الإهمال التربوي قنبلة صامتة تُهدّد المجتمع … بقلم الأستاذة نوف الدوسري
إيسايكو: الإهمال التربوي قنبلة صامتة تُهدّد المجتمع … بقلم الأستاذة نوف الدوسري
تُعد الأسرة هي الركيزة الأساسية في بناء شخصية الطفل، فهي الحضن الأول الذي يمده بالحب، الرعاية، ويغرس فيه القيم والمبادئ التي يحتاجها ليصبح فرداً منتجاً في المجتمع. وعندما يتم إهمال الوالدان لمسؤوليتهما التربوية فإن النتائج تكون عندها عميقة، وخطيرة، لا تقف عند حدود الطفل وحده، بل تمتد لتصيب المجتمع بأسرة.
وفي هذا السياق تبرز نظرية التعلم الاجتماعي للعالم ألبرت باندورا، التي تؤكد أن الأطفال يكتسبون السلوكيات من خلال الملاحظة والتقليد، وأن القدوة المباشرة للأبناء تتمثل في والديهم وأفراد الأسرة. فإذا وجد الطفل في بيئته تفاعلات إيجابية قائمة على الاهتمام، والرعاية فإنه سيتعلم أساليب تواصل سوية، ويطور سلوكيات صحية. أما إذا عاش في محيط يسوده الإهمال فسيكتسب اللامسوؤلية مما ينعكس في سلوكياته السلبية مستقبلاً.
إن الطفل الذي ينشأ في بيئة يطغي عليها الإهمال يجد نفسه فاقداً للشعور بالأمان، والانتماء، الأمر الذي ينعكس على نفسيته في صورة قلق مستمر أو انخفاض في تقدير الذات، ومع مرور الوقت شيئاً فشيئاً يتطور هذا الفراغ النفسي ويتحول إلى سلوكيات مضطربة مثل العنف، العدوانية، الانطواء. كما يصبح أكثر عرضة للتأثر برفاق السوء والدخول في دائرة الانحراف بحثاً عن الاهتمام المفقود داخل أسرته.
علاوةً على ذلك لا يقف الإهمال عند الجانب النفسي والسلوكي بل يمتد الإهمال ليشمل الجانب التحصيلي أيضا، فغياب المتابعة والتوجيه من قبل الأسرة ينتج عنه فقدان الدافعية للتعلم، ويجعل الطالب أكثر عرضه للتعثر الدراسي الأمر الذي يضعف فُرصه في المستقبل ويحد من امكانياته العلمية والمهنية، ومع تراكم هذا الآثار يصبح من الصعب على الفرد بناء علاقات اجتماعية سليمة أو تحمل مسؤولياته كراشد مستقبلاً، وقد يُعيد إنتاج دائرة الإهمال التي تعرض لها مع أبنائه في المستقبل، وهو ما يتوافق مع رؤية باندورا في أن السلوكيات تنتقل عبر الملاحظة والتقليد من جيل إلى آخر.
لذلك خطورة الإهمال في تربية الأبناء تكمن في كونها لا تهدد حاضر الفرد فقط بل ترسم ملامح مستقبله، فالأبناء الذين لم يتلقوا الرعاية والاهتمام اللازم في فترة الطفولة يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع، مما يخلق جيلاً هشاً يعاني من اضطرابات نفسية واجتماعية تحد من قدرته الإنتاجية كفرد في المجتمع.
ومن هنا، علينا بالتركيز في التربية الواعية القائمة على الحوار والرعاية والاحتواء فهي ضرورة لضمان نشأة جيل يتمتع بصحة نفسية متوازنة، قادر على مواجهة التحديات الحياتية والمشاركة في نهضة الوطن.
الأستاذة نوف خليفة الدوسري