معنى نظام “سويفت” … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
إيسايكو: معنى نظام “سويفت” … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
نتج عن الأزمة الحالية الناتجة عن الإجتياح الروسي لأوكرانيا العديد من التحديات أمام الاقتصاد الدولي عموما، وظهر ذلك واضحاُ في إرتباك امريكا وحلفائها في تحديد نوعية العقوبات الاقتصادية الواجب فرضها على روسيا لردعها عن اجتياح أوكرانيا، ورغم فرض عقوبات إقتصادية متصاعدة على روسيا، إلا أنها لم تصل إلى حد إستخدام “السلاح النووي المالي” وهو منع الجهاز المصرفي الروسي من التعامل بنظام “سويفت” .. و هو نظام مالي عالمي حديث جاء بديلا عن نظام “تلِكس ” القديم . ويسمح نظام “سويفت” بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود. وكلمة
سويفت – SWIFT – هي اختصار لـ
Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications
ومعناها “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”، وقد بدأ العمل في هذا النظام عام 1973 م ومركز هذه الجمعية بلجيكا، ويربط نظام “سويفت” أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة، وهو نظام مراسلة إلكتروني يعمل بطريقة ترميز مشفّرة يتم من خلالها اكثر من 42 مليون عملية تحويل مالي يوميا وهو نظام دقيق يخبر المتعاملين والمتداولين بموعد إرسال المدفوعات وتسلمها وتسليمها، ويعتبر نظام دولي للتحويلات المالية بين البنوك فيما بعضها وبين الشركات الكبرى والبنوك ويتم من خلاله تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات مقابل الصفقات التجارية وأقساط القروض ومستحقات الديون وغيرها، مما يجعل حركة التجارة العالمية والمعاملات المالية تتم بسرعة وسهولة وأمان… ولكن نظام “سويفت” مرتبط بالدولار الأمريكي لذلك استطاعت امريكا ان تتحكم فيه بعد أحداث 11 سبتمبر، 2001، (المُفتعل) والذي استثمرته امريكا بشكل خطير بعد نشرها لمصطلح الارهاب حيث تمكنت امريكا من فرض رقابة شديدة على نظام “سويفت” وجعلت كل تحويلات نظام “سويفت” تمر عبر طرف ثالث، وهو أحد البنوك الأمريكية، بحجة محاربة تمويل الإرهاب . وبالتالي فإن منع أية دولة من التعامل عبر نظام “سويفت” يعني عزلها كليا عن نظام المدفوعات الدولي وعدم قدرتها على تمويل وارداتها من السلع والخدمات وصعوبة حصولها على ثمن صادراتها من السلع والخدمات أيضا وخير مثال على ذلك إيران، عندما أقرت الإدارة الأمريكية إخراجها من نظام “سويفت” في عام 2018، حيث أدى ذلك إلى أن خسرت إيران ثمن حوالي 50% من صادراتها من النفط و30% من حجم تجارتها مع العالم.ونفس الأمر طبقته امريكا على العراق وليبيا.. وفي الازمة الحالية لم تصل العقوبات الاقتصادية على روسيا إلى حد عزلها عن نظام “سويفت” ولازالت امريكا تهدد روسيا بذلك، ولكن هذه العقوبة هي سلاح ذو حدين لأنه بقدر تأثيرها السلبي على الاقتصاد الروسي، ستكون لها تأثيرات عكسية على إقتصادات الاتحاد الأوروبي وامريكا وعلى إقتصادات الدول النامية أيضا. فالاقتصاد الروسي، الذي يعتبر الاقتصاد العاشر عالميا، يتمتع بمزايا قوية وارتباطات واسعة في العلاقات والمصالح التجارية والمالية مع دول أوروبا تحديدا ومع معظم دول العالم بشكل عام، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر ثلاث سلع إستراتيجية هي الغاز والنفط والقمح، والتي تتمتع فيها روسيا بوفرة ومزايا نسبية عالية في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى سلع أخرى مثل البولديوم والألمونيوم وغيرها،
حيث أن أكثر من 40 % من إحتياج أوروبا من (الغاز الطبيعي) يأتي من روسيا في أنابيب تمتد عبر أوكرانيا أو بحر البلطيق، وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا بإخراجها من نظام “سويفت ” سيقود إلى أزمة كارثية لقطاع الطاقة في دول الاتحاد الأوربي، لأنها ستفتقد للوسيلة السليمة لتسديد إلتزامتها تجاه روسيا نظير مشترياتها من الغاز، وبالمقابل ستوقف روسيا إمدادات الغاز مسببة أزمة في الطاقة وأزمة إقتصادية حادة وسيتوقف النشاط الصناعي والخدماتي، مما يؤدي إلى إرتفاع معدلات التضخم والبطالة، وقطع الكهرباء عن مناطق كثيرة في اوروبا في هذه الاجواء الباردة وهذا الامر قد يُسقط عدد من الحكومات على اساس انها أهملت إيجاد البديل في عملية التخطيط ، وأهملت الاحتياطي الاستراتيجي ايضا.
كما تُعتبر روسيا ثاني اكبر منتج (للنفط ) في العالم بمعدل 11 مليون برميل يوميا، وأكبر أسواق النفط الروسي هي دول الاتحاد الأوروبي والذي يشكل النفط الروسي حوالي 27% من إحتياجاتها السنوية، كما أن روسيا تأتي بالمركز الثالث لتزويد السوق الأمريكية بالنفط الخام، واذا تم منع روسيا من نظام “سويفت” ستتوقف الصادرات الروسية من النفط وسترتفع أسعار النفط في العالم كله، وقد تلجأ روسيا الى بيع النفط بنصف الثمن لأي مشتري وبأي وسيلة وسيكون لذلك آثار سلبية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في أوروبا وامريكا والعالم كله وسيهدد أيضا بإسقاط حكومات واقتصادات .
أما (القمح) فإن روسيا من أكثر الدول المنتجة والمصدرة للقمح في العالم، ويصدّر القمح الروسي إلى معظم دول العالم لجودته وأسعاره المنافسة مقارنة بالدول المصدرة الأخرى، وإذا تم فصل روسيا عن نظام “سويفت” سيتوقف تصدير القمح إلى الدول المستوردة وسيؤدي إلى إرتفاع سعر الخبز في العديد من دول العالم ، وهذه الامور تحتاج الى عدة شهور لتحدث اذا استمرت المشكلة الروسية الاوكرانية .. وتحتاج الى عدة شهور لايجاد بدائل عن الاستيراد من روسيا
-لذلك فإن استخدام عقوبة فصل روسيا من نظام سويفت”،،، يعني أن امريكا وأوروبا استخدموا الخيار الأخير من العقوبات وهو أشبه بالخيار النووي، وانه لديهم الاستعداد لتحمل نتائج فصل روسيا وتأثيراته العكسية على الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم وفي البلدان الأخرى، وانهم مستعدين لتحمل جزء من أعباء الأزمة والمعركة التي تخوضها أوكرانيا بمفردها حاليا امام جيش روسي متفوق عسكريا عددا وعدة وعتاد.
ورغم أن روسيا هي ثاني اكبر بلد في العالم تتعامل بنظام “سويفت” لكن يبدو انها وضعت في حساباتها هذا النوع من العقوبات ورتبت أوضاعها منذ أحداث 2014 بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم ، وقامت البنوك الروسية ببناء نظام تحويل مالي خاص بها يسمى Spfs كبديل عن “سويفت” وربطته مع النظام الصيني Cips ويمكن أن تكتفي بالتبادل التجاري مع الصين ودول اخرى و مجموعة “البرِكس” والتي تتشكل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لكن نجاح هذه الانظمة البديلة يعتمد على حجم التبادل التجاري والتعاملات الخارجية وهي امور تحكمها حاجة الشعوب التي ستدفع الحكومات للاستيراد من روسيا بصرف النظر عن السياسة والمعارك ..
ختاما وعلى هامش المقال فقد اطلقت روسيا عملات رقمية خاصة بها مثل” الروبل الرقمي” و”غولوز ” وغيرها وذلك قبل اجتياح أوكرانيا بفترة طويلة استعدادا للقادم ومن باب التخطيط المستقبلي والبديل ويبدو أن روسيا تخطط لهذه الحرب منذ عدة سنوات وهي مهتمة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الاساسيات وهذا الأمر متوفر في روسيا وبامتياز وبالتالي فإن روسيا مستعدة إقتصادياً لخوض الحرب وإن فرض ذلك النوع من العقوبات سيزيد من التعاون الوثيق بين روسيا و الصين كونهما يشكلان حلف استراتيجي وقد تتدحرج الامور الى الأخطر اذا قامت الصين باجتياح تايوان
إن فصل النظام المصرفي الروسي من نظام” سويفت” -إذا تم – سيكون له تداعيات عاجلة ومباشرة على الوضع الاقتصادي الروسي وعلى الاقتصاد العالمي كله خصوصا امريكا وأوروبا والتي لازالت تستورد الغاز والنفط والقمح من روسيا رغم ما يجري على الأرض من معارك ورغم اشتعال الحرب “الاعلامية” وتحتاج هذه الدول الى عدة شهور لايجاد بدائل عن المصدر الروسي في الغاز والنفط والقمح وخلال هذه الشهور قد تسقط حكومات وقد تحصل مجاعات في دول بعيدة عن ساحة الحرب ولا يعلم حقيقة هذه الحرب الا الله ثم من خططوا لها من تحت الطاولة.. ونرجوا أن لا تدفع الثمن شعوب الدول النامية فهي للأسف الحَلقة الأضعف في المعادلة الدولية.
د.أحمد لطفي شاهين
مدرب في التنمية المستدامة