العابرون جنسيا: ماذا وراء إلغاء الكويت قانونا يجرم “التشبه بالجنس الآخر”؟
[ad_1]
- نسرين حاطوم
- مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
ما زالت قضية الطعن بالمادة 198 في شقها المتعلّق بتجريم التشبه بالجنس الآخر، تتفاعل في الأوساط الكويتية.
وهي قضية ربحها صاحب الطعن المحامي الكويتي، علي العريان، بوكالته عن واحدة من المتضرّرين من المادة 198، إذ وجّه إليها الادعاء الكويتي العام تهمة التشبّه بالجنس الآخر، وقام بحبسها مدة أسبوع على ذمة التحقيق، ثم وضع عليها أمرًا بمنع السفر لا زال ساريًا، وأحالها إلى محكمة الجنح كي تصدر حكمها فيها.
وبدأ تحريك الدعوى في السادس من آذار /مارس عام 2020، وهي قضية ما زالت مستمرة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية، إذ أن هناك جلسات أمام محكمة الجنح المستأنفة وربما محكمة التمييز أيضًا، ولا سيما غرامة الألف دينار كويتي (نحو 3300 دولار أميركي)، وهي إحدى العقوبات التي كانت تنصّ عليها المادة 198، بحسب ما أوضح العريان لموقع بي بي سي نيوز عربي.
غير أن الحكم الدستوري يعد نهائيًا، إذ يؤكد العريان أن حكم المحكمة الدستورية حجّة على جميع المحاكم والسلطات والأفراد، ويصبح ساريًا بمجرّد علمهم به علمًا فعليًا أو حكميًا، ويتحقّق ذلك بمجرّد نشر الحكم في الجريدة الرسمية، ويتوقع أن يُنشر فيها يوم الأحد المقبل.
انتصار للعابرين جنسيا؟
بموجب هذا الطعن الذي عده كثيرون انتصارًا للعابرين جنسيًا، من المنتظر أن يُفرج عن كل الموقوفين والمسجونين بهذه التهمة.
وحول هذه النقطة، يقول العريان: “على محامي المتهم أن يتمسك بالحكم الصادر أمام المحكمة التي تنظر في الدعوى كما يجب على القاضي أن يثير ذلك من تلقاء نفسه، ويحكم ببراءة المتهم أو انقضاء الدعوى الجزائية، وذلك لانتفاء الركن الشرعي للجريمة”، لافتًا إلى أن” حسن سير العدالة يتطلب أن يبادر القضاة والادعاء العام إلى إخلاء سبيل أي متّهم موقوف فور نشر الحكم، وذلك حتى قبل أن يتقدّم محامو المتهمين بأي طلبات أو دفوع”.
ولأن المجتمع الكويتي مجتمع محافظ، فقد أثارت هذه القضية زوبعة من ردود الفعل، إذ امتد التفاعل حولها من وسائل التواصل الاجتماعي إلى مجلس الأمة مروراً بالشارع الكويتي، حتى غرف تطبيق كلوب هاوس ضجّت بهذه القضية وجمعت من هم مع ومن هم ضد.
التلويح بتعديل تشريعي جديد
كان النائب في مجلس الأمة الكويتي، أسامة المناور، أحد النواب الكويتيين الذين سارعوا إلى الإعلان عن اللجوء إلى تعديل تشريعي جديد لإعادة تفعيل تجريم التشبّه بالجنس الآخر، إذ قال على حسابه على تويتر إن أسباب حكم الدستورية ببطلان نص تجريم التشبّه بالجنس الآخر الصادر عام 2007، تتعلق بقصور الصياغة التشريعية لعدم تحديد الضوابط لتأثيم الأفعال، وأضاف: سنعالج الأمر بتعديل تشريعي جديد وواهم من يعتقد أن البطلان مرتبط بمسألة الحرّية الشخصيّة والسماح بالتشبّه بالجنس الآخر.
وفي مقابلة مع موقع بي بي سي نيوز عربي، قال المناور إن التعديل التشريعي الجديد سيكون بإضافة نصّ مادة 198 مكرّر لتكون مستقلة بنصها وواضحة لا تأويل فيها بدلًا من أن يكون تعديلًا على المادة 198.
وأوضح النائب الكويتي أن التعديل الجديد شمل زيادة في العقوبة لتصبح سنتين بدلًا من سنة وزيادة في الغرامة أيضًا لتصبح من ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف دينار كويتي (من نحو 10 آلاف دولار أميركي إلى 16500 دولار أميركي) بدلًا من ألف دينار كويتي (نحو 3300 دولار أميركي) .
كما حدّد مقترح التعديل التشريعي الجديد إجراءات التثبّت من أن الشخص يتشبّه بالجنس الآخر من خلال تثبيت أقواله من قبل المحقّق وطلب التحريات حول سلوك الشخص المعني مع جواز إحالته إلى الطبيب الشرعي.
وفي هذا الصدد أوضح المناور قائلًا: “أضفنا ضمن التفصيل الذي يعالج ما أشارت إليه المحكمة الدستورية، بأن المتشبّه بالجنس الآخر هو أيضًا من أجرى تغييرا في هيئة جنسه بخلاف الحالة البيولوجية التي وُلد عليها إن من خلال لجوئه إلى العمليات الجراحية أو العقاقير أو العمليات الصغرى، وأيضًا أوضحنا أن المقصود في زيّ الجنس الآخر هو ما يكون معروفًا وسائدًا في الدولة أو أن يضع الذكور مستحضرات ومساحيق التجميل أو أن ترتدي الإناث زي الرجال وفق ما هو معروف في الدولة الكويتية”.
وكان إلغاء التعديل الذي تقدّم به المحامي الكويتي، علي العريان، قد ارتكز في إحدى نقاطه إلى مبدأ أن التشبّه بالجنس الآخر حالة مرضية وبالتالي لا يمكن معاقبة الشخص في مرضه.
وعن هذه الناحية يقول المناور: “ادعاء المرض وخلافه هي مبرّرات يسوقها بعضهم لتبرير ما لا يجوز شرعًا وما نهى عنه الدين الإسلامي، فالحلال بيّن والحرام بيّن”. وأضاف: مثل تلك التبريرات يسوقها حتى مدمن المخدرات ومدمن الكحول وهو ما لا نقبله، وذلك مدعاة لفساد أكبر بالتذرّع بالمرض وخلافه”، معتبرًا أن عقوبة السجن قد تكون علاجًا رادعًا لمن تمادوا في غيّهم، بحسب تعبيره.
وعن مخاوفه من أن تفقد الكويت وجهها الديمقراطي المتميّز بالحريات بين جاراتها الخليجيات، قال المناور: “وجه الكويت الحضاري سيتطهّر ممن يخلطون ما بين الحرية وبين الابتذال والانحلال والفساد الأخلاقي” على حدّ قوله، وأضاف: “الشعوب لا ترتقي إلّا برقي أخلاقها لا بفسادها، لذلك القانون سيدعم وجه الكويت الحضاري لأن الدستور نصّ على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة”، معتبراً أن الدين الإسلامي عرف الحريات والدفاع عنها في السابق وهي الحريات الحقيقية التي تصون العفة والكرامة والأخلاق وتحافظ على روابط الأسرة، وقال: “الانحطاط والفساد الأخلاقي ليسا من ضمن الحريات”، على حدّ وصفه.
وعن رأيه حول لجوء نواب كويتيين إلى تشريع جديد، قال المحامي علي العريان لبي بي سي نيوز عربي:” لا بدّ أن نؤكّد أن حق النواب الدستوري هو تشريع القوانين، إلا أننا نلاحظ أن هؤلاء النواب مهووسون بإرضاء الناخبين، وآخر همهم هو جودة التشريع، فالتعديل الذي أجري عام 2007 على نصّ المادة 198 جزاء كان اجتهادًا فرديًا ولم يكن قائمًا على دراسة، ونلاحظ تكرار سلوك التشريع بناءً على ردة الفعل الآن أيضًا، إذ طرح بعض النواب اقتراحًا بقانون بديل في اليوم نفسه لصدور حكم المحكمة الدستورية، وادعوا أنهم قد تلافوا فيه عيوب القانون القديم، لكن الأكيد أنهم لم يترووا ولم يستدعوا العلماء ذات الاختصاص ولم يشكّلوا أي لجان لوضع قانون مدروس، علما بأنني ضد تجريم التشبّه بالجنس الآخر على إطلاقه، ولكنني أيضًا أؤكد أن ما يهم هؤلاء النواب هو الشكل لا المضمون وأنهم يفتقدون إلى أدنى درجات الأهلية لصياغة ووضع القوانين” على حدّ قوله.
كيف بدأ تجريم التشبه بالجنس الآخر في الكويت؟
في عام 2007 أجري تعديل تشريعي على نص المادة 198 من قانون الجزاء إذ أصبحت بعد تعديلها تنصّ على ما يلي: “كل من أتى إشارة أو فعلا مخلًا بالحياء في مكان عام بحيث يراه أو يسمعه من كان في مكان عام أو تشبّه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار كويتي أو بإحدى هاتين العقوبتين”، إذ اعتبر هذا التعديل أن التشبه بالجنس الآخر جريمة يعاقب عليها القانون، ولم تكن المادة قبل عام 2007 تجرّم ذلك. وبموجب هذه المادة، سُمح لكثير من رجال الشرطة توقيف من اعتبروهم يتشبّهون بالجنس الآخر، وهو ما لم يعد جائزاً وفق الطعن الأخير.
ويوضح المحامي علي العريان الذي تقدّم بالطعن أمام المحكمة، أن موكلته المتهمة في القضية، وهي مواطنة كويتية، تم تشخيصها من قبل طبيب استشاري في الطب النفسي مرخّص له في الكويت، بأنها تعاني من اضطراب في الهوية الجنسية. وبناءً عليه، طلب العريان من محكمة الجنح أن تحيل موكلته إلى أطباء نفسيين شرعيين لفحص حالتها النفسية.
وقد أكد تقرير الأطباء الشرعيين الحكوميين الذين انتدبتهم المحكمة الكويتية أنها تعاني من اضطراب في الهوية الجنسية أو ما يعرف ب “الانزعاج من الجندر”، وهو الأمر الذي دفعه إلى الطلب بعدم دستورية نصّ المادة 198 من قانون الجزاء في شقها المتعلّق بتجريم التشبّه بالجنس الآخر كجزء من دفاعه ودفوعه في القضية.
لكن محكمة الجنح رفضت الدفع الدستوري وقرّرت بأنه ليس دفعًا جديًا وليست هناك شبهات دستورية على النص، فقام العريان بالطعن على حكم محكمة الجنح الابتدائية أمام لجنة فحص الطعون في المحكمة الدستورية والتي ألغت بدورها حكم محكمة الجنح وقرّرت بأن طعن المحامي مقبول شكلًا وموضوعًا، وأحالت الطعن إلى المحكمة الدستورية لتنظر فيه بكامل هيئتها.
وفي هذا السياق يقول العريان: “بالفعل حضرنا أمام المحكمة الدستورية وقدّمنا دفاعنا والمستندات ذات الصلة، وأصدرت المحكمة الدستورية حكمها أخيرًا بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء في شقها المتعلّق بتجريم التشبّه بالجنس الآخر”.
ويعترف المحامي الكويتي أنه واجه صعوبات عدة منذ توليه القضية أبرزها ارتفاع قيمة رسوم الطعن المباشر أمام المحكمة الدستورية والتي تبلغ 5000 دينار كويتي (نحو 16500 دولار أميركي) والتي يتوجّب سدادها لوزارة العدل، ما اضطره إلى اتباع طريق الدفع الفرعي، وهو طريق إجرائي طويل لكن كلفته المالية تبلغ 50 دينار كويتي (نحو 165 دولار أميركي) أي أقل بعشرة أضعاف من الطعن المباشر.
وأضاف: “واجهنا أيضًا صعوبة هائلة في إقناع لجنة فحص الطعون إذ لاحظنا من خلال قراراتها السابقة أنها ترفض أو لا تقبل غالبية الطعون”.
الدفوع القانونية التي لجأ إليها الطعن
يعتبر المحامي علي العريان أن المادة 198 تخالف الدستور الكويتي في العديد من مواده وهو ما ساعده في كسب القضية، إذ يرى أنها تخالف نص المادة (11) التي تلزم الدولة بكفالة المعونة للمواطنين في حال المرض، وأن توفّر لهم الرعاية الصحية، كما أنها تخالف برأيه نص المادة (15) من الدستور التي تلزم الدولة بالعناية بالصحة العامة وتوفير وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض، لا أن تعاقبهم بالحبس والملاحقة القضائية، ” ولاسيما أن الكويت قد انضمت منذ أمد بعيد إلى منظمة الصحة العامة وهذه المنظمة في ميثاقها تعرّف الصحة العامة تعريفًا واسعًا يشمل الصحة النفسية، كما صدر في الكويت القانون رقم (14) لسنة 2019 في شأن الصحة النفسية وقد عُرّف المرض النفسي والمريض النفسي” كما أوضح العريان.
كما ارتكز العريان في طعنه أيضًا إلى أن نص المادة 198 يخالف المادة (30) من الدستور التي تقرّ بأن الحرية الشخصية مكفولة، إذ جاءت صياغة المادة 198 عامة ومبهمة وواسعة وفضفاضة وغير منضبطة، على حدّ وصفه، موضحًا: ” المادة 198 لم تقدّم تعريفًا للتشبّه بالجنس الآخر ولم تبيّن صوره وتركت سلطة تقدير ذلك في يد أعضاء قوة الشرطة ورجال الضبط القضائي”.
ويتأسف العريان لما يصفه بالانجرار وراء الجو العام في الكويت من دون تناول المشاكل الحساسة من خلال اللجوء إلى البحث العلمي، ويقول في هذا الصدد: ” للأسف أصوات الواعين من الأساتذة والمفكرين خافتة وخجولة وبعضها يخشى سطوة المجتمع وأحكامه، بينما تعلو الأصوات الجاهلة والمتطرّفة في الغالب، ولذلك فإننا لا نجد لدى الشارع الكويتي وعيًا كافيًا بتفاصيل هذه المسألة، وما زالت فكرة معالجة المشاكل بالعقاب والحرمان والقوة والعنف هي السائدة على المستوى التربوي والتي تتضخم لتصبح هي الحل على مستوى مؤسسي وتشريعي فتصدّر لنا مثل تلك القوانين المعيبة” على حدّ وصفه، وأضاف: ” الفتاوى الدينية من المذهبين السني والجعفري اعترفت باضطراب الهوية الجندرية وأجازت إجراء عمليات التصحيح الجنسي كعلاج له في بعض الحالات”.
ترحيب من منظمات حقوقية ومهى المطيري حرّة
قالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية في بيان، ” إن قرار المحكمة الدستورية الكويتية بإلغاء المادة 198 من قانون العقوبات في شقّها المتعلّق بتجريم التشبّه بالجنس الآخر تطوّر جدير بالترحيب، وبمثابة إنجاز بارز بالنسبة لحقوق العابرين جنسياً في المنطقة. فالمادة 198 تتّسم بالتمييز المجحف للغاية، والغموض المفرط، وما كان ينبغي قبولها في القانون أصلًا”، وفق ما جاء في بيان المنظمة.
ودعت معلوف السلطات الكويتية إلى وقف ما وصفته بالاعتقالات التعسفية للعابرين جنسياً، وإسقاط جميع التهم والإدانات الموجهة إليهم بموجب هذا القانون المتعلق برهاب العابرين جنسيًا بمن فيهم مها المطيري التي سُجنت لمجرّد كونها امرأة عابرة جنسياً.
لكن وفي اتصال مع المحامية الكويتية ابتسام العنزي وهي وكيلة مهى المطيري التي تم توقيفها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تبيّن أن المطيري أفرج عنها في الحادي والعشرين من نوفمبر /تشرين الثاني من العام الماضي.
وعلى حسابها على تطبيق سناب شات، وهو حساب عام يمكن للجميع زيارته، رحّبت مهى المطيري بقرار الطعن واعتبرته انتصارًا للعابرين جنسيًا وعرضت تغريدات وفيديوهات لأشخاص يدعمن قضيتها.
وقالت المطيري في أحد تعليقاتها: “شكرًا لأنكم جعلتمونا نفتخر، الكويت تحبنا وقامت بإنصافنا” .
[ad_2]
Source link