قمة المناخ: هل “تحرم” مصر بعض الحقوقيين من الذهاب إلى شرم الشيخ؟
[ad_1]
- سالي نبيل
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
لم يتبقَ سوى أقل من شهرين على حلول قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP27) التي تستضيفها مصر ممثلا عن القارة الإفريقية. ومنذ الإعلان، العام الماضي، عن استضافة مصر لهذه القمة تعالت أصوات الحقوقيين خوفا مما يصفونه بالقيود الصارمة المفروضة على مختلف أشكال حرية التعبير في مصر.
“هناك إقصاء ممنهج للمنظمات المدنية المصرية التي تتناول الملف البيئي من منظور حقوقي، فالدولة لا تريدنا أن نذهب لشرم الشيخ، فهي تبحث عن أصدقاء السلطة وليس منتقديها” هكذا يقول مصدر بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي إحدى أبرز المنظمات الحقوقية المستقلة القليلة التي لاتزال تعمل في مصر.
ويخبرنا المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المفوضية لن تستطيع أن تشارك في قمة المناخ التي ستنعقد بمنتجع شرم الشيخ الشهير المطل على البحر الأحمر، بسبب ما وصفه بغياب الشفافية في عملية تسجيل المنظمات المدنية المحلية المستقلة الراغبة في الحضور.
وقد اتضحت هذه الشكاوى في تقرير موسع صدر أخيرا عن منظمة هيومان رايتس ووتش تناول عدة صور مما وصفه بالضغوط التي تتعرض لها الجمعيات البيئية على يد السلطات المصرية. واتهمت المنظمة الحقوقية الدولة بتقييد قدرة الجماعات البيئية على العمل المستقل من خلال فرض عقوبات على التمويل والبحث، فضلا عن إجبار بعض النشطاء العاملين في مجال البيئة على الهرب إلى المنفى أو الابتعاد عن العمل البيئي.
اتهامات بالتلاعب
نقل تقرير هيومان رايتس ووتش عمن وصفهم بالمصادر المطلعة قولهم إن وزارتي الخارجية والبيئة في مصر عقدتا سلسلة من الاجتماعات المغلقة وطلبتا فيها من عدد من المنظمات المدنية المصرية المشاركة في قمة المناخ من خلال طرح قضايا “مرحب بها” من قبل السلطات المصرية.
وقالت هيومان رايتس ووتش إنها علمت من سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهي الجهة المعنية بتنظيم قمم المناخ، أنها منحت الموافقة الاستثنائية لأكثر من 30 جمعية أهلية مصرية “رشحت جميعها بواسطة الحكومة المصرية، كي تشارك في قمة شرم الشيخ، وذلك من دون المرور بالعملية المعتادة لاعتماد هذه المنظمات”.
ويوضح الباحث الرئيسي في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومان رايتس ووتش، عمرو مجدي، أن عملية تسجيل المنظمات الأهلية لدى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي UNFCCC “عملية معقدة وطويلة، فاعتماد المنظمة كمراقب يستغرق حوالي 18 شهرا”. وتحتاج منظمات المجتمع المدني للحصول على صفة مراقب كي تتمكن من حضور قمم المناخ المختلفة بشكل دوري.
ويتهم مجدي السكرتارية “بالتلاعب من أجل منح موافقة استثنائية شديدة الغموض وفقا للائحة غير معلنة للمنظمات التي رشحتها الحكومة المصرية”. ويضيف “لم يتم الإعلان عن عملية التسجيل في أي موقع الكتروني، فقد جرت بمعرفة أجهزة الحكومة المصرية”.
وفي رد على مراسلات من بي بي سي بشأن الاتهامات الواردة في تقرير هيومان رايتس ووتش، قالت سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي إن الدول المستضيفة لقمم المناخ يمكنها، عادة، أن تطلب منح موافقات استثنائية، لمرة واحدة، لبعض المنظمات المدنية. وأوضحت أن هذا الإجراء يتبع، في العادة، عندما تكون منظمات المجتمع المدني في هذا البلد غير ممثلة بشكل كاف ضمن قائمة المنظمات المدنية المعتمدة بصفة مراقب لدى السكرتارية.
أما المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد فقد قال، في تصريحات صحفية، إن تقرير هيومان رايتس ووتش يستند إلى مصادر مجهولة وجمعيات، لم تكشف عن هويتها، تدعي وجود عراقيل أمام مشاركتها في قمة المناخ.
ووصف أبوزيد التقرير بأنه مليء بالمزاعم والمعلومات غير الدقيقة، كما أنه يقدم صورة مضللة، على حد قوله، في وقت يجب أن تتضافر فيه الجهود لضمان نجاح قمة المناخ من أجل الوفاء بالتعهدات الدولية الخاصة بقضية التغير المناخي.
وقال أبوزيد إن الحكومة المصرية، عملا بقواعد الأمم المتحدة، رشحت أسماء 56 منظمة مدينة مصرية وإفريقية لحضور قمة المناخ في شرم الشيخ، من خلال الحصول على موافقة استثنائية، لأن عدد المنظمات المدنية المعتمدة بصفة مراقب، من مصر إفريقيا والشرق الأوسط، محدود، وفقا لتصريحاته.
“غياب الشفافية”
شهدت قمم المناخ الست والعشرين السابقة مشاركة واسعة من مختلف الجماعات الحقوقية دعما للعديد من قضايا حقوق الإنسان ولا يقتصر الأمر فقط على قضايا التغير المناخي.
وتتنوع هذه المشاركة ما بين حلقات نقاشية وندوات ومظاهرات حاشدة في شوارع المدينة المستضيفة للقمة، ويستغل الحقوقيون وجود قادة العالم خلال فعاليات القمة كي يوصلوا أصواتهم أملا في إحداث تغيير إيجابي على صعيد الحقوق والحريات.
ويقول المصدر الذي تحدثت إليه بي بي سي في المفوضية المصرية للحقوق والحريات إن المفوضية فوجئت بحصول بعض منظمات المجتمع المدني على موافقة استثنائية من أجل المشاركة في قمة المناخ.
ويضيف “لم نسمع بمثل هذه الإجراء في أي قمة مناخ سابقة، ولم يتم الإفصاح عن مواعيد أو آلية هذا التسجيل، وهو أمر يخالف كل مبادئ الشفافية والمصداقية التي تتبناها الأمم المتحدة.”
ويوضح المصدر أن مساحة المجتمع المدني التي ستتاح في شرم الشيخ “ستملؤها منظمات مدنية تسيطر عليها الحكومة وهو ما يؤدي لتقديم صورة غير حقيقية عن الواقع البيئي في مصر”.
ويضرب المصدر المتحدث مثالا بقوله إن هذه الجمعيات، التي حصلت على تلك الموافقة الاستثنائية، “لم تفكر مثلا في مقاضاة الحكومة التي قطعت مساحات هائلة من الأشجار في مختلف أنحاء البلاد على مدار السنوات الماضية”.
وتوالت الانتقادات للسلطات المحلية في مصر بعد القضاء على مساحات شاسعة من الحدائق والأشجار المعمرة بهدف التوسع العمراني وإقامة بعض المطاعم والمقاهي ومحطات الوقود، في حين تقول الدولة إنها تقطع تلك الأشجار من أجل إقامة مشروعات بنى تحتية لتسييل حركة المرور وتسهيل حياة الناس.
في المقابل أكدت سكرتارية الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي لبي بي سي أن المنظمات المدنية، المعتمدة لديها بصفة مراقب، يمكن أن تضم تحت مظلتها منظمات أخرى ضمن حصة التمثيل الممنوحة لها من جانب الأمم المتحدة. وتضيف أن المنظمات التي منحت صفة مراقب في قمة شرم الشيخ أعلنت بالفعل وتم تحديد حصة تمثيل واضحة لكل منظمة.
وأضافت السكرتارية أن عدد الأسماء المسجلة لحضور قمة شرم الشيخ بلغ عشرة آلاف اسم، قدمتها حوالي ألفي منظمة معتمدة بصفة مراقب. وأشارت إلى أن هذا العدد يماثل تقريبا ذلك الذي سجل في قمة غلاسغو بالمملكة المتحدة العام الماضي.
“سمعة مصر الطيبة”
وخلال زيارة لمدينة شرم الشيخ في الأيام القليلة الماضية، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن إجمالي عدد الراغبين بالمشاركة في قمة المناخ COP27 هذا العام يساوي تقريبا ضعف أعداد المشاركين في قمة المناخ خلال العامين السابقين.
وأضاف مدبولي أن هذه الأعداد الكبيرة تعكس سمعة مصر الطيبة وقدرتها على استضافة وتنظيم مثل هذه الفعاليات المهمة.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي سيرأس قمة المناخ في شرم الشيخ، أدلى بتصريح، قبل أشهر، أثار الكثير من الجدل حين قال إن السلطات ستقوم بتخصيص منطقة قريبة من مركز المؤتمرات، الذي يشهد فعاليات القمة، يمكن فيها للنشطاء أن ينظموا ما يشاءون من تظاهرات للتعبير عن رأيهم في مختلف القضايا.
وتفرض السلطات المصرية الكثير من القيود القانونية والأمنية التي تمنع المظاهرات. فمنذ صعود الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطة في عام 2014 لم تشهد الشوارع المصرية أي مظاهرات إلا فيما ندر تلتها عمليات قبض على آلاف الأشخاص بحسب جمعيات حقوقية محلية.
ويشعر عمرو مجدي بقلق بالغ إزاء تلك القيود الأمنية، ويقول إن “مصر تعيش واحدا من أسوأ العصور فيما يتعلق بالحريات العامة”.
وحول هذا التخوف قالت السكرتارية لبي بي سي إنها ستعمل مع كل منظمات المجتمع المدني باختلاف اتجاهاتها لضمان تسهيل المظاهرات في مكان انعقاد قمة المناخ بما يتماشى مع قواعد الأمم المتحدة.
“غسيل سمعة”
ويقول المصدر الذي تحدثت إليه بي بي سي في المفوضية المصرية للحقوق والحريات إن المفوضية “كانت تخطط لتقديم الدعم القانوني لأي ناشط قد يواجه أي مشكلة خلال قمة المناخ، ولكن قرار الحكومة باستبعادنا من القمة سيتسبب في حرمان النشطاء من هذا الدعم في حال تعرضوا لأي مضايقات أمنية”.
ويوضح تقرير هيومان رايتس ووتش أن السلطات المصرية تظهر قدرا كبيرا من التسامح مع الجمعيات البيئية التي تتصدى لقضايا تتسق مع الأولويات الحكومية ولا تحمل أي انتقادا للسلطة مثل تلك التي تعمل على جمع القمامة وإعادة تدويرها والطاقة المتجددة.
ويرى العديد من النشطاء الحقوقيين الذين تواصلت معهم بي بي سي أن السلطات المصرية تنظر لقمة المناخ باعتبارها فرصة لجمع التمويل الذي توفره الجهات المانحة لمواجهة قضايا التغير المناخي، ويقولون إن القمة ستتحول لما يشبه “حملة العلاقات العامة أو نافذة لغسيل السمعة وتبييض وجه السلطة المتهمة بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان”.
ويقول عمرو مجدي “لا يمكن لأي منظمة مدنية إجراء أي بحوث ميدانية تناقش الأثر البيئي للمشروعات الحكومية أو المصانع التابعة للقوات المسلحة، ولا يمكن التفاعل مع السكان الذين يعانون ضررا بيئيا من أي مشروع صناعي، وإلا قد يتعرض العاملون في تلك المنظمات للسجن”. وتمتلك القوات المسلحة المصرية العديد من المشروعات الاقتصادية المتشعبة والمرتبطة بالكثير من نواحي الحياة في البلاد.
كل هذه المخاوف قد تلقي بظلالها على قمة شرم الشيخ، فالبيانات الرسمية وحدها لن تطمئن الأصوات المنتقدة لتعامل السلطات المصرية مع المجتمع المدني، أو على الأقل، مع قطاعات منه، حيث إن الضرر الناتج عن شكاوى المنع أو الحظر غالبا ما يكون أكبر من أي انتقاد يطال سمعة الدولة التي تفسح باب المشاركة أمام الجميع.
[ad_2]
Source link