الانتخابات الفرنسية: لماذا ينتاب القلق فرنسيين من أصول شمال أفريقية رغم خسارة اليمين المتشدد؟
[ad_1]
- بسام بونني
- مراسل بي بي سي لشؤون شمال أفريقيا
لم تكد 24 ساعة تمضي على طيّ صفحة انتخابات الرئاسة الفرنسية التي شهدت فوز إيمانويل ماكرون بولاية ثانية، حتّى انطلقت التعليقات والتحاليل القلقة من صعود اليمين المتطرّف وتداعياته على الفرنسيين من أصول شمال إفريقية.
وقال ناخبون فرنسيون، يحملون جنسيات تونسية وجزائرية ومغربية، لبي بي سي إنهم صوّتوا ورفاقهم لصالح ماكرون، معترفين بأنّ الأمر كان “اضطرارا” لما يُشبه “التصويت المفيد”، بينما وضع آخرون بطاقة بيضاء في صندوق الاقتراع، بعد فشل مرشّحهم اليساري، جان لوك ميلنشون، في بلوغ جولة الإعادة.
وشكّلت معظم القوى السياسية في البلاد ما سمّي بـ”السدّ المنيع” للحيلولة دون وصول مرشّحة أقصى اليمين، مارين لوبان، إلى قصر الإليزيه، في توجّه، كان الخوف من زلزال سيؤديّ إلى تغيير راديكالي في السياسة الداخلية والخارجية الفرنسية، محرّكه الرئيسي.
النصر الحقيقي للو بان
وحصل ماكرون على أكثر من 58 في المئة من الأصوات، أي ما يُعادل نحو 19 مليون ناخب، مقابل 41.5 في المئة، وأكثر من 13 مليون صوت للو بان.
وعرفت فرنسا السيناريو ذاته، المتمثل في تنافس ماكرون ولو بان في الجولة الثانية من الاقتراع، خلال انتخابات الرئاسة السابقة، عام 2017. لكنّ الأرقام تغيّرت بشكل لافت، إذ حصل ماكرون، حينها، على 66 في المئة من الأصوات بأكثر من 20 مليون صوت، مقابل 33 في المئة، أي حوالي 10.6 مليون صوت للو بان.
وقال مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس، سلام الكواكبي، لبي بي سي إنّ “هزيمة لو بان في الانتخابات واضحة”، مستدركا أنّها مع ذلك “لم تُهزم في الشارع، إذ حصدت أعلى نسبة حصل عليها اليمين المتطرّف في تاريخ مشاركاته بانتخابات الرئاسة الفرنسية”.
ومثّل قبول قطاع واسع من الفرنسيين بلو بان كمرشّح مقبول لأقصى اليمين، الفوز الأهمّ لها، بعد سنوات من شيطنة التيّار برمّته، الذي ورثته عن والدها جان ماري، مؤسس الجبهة الوطنية، بعد أن طردته من الحزب، عام 2015، وغيّرت اسمه إلى التجمّع الوطني، عام 2018. وهو الأمر الذي تزامن مع سعيها إلى تجميل صورتها، بمحاولة تخفيف حدّة خطابها المعادي للمهاجرين. لكنّ دراسة حديثة لمؤسسة جان جوريس الفرنسية اعتبرت أنّ مواقف زعيمة اليمين المتطرّف “باتت أكثر تشدّدا”.
ويتوقّع الكواكبي مزيدا من التشدّد، إذ “سيسعى إريك زيمور، الذي انهزم في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، إلى إزاحة لوبان عن الزعامة عبر تقديم صبغة متطرّفة واضحة غير التي حاولت أن تزيّنها لو بان نفسها”، يؤكد.
وتنافس زيمور ولو بان على التصعيد، ولوّح كلاهما، وإن بصيغ وأساليب مختلفة، بنيّته طرد المهاجرين وتشديد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية.
تشدّد اليمين التقليدي إزاء المهاجرين
ويوضح الكاتب التونسي الفرنسي، حاتم النفطي، كيف أنّ إيمانويل ماكرون بلغ سدّة الحكم، قبل خمس سنوات، بفضل أصوات اليسار ووسط اليسار، قبل أن يميل إلى وسط اليمين فاليمين، خاصّة بعد اندلاع احتجاجات حركة السترات الصفراء، عام 2018. ويدلل على ذلك بالصعود اللافت لليميني جيرالد دارمانان، في أروقة صنع القرار الفرنسي، إلى حين تعيينه وزيرا للداخلية، عام 2020.
وذكّر النفطي بأنّ ماكرون قدّم نفسه، عام 2017، كـ”مرشّح منفتح لا يعاني عقدة الاعتراف بأنّ الاستعمار جريمة ضدّ الإنسانية”. لكن، سرعان ما حوّل الرئيس الفرنسي الجدل بشأن ملفّات التاريخ المزعجة إلى أوراق ضغط تُستخدم بين الحين والآخر، حسب مصالح بلاده.
وفي 2019، أعلن ماكرون الـ 24 من أبريل/نيسان من كلّ عام “يوما وطنيا لتخليد ذكرى المحرقة الأرمنية”. بيد أنّه واصل التصعيد فيما يتعلّق بالجزائر، وهو الملفّ الأكثر حساسية في ملفات الاستعمار الفرنسي.
وفي أكتوبر 2021، استدعت الجزائر سفيرها لدى باريس بعد نقل صحيفة لوموند عن ماكرون قوله إنّ “التاريخ الرسمي للجزائر أعيدت كتابته بشكل كامل وهو لا يعتمد على الحقائق بل على الضغينة التي تكنّها السلطات الجزائرية نحو فرنسا”. وذهب بسيّد الإليزيه إلى حدّ التساؤل: “هل كانت هناك أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”
ويحذّر مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس، سلام الكواكبي، من خطورة إدارة الفرنسيين من أصول شمال إفريقية ظهرهم للشأن العامّ، فيقول: “أقلّ نسبة اقتراع سجلت في الدورتين كانت في مناطق تركيز الفرنسيين من أصول عربية”، والتي سجلت بحسبه نسب عزوف مرتفعة للغاية، وهو ما يشير إلى ابتعادهم عن الانخراط في العمل السياسي.
ويضيف الكواكبي: “هم يتحملون جزءا من المسؤولية إن ساءت الأمور مستقبلا، إذ يشكل ابتعادهم عن المشهد العامّ فرصة للمتطرفين من كافة الجهات للتقدّم”.
ولئن يُنظر إلى التركيز الرسمي على مشاكل الهوية كشكل من أشكال التهرّب من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ حجم الحضور العربي في السياسة الفرنسية يبقى شبه منعدم ودون تأثير يُذكر.
وسيكون ماكرون، منتصف يونيو/حزيران المقبل، أمام اختبار حقيقي، في الانتخابات البرلمانية، لتثبيت أقدامه في الحكم في مشهد سيكون ضلعاه الرئيسيان، إلى جانب حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”، يمين متشدد متطلع لاستغلال زخم غير مسبوق، ويسار منقسم يسعى إلى تعويض خسارته المذلّة في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة.
مخاوف التمكين
وقد تدفع وضعيّة كهذه ماكرون إلى الدخول في تحالفات، مع عدم استبعاد خسارته الأغلبية البرلمانية. وهو ما يغذّي مخاوف الفرنسيين من أصول شمال أفريقية، مخاوف يعتبرها سلام الكواكبي مشروعة، “مهما كانت المؤسسات قوية في الدولة”.
ويشدّد الكواكبي على خطورة استمرار “تراجع اليسار بتنوّعاته عن عكس مطالب الفئات الشعبية الفقيرة”، وهو أحد العوامل التي ساهمت في الصعود اللافت لليمين المتطرّف.
ويُذكّر الكاتب، حاتم النفطي، بمقولة فرنسية مفادها أنّ “اليمين يكره العرب، واليسار المسلمين”، موضحا أنّ “اليمين طوّر خطابا قوميا داعما للعنصر الأبيض، مقابل تمسّك اليسار بشكل عامّ بعلمانية صارمة، خاصّة حين يتعلّق الأمر بالمسلمين”.
ودعت 25 منظمة، العام الماضي، الاتحاد الأوروبي، إلى مساءلة الحكومة الفرنسية بسبب “دعمها الإسلاموفوبيا”. وبدا الأمر مشكلا اجتماعيا، إذ كشف تقرير للجنة الاستشارية الوطنية الفرنسية لحقوق الإنسان أنّ الأعمال المعادية للمسلمين زادت بنسبة 52 ٪ ما بين عامي 2019 و2020.
[ad_2]
Source link