ماذا لو تحكمت النساء بالكامل في الحمل؟
[ad_1]
لقرون طويلة، عامل المجتمع النساء وكأنهن تابعات للرجال في كل شيء من التركيبة البيولوجية إلى الذكاء. وقد نظر العلماء – الذين كانوا كلهم تقريبا عبر التاريخ من الذكور – إلى العالم أيضاً من خلال المنظور نفسه. فالباحثون الذين يدرسون تكاثر الحيوانات، ركزوا في دراستهم – على سبيل المثال – على ذكورها بصورة حصرية.
وتقول باتريس روزنغراف، الباحثة بجامعة أوتاغو في مدينة كرايست تيشرش النيوزيلندية: “كان يُعتقد من قبل أن الإناث لسن سوى عضو سلبي تُوضع فيه الحيوانات المنوية، وأن البويضة لا تفعل شيئاً يذكر، وأن الأمر كله مرتبط بالرجال، ممن لديهم المَنِيّ”.
وفي الآونة الأخيرة فقط، بدأ الباحثون في كشف النقاب عن مجموعة مذهلة من الطرق التي تستخدمها إناث العديد من أنواع الكائنات الحية لتثبت قوة تأثيرها على نسلها. فعلى سبيل المثال، تلعب سوائل المبيض عند أنثى سمك السلمون دورا في تسريع أو إبطاء الحيوانات المنوية القادمة من ذكور بعينها، وهو ما يعطيها أفضلية على صعيد التخصيب.
كما تحول إناث الفئران ونوع من الطيور – يحمل اسم “دجاج الأدغال الأحمر” – دون أن تُخصّب من جانب الذكور المتطابقة معها وراثياً، وذلك لمنع حدوث ما يشبه زواج الأقارب عند البشر.
أما إناث ذباب الفاكهة فبمقدورها تخزين الحيوانات المنوية داخل أعضاء خاصة، لكي تستخدمها في وقت لاحق، بل وبوسعها انتقاء الحيوانات المنوية القادمة من ذكور معينة.
من جهة أخرى، تطورت لدى إناث البط أعضاء تناسلية ذات تكوين خاص، لحمايتها من التزاوج القسري، في ضوء ميل الذكور لإيلاج قضبانها الطويلة اللولبية فيها عنوة.
ورغم أن النساء لم يلجأن لطرق التكيف التي لجأت إليها إناث الذباب والبط، بات بمقدور أعداد منهن الآن التحكم بشكل أكبر في مسألة الحمل، عبر اللجوء للإجهاض ووسائل تحديد النسل.
لكن هذه السبل ليست متاحة لهن جميعا، كما أنها غير مضمونة أو مطلوبة بالضرورة. فقد لا ترغب هذه المرأة أو تلك في استخدام إحداها لأسباب شخصية أو دينية أو ثقافية.
وفي المقابل، ربما تفتقر النسوة اللواتي يردن استخدام تلك الوسائل للقدرة على فعل ذلك، فربما لا تتوافر لدى المرأة في الدول النامية والمجتمعات التي تعاني من نقص الخدمات الفرصة للحصول على وسائل تحديد النسل. وقد تعجز أخريات عن إجهاض أنفسهن، لأنهن يعشن في بقاع يُحظر ذلك فيها قانونا، أو تتعرض من تُجهض هناك للمخاطر. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تحظى الإجراءات المناوئة للإجهاض بتأييد كاسح في المجالس التشريعية للولايات المختلفة، وذلك في وقت تفرض القوانين السارية في أيرلندا الشمالية قيودا صارمة على الحق في الإجهاض.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن قدرة النساء على استخدام وسائل تحديد النسل المتاحة حاليا تعني أن أيا من هذه الطرق ناجحة. فوسائل منع الحمل تفشل أحياناً، والعاملات في مجال الجنس يتعرضن لضغوط كي لا يستخدمن طرق الوقاية، وهناك رجال يغتصبون النساء، ناهيك عن أن بعض النسوة لا يُتاح لهن التحكم في موعد أو ظروف أو مدى الانتظام في ممارسة الجنس.
السؤال هنا: ماذا لو حظيت نساء العالم بالقدرات المرتبطة بمسألة الحمل والإنجاب، من قبيل تلك المتوافرة لدى كائنات حية أخرى؟ بصياغة أخرى، ما الذي سيحدث لو استطاعت النساء – بمعجزة ما – التحكم بنسبة مئة في المئة، ليس فقط في وقت الحمل أو العمر الذي يحدث فيه، وإنما كذلك في هوية من سيحملن منهم من الرجال (بما يشمل حالات مثل الاغتصاب، حين لا يُحترم حق المرأة في اختيار شريكها الجنسي)؟
من شأن التفكير في هذا السؤال الافتراضي إبراز مدى فائدة قدرات مثل هذه بالنسبة للمرأة والمجتمع ككل. لكنه يسلط الضوء أيضاً على احتمالية تعرض النساء لانتقادات فورية من قبل أولئك الذين لا يريدون لهن أن يتمتعن بتلك الإمكانية، وهو ما يؤكد أننا بعيدون للغاية عن الحياة في عالمٍ تتمتع فيه النساء بالسيطرة الكاملة على أجسادهن.
بالطبع ستتمثل النتيجة الأولى والأكثر وضوحًا لتحقق مثل هذا الاحتمال في وضع حد لحدوث حالات حمل غير مُخطط لها. فبالرغم من أن النساء في كل دول العالم تقريبا أصبحن ينجبن عدداً أقل من الأطفال لأسباب متنوعة، فإن الإحصائيات الخاصة بعام 2012، وهي من بين أحدث البيانات المتوافرة في هذا الصدد، تفيد بأن 40 في المئة من حالات الحمل التي شهدتها هذه السنة (وعددها 58 مليونا) حدثت دون تخطيط. وفي بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، تكون النسبة أكبر، إذ تصل إلى 45 في المئة من ستة ملايين حالة حمل تحدث سنويا هناك.
وتقول كارين نيومان، الخبيرة الاستشارية المستقلة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في لندن، إن تحكم النساء في مسألة الحمل بشكل كامل سيمنحهن “راحة ذهنية، تنجم عن إدراكهن بأن أجسادهن لن تفعل فجأة هذا الشيء المدمر، المتمثل في جعلهن حوامل”.
فضلا عن ذلك، سيؤدي عدم الاضطرار للجوء لوسائل منع الحمل إلى توفير المال وتجنب الآثار الجانبية المحتملة لاستخدامها. فعلى سبيل المثال، تعاطت حوالي نصف مليار امرأة حبوب منع الحمل في مرحلة ما من حياتهن. ونتيجة لذلك، عانت بعضهن من الاكتئاب والجلطات الدموية والصداع النصفي والقلق وغيرها.
كما أن التعقيم – أي سلب المرأة القدرة على الإنجاب، وهي وسيلة منع الحمل الأكثر شيوعاً في العالم – يمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة، تصل إلى حد الوفاة. (وهو ما يمكن أن تفضي إليه أيضا عملية الولادة ذاتها).
فهل سيؤدي تحكم النساء بشكل كامل في أجسادهن إلى أن يمارسن الجنس على نحو ينطوي على مخاطر أكبر؟ أو يقود لحدوث زيادة مفاجئة في حالات الإصابة بالأمراض التي تنتقل عبر الممارسة الجنسية من خلال الانخراط في ممارسة غير آمنة؟
تستبعد ذلك ويندي تشافكين، الأستاذة الفخرية لصحة الأسرة والسكان والتوليد وأمراض النساء بجامعة كولومبيا بنيويورك، قائلة إنه لم يرصد حدوث هذا الأمر “منذ ظهور الوسائل الفعالة لمنع الحمل”. فعلى سبيل المثال، لم تكشف دراسة شملت 8,000 امرأة أمريكية عن دليل واحد يفيد بأن قدرة النساء على الاستفادة من وسائل منع الحمل المجانية زادت عدد شركائهن في العلاقات الجنسية أو عدد مرات ممارستهن للجنس.
فضلا عن ذلك، من المتوقع أن ينخفض عدد عمليات الإجهاض إذا نجحت النساء في تحاشي حدوث حالات حمل غير مرغوب فيها. وقد أثبتت ذلك – في الواقع – دراسة أمريكية أشارت إلى أن توفير وسائل منع الحمل للنساء قلل من معدلات الإجهاض وحالات الحمل غير المُخطط لها، خاصة بين المراهقات.
ومن شأن ذلك أن يمثل أمرا إيجابيا لكلٍ من مؤيدي الإجهاض ومعارضيه، كما سيكون خيارا أكثر أمنا. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هناك 25 مليون امرأة يخضعن سنويا لعمليات إجهاض غير آمنة. وتؤدي هذه العمليات، التي يجريها أشخاص غير مؤهلين وتتم في ظروف غير صحية في الغالب، إلى مضاعفات خطيرة، يكلف علاجها 553 مليون دولار سنويا. كما يُعزى لها ما يصل إلى 13 في المئة من الوفيات التي تحدث بين الأمهات سنويا.
وتقول تشافكين: “في الغرب، لن يُحْدِث هذا الوضع الافتراضي (المتمثل في قدرة النساء على التحكم بشكل كامل في مسألة الحمل) فارقا من الوجهة الصحية، لأن عمليات الإجهاض هنا آمنة للغاية. لكن إذا كان ذلك سيتم بطرق غير آمنة في دول إفريقيا جنوب الصحراء أو في أمريكا اللاتينية مثلا، فعندئذ نعم، سيحدث ذلك فارقا بالنسبة للكثيرات، ممن يقضين نحبهن أو يتشوهن حالياً، بسبب خضوعهن لمثل هذه الإجراءات الجراحية التي تنطوي على خطورة بالغة في تلك الأماكن”.
لكن ستظل هناك ضرورة لمواصلة توفير خيار الإجهاض الآمن، حتى إذا حدث ذلك الوضع الافتراضي، الذي يتسنى فيه للنسوة التحكم على نحو كامل في مسألة الحمل. ويعود ذلك إلى أن قرار المرأة قبول حدوث الحمل، ليس إلا جزءا من العملية برمتها. فعلى مدى شهور الحمل التسعة، قد تُطلع المرأة الحبلى على تشخيص طبي يبدل موقفها، أو تتغير ظروفها على نحو يؤثر على رغبتها في مواصلة الاحتفاظ بالجنين.
فقد تكشف الفحوصات أن جنينها مصاب بمرض يحول دون بقائه على قيد الحياة خارج الرحم، أو أن الولادة ستشكل خطرا على حياة الأم. كما قد تتغير ظروف حياة المرأة الحبلى بشكل مفاجئ، كأن تفقد وظيفتها أو يهجرها شريكها الداعم لها. وتقول نيومان في هذا الشأن: “هناك أمور شتى تحول الحمل المرغوب فيه إلى شيء تشعر المرأة بأنها لا تستطيع التكيف معه”.
وقد يؤدي وضع افتراضي كهذا الذي نناقشه إلى تراجع معدلات المواليد أيضا. لكن هذا لا يعني أن النمو السكاني – الذي من المقرر أن يجعل عدد سكان العالم قرابة 10.9 مليار نسمة بحلول عام 2100 – سيستقر بين عشية وضحاها. فقد تظل النسوة يرغبن في إنجاب عدد كبير من الأطفال. كما قد يحملهن على ذلك استمرار الضغوط المجتمعية، والتوقعات المتعلقة بجنس المولود.
ومع ذلك، فإن كل هذه الأمور مجتمعة – تقلص عدد حالات الحمل غير المرغوب، وتراجع معدلات المواليد، وكذلك انخفاض أعداد عمليات الإجهاض الخطرة – ستفيد النساء والمجتمع ككل في نهاية المطاف.
وتقول سوزانا ماهيو، أستاذة النظم والسياسة الصحية والصحة الإنجابية في كلية لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة: “إذا وضعت حدا لإنجاب النساء المستمر للأطفال، الذي يشكل ربما العامل الأساسي الذي يعوق الكثير منهن (على أصعدة من قبيل التعليم والعمل وغير ذلك من المجالات)، فسينفتح العالم فجأة أمامهن على نحو غير مسبوق”.
كما أن تمكين النساء من الوصول بشكل أكبر إلى المجال العام قد يزيد عدد من تسعى منهن لتولي مناصب قيادية، وهو ما قد يغير العالم إلى الأفضل بشكل جذري.
وتشير ماهيو في هذا السياق إلى دراسة موسعة، تفيد بأن المرأة ربما تحظى بمزايا على صعيد التحلي بالمهارات القيادية، مثل كونها قادرة على التعاطف مع الغير ومنح أولوية للقيم الاجتماعية. وتقول إن “وجود المزيد من النساء في مراكز صنع القرار سيجعلنا ننعم بمجتمع أكثر رحمة وسعادة وهدوءا، مجتمع له أهداف لا تقتصر على كسب المزيد من الأموال، والاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأسلحة النووية”.
وفي حالة النجاح في التحكم الكامل في كل ما يتعلق بمسألة الحمل، سنرى أيضا المزيد من الأمهات الأكبر سنا، خاصة أن أعدادا متزايدة من النساء في الوقت الراهن ترجئ أصلا موعد حدوث الحمل. كما أن الاطمئنان إلى إمكانية الحمل في سن أكبر سيخفف على الأرجح من الضغوط التي ترزح تحتها النساء للإنجاب في عمر مبكر.
ومن شأن ذلك، السماح للنساء بالتركيز أكثر على التعليم أو المسيرة الوظيفية. لكن هذا لا ينفي أن تأخير الحمل إلى أواخر الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، سيؤدي – كما تقول ماهيو – إلى تزايد طفيف في مخاطر إصابة الأطفال بأمراض مثل متلازمة داون. لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن مخاطر الإنجاب في سن المراهقة تزيد على نظيرتها المترتبة على الإنجاب في أوائل الأربعينيات من العمر.
لكن هل يعني توسيع نطاق تفكيرنا الافتراضي في مسألة التحكم في ظروف الحمل الوصول إلى حد تخزين الحيوانات المنوية لاستخدامها لاحقا؟ من الواضح – وبغض النظر عما إذا كان مانح المَنِيّ سيُطلع أو أُطْلِعَ على هذه الاحتمالية أم لا – أن هذا الأمر يثير أسئلة أخلاقية حول رضا الشريك الذكر عن القيام بذلك. ومن المرجح أن يشعل ذلك أيضا نقاشات أكبر حول إلى أي مدى يجب أن يكون للرجل رأي مؤثر بشأن مسألة حمل شريكته في العلاقة الحميمة.
وفي هذه الحالة، ربما ستشكل الحيوانات المنوية الخاصة برجال يروقون للنساء – سواء لذكائهم أو لمظهرهم الوسيم أو لغير ذلك من السمات المرغوبة – أحد الموارد التي يجري التنافس للحصول عليها. وتقول رينيه فيرمان، عالمة الأحياء التطورية بإحدى الجامعات الأسترالية: “ربما سيصبح هناك شعور لدى النساء بأن بوسعهن دائما الحصول على رفيق أفضل ليكون أبا أفضل كذلك لأطفالهن”.
المفارقة أن احتمال تخزين الحيوانات المنوية قد يجعل الرجال أكثر مواظبة على استخدام الواقي الذكري مما هم عليه الآن. كما أن علم المرء بأن شريكته ربما تُخزن مَنِيّ الرجال الآخرين ربما يجعله أكثر ارتيابا بشأن هوية الأب الحقيقي للجنين القابع في بطنها، وهو ما قد يؤدي إلى أن تصبح الاختبارات الطبية التي تحدد هوية الآباء عن طريق تحليل الدم، أكثر شيوعًا.
وسيغير كل ذلك بطبيعة الحال من شكل العلاقة بين الجنسين. إذ لن يحتفي بعض الرجال بمقومات القوة الجديدة هذه التي ستكتسبها النسوة، وسيرون أنها تشكل تهديدا لهم. وتقول تشافكين في هذا الإطار إن الرجال في تلك الحالة “قد يطورون كل أنواع الجهود العقابية الممكنة لتقليص قدرة النساء على الوصول إلى كل ما يمنحهن السيطرة على خصوبتهن وأجسادهن وحياتهن”.
أما ماهيو فتقول إنه إذا نحينا هذه التخيلات الافتراضية جانبا، فسنجد “شيئا واحدا واضحا، ألا وهو أننا بعيدون للغاية عن وضع تتحكم فيه النساء بشكل كامل في موعد حدوث الحمل وهوية والد الجنين، وذلك لأننا بعيدون من الأساس عن العيش في عالم تُعامل فيه النساء في كل مكان على قدم المساواة مع الرجال”.
وتضيف أن الوصول إلى هذه المرحلة من المساواة يحتاج إلى تغيير جذري للوضع الراهن وللعقلية المجتمعية، حتى في الدول الغنية. وتختتم ماهيو حديثها بالقول: “أعتقد أنه من المحزن حقا والكاشف للغاية حقيقة أنه من الصعب بشدة تخيل وجود مثل هذا العالم المختلف تماما” عن عالمنا الحالي.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link