البراكين: حكاية المرأة المولعة بدراسة “النوافذ التي تطل على باطن الأرض”
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي نيوز عربي -لندن
هل تذكر أول رحلة في حياتك غادرت فيها بلدك – بمفردك – لتستكشف العالم بعيدا عن الشوارع والأماكن التي تعرفها؟
ربيكا ويليامز تتذكر جيدا رحلتها التي قامت بها قبل نحو 20 عاما عندما كانت بعمر الـ21؛ فخلالها شاهدت أول بركان عن كثب، وشعرت بلهيب أول حمم متدفقة منه، كما تعلّمت طريقة العبور – بحذر – فوق صُهارة البركان.
والأهم من كل ذلك أنها عثرت على اسم للتخصص الذي لم تكن تعرف بوجوده من قبل، ورافقت من أصبحوا زملاء لها في مهنتها بعد أن صارت: عالمة براكين.
كانت جزيرة هاواي في المحيط الهادي وجهة الطالبة البريطانية، التي كانت قد تخرجت للتو من إحدى كليات الجيولوجيا؛ فشاركت في بعثة تدريبية مدة ستة أشهر في مرصد عند بركان كيلاويا (kīlauea).
“كان ذلك أكثر يوم مذهل في حياتي”، تقول لي عالمة البراكين والأستاذة في جامعة هَل البريطانيّة (The University of Hull)، ربيكا ويليامز، عبر تطبيق زووم.
“عندما استيقظت في أول يوم لي هناك وكنت لا أزال تحت تأثير فرق التوقيت (بين بريطانيا والولايات المتحدة)، عرض عليّ فريق (العلماء) مرافقتهم.. فوجئت لكني ذهبت معهم. كان البركان نشطا وسمّي ثورانه بـ(لهب يوم الأم) لأنه بدأ يوم عيد الأم في الولايات المتحدة (..) كانت تلك أول مرة أرى فيها صُهارة في حياتي”.
تضحك ربيكا وهي تتذكر: “أنا إنكليزية بيضاء البشرة – كما تريَن – غير معتادة على الحرارة العالية أبدا، فأصبت بحروق بسبب الشمس من جهة، والحمم من جهة أخرى واستغرق الأمر أسابيع حتى أتعافى”.
لم أكن قد سمعتُ من قبل عن وجود علماء متخصصين في علم البراكين؛ لكن أثناء عملي على موضوع عن فوائد البراكين عثرتُ على حساب ربيكا على موقع تويتر ولم أتوقّع منها أن ترد عليّ بسرعة، لكنها تواصلت معي فورا واتفقنا على موعد للقائنا عبر الإنترنت.
فربيكا – كما أخبرتني فيما بعد – تحاول أن تكون نشطة جدا على وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من سبب مهم بالنسبة لها.
البراكين ونظريات المؤامرة
ربيكا، ذات الأربعين عاما، أم لطفلين، فتاة بعمر الأربع سنوات وصبي لم يبلغ العامين بعد؛ زاد نشاطها على موقع تويتر وتفاعلها مع المغردين عليه أثناء فترة إرضاع صغيرها – إذ كانت تمسك بهاتفها الذكي أثناء الرضاعة المسائية وتتابع ما ينشره الناس.
لذلك، وإلى جانب اهتمامها بالظهور على قنوات إعلامية للتعليق على ثوران بركان ما، وتوضيح المفردات المستخدمة واللغة العلمية المعقّدة الصعبة على الجمهور العام، أصبحت تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي كي تفنّد المعلومات المغلوطة والمضللة التي تنشر عن البراكين.
“أستمتع فعلا بإخبار الناس عن البراكين التي أعتبرها رائعة، لذا أود أن أحاول أن أجعل الآخرين يرون أيضا هذا الجانب منها. لكني بعد فترة أدركت أيضا أن هناك مشكلة بخصوص المعلومات المضللة، فعندما يصير بركان كبير ما موضع اهتمام، يظهر معه عدد هائل من نظريات المؤامرة”.
تذكر ربيكا عددا من هذه الشائعات، أشهرها تلك التي تنتشر كلما ضرب زلزال حديقة يلوستون في الولايات المتحدة (Yellowstone)، فيعتقد الناس أن البركان سيثور فيها و”سيقتل كل سكّان نصف الكرة الشمالي”.
وفي كل مرة ينشط فيها بركان في جزر الكناري الواقعة في المحيط الأطلسي قرب إسبانيا، يعتقد كثيرون أن البركان “سينفجر وسيتسبب بحدوث تسونامي هائل يدمّر الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية”.
تقول ربيكا: “كان عليّ التعامل مع (هذه النظرية) العام الماضي عندما ثار بركان في جزيرة لا بالما (في إسبانيا) وهي جزيرة سياحية صغيرة وجميلة. فدراسات سابقة كانت قد أظهرت أن البركان ترافق مع انهيارات أرضية كبيرة. وفي خريف 2002 على ما أذكر، عٌرض فيلم وثائقي على بي بي سي باسم (ميغا تسونامي) تناول تلك الدراسة (…) واستخدمت صورة لتمثال الحرية وفوقه موجة هائلة وهذه الصورة تحديدا هي ما علق في أذهان الناس”.
دُحضت هذه النظرية مرارا وتكرارا طيلة العشرين عاما الماضية، لكن الناس لا يزالون يتذكرون تلك الصورة، لذلك عندما بدأ ثوران لا بالما نهاية العام الماضي، بدأت ربيكا بتلقى رسائل عبر البريد الإلكتروني ورسائل خاصة على تويتر تسأل عن “الموعد اللازم للهرب من نيويورك” وشعرت بمسؤولية توضيح مثل هذه المعلومات المغلوطة.
لماذا هذا التخصص؟
بعد رحلتها الأولى إلى هاواي، زارت ربيكا كثيرا من البراكين مختلفة الأنواع، وقررت التخصص بدراسة الانهيارات الرمليّة للبراكين التي لم تندلع منذ مئات أو آلاف أو ملايين السنين، ودراسة الرواسب المتبقيّة حتى اليوم.
تقول ربيكا إن السبب الأساسي الذي دفعها لهذا التخصص هو “أولا: فضولها الكبير لفهم الأرض، لأنها كوكبنا والمكان الذي نعيش فيه”. فالبراكين تعد “جزءا أساسيا من عمليات تجري داخل الأرض للتخلص من الحرارة، والبراكين هي – في الواقع – شبّاك يطلّ على باطن الأرض”.
تشرح العالمة أنه رغم التكنولوجيا المتطورة إلا أننا لا نزال نجهل كثيرا عن تيارات الحمم البركانية والانهيارات الصخرية المرافقة، لأنه لا يمكن الاقتراب منها ولا الرؤية من خلال سحب الرماد على نحو يمكنّ من دراستها وفهمها. و”هذه هي المشكلة”.لذلك تركّز أبحاثها على محاولة فهم أفضل لما يحدث، من أجل إنشاء محاكاة عبر الكومبيوتر للعمليات التي ترافق ثوران البراكين لتستخدم في التخطيط وتخفيف المخاطر.”فعندما يستيقظ بركان ما، يمكننا عندها تشغيل بعض برامج الكمبيوتر التي ستساعدنا على التنبؤ بأماكن توجّه تلك الانهيارات، وبالتالي يمكن إنقاذ الأرواح، وتقليل تأثير الانفجارات البركانية على الناس والمجتمعات”.
علم البراكين و”الرجل الأبيض”
في أواخر شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام، عرض لأول مرة فيلم وثائقي جديد اسمه لهب الحب أو (Fire of Love) بالإنجليزية. ويحكي قصة حبيبين وزوجين فرنسيين، هما كاتيا وموريس كرافت، اللذان التقيا عندما كانا طالبين في جامعة ستراسبورغ، ولقيا حتفهما عام 1991 في انفجار بركاني لجبل أونزين في اليابان، أثناء عملهما في المجال الذي جمعهما: كشف ألغاز كوكبنا من خلال التقاط صور لبراكينه ثائرة وجمع عيّنات منها.
“كنت أسمع اسميهما منذ كنت طفلة. القصة التي كنت أسمعها عنهما أنها كانا يريدان بناء زورق من التيتانيوم كي يتمكنا من العبور بين الحمم البركانية المتدفقة وجمع العينات، ولذلك كانا يصوّران على أنهما مجنونان. كانا في الواقع يرغبان دائما في الاقتراب أكثر ورؤية الأشياء أكبر. موريس كان مصوّرا أما كاتيا فكانت مهتمة بالجانب العلميّ أكثر ذلك”.
إلى جانب اسم كاتيا كرافت، وجدت أسماء نساء أخريات عملن في مجال علم البراكين، لكن ربيكا تؤكّد لي أن الرجال ذوي البشرة البيضاء هم من كانوا يهيمنون على علم الجيولوجيا تاريخيا، ولا يزالون.
لماذا؟
تشرح ربيكا: “لو عدتِ إلى الوراء، لرأيت أن الجيولوجيا كانت في الأساس موضوعا استعماريا، لذا استخدمتها بريطانيا تحديدا بهدف الاستعمار، وكانت المسوحات الجيولوجية أداة لذلك. كانت المملكة مهتمة باستعمار دول معينة من أجل الموارد الجيولوجية بشكل خاص (..)”.
لكن الوضع أخذ بالتحسّن نوعا ما في كل من أوروبا والولايات المتحدة، ومع هذا “لا تزال المعركة مستمرة، لذلك نحن هنا؛ نقوم بعمل ممتاز، ونقدم مساهمات ضخمة، لكننا نكافح لإعطاء المحاضرات الرئيسية وللحصول على دعوات للمشاركة في المؤتمرات ونيل الميداليات والجوائز”.
كما تشير إلى تمييز آخر بحق العلماء في الدول النامية – حيث توجد البراكين – والذين ينظر إلى عملهم على أنها “أقل أهمية” مقارنة بعمل العلماء الغربيون ولا تنشر أبحاثهم في مجلات مهمّة.
كان عليّ ألا أطيل مكالمتي مع ربيكا؛ فابنتها مصابة بالجدري، وكان طفلها الثاني قد بدأ بالبكاء.
كان آخر ما تحدثنا عنه هو تحضيرها لرحلة ميدانية مدتها أسبوعين. “أحاول الآن التنسيق مع زوجي لنرى ما يمكننا فعله بخصوص الأطفال. دائما ما أتساءل هل يحتاج زملائي الآخرون (من الرجال) لإجراء مثل هذه المحادثات أم أن الأمور أسهل بالنسبة إليهم. أعتقد أن هذا هو السبب على الأرجح في كون مجال كالجيولوجيا مجالا يسيطر عليه الذكور”.
[ad_2]
Source link