الرسام الذي أعاد إنتاج القطط وأسبغ عليها صفات البشر
[ad_1]
- تيم ستوكس
- بي بي سي نيوز
“أعاد إنتاج القطط بطريقته. ابتكر أسلوبا للقطط، ومجتمعا للقطط، وعالما كاملا للقطط. بحيث أن القطط الإنجليزية التي لا تشبه قطط لويس وين، ولا تعيش حياتها عليها أن تخجل من نفسها”.
هذا ما قاله الروائي والقاص الإنجليزي هربرت جورج ويلز المختص بالخيال العلمي عن مواطنه الرسام لويس وين، الذي كان اسما معروفا في بدايات القرن العشرين، ويعود إليه الفضل في تغيير مشاعر الناس تجاه القطط ونظرتهم إليها.
ورغم رسوم وين البهيجة، فقد كانت حياته مليئة بالمعاناة والمآسي. أصعبها وفاة زوجته المبكرة، وبعد أيام فقط من نشر أولى رسومه عن القطط، خصوصا أنها كانت مصدر إلهام الرسوم التي جعلته بمثابة كنز وطني بريطاني. كما أدى غياب معرفته بالقضايا التجارية وحقوق الملكية إلى عدم استفادته ماديا من نجاحاته وانتشار رسومه، وقد تدهورت صحته العقلية، وعاش في فقر، ووصل به الحال إلى دخول ملجأ للمجانين.
لكن وين أنقذ من محيطه الرهيب في ملجأ المجانين بفضل حملة شارك بدعمها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك. ونقل إلى مستشفى بيثليم للأمراض النفسية في منطقة ساوثوورك في لندن حيث تابع الفنان إبداعاته، وكان يزين المكان في أعياد الميلاد بأسلوبه الفريد.
لم يحظ وين بالشهرة التي يستحقها رغم انتشار رسوماته، ومؤخرا أنتج فيلم عن حياته بعنوان “الحياة الكهربائية للويس وين” من بطولة بنديكت كومبرباتش في دور الفنان، وكلير فوي في دور زوجته.
من هو مبتكر القطط الجديدة؟
ولد لويس وين في منطقة كليركينويل الواقعة في مركز لندن تقريبا في 5 أغسطس/آب عام 1860، وعمل مدرسا في مدرسة ويست لندن للفنون، حيث كان طالبا أيضا. ولاحقا أصبح فنانا مستقلا يعمل بالقطعة، ويرسم للمجلات والصحف التجارية.
ويوضح كولين غيل، مدير “متحف بيثليم للعقل” وهو متحف يسجل حياة وخبرات الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية ويحتفل بإنجازاتهم. أن وين “كان يكسب رزقه من بيع رسوم تنشر في مطبوعات مثل صحيفة “أخبار لندن المصورة” حين لا يكونوا قادرين على نشر صور فوتوغرافية”.
كانت موهبة وين واضحة، وتجلت في مختلف الموضوعات التي تناولها، ونادرا ما كان يعوزه الحصول على عمل. ومع ذلك، فقد كانت مأساة عائلية وراء إلى شهرته.
في عمر 23 عاما، تزوج وين إميلي ريتشاردسون، مربية أخواته، التي تكبره بنحو عشر سنوات، والتي أحبها بشدة، ولكن بعد فترة وجيزة تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي.
يقول غيل “في السنوات الأخيرة من حياة إميلي، كانا يربيان قطا أطلقوا عليه اسم بيتر، وكان لويس يرسم رسوما كاريكاتورية (عن القط) بهدف تسلية زوجته فقط، ولم تكن للنشر”.
ولكن بعد اطلاع محررين في صحيفة “أخبار لندن المصورة” على الرسومات، عرضوا عليه نشر بعض أعماله الفنية عن القطط. وقبل أيام فقط من وفاة إميلي، نشرت الصحيفة رسمة “حفلة عيد الميلاد” التي ضمت 150 قطة مؤنسنة، واستغرق إنجازها 11 يوما.
ويقول غيل “أثارت رسومات القطط ضجة كبيرة بين عشية وضحاها، وأحب الناس تصوير وين للقطط لأنه لم يقدمها مجرد حيوانات أليفة، وإنما تقوم بأشياء يفعلها البشر”.
وقد كانت رسوماته حافلة بقطط تقوم بمختلف الأشياء التي يقوم بها البشر، فهناك قطط تلعب الكريكيت، وأخرى تحفر الطرق، وقطط تركب دراجات.
وغالبا ما كان وين يجلس في أماكن عامة، ويرسم المخططات الأولية لرسوماته خفية محاولا تجنب لفت الانتباه، ويصور الأشخاص من حوله وما يقومون به ولكن بهيئة قطط، وغالبا بعيون كبيرة مدهشة.
ويقول مدير متحف بيثليم “في كثير من الأحيان كانت الرسومات تسخر من طرق تصرف الناس، كما رسم بعض الرسوم الكاريكاتورية السياسية الساخرة، وصور ونستون تشرشل كقطة كبيرة، لكن كانت كلها لطيفة للغاية”.
وانتشرت رسوماته على البطاقات البريدية والبطاقات الخاصة بعيد الميلاد، وزاد ذلك من شهرة لويس وين، وأصبح معروفا باسم “الرجل الذي يرسم القطط”.
وجاء في السيرة الذاتية لرسام القطط الصادرة عام 1968، والتي كتبها رودني ديل، أن صور وين كان لها تأثير كبير بحيث أن “موقف الناس تجاه القطط، وشعورهم تجاهها، تأثر بشكل كبير”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا النجاح، فقد عانى وين من مشاكل مادية دائمة، كما يوضح غيل.
ويقول “لم يكن أبدا يحسن التصرف بما يتعلق بالأعمال التجارية. على سبيل المثال لم يفرض حصوله على حقوق الطبع والنشر، ولذلك انتهى به الأمر إلى الفقر المدقع، ولهذا السبب انتهى به المطاف في مستشفى سبرينغفيلد” السيء للأمراض العقلية، وكان حينها عبارة عن ملجأ للمجانين.
تدهورت صحة وين العقلية مع تقدمه في السن، بعد أن كان يعتبر دائما شخصا غريب الأطوار، وأصبحت إساءاته اللفظية دائمة ومتزايدة تجاه أخواته اللواتي كان يعيش معهن، كما أصبح عنيفا معهن.
وفي يونيو/حزيران عام 1924، كان عمره يناهز الـ 63 عاما عندما اعتبر مجنونا بشكل رسمي، ونُقل إلى جناح المجانين في مستشفى واقع في منطقة توتينغ، جنوبي لندن، حيث عاش في ظروف سيئة للغاية.
وبعد نحو عام، عثر عليه هناك أحد الصحفيين، وأدى ذلك إلى إطلاق حملة لمساعدته وتوفير رعاية أفضل له، وشارك فيها شخصيات بارزة.
وكان رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الحين رامزي ماكدونالد من بين الذين دعموا الحملة، حتى أنه رتب أمر حصول أخوات وين على معاش تقاعدي صغير اعترافا بخدمات أخيهن للفن.
وتمكن هربرت جورج ويلز من إيصال موضوع دعم رسام القطط البارع إلى الإذاعة، وسرعان ما جمع ما يكفي من المال لنقل وين إلى محيط أكثر راحة في مستشفى بيثليم جنوبي لندن، حيث يمكن أن يحصل على الرعاية المناسبة.
ويقول غيل إن “وصمة العار (المتعلقة بالاضطرابات العقلية) كانت موجودة بالتأكيد قبل 100 عام”. ويضيف “لقد كنت أمين أرشيف لفترة طويلة بما يكفي لأعرف أن بعض الذين كانوا يبحثون في تاريخ عائلاتهم يكتشفون أجدادا وأقارب تم إيداعهم في مستشفيات للأمراض النفسية، ولكن أخفي الأمر وظل سرا عائليا”.
ويشير غيل إلى أنه بالنسبة لوين “كان هناك تعاطف عام تجاهه، لدرجة أنه ومهما كانت الحالة التي يعاني منها، وهناك أشياء لا أدري مدى صحتها، فقد كان الناس يريدون أن يعتنى به بشكل صحيح وجيد”.
في مستشفى بيثليم للأمراض النفسية، كان رأي الموظفين بوين أنه مريض هادئ ومتعاون. وتركز علاجه على محاولة جعل البيئة المحيطة به ممتعة ومريحة قدر الإمكان.
ويوضح غيل قائلا “كان وين قد حرر حينها من المخاوف المالية، وكان يرسم حبا بالرسم، وأدرك المشرفون على المستشفى ذلك، وقدموا له كل ما يحتاجه للاستمرار في الرسم”.
في أحد أعياد الميلاد، سأله العاملون في المستشفى إن كان يرغب في المساعدة في تزيين المبنى احتفالا بالمناسبة. وكان رد وين بالإيجاب، وقرر رسم لوحاته على المرايا الموزعة في المكان.
وانتشرت رسومات القطط التي تقوم بأنشطة بشرية مختلفة خاصة بعيد الميلاد على جدران المستشفى.
وتشكل تلك الابداعات جزءا من محتويات معرض أعمال وين المقام حاليا في “متحف بيثليم للعقل” والموجود ضمن مبنى مستشفى الأمراض النفسية.
وغادر وين مستشفى بيثليم عام 1930 عند ما تم نقل المستشفى إلى موقعه الحالي في بيكنهام، جنوب شرق لندن.
ونقل رسام القطط إلى مستشفى نابسبري بالقرب من سانت ألبانز، حيث استمر في الرسم حتى وفاته في يوليو/تموز عام 1939.
ويرى غيل أن إقامة معرض لأعمال وين وإنتاج فيلم عن حياته ليسا فقط وسيلة لإحياء ذكرى الفنان في الوجدان العام، ولكن أيضا للمساعدة في فهم أفضل لمشاكل الصحة العقلية.
ويقول “أفترض أن الناس قد يقولون لأنفسهم ‘اختلال عقلي، واضطراب! – يا إلهي، لا بد أن الأعمال الفنية سوداوية للغاية’، أو قد ‘يفكرون الإبداع والجنون، أليسا مرتبطين، أليس هذا ما يدفع الفن؟'”.
لكنه يؤكد قائلا “إن لويس وين مثال رائع على أن كل هذا مجرد هراء. نعم، كان مريضا في النصف الثاني من حياته واحتاج لرعاية، لكن الرسم في الواقع كان جزءا لا يتجزأ من هويته وإنجازه”.
“ويختم غيل حديثه قائلا “الأعمال تنضح بفرح خالص وشقاوة ومرح”.
[ad_2]
Source link