لماذا تجذب حدائق الخضروات آلاف الشباب في ألمانيا؟
[ad_1]
في منطقة فيدينغ شمالي العاصمة الألمانية برلين تغرب شمس أمسية دافئة على بيوت خشبية تصطف بعناية بين حدائق خضراء تنبعث منها رائحة شواء.
ويسترخي بستانيان على البساط الأخضر بصحبة الجعة وهما يشويان ثمر تعبهما من خضروات طازجة، كالباذنجان والطماطم من نتاج تلك “المستعمرات” الصغيرة بالعاصمة الألمانية.
والغريب في الصورة هو أن البستانيين ليسا من المتقاعدين من كبار السن الذين عادة ما يولون تلك الحدائق رعايتهم، بل هما من الموظفين في الثلاثينيات من العمر ويعبران عن موجة جديدة من الشباب الألماني الذي بات يقبل على تلك الحدائق التي تخصصها الحكومة الألمانية لإنتاج الخضر والفاكهة للاستهلاك المنزلي، وذلك مع تغير التوجهات العامة للاستهلاك.
قوائم الانتظار
وتنتشر الحدائق التي تخصصها الحكومة الألمانية لزراعة الخضر والفاكهة داخل المدن أكثر بكثير من مثيلاتها في بريطانيا والولايات المتحدة. وتعرف تلك الحدائق بحدائق شريبر، نسبة لطبيب ومعلم من لايبزيغ يسمى دانيل شريبر، تبنى فكرة تشجيع شباب الحضر على العمل بالزراعة في القرن التاسع عشر. وتتميز تلك الحدائق بمساحاتها الخضراء المنمقة والبيوت الصيفية الزاهية، ونوافير المياه في بعض الأحيان.
وتنتشر تلك الحدائق عادة في مناطق غير مستحبة كقرب القطارات أو المطارات، وقد أصبحت تلك الحدائق ركنا من أركان الثقافة الألمانية.
فخلال الحربين العالميتين لعبت تلك المساحات الخضراء الصغيرة دورا هاما في توفير الغذاء، لكن مع تعافي الاقتصاد الألماني في العقود التي تلت ذلك تحولت تلك الحدائق، خصوصا في ألمانيا الغربية السابقة، لهواية يزاولها المتقاعدون من سكان المدن.
وكثيرا ما كانت تلك الحدائق مثار سخرية بسبب القواعد واللوائح التي لا تنتهي التي اقترنت بها، وأصبح أصحابها ينعتون بالبرجوازيين ضيقي الأفق المتزمتين، حتى دخل القاموس الألماني مصطلح “عقلية شريبر” نسبة لتلك الحدائق!
لكن اليوم بدأ الطلب يزيد على تلك الحدائق بين الشباب، فبحسب دراسة للمعهد الألماني للبناء والتعمير فإن نحو 95 في المئة من تلك الحدائق في البلاد، وعددها مليون حديقة، باتت مشغولة.
وينضوي أصحاب تلك الحدائق ضمن هيئة أصبح متوسط عمر أعضائها 56 عاما الآن، مقارنة بـ 61 عاما سنة 2011. وقبل عشر سنوات كان ثلث الأعضاء بين الخامسة والستين والخامسة والسبعين.
تقول بريجيتا كلاين، التي قادت الدراسة التي أعدها المعهد الألماني في هذا الصدد، إن ذلك يرجع غالبا “لتنامي الطلب من الأسر الشابة التي لديها أطفال”. فقد غدا أبناء الجيل الأصغر من مواليد الألفية الجديدة ومن تلاهم أكثر تقديرا للطبيعة، وهو ما ساعد على زوال الوصمة التي اقترنت يوما بحدائق شريبر.
وتقول كلاين في هذه الدراسة إن “تنامي الإقبال يعكس أيضا رغبة أكثر في الانخراط في جهود الحفاظ على البيئة وحمايتها ومد المساحات الخضراء والمفتوحة – خاصة بالمدن – بحيث تصبح متنفسا للراحة والاسترخاء”.
كما تتجاوز هواية رعاية تلك الحدائق حدود ألمانيا، إذ تضم عضوية الهيئة الوطنية لأصدقاء الحدائق الألمانية مزارعين هواة من 80 بلدا مختلفا.
أهمية الاستدامة
ومن بين أعضاء الهيئة تيلمان فوغلر، البالغ من العمر 30 عاما وهو مصور من غرب ألمانيا، وبول ماسكت، البالغ من العمر 32 عاما والذي يعمل مبرمجا. وهذان هما الشابان اللذان جلسا ليستمتعا بالجعة والشواء. ومنذ 2015 وهما يعملان برفقة أربعة أصدقاء آخرين في تلك الحديقة.
وتجود حديقتهم الآن بحصاد وافر من الفاكهة والخضروات، يتوسطها بيت بسيط أزرق اللون. يقول فوغلر: “بعد انتهاء عملي أتجه إلى الحديقة للعمل لساعتين، وما إن أغير حذائي إلا وأشعر أنني في عالم آخر”.
ولا يتوقف الأمر على المتعة، بل يستفيد الرجلان بالفاكهة والخضروات التي ينتجانها.
يقول فوغلر: “رغم أننا لا نعتمد بشكل كامل على تلك المنتجات – فالمحال على مقربة منا – إلا أن تناول ما تنتجه بنفسك يجعلك أكثر وعيا بمنشأ الغذاء وأكثر اطمئنانا لكونه منتجا حيويا”.
أما ماسكت فيقول إن “ما نبذله من جهد في الزراعة بالحديقة يجعلنا نقدر ما نأكله، ونعرف المواسم. لقد اعتدنا في حياتنا المعاصرة أن نجد بالمحال منتجا مثل المانغو في عز الشتاء، لكن كيف يمكن أن تجد المانغو في ألمانيا ودرجة الحرارة دون الصفر!”
وينعكس اهتمام المتسوقين بمنشأ المنتج الزراعي وكيفية إنتاجه في ما أوردته دراسة نيلسون الدولية لعام 2015 حول مسؤولية الشركات تجاه المجتمع، فقد أشارت إلى أن المستهلكين المستطلعة آراؤهم في 60 بلدا أبدوا استعدادا لدفع المزيد من أجل ضمان الاستدامة.
ووجدت الدراسة أن ذلك ينطبق بشكل خاص على جيل الألفية، فبينما أبدى 66 في المئة من المستهلكين على مستوى العالم استعدادهم لدفع أكثر مقابل سلع مستدامة، وصلت النسبة إلى 73 في المئة بين جيل الألفية.
وفي ألمانيا، حيث أكبر سوق في أوروبا للمنتجات الحيوية، وجدت دراسة أجريت عام 2019 أن 28 في المئة ممن تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين على استعداد لزيادة الأنفاق بنسبة تصل إلى 50 في المئة لشراء منتجات نافعة للبيئة.
ويعزي كلاوس مولر، رئيس الاتحاد الألماني لهيئات المستهلك، ذلك لتنامي الوعي بالتغير المناخي، ولتأثير مبادرات مثل مبادرة “فرايديز فيوتشر” التي بدأتها ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ.
يقول مولر إن الأمر “لا يتوقف فقط على المنتجات الحيوية، لكنه يمتد أيضا إلى تعبئة المنتج، إذ غدا المستهلك يسأل هل المنتج زرع بطريقة مستدامة، وما مدى ما يسفر عنه من كربون وكم من الأميال قطعها جوا حتى يصل إلى المستهلك؟”
أما خضروات فوغلر ومسكات فقد أتت من حديقتهما مباشرة دون أن تقطع أي أميال جوية، بل الأميال الجوية الوحيدة هي للطائرات التي تحلق بين الحين والآخر فوق حديقتهما القريبة من مطار تيغيل.
كما استفاد أصدقاء مسكات وفوغلر من هوايتهما، إذ يقول فوغلر: “الأصدقاء يشجعوننا، ورفاقنا بالبيت يعطوني ما تبقى من طعام لاستخدامه في التسميد، وأرد لهم الجميل بتقديم شنطة خضر طازجة، وبالتالي المكسب مشترك!”
أصدقاء جدد
كما استفاد فوغلر ومسكات بالعمل في الحديقة من الناحية المعنوية، فالزراعة تساعد على تحسين الصحة النفسية وتتيح متنفسا بعيدا عن جلبة الحياة في برلين.
يقول مسكات: “بعيدا عن الحدائق العامة، لا يوجد متنفس قريب وسط المدن، أما هذه الحديقة فتمنحنا متنفسا”.
لكن العمل على تلك الحديقة لم يكن دائما بالأمر السهل، فالحصول على تلك الحدائق والعمل بها يتطلب الالتزام بقواعد شتى تحدد الحكومة الفيدرالية الألمانية إطارها العام وتُفصّلها الأقاليم حتى أن بعضها يحدد المسافة المطلوبة بين البيت وسور الحديقة.
يقول مسكات: “اشتكى أحدهم لأن سقف بيتنا باتجاه مختلف عن باقي أسقف الشارع، كما تم تنبيهنا إلى أنه ليس مسموحا الشواء قبل الرابعة والنصف مساء”.
لكن بصفة عامة، وجد الشباب ترحابا من الجيل الأكبر من العاملين بالحدائق. ويقول فوغلر إن وجوده بالمنطقة أتاح له فرصة مخالطة جيرانه وأغلبهم من المتقاعدين ممن يسدون له النصيحة، “ومنها أنه من الأفضل زراعة الطماطم عن الفاصوليا”.
يقول فوغلر: “اعتاد جيلنا أن يقصد الإنترنت للإجابة على أي سؤال، لكن الفضل في حصولنا على التخصيص الزراعي يرجع للجيران بمطعم صغير هنا”. فقد عرف فوغلر وأصدقاؤه بوجود قطعة أرض احترقت مؤخرا، وأمكنهم بقبول تلك القطعة واستصلاحها أن يحيلوها لحديقة بدلا من انتظار دورهم في برلين والذي قد يطول ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام ضمن 12 ألف متقدم للحصول على قطعة أرض.
وختاما يقول مسكات: “نبذل كثيرا من الجهد لإنتاج المزروعات هنا، وأحيانا كدنا أن نستسلم، لكن في النهاية نحن هنا لما في الأمر من متعة”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link