حبال الكذب فعلا قصيرة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

إيسايكو: حبال الكذب فعلا قصيرة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

الإنسان المُحترم مُلفت وجذّاب و الاحترام يأسر القلوب ودائماً و أبداً يبقى الإنسان المحترم هو الأكثر قيمة ، المحترم بعقليته وذوقه ، وصدقه واحترامه لنفسه وللآخرين واحترامه للوقت .. المحترم الذي يعتذر بصدق عندما يخطئ و يستأذن قبل أن يطلب الشيء و يشكر بصدق عندما يساعده أحد ، ويبادر بالابتسامة و يحترم المساحة الشخصية للآخرين و يقدِر تقلُّباتهم النفسية، الانسان المحترم يترفع عن صغائر الأمور وليس فضولياً أبداً وواضح وصريح له وجه واحد فقط وهذه هي قمة الصدق .. ان كل معاني الإحترام تقوم على الصدق واذا سقط الصدق سقط الاحترام واذا سقط الإحترام تسقط كل العلاقة جوهريا حتى لو استمرت شكلياً.. إذن .. هناك علاقة وثيقة جداً بين الاحترام والصدق ولا يمكن أن تستمر أية علاقة مهما كان نوعها في ظل الكذب والخيانة والتلاعب بمشاعر الاخرين والعبث بعواطفهم وخداعهم وغير ذلك من مظاهر الكذب.. لقد شاركت في مؤتمر قبل سنوات عن “القيم والأخلاق الانسانية وعلاقتها في تماسك المجتمع ” وأجمع المشاركين على أن أخطر صفة هي الكذب لأنها مدخل أساسي لكل الصفات السيئة .. وهذا تصديق للحديث النبوي ان المؤمن قد يرتكب ذنوب لكن لا يكذب أبداً .. واذا كذب فإنه يكون منافق.. ولقد كان الصدق من اخلاق العرب قبل الإسلام فكان الرجل الشريف لا يكذب لأنه يعتبر الكذب دليل خوف وجبن ولا يمكن للرجل العربي الأصيل ان يكون جباناً أبداً .. وعندما جاء الإسلام تمم هذه الصفة فلا يمكن للمسلم ان يكذب او يكون جبان او يخاف من شيء إلا من الله وهذه قمة البطولة والشرف والرجولة..
إن من المؤسف اليوم شيوع الكذب في كثير من العلاقات الاجتماعية بين الاخوة والاخوات والازواج والاقارب لدرجة تشعر فيها ان للكذب رائحة قذرة تشوّش التفكير ومن المؤسف اكثر ان الناس لا يرون خطأ أفعالهم ، لأنهم محاطون بأشخاص يجعلوا تلك الأفعال عادية.. ويحللوا حرمات الله . . فعندما تكون البيئة مفعمة بالكذب والنفاق و مشوّهة فكرياً وعقائديا ، وعندما يكون المجتمع منقسم حزبيا بشكل عنصري ، تصبح الأخطاء سلوكاً مقبولاً ، وتصبح المادية أساس التعاملات وتكون المصلحة الخاصة هي الهدف من كل التصرفات ويتم تبرير التجاوزات بكل كلمات الكذب المنمقة ، وتُعاد تسمية الانحرافات السلوكية بما يحقق تلك المصلحة الخاصة…ولهذا يجب تصحيح المفاهيم عند الناس ونشر الوعي الاخلاقي والتعامل الأمين كثقافة عامة .. ولا يكفي أن تكون نقيًّا ونظيفا لوحدك لأنك ستصاب بالاحباط وستكره المجتمع وهذا ما حصل عندنا ، بل يجب أن يتربي المجتمع على السلوك الصحيح وان تحيط نفسك دائماً بمن يذكّرك بالصواب، وان تبتعد تماما عن من يُشجعك على الخطأ و لا يهدي اليك عيوبك
وإن من أخطر آثار الكذب هو الكذب بين الاخوة لأجل مصالح خاصة او لارضاء الزوجة .. حيث تأتي بعض الزوجات لتقنع زوجها ان اخوته ليسوا اخوته وأن اخواته لسن اخواته وربما تقنعه ان امه ليست امه وتغرقه في حلقات الكذب وتجعله يقاطع اهله ويقطع أرحامه حتى يخسر الجميع ثم يخسر نفسه لأن هذه النوعية من الزوجات لا يهدأ لها بال حتى تجعل زوجها يخسر أولاده وبناته ثم تفرّق بينهم لانها من الأساس بدأت حياتها في الكذب والتأليف ولا تتراجع لأن شيطانها استطاع ان يقنعها انها ليست مذنبة اصلاً .. إن الكذب أصل كل شر وان حباله قصيرة ولابد أن ينكشف الشخص الكذّاب ولو بعد حين وسيندم بلا شك لكن بعد فوات الأوان لأنه قد لا يمكن تصحيح ما زرعه الكذّاب من فتنة وشقاق .. فانتبهوا لأخلاق اولادكم منذ الطفولة واحذروا من الكذب بالذات لأنه اخطر صفة قد يتصف بها إنسان..
إن الإنسان ليس نبتة تعيش في صحراء بحيث لا تحتاج إلا لجذورها .. ولا يجب أن يعادي الجميع لأنه يكذب وينتصر لنفسه .. لقد ضخّم لنا التطور التكنولوجي والهواتف الحديثة (مفهوم الأنا ) حتى صرنا لا نرى إلا أنفسنا وضخّموا لنا مفهوم الكرامة والاستقلالية حتى صار رأس البعض أكثر قسوة من الصخر ، وجعلوا هذا الجيل يتفنن في الكذب حتى يبرر لوالديه أهمية الهاتف الذي بين يديه لدرجة ان الكثير من الناس مصاب بالتوحّد مع الهواتف دون ان يعلموا، ويكذبوا بسهولة من أجل الهواتف،
لذلك تمسكوا بأحبابكم بالصدق ، فالإنسان لا يكون قوياً إلا بقدر ما يحمل في قلبه من أحباب .. صدقوني أن جمال الحياة ليس بطولها وإنما بطعمها وروعة من يرافقك فيها بصدق دون تلاعب بمشاعر الآخرين ودون أن تتشبع المشاعر بالكذب وينصدم اي طرف في الطرف الآخر
ولا تبقى نفس المودة ولا اللهفة بين أطراف العلاقات سواء أخوة أو أزواج أو أقارب وأصدقاء فالصدق مطلوب في كل العلاقات
حتى نبني مجتمع قوي متماسك وأشخاص ذو كاريزما قوية يخدمون المجتمع بصدق ويكونوا ادوات بناء وليس ادوات هدم.
الدكتور أحمد لطفي شاهين




