الحوار الوطني في مصر: مناورة سياسية أم بارقة أمل للمعارضين؟
[ad_1]
- سالي نبيل
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
“ربما يُفرج عنك اليوم أو غدا، أو بعد عام. لا تدري متى قد يطلق سراحك. هذا هو أصعب ما في الحبس الاحتياطي”، هذا ما قاله الصحفي محمد صلاح، الذي ظل محبوسا احتياطيا لأكثر من عامين لبي بي سي نيوز عربي.
النيابة المصرية أخلت سبيل صلاح مع بضع عشرات من سجناء الرأي في مصر أواخر الشهر الماضي.
وكانت زوجته الناشطة السياسية البارزة، إسراء عبد الفتاح، قد سبقته في الخروج ببضعة أشهر. وألقي القبض على كل منهما على حدة في عام 2019، وظلا طوال فترة الاحتجاز من دون محاكمة، بعد أن وجهت إليهما اتهامات عادة ما تطال المعارضين في مصر، مثل نشر أخبار كاذبة، والانتماء لجماعة محظورة.
وتزامن الإفراج عن صلاح ورفاقه من السجناء السياسيين مع دعوة أطلقها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي مؤخرا لإجراء حوار وطني شامل مع المعارضة. وقد جاءت دعوة الرئيس في حضور عدد من رموز المعارضة المدنية، خلال حفل إفطار “الأسرة المصرية”.
الحياة خلف القضبان
يحاول الزوجان أن يبدآ حياتهما من جديد، وتقول إسراء: “قررنا أن تكون لحظة الخروج من السجن هي لحظة النسيان، وأن نعمل على تعويض كل ما ضاع من حياتنا أثناء الاحتجاز”.
لكن للحياة خلف جدران السجون بصمة من الصعب أن تمحى.
تخبرني إسراء، وهي من أشهر وجوه ثورة الخامس والعشرين من يناير، أنه لم يعد من السهل عليها أن تجلس خلف مقود السيارة لأن القبض عليها تم أثناء قيادتها للسيارة.
وتقول: “لا يزال لدي خوف من انقطاع الكهرباء مثلا، لأن ذلك يذكرني باللحظات التي كنت فيها معصوبة العينين لأيام، ولا أستطيع أن أرى شيئا”.
وتضيف أن الحياة داخل السجن يمكن تلخيصها في كلمة واحدة، وهي الحرمان. “الحرمان من أن ألتقي زوجي من دون رقيب. الحرمان حتى من الألوان لأننا لا نرى إلا لونا واحدا، وهو الأبيض (لون ملابس السجناء).”
تتحدث منظمات حقوقية محلية ودولية منذ سنوات عن وجود عشرات الآلاف من سجناء الرأي في مصر، سواء أكانوا إسلاميين أم ليبراليين. وتندد تلك المنظمات بإبقاء بعض هؤلاء المحتجزين لعامين أو أكثر قيد الحبس الاحتياطي من دون محاكمة. في المقابل، ترفض الدولة هذه التقديرات وتعتبرها مبالغا فيها وتؤكد على نزاهة القضاء واستقلاليته.
“هل سنموت هنا؟”
يؤكد كل من تحدثنا إليهم من نشطاء وحقوقيين على ضرورة أن تفرج السلطات عن كل سجناء الرأي بلا استثناء إذا أرادت حقا أن تبرهن على جديتها في إجراء حوار سياسي موسع يحدث انفراجة في الحياة العامة، ويحرك مياه السياسة الساكنة في مصر منذ سنوات.
ويقول الحقوقي محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن الإفراج عن هؤلاء السجناء “سيطفئ نار آلاف العائلات في مختلف أنحاء مصر. ويثبت للجميع أن ممارسة العمل السياسي لم تعد أمرا محرما نخاطر بحياتنا من أجله.” ويضيف أن الإفراج عن بعض السجناء السياسيين في الآونة الأخيرة أمر طيب لكنه ليس كافيا.
ويتذكر محمد صلاح أن إحدى أصعب لحظاته داخل السجن كانت عند وفاة المخرج الشاب شادي حبش، في عام 2020، والذي كان نزيل زنزانة قريبة منه.
يقول صلاح: “شاهدناه وهو محمولا إلى المستشفى، وسمعنا حشرجة في صوته. ذهب ولم يعد. شعرت حينها أنه من الممكن أن نموت هنا”.
حبس شادي احتياطيا بعد أن أخرج أغنية سخرت من الرئيس المصري. وأثارت وفاته جدلا واسعا، بين اتهامات لسلطات السجن بالإهمال الطبي الجسيم ونفي رسمي قاطع.
“نريد براهين”
يؤيد محمد وإسراء فكرة الجلوس إلى طاولة حوار مع السلطات، علها تحقق مكاسب تدريجية على صعيد الحقوق والحريات.
وتقول إسراء: “سألت نفسي ما البديل عن الحوار؟ لم أجد أي إجابة. هذا هو خيارنا الوحيد”.
من ناحية أخرى، يقول الحقوقي، محمد لطفي، إن وضع الحريات العامة في مصر كان قد بلغ درجة من السوء تجعل من أي حراك بادرة طيبة، وتمنح ولو بصيصا من الأمل، “لكننا لا نزال نغرق في قمع شديد. لا نزال تحت الأرض أو تحت سطح الماء، ونحتاج لمزيد من الإجراءات السريعة” لتبرهن الدولة على أنها عازمة على تغيير الوضع الراهن.
ويعاني كثير من أبناء المجتمع الحقوقي في مصر، منذ سنوات، من المنع من السفر وتجميد الأموال فضلا عن عدم القدرة على العمل الميداني. وحجبت السلطات المصرية المئات من المواقع الإلكترونية، منها الإخباري والحقوقي، بدعوى ترويج تلك المواقع لأفكار تهدد الأمن القومي.
ويتساءل لطفي: “كيف يمكننا أن نجلس للحوار والدولة تتبع معنا سياسة لي الذراع؟”.
“مناورة سياسية”
لا تزال كثير من التفاصيل الخاصة بتفعيل الحوار السياسي غير معلومة. فلم يعلن بعد عن جدول زمني ولا مكان لعقد الاجتماعات، ولا حتى آلية لإجراء النقاشات أو الأطراف المشاركة على وجه الدقة.
لكن هناك من يرفض فكرة الحوار جملة وتفصيلا ويعتبرها “مناورة سياسية” تهدف إلى تخفيف حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي التي تعيشها مصر ولتهدئة الانتقادات الغربية المستمرة لملف حقوق الإنسان في مصر.
وتمر مصر بأزمة اقتصادية طاحنة تفاقمت عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ارتفعت نسب التضخم وقفز حجم الديون الخارجية لمعدلات قياسية. وبات المصريون يئنون بسبب غلاء أسعار كل السلع تقريبا.
يقول الصحفي المصري حسن البنا، المقيم حاليا خارج البلاد، إن كثيرا من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية المفترض أن تشارك في الحوار، لا يزال بعض أعضائها في السجون. “لا أدري على ماذا سيتفاوضون؟”.
ويوضح البنا أن حق السجناء في الحرية ما هو إلا أمر مسلم به يجب أن يتحقق من دون حوار.
ويضيف: “إذا كانت الدولة تريد الإفراج عن سجناء الرأي في مقابل فرض بعض الشروط على المعارضة، فهذا ابتزاز وليس حوارا”.
العفو الرئاسي
في المقابل، يرى طارق الخولي، عضو البرلمان وأحد أعضاء لجنة العفو الرئاسي، في حديثه لبي بي سي، أن وضع اشتراطات مسبقة للحوار من جانب بعض المعارضين “سيؤدي إلى فشل الحوار حتى قبل أن يبدأ، فالأصل في الحوار أن نجلس سويا لنناقش المشكلات”.
الخولي هو أيضا عضو في لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تفعيلها مؤخرا والمكلفة بالنظر في ملف سجناء الرأي، إذ ستعمل اللجنة على إعداد قوائم بأسماء المحبوسين الذين قد يطلق سراحهم عن طريق عفو رئاسي.
“ليس لعمل اللجنة سقف زمني واضح لكننا نحاول أن نغلق ملف سجناء الرأي في أسرع وقت ممكن”.
ويرى الخولي أن إعادة تفعيل اللجنة هو أحد الأدلة على اهتمام السلطات بإنجاح الحوار.
ويضيف: “لم يكن هناك شيء يجبر الرئيس على الدعوة للحوار. فالدعوة في حد ذاتها هي التزام أدبي من جانب الرئيس بالحوار ونتائجه”.
ويوضح الخولي أن اللجنة تبحث من وجهة نظر سياسية عن قضايا جنائية، مضيفا: “لا يوجد في القانون ما يسمى بقضايا سياسية. فكل المحبوسين خالفوا القانون، وارتكبوا مخالفات”.
“ما قيمة حياتي؟”
لكن بالتأكيد هناك من سيختلف جذريا مع رأي الخولي في مسألة السجناء السياسيين. فقد اضطر حسن البنا للرحيل عن مصر بعد أن قضى نحو عامين في الحبس الاحتياطي بناء على اتهامات يصفها حقوقيون بأنها مطاطة ومنها نشر أخبار كاذبة.
يخبرني أنه قد ألقي القبض عليه برفقة صديق صحفي آخر وهما في طريقهما إلى مقر العمل في عام 2018.
ويقول البنا: “لم أعد أشعر أن مصر مكان آمن. فالقبض علي جرى بشكل عشوائي. ما الضامن ألا يتكرر؟”
ويقول إنه لن يعود إلى مصر إلا بعد أن يتيقن أن السلطات المصرية باتت تؤمن بأن الحرية حق للمصريين. “حتى الآن، لا تؤمن السلطات بأن الحرية هي حق من حقوقنا. فبعد أن زج بي في السجن بلا سبب، أصبحت أسأل نفسي: ما قيمة حياتي؟”
أين موقع الإسلاميين؟
ويقول حسن البنا إنه كان يبذل كثيرا من الجهد لإقناع رجال الأمن في مصر بأنه لا ينتمي، على الإطلاق، لأي تيار إسلامي، والسبب وراء ذلك أن اسمه هو نفس اسم مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ويقول: “سألني رجال الأمن عدة مرات عن اسمي. فكان الاسم دائما ما يثير الريبة والشكوك في نفوسهم”.
ولم يأت ذكر الإسلاميين مطلقا، حتى الآن، في أي حراك سياسي تشهده مصر حاليا. فلم تشمل قوائم العفو عن السجناء أي اسم ينتمي للتيار الإسلامي، ولم يتم الحديث عنهم كشريك محتمل في الحوار السياسي المزمع عقده.
ويقول طارق الخولي: “الإخوان المسلمون ليسوا جزءا من نسيج الشعب المصري. فقد حملوا السلاح ضد المصريين وروعوهم”. لكن جماعة الإخوان المسلمين وصلت إلى الحكم عام 2012 عندما تولى الرئيس السابق محمد مرسي إدارة مصر. لكن سرعان ما أزاحها الجيش عن السلطة بعد عام واحد مدعوما بمظاهرات شعبية ضد حكمه. وبات أغلب أعضائها الآن إما سجناء أو فارين خارج البلاد.
ما بين الشك والأمل
لا أحد يعلم، على وجه الدقة، إن كانت دعوة الحوار ستخلق الهامش المنشود من الحرية. فالدعوة، التي لم تتحقق بعد، لا تزال تثير شكوكا في نفوس البعض، وتفتح ولو نافذة صغيرة من الأمل في نفوس بعضهم الآخر.
ويجمع كل من تحدثنا إليهم على أن المضي قدما يحتاج لإصلاح أزمة الثقة العميقة بين صناع القرار والمعارضة، وهو ما قد يمهد الطريق، في النهاية، أمام عودة الكثير من أمثال حسن البنا الذين آثروا الحياة في المنفى الاختياري خوفا من احتمال العودة للسجن في أي لحظة.
ويقول البنا “أفتقد مصر كلها، فأنا لا أنتمي للمكان الذي أنا فيه. حياتي كلها في مصر”.
[ad_2]
Source link