روسيا وأوكرانيا: كيف أثار الغزو الروسي ذكريات “البوغروم” المؤلمة لدى اليهود الأوكرانيين؟
[ad_1]
عندما أصابت قذيفة روسية برج الإذاعة والتلفزيون الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف، على بعد مسافة قصيرة من مركز بابين يار لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، لم يؤد ذلك إلى إثارة ذكريات أليمة لدى اليهود الأوكرانيين فحسب، بل اليهود في مختلف أنحاء العالم.
ومن غير الواضح ما إذا كان الروس قد استهدفوا ذلك المركز، وعلى الأرجح كانوا مهتمين بإيقاف بث محطات تلفزيون كييف، وقد قتل 5 أشخاص في ذلك القصف.
لكن أدى قُرب موقع القصف من المكان الذي قُتل فيه نحو 34 ألفا من يهود المدينة بشكل ممنهج بنيران المدافع الرشاشة في مذبحة استمرت يومين في عام 1941 إلى إثارة ذكريات مؤلمة.
وقد أصدر مسؤولون في نصب ياد فاشيم الإسرائيلي لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة بيانا يدين الهجوم، وكذلك فعل المسؤولون في المتحف الخاص بإحياء ذكرى ضحايا المحرقة بالولايات المتحدة واللجنة اليهودية الأمريكية.
وبالنسبة للعديد من اليهود، تستحضر أوكرانيا ذكريات “البوغروم” ومعاداة السامية والتعاون مع النازي. وقد قُتل ما بين 1.2 مليون و 1.6 مليون يهودي في أوكرانيا خلال المحرقة. بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
لكن ما هي ذكريات “البوغروم”المؤلمة؟
تقول دائرة المعارف البريطانية إن كلمة بوغروم الروسية تعني “الدمار” أو “الشغب”، وارتبطت بالمذابح والهجمات الجماعية، إما بموافقة السلطات أو تغاضيها عنها، ضد أشخاص وممتلكات أقلية دينية أو عرقية أو قومية، وينطبق المصطلح عادة على الهجمات ضد اليهود في الإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وقد وقعت أولى المذابح واسعة النطاق ضد يهود الإمبراطورية الروسية عقب اغتيال القيصر ألكسندر الثاني في عام 1881. وعلى الرغم من أن القاتل لم يكن يهوديا، وأن يهوديا واحدا فقط كانت له علاقة به، إلا أن الشائعات الكاذبة أثارت حشودا روسية في أكثر من 200 مدينة وبلدة لمهاجمة اليهود وتدمير ممتلكاتهم.
وقد أصبحت المذابح تدريجيا أقل انتشارا في العقدين التاليين حتى وقعت مذبحة كبرى في كيشينيف (تشيسيناو الآن) في مولدوفا التي كانت تحكمها روسيا في أبريل/نيسان من عام 1903، فعلى مدى يومين مارست الحشود عمليات القتل والنهب والتدمير دون اعتراض من الشرطة أو الجنود.
وعندما تدخلت القوات أخيرا وتفرق الغوغاء كانت المحصلة مقتل 45 يهوديا، وإصابة حوالي 600، ونُهب 1500 منزل يهودي، ولم تتم معاقبة المسؤولين عن التحريض على الاعتداءات.
وقد باتت تلك الاعتداءات شائعة في جميع أنحاء الإمبراطورية الروسية من عام 1903 إلى عام 1906. وبعد ذلك وحتى نهاية النظام الملكي الروسي، كانت هجمات الغوغاء ضد اليهود متقطعة وأقل انتشارا.
وقد أدت تلك المذابح التي شهدتها روسيا في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى هجرة أعداد كبيرة من اليهود من الإمبراطورية الروسية إلى الولايات المتحدة بحثا عن الأمان.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الحكومة المركزية الروسية لم تنظم تلك مذابح كما كان يعتقد على نطاق واسع، لكن السياسة المعادية للسامية التي نفذتها من عام 1881 إلى عام 1917 جعلت تلك المذابح ممكنة.
فقد أدى الاضطهاد والمضايقات الرسمية لليهود إلى أن يعتقد العديد من المعادين للسامية أن عنفهم كان مشروعا، وقد تعزز إيمانهم بذلك من خلال المشاركة النشطة لعدد قليل من المسؤولين الكبار والعديد من المسؤولين الصغار في إثارة الهجمات وإحجام الحكومة عن وقف تلك المذابح أو معاقبة المسؤولين عنها.
كما حدثت مذابح في بلدان أخرى، لا سيما في بولندا وألمانيا خلال نظام هتلر.
أوكرانيا و”البوغروم”
أثناء الحرب الأهلية التي تلت قيام الثورة البلشفية في الإمبراطورية الروسية عام 1917 شهدت أوكرانيا مقتل عشرات الآلاف من اليهود من قبل كافة الأطراف المتحاربة سواء الجيش الأبيض أو الجيش الأحمر أو حتى القوميين الأوكرانيين.
وقد وقعت تلك المذابح في سياق حرب شاملة وفراغ في السلطة في عامي 1918 و1919.
فقد أُطيح بالقيصر الروسي نيكولاي الثاني في فبراير/شباط من عام 1917 وقُتل بعد عام لتتنافس العديد من الأطراف على السلطة.
وفي ظل فراغ السلطة في روسيا قامت جمهورية شعبية في أوكرانيا في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1918 حيث تعهدت بإعلان حقبة جديدة من السلام والاستقرار على أساس المبادئ الاشتراكية والوعد بالحكم الذاتي لليهود، بما في ذلك الحق في استخدام اللغة اليديشية وإدارة اليهود شؤونهم الداخلية وأن يكون هناك وزير للشؤون اليهودية، وقد رحب اليهود بذلك.
ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا، ففي غضون أشهر من تأسيسها، أُجبر قادة الدولة الأوكرانية على الدفاع عن أراضيهم ضد الفوضويين وأمراء الحرب والميليشيات المستقلة، بينما كانوا يقاتلون الجيش “الأبيض” الساعي إلى الحفاظ على روسيا الموحدة، والجيش “الأحمر” الذي يحاول إنشاء إمبراطورية بلشفية عالمية، وجيش بولندي عازم على استعادة حدود بولندا التاريخية.
وفي ظل تلك الظروف انتشرت الاتهامات والشائعات حول التعاون مع الأعداء.
وقد تم استهداف المدنيين اليهود وحدهم بالاضطهاد من قبل الجميع تقريبا حيث اعتبرهم البلاشفة قوميين برجوازيين، ووصمهم القوميون البرجوازيون بالبلاشفة، واعتبرهم الأوكرانيون عملاء لروسيا، واشتبه الروس في أنهم متعاطفون مع ألمانيا، وشكك البولنديون في ولائهم للجمهورية البولندية حديثة التأسيس.
وشهدت أوكرانيا الموجة الثانية من “البوغروم” خلال الحرب العالمية الثانية وتحديدا في عام 1941.
وكانت مدينة لفيف مسرحا لواحدة من أكثر المذابح الوحشية في الهولوكوست حيث قُتل العديد من اليهود على يد الألمان و الأوكرانيين المتعاونين معهم في صيف عام 1941.
وقد قُتل ما بين 1.2 مليون و 1.6 مليون يهودي في أوكرانيا خلال المحرقة. بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وكان من بين الضحايا عائلتي اثنين من المحامين اليهود، هما رافائيل ليمكين وهيرش لوترباخت، اللذين أرسيا الأساس لكثير من تشريعات حقوق الإنسان الحديثة.
وكان ليمكين هو الذي أدخل مفهوم “الإبادة الجماعية” في القانون الدولي.
أوكرانيا المستقلة واليهود
على الرغم من الجهود التي بذلتها السلطات السوفيتية لقمع ذكرى بابين يار، فقد عملت أوكرانيا على إحياء تلك الذكرى بشكل منتظم منذ أن أصبحت مستقلة في عام 1991، معترفة بجرائم النظام النازي والمتعاونين معه في حق اليهود وآخرين، بما في ذلك الغجر.
وهناك نصب تذكاري على شكل الشمعدان للضحايا اليهود في بابين يار أُقيم في الذكرى الخمسين لإطلاق النار الجماعي عليهم.
وفي العام الماضي، تم افتتاح مركز بابين يار لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست هناك.
وقال أندريه أومانسكي، الزميل في مركز الحضارة اليهودية بجامعة جورج تاون والذي نشأ في كييف، لصحيفة واشنطن بوست: “من المؤكد أن جيل اليوم ليس معاديا للسامية كما كان الحال أيام الاتحاد السوفيتي”.
وأضاف قائلا: “نحن نعرف الكثير عما حدث لليهود في أوكرانيا بفضل الباحثين الأوكرانيين”، مشيرا إلى أن الكثيرين منهم ليسوا من اليهود. (في عهد السوفييت، لم يكن هناك نقاش عام حول الهولوكوست بل إقرار فقط بأن مواطنين سوفييت قد قُتلوا هناك).
ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة بيو البحثية في عام 2017 أن أوكرانيا كانت الأكثر قبولا لليهود بين جميع دول أوروبا الوسطى والشرقية.
فقد قال 5 في المئة فقط من الأوكرانيين في الاستطلاع إنهم لن يقبلوا اليهود كمواطنين. وفي روسيا المجاورة كانت النسبة 14 في المئة، وفي بولندا 18 في المئة ورومانيا 22 في المئة.
كما انتخبت أوكرانيا في عام 2019 رئيسا يهوديا هو فولوديمير زيلينسكي بأغلبية كبيرة بلغت 73 في المئة من الأصوات.
وقال مارك ليفين، الرئيس التنفيذي للائتلاف الوطني لدعم يهود أوراسيا، لصحيفة واشنطن بوست إنه بعد الهجرة الجماعية لليهود من أوكرانيا في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، تمكن السكان اليهود في كل من أوكرانيا وروسيا من إعادة بناء مجتمعاتهم وتوسيعها، وإن لم تعد كبيرة كما كان الوضع من قبل.
وتشير التقديرات إلى وجود ما بين 50 ألفا و 100 ألف يهودي في أوكرانيا حاليا.
وأضاف ليفين: “في السنوات الثلاثين الماضية، كان هناك نهضة في الحياة اليهودية وبناء مؤسسات يهودية جديدة سواء كانت دينية أو ثقافية أو تعليمية أو اجتماعية”.
ويسافر اليهود الحريديون من جميع أنحاء العالم بالآلاف كل عام إلى مدينة أومان، وهي مدينة في المنطقة الوسطى من أوكرانيا، للحج حيث يُدفن بها حاخام حسيدي شهير.
وقال أومانسكي إن معظم الأوكرانيين يرون اليهود كجزء من تاريخ أوكرانيا.
بوتين والنازية
في معرض تبريره الحرب على أوكرانيا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشعب الروسي إن هدفه هو “اجتثاث النازية من أوكرانيا” لحماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بـ 8 سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية.
و يبدو أيضا أن بوتين حاول من خلال هذا السرد رواية وقائع تاريخية تعود لعام 1941، عندما احتلت ألمانيا النازية أوكرانيا، التي كانت في ذلك الوقت جزءا من الاتحاد السوفيتي حيث رحب بعض القوميين الأوكرانيين آنذاك بالمحتلين النازيين نكاية في السوفيت وتعاونوا معهم، كما حدث في بلدان أخرى.
وقد رد زيلينسكي على ذلك في كلمة نشرها موقع بوليتيكو قائلا: “أوكرانيا في أخباركم وأوكرانيا على أرض الواقع مختلفتان تماما، والفرق الأساسي بينهما هو أن دولتنا حقيقية، إنهم يخبرونكم أننا نازيون، لكن كيف يمكن لشعب فقد أكثر من 8 ملايين ضحية في المعارك ضد النازية أن يدعم النازية”.
وأضاف قائلا: “كيف يمكن أن أكون نازيا؟ اشرح الأمر لجدي الذي عاش الحرب ضمن فرقة مشاة سوفيتية وتوفي عقيدا في أوكرانيا مستقلة”.
وُلد زيلينسكي في بلدة كريفي ريه وسط أوكرانيا لأبوين يهوديين، وتخرج من جامعة كييف الوطنية للعلوم الاقتصادية التي حصل منها على شهادة في القانون.
وكانت الأحداث المضطربة التي شهدها عام 2014 مسرح صعود زيلينسكي المفاجئ في عالم السياسة، وذلك عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، بعد “احتجاجات” دامت عدة شهور.
وكان قد تم إعدام بعض أفراد عائلة زيلينسكي من قبل النازيين، بما في ذلك 3 من أعمامه.
إحياء المعاناة القديمة
في محطة القطارات الكبيرة بمدينة في مدينة لفيف الأوكرانية، التي شهدت مذابح كبيرة ضد اليهود في عام 1941، تتحرك القطارات التي تنقل الجنود شرقا للحرب حيث يجلس الشباب متجاورين على وجوههم تعابير جادة دون ضحك أو مزاح وهم يقرؤون الرسائل من الزوجات والصديقات أو يشاهدون لقطات الحرب التي تغرق وسائل التواصل الاجتماعي.
واقترب جندي بعد أن ودع زوجته من فيرغل كين مراسل بي بي سي قائلا: “كل هؤلاء النساء والأطفال، إنها مأساة..أخبر العالم وانظر ما إذا كانوا مهتمين”.
كان اللاجئون النازحين من مناطق القتال يحتشدون في ممرات مزدحمة وسلالم على أمل ركوب القطارات التي ستنقلهم إلى بر الأمان في بولندا أو المجر أو سلوفاكيا، وقد ضم هؤلاء أطيافا مختلفة من المجتمع الأوكراني ومنهم اليهود.
وتستدعي هذه المشاهد الأشباح المضطربة لماضي أوروبا حيث تمتلئ المدينة بالأشخاص الذين عانى آباؤهم أو أجدادهم من الإبادة الجماعية والاستبداد في القرن الماضي على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
ويعيش حاليا نحو 1500 يهودي في لفيف، ويُعتقد أن الكثيرين قد غادروا بالفعل بحثا عن الأمان خارج أوكرانيا.
وفي المركز اليهودي بالمدينة، يقوم متطوعون بتقديم الطعام للعائلات التي أدى الغزو إلى نزوحها، بينما يجري الأطفال وراء بعضهم البعض حيث يوفر المكان بعض الراحة لعدد قليل من الناجين في لفيف.
وهناك التقى مراسل بي بي سي بتاتيانا زابرامنايا، الناجية من الهولوكوست والبالغة من العمر 84 عاما، والتي تتذكر طفولتها في منزل ساده، بشكل غير معلن، الشعور بالصدمة.
وتقول تاتانيا:”سألت أمي عن الحرب العالمية، ماذا ومتى ولماذا، لكنها لم تستطع التحدث عنها دون أن ترتجف ودون أن تبكي وتطلب عدم تذكيرها بالحرب، لقد كان خالي وخالتي في كييف وأخبرتني أمي أنهما قتلا”.
وتعيش ابنتها في كييف مع زوجها وابنهما بالتبني. وتكافح تاتانيا لتتحدث من خلال دموعها: “من كان يظن أن يتكرر ما حدث في 22 يونيو/حزيران من عام 1941 ونتعرض للغزو مرة أخرى، لكن من روسيا؟ إنه أمر مروع”.
ولاشك أن الحربين، آنذاك والآن، مختلفتين، ولكن بالنسبة لمن هم مثل تاتيانا، الذين يعانون من جروح التاريخ العاطفية، فإن ما يجتاح أوكرانيا الآن يعيد إحياء المعاناة القديمة.
وهناك شعور بأن مشاهدة التدفق اللامتناهي للاجئين وأطفالهم سيخلق جيلا جديدا يحمل عبء الذاكرة المؤلمة.
[ad_2]
Source link