إمارة موناكو: قصة المدينة الأوروبية التي تعرف بمظاهر البذخ و”السياحة النظيفة”
[ad_1]
لم أكن أتوقع أن أجد وسط المباني الشاهقة المتراصة في هذا البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان بستانا للخضروات والفاكهة العضوية. لكن هذه البقعة الخضراء التي لا تتعدى مساحتها 450 مترا مربعا، بذلت جيسيكا إسبراليا جهدا شاقا في زراعتها لبيع ثمارها في الأسواق.
وتستظل هذه الحديقة الغناء التي تقع وسط كتلة موناكو الخرسانية ببرج أوديون الذي يبلغ طوله 170 مترا ويضم أغلى شقة في العالم ثمنها 300 مليون يورو.
ودشنت إسبراليا، السويسرية الأصل التي جاوزت الثلاثين وكانت لاعبة تنس محترفة وعارضة أزياء سابقة، مشروع الزراعة الحضرية “تير دي موناكو” في عام 2016، ولديها الآن خمسة مزارع صغيرة فوق أسطح العمارات وفي الشرفات وفي قطع أراض أخرى بين المباني.
وتذوقت ثمارا طازجة من هذه المزرعة، التي تزرع فيها إسبراليا شتى ألوان الفاكهة والخضروات، من الباذنجان والكوسة إلى الفراولة والمشمش. وتقول إسبراليا: “أريد أن أرغّب الناس في مذاق الثمار العضوية الطبيعية المتنوعة”.
وحققت الشركة نجاحا كبيرا، إذ تمتد بساتينها على مساحة 1,600 متر مربع، وأنتجت منذ عام 2016 خمسة أطنان من الثمار العضوية، وأبرمت اتفاقيات شراكة مع طهاة في أفخر المطاعم الحائزة على نجوم ميشلان.
لكن إسبراليا تقول إنها واجهت عثرات في البداية، إذ حذرها الناس في بادئ الأمر من أن هذا المشروع سيكون مآلة الفشل. وتقول إسبراليا: “ظننت أنني لن أجد مساحة تصلح للزراعة وكل ما كنت أحتاجه هو أن أقنع الناس بجدوى المشروع”.
غير أن الوعي بالمخاطر البيئية قد زاد في الآونة الأخيرة. وتقول إسبراليا إن الجميع الآن ينخرطون في مبادرات للحفاظ على البيئة.
وبينما اشتهرت موناكو بمظاهر الفخامة والبذخ، إذ تستقطب نواديها الليلية الفاخرة أصحاب الثراء الفاحش الباحثين عن الملذات، إلا أن هذا الركن من الساحل اللازوردي جنوب شرقي فرنسا، أصبح في مقدمة الأماكن الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة. وتسهم موناكو، رغم صورتها البراقة، في تقليل الهوة بين الفخامة وبين الحفاظ على الأهداف البيئية الصارمة.
وتأمل إمارة موناكو، التي تستقطب ملايين الرحالة والزوار على متن سفن النزهات البحرية سنويا، أن تخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمقدار النصف بحلول عام 2030 وأن تقضي تماما على انبعاثات الكربون بحلول 2050.
وتقول إستيل أنتوغنيلي، مديرة السياحة المسؤولة في هيئة السياحة بإمارة موناكو، إن الحفاظ على البيئة ليس جديدا على إمارة موناكو، حيث يواصل الأمير ألبرت الثاني جهود أجداده لرفع الوعي بالمخاطر البيئية، وأثمرت هذه الجهود عن إنشاء مؤسسة الأمير ألبرت الثاني، التي تضع في مقدمة أولوياتها تغير المناخ وإدارة المياه واستعادة التنوع البيولوجي.
غير أن أكثر ما لفت نظري في موناكو، كان شبكة المواصلات العامة الصديقة للبيئة. فحيثما ذهبت، كنت أجد وسيلة نقل صديقة للبيئة تسهم في الحد من انبعاثات الكربون، سواء أكانت حافلة تعمل بالديزل والكهرباء تجتاز طرق موناكو المتعرجة أو حافلة مائية تدار بالطاقة الشمسية تعبر ميناء هرقل كل 20 دقيقة.
ولاحظت أيضا كثرة المطاعم التي تقدم ثمارا طازجة وعضوية وبعضها يفخر بتقديم قوائم طعام خالية من اللحوم. وكان أبرزها مطعم “إيلسا”، أول مطعم في العالم يحوز على نجمة ميشلان، رغم أنه لا يقدم إلا أطعمة ومشروبات عضوية.
وتسهم الفنادق الفاخرة في هذه الإمارة، التي تعد ملاذا للأثرياء، بنصيب كبير في جهود الحفاظ على البيئة، مثل فندق فيرمونت مونت كارلو، وهو فندق عصري عملاق يطل على البحر. ويعتمد الفندق على الطاقة النظيفة التي تولدها مضخاته الخاصة من مياه البحر في تشغيل أنظمة التبريد والتدفئة.
وفي وقت سابق من هذا العام، جُهز الفندق بتقنيات مبتكرة لإعادة تدوير مياه الصرف. ويتعاون الفندق مع مؤسسة الأمير ألبرت الثاني لتمويل دراسة عن الدلافين المخططة بالبحر المتوسط التي أصبح موطنها مهددا بسبب التلوث وارتفاع درجات حرارة المياه.
وبدأ فندق متروبول جهود الحفاظ على البيئة بمبادرات بسيطة مثل شراء احتياجاته من موردين محليين، وتربية النحل. وفي عام 2018، أصبح أول فندق يحظر استخدام المصاصات البلاستيكية، قبل صدور قرار بحظر جميع أدوات المائدة البلاستيكية رسميا في موناكو في يناير/ كانون الثاني 2019. ودشن الفندق مشروع “شجرتي الخاصة” لإستعادة الغابات، الذي تضمن زراعة أشجار الزيتون على سفوح أحد التلال المطلة على بلدة منتون بفرنسا.
ويضرب هذا الفندق بواجهته البديعة المصممة على طراز الحقبة الجميلة في أواخر القرن التاسع عشر، مثالا في الفخامة والأناقة البسيطة. وبينما صمم الغرف وحمامات السباحة أفضل المصممين العالميين، فإن مطاعم الفندق تستخدم منتجات عضوية موسمية من إحدى حدائق “تير دي موناكو”.
ويضع متحف علوم المحيطات في موناكو حماية الحياة البحرية في مقدمة أولوياته. وشيد هذا المتحف على جرف صخري وعر يطل على البحر المتوسط، ويطلق عليه “معبد البحر”. ومنذ أن أسسه الأمير ألبرت الأول في عام 1910 دأب المتحف على نشر الوعي بأهمية حماية المحيطات العالمية.
ويشارك المتحف في تنظيم مبادرة موناكو الزرقاء، التي يشارك فيها خبراء من حول العالم لمناقشة تحديات إدارة المحيطات وحماية الحياة البحرية. ويضم المتحف أكثر من 6,000 كائن بحري، بالإضافة إلى الآثار والكنوز التي انتشلت من البحار في القرن العشرين.
وبينما كنت أتجول في أروقة المتحف، بدت الشعب المرجانية والأسماك الغريبة خلف الواجهات الزجاجية خلابة، ووقفت محدقة في جمال السلاحف البحرية وأسماك القرش التي تسبح وسط الأحواض العملاقة، لكن سرعان ما أعادني إلى أرض الواقع عمل فني لفيليب باسكا، مصنوع من المخلفات التي جمعها الغواصون من البحار، وكان من بينها علب من الألومنيوم ومرحاض، وقناع مهرج مخيف. ويهدف هذا العمل، وغيره من الأعمال المشابهة لتذكير الزوار بالمخاطر التي تواجه المحيطات وتأثير الأنشطة البشرية على الطبيعة.
ودفع القلق من التغيرات البيئية الناتجة عن الأنشطة البشرية كيت باورز وديديير روبيولو، لتأسيس مطعم “ستارز أند بارز”، حرصا على الإرث الذي سيتركوه لأبنائهم. ويقدم المطعم الأمريكي المكون من طابقين مأكولات منزلية مصنوعة من خضروات وفاكهة مزروعة محليا ومن حديقة المطعم الخاصة. ويتضمن المطعم نظاما لترشيح المياه ويعتمد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء.
وينظم المطعم ورواده فعاليات وورش عمل وحفلات للأطفال من حين لآخر للتوعية بأهمية الحفاظ على كوكب الأرض. وعندما زرت المطعم في إحدى الأمسيات، لاحظت وجود الكثير من اللافتات التي تروج لحملاته الأخيرة لحماية البحار، مثل مبادرة تقديم مشروب مجاني مقابل الحصول على أعقاب السجائر التي قد ينتهي بها المطاف في البحار.
ورغم ذلك، اشتهرت موناكو باستضافة سباقات الجائزة الكبرى للسيارات، التي يشارك فيها كل عام متسابقون بسيارات فائقة السرعة تحرق كميات هائلة من الوقود، وأشارت تقارير إلى أن سباقات فرومولا وان تعد واحدة من الرياضات الأكثر إطلاقا لانبعاثات الكربون.
لكن الإمارة تستضيف أيضا سباقات السيارات الكهربائية التي تشارك فيها سيارات كهربائية أو تدار بالهيدروجين سنويا، وسباق الجائزة الكبرى للسيارات الكهربائية كل سنتين، على غرار سباق جائزة موناكو الكبرى السنوي.
وتقول أنيت أندرسون، مديرة مطعم “ستارز أند بارز”، عن وجود السيارات الفاخرة التي تستهلك كميات فائقة من الوقود في شوارع الإمارة: “لا يمكن أن تقضي على جميع روافد الاقتصاد دفعة واحدة، لكننا نحاول أن نحقق التوازن قدر الإمكان. وقد يكون الأجانب أقل التزاما من السكان المحليين بالمعايير البيئية، ولهذا علينا أن نبذل جهودا لنضمن مشاركة الجميع في الحفاظ على نظافة موناكو والحد من الأضرار البيئية”.
وتقول إسبراليا: “موناكو مليئة بالتنقاضات، لكن ينبغي أن تحقق التوازن بين متطلبات السياح وبين الحفاظ على البيئة، لأننا لسنا مثاليين بعد”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link