الحلم الذي انتهى بالموت في درجة حرارة 35 تحت الصفر
[ad_1]
- هولي هونديريتش وروكسي جاجدكار
- بي بي سي نيوز – مانيتوبا
في الليلة التي انطلقت فيها فايشاليبن باتال وزوجها جاغديش مع طفليهما باتجاه الحدود الأمريكية الكندية، ارتدوا معاطف شتوية ثقيلة وأحذية جديدة خاصة بالثلج.
كانت درجة الحرارة في المكان الذي انطلقوا منه في قرية إيمرسون الكندية 35 تحت الصفر.
يبدو أن هذه العائلة الشابة لم تمر بتجربة التعرض لدرجات حرارة منخفضة إلى هذا الحد حتى في أبرد الأيام التي عاشوها في الهند، حيث لا تنخفض درجة الحرارة في قرية الأسرة في غرب الهند، أكثر من 10 درجات تحت الصفر .
أثناء سيرهم، ربما لبضع ساعات أو أكثر، حملت الرياح الشديدة الثلوج وحطام الجليد عبر السهول، مما أدى إلى انعدام الرؤية تماماً، وعثرت الشرطة الكندية على أربعتهم متجمدين في حقل مفتوح.
كانت الزوجة تبلغ من العمر 37 عاماً، والزوج 39 عاماً، وابنتهما 11 عاماً، وابنهما ثلاثة أعوام.
لقد ماتوا جميعهم على بعد 12 متراً فقط من الحدود الأمريكية.
صدم الحادث المأساوي، الذي راح ضحيتة أسرة هندية شابة شقت طريقها من قرية فقيرة في كوجارات بالهند إلى النصف الآخر من العالم، الكنديين والهنود على حد سواء، وكشف عن الضغوط الشديدة التي أدت إلى هذه المأساة.
وقال المسؤولون إنهم يعتقدون أن الأسرة كانت ضحية الاتجار بالبشر، ولا تزال السلطات في الولايات المتحدة وكندا تحاول تحديد كيفية وصول أسرة باتيل إلى إيمرسون ومن الذي قد قادهم إلى هناك حيث وجدوا ميتين.
وتقع قرية دينغوتشا في غرب الهند على مسافة بعيدة جداً تشبه، من حيث البعد والشعور، مانيتوبا الجليدية في كندا.
وعلى بعد حوالي 12 ألف كيلومتر من إيمرسون، تضم دينغوتشا حوالي 3500 من السكان معظمهم من المزارعين والعمال أبناء الطبقة الوسطى في ولاية كوجارات.
هناك، عاشت أسرة باتيلز في منزل جميل مكون من طابقين مع شرفة على السطح وعلامة ترحيب كبيرة مرسومة فوق الباب.
يقع منزلهم في مكان مريح بين صف من المباني الخرسانية المطلية بالأصفر والوردي والأبيض.
يبدو أن بعض السكان كانوا على علم بخطط باتيل للسفر، وأخبروا خدمة بي بي سي في كوجارات أنهم ذهبوا إلى كندا بتأشيرات الزيارة.
شعر الأقارب بالقلق عندما توقفت الرسائل التي تبعثها الأسرة بعد حوالي أسبوع من مغادرتهم على حد قولهم.
في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، وصلت الأسرة إلى تورنتو في كندا في رحلة جوية قبل السفر مسافة ألفي كيلومتر غرباً إلى مانيتوبا.
لم تعرف الشرطة كيف وصلت الأسرة إلى إيمرسون؛ هل وصلت براً أم جواً؟و لا يوجد أسماء أفراد الأسرة في سجلات الرحلات الداخلية داخلية.
الرحلة طويلة وتستغرق 22 ساعة على الطريق السريع عبر كندا.
كان من المفترض أن يتسللوا عبر الحدود بين كندا والولايات المتحدة، متجاوزين البحيرات المتجمدة في جنوب أونتاريو، قبل أن يصلوا إلى الحقول الجرداء المترامية الأطراف، حيث تحمل الرياح الثلوج عبر الهواء مثل الدخان.
بحلول 18 يناير/كانون الثاني، وصلت الأسرة إلى إيمرسون التي يبلغ عدد سكانها 700 نسمة.
تضم القرية صيدلية واحدة ومحل بقالة ومدرسة واحدة.
المنازل عبارة عن مساكن بسيطة مكونة من طابق واحد مع مرائب تكفي لسيارة واحدة وساحات واسعة، يطلق السكان على القرية اسم مدينة المتقاعدين، فهي مكان هادئ ممتع للعيش فيه، وليس هناك الكثير مما يمكن عمله فيها.
ولو كانت أسرة باتيل قد أقامت في أحد نزل إيمرسون القريبة من الحدود، لرأت ولاية نورث داكوتا على اليمين وولاية مينيسوتا إلى اليسار الامريكتين.
هنا عند الحافة الجنوبية لمانيتوبا، قد يكون من الصعب التمييز بين السهول المتجمدة والسماء الثلجية.
الوقوف في الخارج في شتاء إيمرسون أمر لا يحتمل، مهما أكثرت من طبقات الصوف والجلد التي ترتديها.
يدخل الهواء البارد إلى الرئتين ويسبب حرقة مع كل نفس حتى عندما تكون درجة الحرارة أعلى بمقدار 15 درجة من اليوم الذي حاولت فيه عائلة باتيل عبور الحدود.
قال جورج أندراوس، الذي يدير صيدلية إيمرسون الوحيدة، لو سرت خمس دقائق فقط هنا، فستشعر بالبرد كما لو أن “كلبا يعض يدك ولا يتركها، وستتجمد دموعك في عينيك من شدة البرد”.
في إحدى صور أسرة باتيل، التي يتم تداولها الآن على نطاق واسع، تبدو الأسرة سعيدة، فأربعتهم يبتسمون وهم ينظرون إلى الكاميرا، كما لو أنهم صوروها من أجل بطاقة تهنئة بالعيد.
تتطابق سترة داركميك، الطفل الصغير، مع سترة والده التي كانت مزينة بالورود البيضاء على أرضية سوداء.
وتضع ابنتهما فيهانجي، 11 عاماً، نفس أحمر الشفاه الذي تضعه والدتها.
وقالت وسائل إعلام محلية إن الزوجين كانا متعلمين وعملا في وقت من الأوقات كمدرسين. ومثل العديد من الكوجاراتيين الآخرين، كان لدى أسرة باتيل منزل ثان في مدينة كالول التي تسكنها ابناء الطبقة الوسطى غالباً.
ذكر أبناء القرية للخدمة الكوجاراتية في بي بي سي أن رب الأسرة جاغديش ساعد شقيقه في تجارة الملابس.
كان والدا جاغديش في كثير من الأحيان قريبين من الاسرة ويقسمان وقتهما أيضاً بين منطقتي كالول ودينغوتشا.
وعلى الرغم من مظاهر حياتهما المريحة في الهند، يبدو أن شيئاً ما أجبر هذه الأسرة على المغادرة.
وقال أبناء الحي لبي بي سي إن هذا أمر شائع في دينغوتشا.
وقال عضو مجلس دينغوتشا، غرام بانشايات: “هنا، كل طفل ينمو مع حلم الانتقال إلى بلد أجنبي”.
تحدث العديد من سكان المنطقة عن ضغط اجتماعي مكثف وشائع للانتقال إلى الخارج، ويجري تحديد الوضع الاجتماعي للشخص على ضوء عدد أفراد أسرته الذين يعيشون في الخارج.
قال بعضهم إن من يظل في البلاد، يُنظر إليه على أنه غير قادر على جمع الأموال للمغادرة، بينما يمضي الآخرون.
قال أحد الأشخاص: “هناك حالات لا يجد فيها الشبان في سن الزواج فتاة مناسبة، بسبب عدم وجود أي أقارب لهم في أي بلد أجنبي”.
وربما كانت هناك نظرة وردية غير واقعية عن الحياة في الخارج.
و قال آخر: “هناك العديد من الأشخاص الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة في وقت سابق من دون أوراق ثبوتية مناسبة، وكثيرون منهم في وضع جيد الآن”.
في وينيبيغ، قال كنديون من أصول هندية، إنهم يدركون جيداً موجة “جنون” الانتقال إلى الخارج بين الهنود ابناء الطبقة الوسطى والعليا.
وقال ميتش تريفيدي، كندي من كوجارات، “يتخيل الناس أن هناك أشجار تثمر دولارات، كنت أتخيل ذلك أيضاً عندما أتيت إلى هنا في عمر الـ 26 عاماً”.
استقر تريفيدي، البالغ من العمر الآن 59 عاماً، في كندا منذ ثلاثة عقود، وأتى إليها بتأشيرة زواج وأصبح مواطناً كندياً في عام 2000.
من نواح كثيرة، حياته هي الحياة التي يطمح إليها المهاجرون الهنود الاقتصاديون في الخارج، فهو يمتلك مطعماً يدر عليه الأموال، وكوّن أسرة وتحمل ابنتاه شهادات جامعية في المجال الطبي.
على الرغم من أن تريفيدي تلقى تعليماً عالياً في الهند حيث أنهى دراسة الهندسة، إلا أن فرص الإنتقال الى طبقة أعلى محدودة للغاية في الهند. ويقول تريفيدي: “ابصرت النور وانا ابن أدنى درجات الطبقة الوسطى. لو بقيت هناك، لما تغير وضعي الطبقي قيد أنملة”.
ووفقاً لما قاله تريفيدي وغيره من أبناء كوجارات، أدى السعي المحموم إلى الهجرة النظامية، إلى نشوء تجارة سرية محورها “الهجرة غير النظامية”، في إشارة إلى المعابر الحدودية غير النظامية بين الولايات المتحدة وكندا.
وصف هو وغيره من المغتربين في وينيبيغ، شبكات السفر السرية التي تخطط لنقل الناس بين الولايات المتحدة وكندا وتنشط في الهند وكندا والولايات المتحدة وتتولى تسهيل عمليات العبور هذه، حيث أصبح أقارب وأصدقاء الذين تم تهريبهم بنجاح بمثابة شهود على نجاح مهربين محددين.
وقال تريفيدي: “إنه مجرد كلام شفهي، لا شيء موثق كتابياً”، مضيفاً أنه سمع عن أشخاص فعلوا ذلك.
العبور سيراً على الأقدام أو الاختباء في صناديق السيارات “ليس بالأمر الجديد”.
يمكن لهذه الشبكات أن توفر بيوتاً آمنة في الخارج، حيث يوفر المهاجرون الهنود الذين يقيمون بشكل نظامي مكاناً للإقامة أو فرص عمل غير رسمي للوافدين حديثاً.
وفقاً لمجلس الهجرة واللاجئين الكندي، تشهد البلاد زيادة في أعداد المهاجرين غير النظاميين.
معظم هؤلاء المهاجرين غير النظاميين يتوجهون شمالاً، حيث يحاولون العبور إلى كندا من الولايات المتحدة.
في العام الماضي، عُثر على حوالي 4 آلاف شخص وهم يحاولون دخول كندا بهذه الطريقة، مقارنة بـ 900 عبروا الحدود إلى الولايات المتحدة، بحسب أستاذة جامعة ويسترن فيكتوريا إيسيس، التي تدرس سياسة الهجرة.
وقالت إيسيس، إنه من المرجح أن الأرقام كانت أعلى قبل فرض قيود السفر الخاصة بكورونا.
وتعتبر مدينة إيمرسون نفسها، بسهولها الواسعة غير المحروسة نقطة عبور غير قانونية نشطة.
وصنفت دورية حرس الحدود الأمريكية هذه المنطقة مؤخراً على أنها بقعة تكثر فيها حوادث تهريب البشر.
في عام 2017 أصيب مهاجران من غانا بجروح بالغة جراء انخفاض درجات الحرارة حيث فقدا عدة أصابع خلال محاولتهما القيام برحلة إلى كندا من الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، قال سكان محليون في إيمرسون لبي بي سي، إنهم يخشون أن يموت شخص ما أثناء محاولته عبور الحدود في تلك المنطقة.
من غير الواضح لماذا لم تكن كندا الوجهة النهائية لأسرة باتيل، لكن أبناء كوجارات في كل من الهند وكندا يقولون إن سكان دينغوتشا لديهم صلة خاصة بالولايات المتحدة.
معظم الذين تحدثوا إلى بي بي سي، على دراية بإجراءات الهجرة إلى الولايات المتحدة، والأنواع المختلفة من التأشيرات والتي تؤدي إلى الحصول على الجنسية، أو ربما لديهم أقارب هناك.
بعد أيام قليلة من موت الأسرة، قام الطبيب ديليب باتيل المقيم في شيكاغو، بجمع التبرعات عبر الإنترنت لتغطية تكاليف جنازة الأسرة، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا الطبيب هو أحد أقرباء هذه الأسرة أم لا، كما أنه لم يرد على طلبات بي بي سي للحديث.
وقالت الشرطة على جانبي الحدود إن قضية باتيل على الأرجح مرتبطة بتهريب البشر.
المشتبه به الوحيد في هذه المأساة حتى الآن هو ستيف شاند، البالغ من العمر 47 عاماً، وهو مواطن أمريكي من فلوريدا، وألقي القبض عليه الشهر الماضي.
وقالت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إنه يشتبه بأن شاند قد لعب دوراً في “عملية أكبر لتهريب البشر” وله علاقة بوفاة عائلة باتيل.
في 19 يناير/كانون الثاني، اليوم نفسه الذي تم فيه العثور على أسرة باتيلز، ألقي القبض على شاند في بيمبينا، داكوتا الشمالية، على بعد أقل من 8 كيلومترات من إيمرسون، كان يقود حافلة صغيرة تتسع لـ15 راكباً وكان معه مواطنان هنديان، وكان في صندوقه علب طعام وماء. كما عُثر على خمسة مواطنين هنود إضافيين في ذلك اليوم، على بعد 400 متر جنوب الحدود الكندية، يتوجهون إلى نحو موقع اعتقال شاند.
وقال هؤلاء للسلطات إنهم ساروا أكثر من 11 ساعة.
وقالت السلطات إن الهنود وصلوا بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة.
وكان السبعة، يتحدثون الكوجاراتية، لغة الولاية الأصلية لباتيل، وكانوا يرتدون ملابس شتوية متطابقة تم شراؤها حديثاً، على غرار ملابس أسرة باتيل. وكان أحدهم يحمل حقيبة ظهر لا تخصه فيها ملابس أطفال وحفاضات وألعاب.
وقالت المجموعة للسلطات إن أسرة مكونة من أربعة أفراد قد تخلفت عنهم.
أخبر أحد المواطنين الهنود الذي ألقي القبض عليه مع شاند، السلطات أنه دفع مبلغاً كبيراً من المال لدخول الأراضي الكندية، بموجب تأشيرة طالب مزورة.
وبعد عبور الحدود إلى الولايات المتحدة سيراً على الأقدام، كان يتوقع أن يتم نقله بالسيارة إلى منزل عمه في شيكاغو.
لكن بالنسبة إلى أسرة باتيل، بقيت الأسئلة الرئيسية بدون إجابة: ما الذي كان ينتظرهم عبر السهول، هل كان الأمر يستحق المخاطرة، أم أنهم كانوا على علم بالمخاطر ورغم ذلك خاضوها؟
من بين العديد من التفاصيل المؤلمة للقضية والتي تركت الكنديين في حيرة من أمرهم، سبب متابعة الأسرة الرحلة رغم الظروف القاسية والخطورة والبرد القارس هناك.
“من قال لهم أن يفعلوا هذا؟” سأل هيمانت شاه، المغترب الهندي وزعيم الجالية في وينيبيغ.
وأضاف “أي كوجاراتي أو كندي كان سيطلب منهم عدم الذهاب. كانت درجات الحرارة 35 تحت الصفر، ومستحيل أن يبقى إنسان على قيد الحياة في ظل هذه الظروف”.
ربما بدت لهم الرحلة بسيطة من خلال إلقاء نظرة عبر حدود غير واضحة نتيجة الثلوج وغير معقدة من حيث الحدود.
في ليلة عبورهم، كان هذا الطريق غير مرئي بسبب تساقط الثلوج ولم يكن السهب مترامي الاطراف يوفر لهم ولو القليل من الرؤية ليستدلوا على الطريق.
لم يصلوا حتى إلى الحدود، وربما لم يعرفوا أين كانوا أساساً في لحظاتهم الأخيرة.
[ad_2]
Source link