الصين وتايوان: هل يتخلى جو بايدن عن سياسة “الغموض الاستراتيجي” التي تتبناها واشنطن؟
[ad_1]
- سمية نصر
- بي بي سي نيوز عربي
وسط تصاعد حدة التوترات بين الصين وتايوان، بدت التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر صحفي في اليابان الاثنين حول استعداد بلاده للتدخل العسكري لحماية تايوان في حال تعرضها للهجوم من قبل الصين مناقضة للسياسية التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ عقود.
ورغم أن البيت الأبيض وبايدن نفسه أكدا فيما بعد أنه ليس هناك تغيير في السياسة الأمريكية تجاه تايوان، إلا أن التعليق الذي جاء على لسان بايدن في معرض رده على سؤال صحفي، شكل المرة الثانية خلال الأشهر الأخيرة التي يقول فيها الرئيس الأمريكي إن بلاده سوف تدافع عن تايوان إذا تعرضت للهجوم، ما أثار علامات استفهام حول ما إذا كانت واشنطن تعتزم الحياد عن سياستها المعروفة باسم “الغموض الاستراتيجي” في هذا الشأن.
فماذا تعني هذا السياسة؟ ولماذا يعتبرها البعض النهج الأمثل في التعاطي مع العلاقات بين واشنطن وتايبيه من جهة، وواشنطن وبكين من جهة أخرى؟ وهل حان الوقت لاستبدالها ب”وضوح استراتيجي”؟
غموض أيزينهاور
يستخدم مصطلح الغموض الاستراتيجي لوصف تعمد حكومة ما عدم الوضوح أو الضبابية في بعض جوانب سياستها الخارجية.
وقد يكون هذا النهج مفيدا إذا ما كان لحكومة البلاد أهداف خارجية أو داخلية متناقضة، أو عندما ترغب في انتهاج سياسة ردع، في حين تتفادى وقوع مواجهات في الوقت ذاته.
وقد استخدم المؤرخون المصطلح عند دراستهم الخطابات العامة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزينهاور خلال فترة حكمه التي استمرت ثماني سنوات، ولا سيما تلك التي كانت تتحدث عن العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان، وكذلك استعداده لاستخدام أسلحة نووية ضد كوريا وفيتنام.
وكان لغموض أيزينهاور المتعمد ورغبته في إلقاء الشك في عقول أعدائه وقع كبير، نظرا لسمعته كقائد عسكري لا يخشى المجازفة. ويرى مؤرخون أن قادة الدول المعادية لأمريكا في ذلك الوقت وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه لأنهم كانوا غير متأكدين مما قد يفعله الرئيس الأمريكي، وفي الوقت ذاته يدركون أن باستطاعته فعل أي شيء.
وقد استخدم الرئيس رونالد ريغان هو الآخر سلاح الشك، حيث يرى مؤرخون أن خطاباته النارية خلال الحرب الباردة، ووصفه الاتحاد السوفيتي بأنه “إمبراطورية الشر”، وإصراره على عدم التخلي عن مبادرة الدفاع الاستراتيجية المعروفة ب”حرب النجوم”، رغم انخراطه في مفاوضات حول نزع التسلح، جعلت القادة السوفييت يعتقدون أنه مستعد لخوض حرب نووية ضدهم.
ويعتبر مراقبون أنه يمكن وصف موقف الولايات المتحدة إزاء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 بالغموض الاستراتيجي تجاه أوكرانيا. فقد رفضت إدارة الرئيس أوباما الدفاع عن البلاد ضد روسيا، ولكن في الوقت ذاته، فرضت واشنطن والاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو ما زالت مستمرة إلى الآن.
الصين وتايوان
لكي نتفهم جيدا سبب انتهاج واشنطن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، ينبغي أولا التعرف على جذور التوتر بين تايوان والصين.
في عام 1949، أدت الحرب الأهلية إلى تقسيم الصين. انسحبت ما كانت تعرف بحكومة جمهورية الصين (التي كانت تدعمها واشنطن) إلى تايوان وعدة جزر أخرى أصغر، في حين هيمنت قوات الزعيم الشيوعي ماو تسيتونغ على بر الصين. في أعقاب اندلاع الحرب الكورية، تدفقت المساعدات الأمريكية على تايوان، وأبرم الجانبان معاهدة دفاع مشترك. لكن الولايات المتحدة أصرت على أن أي هجوم تشنه تايوان على بر الصين يجب أن يتم بموافقة من واشنطن، إذ لم يكن الرئيس أيزينهاور يرغب على ما يبدو في التورط في حرب أهلية أخرى.
وعمدت إدارة أيزينهاور إلى جعل صياغة المعاهدة غير واضحة بحيث لا تلزم الولايات المتحدة بحماية تلك الجزر.
ويرى كثير من المختصين أن المعاهدة نجحت في الحيلولة دون اندلاع حرب في منطقة مضيق تايوان. ولكن الولايات المتحدة قررت عام 1979 إلغاءها، إذ كان ذلك شرطا مسبقا لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع بكين. ليحل محلها بما يعرف بـ”قانون العلاقات مع تايوان” الذي مرره الكونغرس في العام نفسه ووقع عليه الرئيس جيمي كارتر.
ينص القانون على مواصلة العلاقات الاقتصادية والثقافية، وكذلك العلاقات السياسية غير الرسمية مع تايوان، وتزويد واشنطن الإقليم بالوسائل اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي، على أن يحد الرئيس والكونغرس نوعية تلك الوسائل والطريقة التي تستجيب بها الولايات المتحدة لأي تهديد يتعرض له الإقليم.
كما ينص على أن إقامة واشنطن علاقات مع جمهورية الصين الشعبية يعتمد على تفاهم متبادل مفاده أن مستقبل تايوان (انضمامها إلى الصين من عدمه) سيتم تقريره بالطرق السلمية.
إضافة إلى هذا تبنت الولايات المتحدة ما يسمى “سياسة الصين الواحدة”، وهي الاعتراف الدبلوماسي بموقف الصين المتمثل في أن هناك حكومة صينية واحدة. بموجب هذه السياسة، تعترف الولايات المتحدة بالصين وتربطها بها علاقات رسمية، في حين أنها لا تعترف بجزيرة تايوان ككيان ذي سيادة.
ويجب التفريق هنا بين “سياسة الصين الواحدة” و”مبدأ الصين الواحدة” الذي يشير إلى اعتبار بكين تايوان جزءا لا يتجزء من الصين ينبغي أن يعود إليها من جديد في يوم من الأيام.
وقد هدد الحزب الشيوعي الحاكم في الماضي باستخدام القوة ضد تايوان إذا ما أعلنت استقلالها رسميا، ولكنه تبنى موقفا دبلوماسيا أكثر لينا في الأعوام الأخيرة.
الغموض الاستراتيجي بين المعارضة والتأييد
معارضو الغموض الاستراتيجي يخشون من أن السياسة عفا عليها الزمن ولم يعد باستطاعتها ردع الصين، في ضوء تعاظم قدراتها العسكرية وما يبدو من تغلبها على ضعفها التاريخي مقابل الولايات المتحدة وتايوان. فالإنفاق العسكري الصيني ازداد بمعدل سبعة أضعاف خلال العشرين عاما الماضية وفق بعض الخبراء. وتعتبر الصين الآن الدولة الأقوى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في منطقة المحيطين الهندي والهادىء.
من هؤلاء المعارضين رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي الذي كتب الشهر الماضي أن هذه السياسة تعزز عدم الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادىء من خلال جعل الصين تستهين بجدية رغبة الولايات المتحدة في التدخل العسكري، وجعل تايوان تشعر بالقلق في الوقت ذاته.
ويضيف آبي أن المجتمع الدولي أذعن في النهاية لضم روسيا شبه جزيرة القرم، “رغم اعتداء روسيا على أراضي دولة ذات سيادة هي أوكرانيا”. ويمضي في القول بأنه بالنظر لأن غالبية دول العالم لا تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة، فإنه لن يكون مستغربا أن يعول الزعماء الصينيون على أن يكون العالم أكثر تهاونا إذا ما قاموا بضم أراض يعتبرونها جزءا من بلادهم.
أما مؤيدو السياسة فيرون أنها نجحت في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة مضيق تايوان على مدى أكثر من 40 عاما. وقد جعل هذا القانون كل الخيارات متاحة أمام واشنطن، فهي تستطيع المساعدة في الدفاع عن تايوان إذا ما أرادت، ولكن مساعدتها ليست مؤكدة أو مضمونة.
يقول البروفيسور ستيف غولدستين مدير ورشة الدراسات التايوانية بمركز فيربانك للسياسات الصينية بجامعة هارفارد إن هذه السياسة “تخلق نوعا من الرادع المزدوج، فكلا الطرفين يحجم عن تعريض الوضع الراهن للخطر من خلال التدخل المحتمل للولايات المتحدة، في حين يشعر بالاطمئنان إلى أن الطرف الآخر لن يحاول تغيير الوضع الراهن من جانب واحد. ومن ثم، فإن تايوان تحجم عن قلب الأوضاع لأنها تعلم أنها ستتلقى الدعم في حال تعرضها لهجوم غير مبرر من بر الصين، كما تحجم الصين عن تغيير الوضع الراهن خشية تدخل محتمل من قبل الولايات المتحدة”.
انعكاسات الحرب الأوكرانية
يرى خبراء أن كلا من تايوان والصين تراقب الغزو الروسي لأوكرانيا عن كثب.
وزارة الدفاع التايوانية ذكرت الشهر الماضي إن تايوان سوف تستفيد من دروس النزاع في تدريبات عسكرية تجريها هذا العام للتمرين على صد هجوم صيني.
ويقول البروفيسور غولدستين لبي بي سي عربي إن الحرب الأوكرانية “ستسرع من الانتقال إلى [التخطيط لسيناريوهات] حرب غير متكافئة كجزء من العقيدة العسكرية التايوانية”. فالمقاومة الأوكرانية للجيش الروسي الأكثر ضخامة ألقت الضوء على أهمية اللجوء إلى وسائل غير تقليدية والاعتماد على جنود الاحتياط..
كما أن الصينيين ربما سيدركون أن سيناريو حرب خاطفة تهدف إلى ضم تايوان بالقوة في غضون أيام قلائل ليس أمرا سهل التحقيق، بالنظر إلى أن روسيا أخفقت في ذلك.
وقد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول إن واشنطن هي الأخرى تراقب التطورات في أوكرانيا، التي قد تدفعها إلى إعادة النظر في غموضها الاستراتيجي تجاه تايوان. وربما كان هذا ما جعل الرئيس بايدين يصرح بأن بلاده ستتدخل عسكريا في حال غزو صيني لتايوان.
وربما كانت تصريحات الرئيس الأمريكي، وما تلاها من تأكيده وتأكيد البيت الأبيض عدم تغير السياساة الأمريكية تجاه تايوان، هي في حد ذاتها محاولة لخلق نوع من الغموض الاستراتيجي حول نية واشنطن في هذا الشأن. وربما كانت، كما يرى بعض المراقبين، رغبة من بايدين في التأكيد على أنه رغم رفض واشنطن التدخل المباشر في الحرب على أوكرانيا، فإنها تعتزم مساعدة تايوان في حال تعرضها لغزو صيني.
بسؤاله عما إذا كان يرى أن ثمة تحولا في سياسة الغموض الاسترايجي الأمريكية تجاه تايوان، يقول البروفيسور غولدستين إنه: “رسميا، ليس هناك تحول. ولكن يبدو أن واضعي الخطط العسكرية الصينيين يعملون الآن بناء على افتراض حدوث تدخل من قبل الولايات المتحدة”.
الرد الصيني على تصريحات بايدن جاء بعد ساعات فقط، وتزامن مع اختتام بايدن لجولته الآسيوية، حيث نفذت مقاتلات صينية وروسية تدريبات مشتركة بالقرب من مناطق الدفاع الجوي لليابان وكوريا الجنوبية.
ويبقى السؤال، أيهما أفضل، سياسة غموض استراتيجي أثبتت نجاحها على مدى عقود ولكن يُخشى أنها لم تعد كافية للغرض الذي الذي ابتكرت من أجله، وسياسة “وضوح استراتيجي” يقول البروفيسور غولدستين إنها “ستؤدي إلى “تصعيد خطير في التوترات في المنطقة وعلى الأرجح إلى إفساد أي علاقة مستقبلية بين الولايات المتحدة من خلال تأكيد شكوك بكين من أن هدف السياسة الأمريكية هو فصل تايوان عن بر الصين إلى الأبد”.
[ad_2]
Source link