علم النفس: ما هي قصة “غرفة العقل” التي ساهمت في إنجازات نادي ميلان؟
[ad_1]
- جون نصوري
- بي بي سي سبورت
كانت أسماء مثل فرانكو باريزي، وروبرتو دونادوني، وروبرتو باجيو تعد مرادفا لسنوات مجد نادي ميلان في كرة القدم الأوروبية.
كما حُفرت هذه الأسماء في ذاكرة جميع مشجعي كرة القدم الإيطاليين الذين شاهدوا منتخب بلادهم وهو يخسر بركلات الترجيح في كأس العالم عامي 1990 و1994.
وتحدث اللاعبون الثلاثة عن الصدمة التي شعروا بها بعد إهدارهم ركلات الترجيح. ولجأ الثلاثة إلى “غرفة العقل”، التي تُعد أول مختبر نفسي في كرة القدم الإيطالية، للتغلب على تداعيات ما حدث.
دور برلسكوني
وحظيت “غرفة العقل” بدعم من سيلفيو برلسكوني وإشادة من المديرين الفنيين المتعاقبين لنادي ميلان، بدءا من أريغو ساكي وصولا إلى كارلو أنشيلوتي، وساعدت في دعم مسيرة نجاح غير مسبوقة فاز خلالها الروسونيري بـ 21 بطولة كبرى على مدار 23 عاما منذ إطلاق هذه الغرفة في عام 1986.
ومن خلال الجمع بين تخفيف التوتر والتدريب المعرفي وعلم الأعصاب، كان لهذا المختبر تأثير ملموس في أماكن بعيدة مثل نادي تشيلسي، حيث أنشأ مؤسس هذه الغرفة مختبرا مماثلا في النادي الإنجليزي في عام 2009.
لقد حدث الكثير من التطورات منذ أن وُضعت خطة بناء هذه الغرفة، في اجتماع بين بيرلسكوني، الذي كان على وشك أن يصبح رئيسا للوزراء في إيطاليا، وبطل هاوٍ للكاراتيه.
كان الدكتور برونو ديميكيليس طالبا في فنون الدفاع عن النفس منذ أن كان مراهقا صغيرا. وفي عام 1971، عندما كان يبلغ من العمر 24 عاما، هُزم في مسابقة دولية للكاراتيه أمام خصم ياباني أقل شهرة. وجد ديميكيليس صعوبة كبيرة في التغلب على آثار الهزيمة وعاد إلى إيطاليا بحثا عن إجابات لما حدث.
وفي حديثه لبرنامج علم نفس كرة القدم في ديسمبر/كانون الأول 2020 تذكر ديميكيليس ما حدث آنذاك قائلا: “لم تكن مشكلة تقنية أو مشكلة جسدية، فقد كنت لائقا جدا وأتدرب بشكل جيد للغاية. وفي النهاية، قال لي أحد أصدقائي: هل هي مشكلة ذهنية؟”
وأضاف: “أدركت أنني تدربت مع يابانيين لفترة طويلة لدرجة أنهم لم يعودوا مجرد مدربين أو أساتذة بالنسبة لي، بل تحولوا إلى أبطال بالنسبة لي. ومن الناحية النفسية، لا يمكنك هزيمة من تنظر إليهم على أنهم أبطالك. لقد كان ذلك تدميرا للذات”.
أثارت تساؤولات ديميكيليس اهتماما لديه بعلم النفس، وحصل في نهاية المطاف على درجة الدكتوراه في هذا الموضوع ووجد عملاً كمستشار لمجموعة “فينينفيست” الإعلامية المملوكة لبرلسكوني.
وفي فبراير/شباط 1986 اشترى برلسكوني نادي إيه سي ميلان. شعر ديميكيليس أن الفرصة سانحة لتطبيق أفكاره، ورتب لقاء مع مالك النادي الجديد. ودارت مناقشة بين الرجلين أدت إلى تغيير حياة ديميكيليس تماما.
كان خطاب ديميكيليس واضحا ومباشرا، حيث قال لبرلسكوني: “لقد رأيت فوائد الدعم النفسي في عالم التجارة والأعمال، والآن ماذا عن تطبيق ذلك في كرة القدم؟” وكان رد برلسكوني مباشرا بنفس القدر.
يقول ديميكيليس، البالغ من العمر 74 عاما الآن: “سألني المالك عما إذا كنت من مشجعي ميلان. قلت له لا. أتذكر أنه تراجع قليلاً إلى الخلف واعتقدت أنه رفض الفكرة نتيجة لذلك. ثم سألني عما إذا كنت من مشجعي إنتر ميلان، فقلت له لا، فعاد قليلاً إلى الوراء. وقبل أن يطرح علي السؤال الثالث، قلت له إنني لا أشجع أي فريق!”
وبعد اجتماع استمر ساعتين ونصف، تم تعيين ديميكيليس كمنسق علمي لميلان، وهو الأمر الذي جعله عالم النفس الوحيد في الدوري الإيطالي الممتاز آنذاك.
تأسيس غرفة العقل
وبعد البداية الناجحة في النادي والتي جعلته يحظى بدعم المدير الفني للفريق آنذاك أريغو ساكي، أصبح الطلب على خدمات ديميكيليس مرتفعا. استغل ديميكيليس هذه الفرصة، وأنشأ مختبرا متخصصا في علم النفس في ميلانيلو، وهو ملعب التدريب بالنادي. ومن هنا، خرجت “غرفة العقل” إلى النور.
كان الهدف من هذه الغرفة مزدوجا. أولا، سمحت لديميكيليس بإدارة جلسات جماعية، وهو ما أشبع شهية فريق ميلان المتزايدة للدعم النفسي. ثانيا، أتاحت له الفرصة للإجابة على سؤال كان يسعى ديميكيليس دائما للوصول إلى إجابة له: كيف تحاول تحديد النمو النفسي للاعب ودعمه علميا، وربط ذلك بالأداء داخل الملعب؟
كانت “غرفة العقل” بمثابة ملاذ جزئي، أو ملعب تدريب على تحسين الجوانب الذهنية. وكان يتم جمع مجموعات تصل إلى ثمانية لاعبين من لاعبي الفريق الأول – يجلسون على أحدث الكراسي التي تصل فيها الجاذبية الأرضية إلى صفر – بمعدات تشمل أجهزة مصممة لاكتشاف وتسجيل التغيرات في الخصائص الفسيولوجية، والتي تُستخدم لمراقبة مؤشرات مثل ضغط الدم ومعدلات التنفس. وكان هناك حاجز زجاجي يفصل بين اللاعبين وديميكيليس المجتهد، الذي كان يبحث عن علامات فسيولوجية للحالة الذهنية للاعب (أو ما أسماه “بيانات موضوعية في “المنطقة الذهنية”).
على سبيل المثال، إذا قال أحد اللاعبين إنه شعر بالضيق أو يفتقر إلى الثقة بسبب إجهاد عضلي، فسيقوم ديميكيليس بإجراء اختبار لقياس النشاط الكهربائي للعضلات.
لقد مكنته هذه القراءات من تحديد ظروف مثل “ضيق” ما بعد المباريات، واتخاذ إجراءات علاجية مناسبة، بما في ذلك تدريبات دقيقة على التنفس. ومن خلال القيام بذلك، لم تكن “غرفة العقل” تساعد فقط على التعافي الجسدي وتحسين الأداء، لكنها كانت تدعم أيضا تطوير الخصائص النفسية مثل الثقة بالنفس.
واستخدم ديميكيليس أيضا نتائج من اختبارات غرفة العقل لابتكار تمارين تدريبية معرفية، بما في ذلك استخدام أجهزة مثل الأقطاب الكهربائية، والتي عند وضعها على فروة رأس الشخص، يمكنها مراقبة النشاط الكهربائي للدماغ. ومن خلال رؤية كيف تتصرف الخلايا العصبية للفرد، يصبح من الممكن التركيز على تقوية نقاط الاشتباك العصبي المرتبطة بمهارات مثل حل المشكلات.
وقد صُمم هذا النوع من العلاج لمساعدة اللاعبين على إعادة تشكيل “الحديث الداخلي” السلبي الذي يمكن أن يؤثر عليهم في المواقف عالية الضغوط. وكان باريزي وباجيو ودونادوني من بين الذين عولجوا بهذه الطريقة.
يقول ديميكيليس: “قال لي أحدهم: لقد وضعت الكرة على نقطة الجزاء ثم عدت ثلاث أو أربع خطوات للوراء، ثم خطر في بالي فكرة صغيرة: ماذا لو أهدرت ركلة الترجيح؟”
ويضيف ديميكيليس: “وقال هذا اللاعب: لقد تأثرت بذلك، وبدأت أنظر إلى الكرة وكأنها نمر. ثم نظرت إلى المدير الفني وكأنه نمر آخر، ثم نظرت إلى اللاعبين وزملائي في الفريق وكأنهم 21 نمرا يترقبون، ثم فكرت في الأشخاص الذين يشاهدون المباراة عبر شاشات التليفزيون في المنازل. وفي لحظة ما، كان هناك أربعة مليارات من النمور ينظرون إلي. كنت أرتجف وشعرت بالارتباك، وشعرت بالرغبة في البكاء تقريبا”.
وبالإضافة إلى تخفيف التوتر والتدريب المعرفي، ركزت “غرفة العقل” أيضا على تحسين سرعة رد الفعل لدى اللاعبين باستخدام اختبارات وقت الاستجابة. وجرى تزويد المشاركين بزرين وزوج من المصابيح، وطُلب منهم الضغط على الزر الأيسر إذا أضاء المصباح الأيمن، والعكس. كما استخدمت الأسهم الوامضة – التي تشير غالبا في الاتجاه المعاكس للضوء الذي يكون قيد التشغيل – لإضافة درجة أكبر من الصعوبة إلى الاختبار.
وعلى الرغم من أن الفكرة تبدو بسيطة، إلا أن تقليل الوقت الذي يستغرقه اللاعبون للرد على المواقف المتغيرة بسرعة على أرض الملعب – حتى ولو ببضع أعشار من الثانية – كان يُنظر إليه على أنه طريقة أخرى يمكن من خلالها لميلان أن يطيل المسيرة الكروية للاعبين بارزين مثل أليساندرو كوستاكورتا وباولو مالديني، اللذين لعبا حتى سن الواحدة والأربعين.
يقول ديميكيليس: “لا يمكنك تدريب لاعبين يبلغون من العمر 37 عاما ليصبحوا أسرع من الناحية البدنية، لكن يمكنك تدريبهم ليصبحوا أسرع في تحليل المواقف”.
ويضيف: “إذا تمكنوا من معالجة البيانات بسرعة أكبر، فيمكنهم اتخاذ قرارات أسرع. ولهذا السبب تمكنا من الحفاظ على استمرار اللاعبين لفترات أطول”.
الاستاذ سيدورف وتطوير الذات
وكان كلارنس سيدورف يجسد هذه الروح تماما. وكان سيدورف، الذي كان يلقبه زملاؤه في الفريق بـ “الأستاذ”، يزور بانتظام غرفة العقل، التي كانت تعتبر “محطة” نفسية ضمن “دائرة” بدنية وذهنية أوسع، تعرف باسم مختبر ميلان. لقد أدى تفاني اللاعب الهولندي في تطوير الذات إلى نتائج رائعة بأكثر من طريقة.
يوضح ديميكيليس ذلك قائلا: “قال له المدير العام لمختبر ميلان: يا إلهي، أنت تبلغ من العمر 31 عاما، لكنك من حيث اللياقة البدنية تبلغ 26 عاما! عمرك البيولوجي أصغر من عمرك الحقيقي بكثير”.
ويضيف: “طلب منه سيدورف أن يمنحه شهادة مكتوبة بذلك! ذهب سيدورف إلى المدير التنفيذي وقال له: استمع إلى ما يقوله مختبرك عني. أنا أبلغ من العمر 26 عاما من الناحية البيولوجية، لذا مدد عقدي لمدة أربع سنوات أخرى!” ويتابع ديميكيليس: “وقد فعل النادي ذلك بالفعل”.
وربما تم مساعدة سيدورف على التغلب على التقدم في العمر من خلال الفحوصات الصحية اليومية التي كان يجريها ديميكيليس لمدة ست دقائق، كجزء من دوره كمنسق علمي للنادي. ومن خلال الجمع بين بيانات نظام تحديد المواقع العالمي والقياسات الفسيولوجية مثل تقلبات معدل ضربات القلب، كانت هذه الفحوصات تُستخدم لتطوير نظام “تسجيل المخاطر”. ومن خلال مراقبة التغييرات التي تطرأ على مجموع نقاط اللاعب مقابل خط الأساس، كان ديميكيليس قادرا على التنبؤ باحتمالات الإصابة وتقديم العلاج بشكل استباقي.
على سبيل المثال، سيؤدي انخفاض نقاط اللاعب بنسبة 10 في المئة إلى ظهور علم أصفر، وسيؤدي الانخفاض بنسبة 20 في المئة إلى ظهور علم برتقالي، في حين سيؤدي الانخفاض بنسبة 30 في المئة إلى ظهور علم أحمر، وهو ما يشير إلى ضرورة الحصول على علاج وقائي في غرفة العقل.
ووفقا لديميكيليس، فإن الأساليب التي ساعد في تقديمها ساهمت في تقليل إصابات الأنسجة الرخوة بين لاعبي ميلان بنسبة 91 في المئة خلال فترة وجوده في النادي. إنها إحصائية مذهلة تم التوصل إليها بشكل جزئي بفضل الدعم الذي تلقته غرفة العقل من مجلس الإدارة والطاقم الفني.
يقول ديميكيليس: “كان اللاعبون في صفي لأن النادي بأكمله كان يقف إلى جانبنا. وكان المدير الفني في صفنا لأنه كان يؤمن بفلسفتنا. في ذلك الوقت، قال المدير الفني للاعبين إنهم لا يلعبون كرة القدم بأقدامهم، بل يلعبونها بعقولهم. إنه رصيد كبير بالنسبة لطبيب النفس الرياضي”.
نهاية غرفة العقل
لكن رحيل أنشيلوتي وديميكيليس في عام 2009 أنهى بشكل فعال الاعتماد على “غرفة العقل” في ميلانيلو، لكن الثنائي الإيطالي أسس قاعدة مماثلة في ملعب “ستامفورد بريدج” بعد الانتقال إلى تشيلسي.
وكان بيتر تشيك من بين عدد من اللاعبين الذين انتهزوا فرصة الاستفادة من الأساليب التي استخدمها ديميكيليس في ميلان، والتي وصفها أستاذ علم النفس مارك جونز بأنها مبتكرة حقًا.
يقول جونز، الذي عمل مع عدد من أندية كرة القدم: “كانت غرفة العقل تفتح آفاقا جديدة من حيث اندماجها في بيئة التدريب”.
ويقول جونز إن جون سير وكريس كونولي – اللذين قدما الدعم النفسي للاعبي توتنهام في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي – كانا يقومان بعمل مشابه لما يقوم به ديميكيليس، لكن يتعين علينا أن ننظر إلى الوراء وبالتحديد إلى عام 1958 وعالم النفس البرازيلي جواو كارفالهايس الفائز بكأس العالم لكي نعرف أن هناك مثالا آخر رائعا للمختبر المتخصص في التدريب على المهارات المعرفية.
وفي حين أن البطولات الكثيرة التي حققها ميلان تعكس التأثير الكبير لغرفة العقل، فإن الشهادة العامة للمديرين الفنيين الذين دعموا أفكار ديميكيليس تعكس أيضا الدور الكبير لهذه الغرفة. ففي كتابه “الخالدون”، عبر أريغو ساكي عن تقديره الكبير لهذا المختبر لدرجة أنه وصف ديميكيليس بأنه “عالم النفس الذي كنت أحتاج إليه أكثر من اللاعبين”. في غضون ذلك، تحدث أنشيلوتي عن “القيمة” التي أضافها ديميكيليس إلى تشيلسي “من خلال تجربته مع مختبر ميلان”.
كما كان هناك تقدير كبير من جانب اللاعبين الذين عمل معهم ديميكيليس. ففي عام 2014، وبعد تعيينه كمدير فني لميلان، استعان سيدورف بديميكيليس وأعاده مرة أخرى للعمل في ملعب “سان سيرو”.
لكن هذه التجربة لم تستمر طويلا، إذ انتهت ولاية سيدورف التدريبية بعد أربعة أشهر فقط، لكن غرفة العقل حققت إرثا راسخا طويل الأمد. لقد كانت هذه الغرفة بمثابة تجسيد للابتكار الذي ميز طريقة عمل ميلان داخل وخارج الملعب خلال التسعينيات من القرن الماضي، وبالتالي فإن جذور نجاحها تكمن في فرضية قديمة بقدر ما كانت تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
يقول ديميكيليس: “لقد طورنا المهارات التي تم تحديدها جيدا: التعافي، والانتباه، والقدرة على التحمل، والسرعة في تحليل المواقف واتخاذ القرارات. الفرق هو أن لاعبينا كانوا قادرين على استخدام هذه المهارات تحت الضغط”.
ويضيف: “كلاعب، أنت بحاجة إلى امتلاك هذه القدرة إذا كنت ستسدد ركلة جزاء في نهائي كأس العالم”.
[ad_2]
Source link