاء الوضع في أوروبا الشرقية بعد القمة، على الرغم من الاتفاقية التي تم التوصل إليها، وحث قواته والأميركيين على التحرك إلى أبعد ما يمكن شرقاً قبل نهاية الحرب.
ماذا حدث بعد ذلك؟
وفي غضون أشهر، تغير المشهد السياسي بشكل درامي؛ إذ تُوفي روزفلت إثر نزيف حاد في الدماغ في أبريل/نيسان، وحل محله هاري ترومان. واستسلمت ألمانيا دون قيد أو شرط في مايو/أيار.
وفي 16 يوليو/تموز، نجحت الولايات المتحدة في اختبار سلاحها السري الجديد، القنبلة النووية.
وفي اليوم التالي، التقى الرئيس ترومان وونستون تشرشل وجوزيف ستالين، في مؤتمر بوتسدام، خارج برلين.
ولم يكن ترومان، الذي شغل منصب الرئيس منذ أشهر فقط، يعرف ستالين جيداً, كما حلّ كليمنت أتلي محل ونستون تشرشل، بعد الانتخابات العامة التي جرت في العام نفسه.
كان المزاج السائد في المؤتمر مختلفاً تماماً؛ إذ شعر الساسة الأمريكيون بثقة أكبر بعد أن تأكدوا من قوة القنبلة النووية. كان ترومان أكثر ريبة في ستالين من روزفلت، حيث اعتقد ومستشاروه أن الاتحاد السوفييتي لم يكن لديه رغبة في الالتزام باتفاقية يالطا.
وخلال أقل من عامين، أعلن الرئيس الأمريكي ما يُعرف بمبدأ ترومان، الذي يتمحور على تبني سياسة خارجية أمريكية مقرونة بالقوة العسكرية لمواجهة التوسع الجيوسياسي السوفييتي في جميع أنحاء العالم فبدأت الحرب الباردة.
وتعرض كل من تشرشل وروزفلت، لاحقاً، لانتقادات واسعة لتقديمهم نتازلات كبيرة لستالين في يالطا. ولكن من الناحية العملية، لم يكن أمام الولايات المتحدة وبريطانيا الكثير لفعله؛ فقد كانت قوات ستالين موجودة في جميع أنحاء وسط وشرق أوروبا.
وفي أعقاب اتفاقية يالطا، أقر تشرشل خطة لشن هجوم ضد الاتحاد السوفييتي، ولكن المخططين العسكريين البريطانيين أيقنوا أنها غير واقعية على الإطلاق.
وحول ذلك يقول أستاذ التاريخ في جامعة فرجينيا، ميلفين ليفلر، إن “ما فعله مؤتمر يالطا، فيما يتعلق بأوروبا الشرقية، كان بمثابة إقرار بوضع موازيين اقوى الموجودة على الأرض”.
[ad_2]
Source link