لوحات ورسوم عن العراق بعيدا عن أجواء الصراع والعنف
[ad_1]
- لميس الطالبي
- بي بي سي نيوز عربي
“الفن جزء من روحي”. هكذا تصف الفنانة الحرفية، جنان الموسوي، ذات الـ 60 عامًا ما يعنيه الفن لها. صوت جنان يتغير وعيناها تلمع عندما تتحدث عن أعمالها الفنية وهي تريني صورًا على هاتفها لبعض المعارض التي شاركت فيها.
شعور بالفخر يملؤها، وكأنها تتكلم عن إنجازات أحد أولادها وليس إنجازاتها هي. صحيح أن جنان هي أم لأربعة أولاد وجدة خمسة أحفاد، وهذا جانب من هويتها تفخر به، ولكن لم تنسَ يومًا دورها كامرأة وما الذي يمكن أن تقدمه للمجتمع.
جنان، كحال كثير من العراقيات، اضطرت إلى التعايش مع الحروب التي خاضها العراق وظروف الحصار القاهرة، لكنها تقول: “لم أجعلها تكسرني أو تقلل من عزيمتي”.
مرت بكثير من التغيرات في حياتها ما جعلها تترك الفن لفترات، وتخرجت من الثانوية العامة لتتزوج في عمر السابعة عشرة وتسافر مع زوجها إلى بولندا سنة 1980، حيث كان يدرس الدكتوراه.
لم تأت جنان من عائلة فنية، فأبوها مقاول وأمها ربة منزل، لكن كانت لديها اهتمامات بالفن.
خلال فترة إقامتها في بولندا التحقت بدورة للفنون الشعبية، ثم عادت رفقة عائلتها إلى العراق سنة 1987 وحاولت تطبيق ما تعلمته في بولندا، وبدأت العمل على السيراميك مدة ثلاث سنوات. لكن بعدها زادت مسؤولياتها كأم وبسبب حرب الخليج عام 1991، وضعت جميع المواد والقوالب التي كانت تستخدمها في صناديق ومرت السنين.
بيد أن جنان التي توقفت عن ممارسة الفن لسنوات، لم تنسه أبدًا وظل ذلك الجانب من حياتها الذي يجلب لها السعادة وكأنه ينقلها إلى عالم مختلف عن الذي تعيشه على أرض الواقع.
أخرجت صناديقها ونفضت عنها الغبار عندما كبر أولادها ولم ترد أن تعيش فراغًا يوَّلد عندها الشعور بأنها “كيان غير مفيد أو فقط للبيت ولإدارة الأمور البسيطة”.
وساعد جنان على العودة بسهولة للفن أمران: أولهما حبها للرسم، فكل شيء تراه أمامها هو لوحة، سواء كان فخارًا أو سيراميكًا أو زجاجًا .. أو حتى باب مطبخ منزلها الذي فكته ورسمت عليه.
أما العامل الثاني لرجوع جنان إلى ممارسة الفن فهو عائلتها، وبالأخص أولادها، الذين كانوا ولا يزالون أكبر الداعمين لها.
ابن جنان هو الذي أنشأ صفحة الفيسبوك الخاصة بها واختار اسم Jena’s Art أو “فن جنة” بالعربية. جنة هو الاسم الذي تناديها به عائلتها. وبالفعل الفن جنة تنتقل إليها جنان عندما تمسك بفرشاتها وتغمسها في الألوان وتدع أصابعها ترسم ما تشعر به.
“هذه الأعمال تنبع من روح الإنسان .. وكأني أعطي شيئًا من نفسي”، تعلق جنان واضح بكل قطعة تعمل عليها. فهي تقضي أكثر من أسبوعين على كل واحدة، لتظهر في النهاية بأحسن صورة ممكنة.
وشاركت الفنانة في سبعة معارض، منها بازارات لدعم الأطفال المصابين بمرض السرطان.
تركز جنان في أعمالها الفنية على إظهار تراث العراق، الذي تقول إنه لا يحظى باهتمام كاف. من أبرز رسوماتها “الشناشيل” البغدادية وهي شرفات البيوت التراثية، الكف، “السبع عيون”، بوابة عشتار، خارطة العراق، القبب والمنائر، وغيرها الكثير.
ومن أشهر الرموز العراقية التي رسمتها جنان “إستكان” أو كأس الشاي العراقي المعروف.
تضيف جنان أن من أكثر أعمالها الفنية انتشارًا وطلبًا الكف الأثري الذي أحبه كثيرون، و يشتريه عراقيون لأخذه إلى بلدان أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا.
الواقع الذي عاشه العراق من حروب وصعوبات جعل لبعض الناس نظرة سوداوية للحياة. أكثر جملتين تسمعهما جنان: “بعدك عايش بالعراق؟ ” و”المرأة مظلومة”، لكن مع ذلك، يملأ جنان التفاؤل. نعم، هي تقر بأن الظروف صعبة ولا تنكرها، لكن ترفض الاستسلام.
وتقول لنا: “كل عراقية هي بطلة ولديها قوة خارقة لتتحمل المصاعب”. الفن هو مصدر إيجابية جنان فهو يعطيها التفاؤل والإصرار ويدفعها إلى الأمام، وكان السبب في عدم دخولها في حالة كآبة، كما تقول. فتصفه بأنه أشبه بـ “علاجٍ نفسيٍ لبلد كله حروب وحصار”.
وللفن أيضًا دور روحي في حياة جنان. “الفن خلق لي عالمًا جميلًا يقربني من الله”. تشعر جنان بقربها من الله عندما تمسك وردةً وتتمعن في تفاصيلها لرسمها لتجعلها قريبة من الشكل الطبيعي.
ومن ناحية أخرى، ساعد الفن جنان على تمكينها وكسر الصورة النمطية التي تُظهر المرأة، بالأخص الشرقية، بأنها مضطهدة ومظلومة. إضافة إلى ذلك، صورة المرأة العراقية في أذهان الكثيرين من بعد حرب 2003 تأثرت سلبًا. فبالرغم من زواج جنان في عمر مبكر وعدم التحاقها بالجامعة لإكمال مشوارها الدراسي والصعاب التي واجهتها، لم يحد ذلك من مواصلة طموحها. بسبب الفن، استطاعت جنان إيجاد نفسها وخلق جانب مبدع ومنتج في المجتمع. كما أن الفن كان السبب في دعم زوجها ماديًا – رغم قلة الربح – عندما مروا بضائقة معيشية. فكانت تبيع بعض أعمالها الفنية لتساند عائلتها.
رغم إيجابية جنان وإصرارها على الاستمرار في أعمالها الحرفية، لكن بعض التعليقات السلبية كانلها أثر في نفسيتها والسبب وراء قلة شغفها وابتعادها عن الفن خلال العامين الماضيين.
لم يكن فيروس كورونا السبب الأساسي، فأكثر ما أحزنها هو التقليل من قيمة العمل الذي تصنعه. تستذكر جنان أحد المواقف التي تلقت فيها انتقادًا عند قول أحدهم: “ما هذا؟ يمكنني شراء ورد اصطناعي بسعر أرخص من هذا بكثير”. لذلك تقول جنان إن بعض الأعمال التي ترتبط بها، لا تعرضها للبيع أو تقدمها كهدايا كي لا تسمع مثل هذه التعليقات. كما أنها لا ترى في العراق بيئةً تدعم الفن.
في نظر جنان، الفنان في العراق يترك لوحده وكل الجهود شخصية، حتى إن المعارض التي شاركت فيها، كانت بشكل كبير بدعم المشاركين.
وربما كانت جنان محظوظة في قدرتها على تأمين احتياجاتها من المواد والأدوات الفنية، لكن هذا ليس حال كل الفنانين والفنانات في العراق. كما أن الطبقة المتوسطة المتذوقة للفن، أصبحت قليلةً جدًا في العراق وتأثرت ماديًا بعد الغزو الأمريكي سنة 2003. لذلك، لا تعتمد جنان كليًا على إطراءات من حولها.
“سأقتل شيئًا في داخلي إذا تركته”، مع كل العراقيل التي واجهتها جنان في رحلتها مع الفن والتعليقات السلبية، فالابتعاد عنه أمر أشبه بالمستحيل. تقول: “لا حل آخر لدي لأني أجد نفسي فيه. أفرح. أنسى الوقت. أنسى كل شيء.”
[ad_2]
Source link