أخبار عاجلةمقالات

شاشات تزرع الغضب: كيف تصنع التكنولوجيا جيلاً أكثر عنفًا؟ … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

إيسايكو: شاشات تزرع الغضب: كيف تصنع التكنولوجيا جيلاً أكثر عنفًا؟ … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

في زمنٍ أصبح فيه الضوء الأزرق رفيقًا دائمًا لأعين أبنائنا، لم تعد الشاشات وسيلة للتسلية أو المعرفة فقط، بل أصبحت بيئة كاملة تزرع في العقول والقلوب أنماطًا جديدة من السلوك والعواطف، بعضها يحمل في طياته الغضب والعنف والانفعال. فبين الألعاب القتالية، والمحتوى المحرّض، ومشاهد العنف اليومية المتدفقة عبر المنصات الرقمية، يتشكل وعي جيلٍ يعتاد العدوانية من دون أن يشعر.

لم يعد العنف اليوم مجرد سلوكٍ مادي في الشارع أو المدرسة، بل أصبح يمتد إلى الفضاء الإلكتروني، حيث الكلمات قد تجرح أكثر من اللكمات، والتهديدات تنتشر بسرعة الضوء. إن المشاهد المتكررة للعنف تضعف الحس الإنساني بالتعاطف، وتجعل المتلقي أكثر تقبّلًا للمشاهد القاسية، حتى تصبح ردود فعله الطبيعية أكثر حدّة وعصبية.

وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن التعرض المفرط لمشاهد العنف عبر التكنولوجيا يرفع من مستوى التوتر، ويؤثر في كيمياء الدماغ المسؤولة عن ضبط الانفعالات، خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين. ومع غياب التوجيه الأسري والرقابة الواعية، تتحول التكنولوجيا من أداة معرفة إلى أداة تطبيعٍ مع العدوان، تغرس في النفوس فكرة أن القوة والعنف طريق للهيمنة والتقدير.

إن مسؤولية مواجهة هذا الواقع لا تقع على الأسرة وحدها، بل تمتد إلى المدرسة والإعلام والمؤسسات التربوية، عبر نشر الوعي الرقمي وغرس قيم التواصل الإيجابي والاحترام في استخدام التكنولوجيا. فالمجتمع الذي يدرك خطورة العنف الإلكتروني يستطيع أن يزرع بدلاً من الغضب قيم التسامح وضبط النفس.

إننا اليوم بحاجة إلى تربية رقمية توازي التربية التقليدية، تربية تُعلّم أبناءنا أن التكنولوجيا ليست مكانًا لتفريغ الغضب، بل وسيلة لبناء الوعي، ونشر الرحمة، وصناعة إنسانٍ أكثر توازنًا وإنسانية.

الأستاذة نوف خليفة الدوسري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى