بوليوود: كيف تحولت السينما الهندية إلى صناعة تتناول موضوعات جريئة وحساسة؟
[ad_1]
- سمية نصر
- بي بي سي نيوز عربي
في حفل توزيع جوائز “إيمي” الذي أقيم في سبتمبر/أيلول 2020 ، حصل المسلسل الهندي “ Delhi Crime” (جريمة دلهي) على جائزة أفضل مسلسل درامي، ليصبح أول مسلسل هندي على الإطلاق يفوز بهذه الجائزة الدولية.
يتناول المسلسل قضية اغتصاب جماعي وقعت في دلهي عام 2012، ويروي تفاصيل التحقيقات منذ وقوع الحادث وحتى نجاح الشرطة في إلقاء القبض على جميع المشتبه بهم.
الطبيعة الواقعية لهذا المسلسل والقدرة الفائقة التي تمكن صانعوه من التعبير بها عن أحداث وتفاصيل تمس خصوصيات الواقع اليومي للحياة الهندية، أمر بات متكررا في طائفة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية المتميزة التي غادرت تماما الطابع المعتاد من الرومانسية والعواطف الجياشة والانفعالات والمبالغات والاستعراضات.
إذا كنت، ككاتبة هذه السطور، ممن توقفوا لسنوات طويلة عن مشاهدة الأفلام والدراما الهندية ثم تابعت ما أنتج منها خلال العقد الماضي، فسيباغتك ما قد يبدو تحولا كبيرا طرأ عليها، مقارنة بفترة السبيعينات والثمانينيات على سبيل المثال، عندما كان النجم أميتاب باتشان هو فتى الشاشة الأول والعامل المشترك في غالبية الأفلام التي كانت تعرض على شاشات التلفاز العربية أو من خلال شرائط الفيديو.
كان إنتاج السينما الهندية يتسم في كثير من الأحيان بتلك الخلطة العجيبة من الخيال والحركة والإثارة والرومانسية والأغاني والرقصات والألوان المبهرة.
لم يختف هذا النوع من الأفلام تماما، ولكن أصبح هناك جيل جديد من صناع السينما الهندية قادر على إنتاج أفلام أكثر واقعية، تعالج بجرأة قضايا حساسة في المجتمع الهندي وتتطرق إلى أمور كانت في السابق من المحظورات.
بوليوود، توليوود، كوليوود
عادة ما يشار إلى صناعة الأفلام الهندية باستخدام كلمة “بوليوود” (Bollywood)، و هو لعب على كلمة “هوليوود” (Hollywood) التي تشير إلى صناعة السينما في الولايات المتحدة، حيث استبدل حرف ال “H” بحرف ال “B” في إشارة إلى مدينة بومباي (مومباي حاليا)، وهي مقر تلك الصناعة التي تنتج أفلاما ناطقة باللغة الهندية (Hindi). وتنتج بوليوود، التي تعتبر صناعة السينما الأضخم عالميا، ما لا يقل عن 1000 فيلم سنوياً، وهو ضعف ما تنتجه هوليوود، وبلغت أعداد تذاكر دور السينما التي باعتها عام 2019 على سبيل المثال أكثر من مليار تذكرة.
ولكن بوليوود، التي يشار إليها في الهند على أنها “سينما الشمال”، ليست إلا قطاعا واحدا من قطاعات صناعة السينما الهندية، وإن كان أكبرها وأكثرها إنتاجا لأفلام تستهدف شرائح الجمهور الهندي كافة.
فهناك على سبيل المثال، “سينما الجنوب”، كتلك التي تنتج أفلاما ناطقة باللغة التاميلية والتي يطلق عليها “كوليوود” نسبة لمقرها في منطقة كوداماباكام بمدينة تشيناي (مدراس سابقا)، وأيضا “توليوود” التي تشير إلى صناعة الأفلام الناطقة باللغتين البنغالية والتيلوغية.
وكثيرا ما كانت توجه انتقادات إلى سينما بوليوود لتركيزها على البعد التجاري، بينما سينما الجنوب بحسب نقاد هنود، تركز أكثر على الجانب الإبداعي، ولا يجد مخرجوها غضاضة في إنتاج أفلام غير تقليدية.
كما يأخذ البعض على بوليوود هيمنة عدد محدود من النجوم ولفترات طويلة على أفلامها، على سبيل المثال شاه روخ خان(Shah Rukh Khan)، وأمير خان (Aamir Khan) وسلمان خان(Salman Khan) -“الخانات الثلاثة” كما يطلق عليهم – والذين يعتبرون الأنجح في تاريخ السينما الهندية، في حين أن هناك المزيد من التنوع في وجوه سينما الجنوب.
وربما كان أحدث مثال على تميز “سينما الجنوب” هو أنه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتل فيلم “ Jai Bhim” الناطق باللغة التاميلية المرتبة الأولى في تصنيف موقع IMDb لأفضل الأفلام بعد أسبوعين فقط من عرضه، متفوقا على أفلام كلاسيكية لطالما صوت لها المستخدمون لتكون في القمة، من قبيل “ Shawashank Redemption” و “ The Godfather“. ويعد احتلال الفيلم قائمة التصنيف دلالة على شعبيته الكبيرة، إذ إن موقع IMDb يعتبر أشهر المواقع الإلكترونية التي تحتوي على معلومات عن الأفلام العالمية، ويحظى بثقة عدد كبير من المستخدمين.
يتناول الفيلم الاضطهاد الذي تتعرض له طائفة “الداليت” التي تعتبر “الطائفة الدنيا” في التصنيف الديني/الطبقي عند الهندوس.
وقد يذكرنا Jai Bhim بفيلم آخر أنتجته السينما الناطقة باللغة التاميلية عام 2015 وأحدث ضجة كبيرة وحاز على إعجاب النقاد والجمهور، هو فيلم “ Visaranai” (استجواب). الفيلم مستوحى من قصة حقيقية، ويتناول قيام الشرطة بتعذيب أربعة عمال فقراء لإجبارهم على الاعتراف بارتكاب جريمة لا يعرفون عنها شيئا. الفيلم فاز بالعديد من الجوائز المحلية، فضلا عن جائزة منظمة العفو الدولية فرع إيطاليا، وكان عرضه الأول في مهرجان فينيسيا الدولي.
سحر “منبثق من الواقع”
تفاجأت من جرأة وحِرَفية طرح السينما الهندية للكثير من القضايا المهمة والحساسة في الأفلام التي شاهدتها مؤخرا. كان من بينها فيلم “Paava Kadhaigal” (حكايات الخطيئة)، وهو فيلم ناطق باللغة التاميلية بدأ عرضه على شبكة نتفليكس (Netflix) في عام 2020. الفيلم عبارة عن أربعة أفلام قصيرة منفصلة، تتناول بعض القضايا التي لا تزال تعتبر بشكل كبير من التابوهات في المجتمع الهندي، كالعلاقات المثلية والعبور الجنسي والاغتصاب والزواج بين الطوائف المختلفة و”جرائم الشرف”.
فيلم آخر لفت انتباهي هو “Super Delux” ذو الصبغة التجريبية، إذا جاز التعبير. ينتهج الفيلم طريقة سرد غير تقليدية، إذ يحكي ثلاث قصص – أو أزمات – تدور في ظروف مختلفة وبين شرائح متباينة من المجتمع الهندي، ولكنها تتقاطع بطريقة غريبة وتبدأ وتنتهي في ذات اليوم. يتطرق الفيلم، الذي يغلب عليه طابع الكوميديا السوداء، إلى قضايا حساسة كالعبور الجنسي وفساد الشرطة والخيانة الزوجية.
تقول الدكتورة هند مصطفى المختصة بقضايا المرأة، والتي تتابع السينما الهندية منذ التسعينيات: “رغم أنه من الصعب الادعاء أن السينما الهندية قد غيرت جلدها تماما، لكن يمكن القول بكل ثقة إن هناك دوائر من صناع السينما، أصبحت قادرة على إنتاج نمط جديد من السحر المنبثق عن الواقع الهندي نفسه؛ محولة التفاصيل المؤلمة والمفارقات والتناقضات والثراء الذي تتسم به الثقافة والمجتمع الهندي إلى صور إبداعية تستحق التقدير”.
وترى أن اختلاف تقييمنا للدراما الهندية من كونها أعمالا تنزع نحو الرومانسية الشديدة والمبالغات العاطفية والبطولية إلى اكتشافنا اليوم لوجه مختلف لهذه الدراما، وجه واقعي يناقش قضايا عميقة قد نصفها بأنها حساسة او شائكة، قد يفسره جزئيا اختلاف الطريقة التي يطلع بها المشاهد العربي على تلك الأعمال.
“فقديما لم تكن هناك إلا السينما التي تشتري الأعمال التجارية الكبيرة لتضمن لها توزيعا في المنطقة العربية. فضلا عن سوق الفيديو الذي كان رائجا…اليوم هناك قنوات متخصصة تنقل الدراما الهندية من أعمال تليفزيونية وسينمائية بكثافة كبيرة إلى المشاهد العربي مترجمة أو مدبلجة، وهذه القنوات تختار طائفة كبيرة من الأعمال المتنوعة التي لا تقتصر على الأفلام التجارية…أضف الى ذلك شبكة نتفليكس التي باتت تنتج وتروج عالميا لأعمال هندية ذات طابع خاص بعيدة كل البعد عن الطابع القديم”.
سينما ثورية
ثمة طائفة من المخرجين والممثلين الذين ارتبطت أسماؤهم بأعمال تمس عمق المجتمع الهندي. من بين هؤلاء الممثل الراحل عرفان خان (Irrfan Khan) الذي عمل في كل من بوليوود وهوليود، وكذلك في السينما البريطانية، وقدم مجموعة كبيرة من الأعمال المهمة من بينها على سبيل المثال فيلم Hindi Medium الذي ناقش بطريقة ساخرة القضايا الطبقية المرتبطة بنظام التعليم وما يعتريه من انقسامات حادة.
هناك أيضا نواز الدين صديقي (Nawazuddin Siddiqui) الذي يشتهر بأفلامه المستقلة، وقد احتفي به في العديد من المهرجانات الدولية. وهو الممثل الوحيد في العالم الذي شارك في ثمانية أفلام اختيرت رسميا للعرض في مهرجان “كان”، كما رشح لجائزة “إيمي” لأفضل أداء تمثيلي عن دوره في فيلم “Serious Men” (رجال جادون) الناطق باللغة الهندية. تناقش أفلام صديقي قضايا الفساد بمختلف صوره، وكذلك قضايا الطبقية المرتبطة بالطوائف وما لها من تجليات اجتماعية واقتصادية.
ولربما شعر بعض نجوم بوليوود الكبار بالغبن الفني من تلك الأعمال التي تركز على قضايا المجتمع بطريقة مختلفة عن النهج العاطفي التقليدي، ما دفعهم إلى تقديم إسهامات في هذا المجال.
من بين هؤلاء أكشاي كومار(Akshay Kumar)، وهو واحد من أهم نجوم السينما التجارية وأفلام “الأكشن” في بوليوود، والذي قدم على مدار عامين متتاليين فيلمين حول قضايا المرأة الأول هو “Toilet” عام 2017 الذي ناقش فيه معاناة النساء في الريف لرفض الكبار لاعتبارات دينية بناء مراحيض داخل المنازل، والثاني هو “Pad Man” عام 2018 الذي روى قصة حقيقية لشخص ابتكر طريقة لتصنيع الفوط الصحية بحيث تكون رخيصة ومتاحة لنساء قريته.
تقول دكتورة هند مصطفى إن القضايا المهمة في السينما الهندية الآن لا تقتصر على قضايا التعليم والفساد” وإنما تمتد لمناقشة جريئة لمسألة الطبقات والطوائف، خاصة ما يتعلق بطبقة الداليت المحتقرة اجتماعيا ودينيا، وكذلك مناقشة جريئة للعلاقة بين الرجل والمرأة، ولا سيما التراث الخاص بتحكم الرجال في النساء وفي أجسادهن، “وهذه مسائل تطرحها سينما ثورية جديدة اتخذت شكل القصص القصيرة التي يجمعها فيلم واحد، ونرى عليها أسماء متكررة كالمخرجة زويا أختر (Zoya Akhtar) والمخرج كاران جوهار (Karan Johar ) والمخرج ديباكار بانرجي (Dibakar Banerjee) وآخرون”.
ولم تقتصر الجرأة التي اكتسبتها السينما والدراما الهندية على الموضوعات والقضايا التي تطرحها فحسب، بل أيضا في طريقة العرض، حيث صارت تحتوي على مشاهد حميمية واضحة، بعد أن كانت تخلو من مجرد التقبيل حتى فترة التسعينيات.
شعبية في العالم العربي
تتمتع الأفلام الهندية بشعبية كبيرة في العالم العربي منذ عقود، حيث تعرض شاشات التلفاز العربية تلك الأفلام بمختلف أنواعها: الكوميدية، والرومانسية والخيالية وأفلام الأكشن، كما افتتحت لها قنوات عديدة متخصصة في عرضها، ويتم الاحتفاء بإنجازات السينما الهندية وتكريم روادها في بعض الفعاليات السينمائية، كما حدث في دبي والسعودية على سبيل المثال.
تقول الدكتورة هند إن “النزعة العاطفية الواضحة التي تميز تلك الأعمال، وأظن أنها نزعة حاضرة لدى المشرقيين عامة ونراها في الدراما التركية والكورية أيضا، تلقى إقبالا كبيرا لدى المشاهد العربي. هناك أيضا ما يتعلق ببنية الأسرة والعادات والتقاليد التي تجعل المشاهد يرى صورة قريبة إلى حد ما من نفسه ومن ثقافته في تلك الأعمال”.
كما أن للقصص الرومانسية والاستعراضات المبهرة دورا في جذب المشاهد العربي، فضلا عن الحضور المتميز للثقافة الإسلامية داخل الهند “الذي ترك بصمته في اللغة التي يحمل كثير من مفرداتها كلمات عربية تلفت الأذن، كما تركها في التراث المعماري والثقافة بعامة”.
“فيلم هندي”
لطالما استخدم مصطلح “فيلم هندي” في عدد من البلدان العربية للسخرية من الروايات أو المواقف التي تستعصي على التصديق، لما تتضمنه من أمور تتنافى مع العقل و المنطق. ذلك لما كانت تحتويه الأفلام الهندية من مشاهد وقصص لا معقولة، من قبيل أن يحمل البطل تمساحا فوق ظهره، أو أن يُصفع شخص بقوة هائلة تجعل رقبته تدور 180 درجة. ولكن مع التغير الذي طرأ على السينما والدراما الهندية شكلا وموضوعا، هل تتلاشى دلالات هذا المصطلح؟
تقول النجمة الهندية المخضرمة راتنا باتاك شاه ( Ratna Pathak Shah) في تصريحات أدلت بها مؤخرا لصحيفة إنديان إكسبريس (Indian Express) إن وجود جيل جديد من صناع السينما قادر على تقديم قصص جريئة، يجعلها تتفاءل بمستقبل السينما الهندية.
تضيف شاه: “كنا حقا مثارا للسخرية، لكننا لم نعد كذلك اليوم. لقد صرنا نأخذ أنفسنا على محمل الجد، وآمل أن يأخذنا العالم على محمل الجد أيضا. لا زلنا نعاني من بعض السلبيات، لكننا على الطريق الصحيح”.
[ad_2]
Source link